دعت عضو البرلمان البريطاني، كلوديا ويب، الدول الغربية إلى "فرض عقوبات فورية على إسرائيل، وقطع كامل لإمدادات السلاح والدعم المالي، حتى توقف جرائمها غير المسبوقة ومعاملاتها غير الإنسانية للفلسطينيين".

وأضافت ويب، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "لقد استمر نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لعدة عقود، لكن عندما بدأ هذا النظام يتعرض لعقوبات، ويتغير ضده الرأي العام الدولي، سقط بسرعة الصاروخ".



وأشارت إلى أن "الوضع في غزة مروّع جدا، القصف الإسرائيلي حوّل المستشفيات إلى مشهد من الرعب، والوضع العام يشبه (يوم القيامة)"، مُشدّدة على أن "ذبح سكان غزة كشف عن الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية للنظام الإسرائيلي".


وذكرت أن "بريطانيا كانت مسؤولة بشكل مباشر عن وعد بلفور، وبالتالي فهي المسؤولة حقا عما آل إليه وضع الصراع الراهن بين إسرائيل وفلسطين. ولذا يجب على المملكة المتحدة أن تتحرك وتتصرف لإحلال السلام وإيقاف الحرب والصراع، بينما للأسف هذا لا يحدث على أرض الواقع".

وصدر وعد بلفور عام 1917، وكان عاملا رئيسيا في إقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية عام 1948؛ حيث منحت بريطانيا بموجبه أرض فلسطين "التي لا تملكها"، للحركة الصهيونية "التي لا تستحقّها"، لإقامة "وطن قومي لهم".

وأكدت ويب أن "صورة إسرائيل تضرّرت جراء العدوان الحالي على غزة بطريقة قد لا تتعافى منها أبدا. على الأقل سيستغرق الأمر عقودا للتعافي منها؛ حيث تعتمد إسرائيل إلى حد كبير على قدرتها على تقديم نفسها باعتبارها امتدادا للديمقراطية والقيم الغربية، لكن ذلك الوهم تبدّد لدى معظم الناس العاديين في الديمقراطيات الغربية".

وتابعت: "من غير المقبول أن تصبح حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة شاذتين عن موقع باقي الحكومات؛ فمؤخرا قامت الأمم المتحدة بالتصويت على وقف إطلاق النار، وأظهر هذا التصويت أن معظم الحكومات تريد إنهاء هذه المذبحة، لكن أمريكا تُصرّ على معارضة ذلك بينما تقوم بريطانيا بالامتناع عن التصويت كالعادة، وهو ما يجلب العار لهما".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تنظرين إلى الوضع الحالي في غزة الآن؟


إن الوضع في غزة مروّع جدا، حيث سقط عشرات الآلاف من القتلى الأبرياء وعدة آلاف آخرين من الجرحى.

لقد حوّل القصف الإسرائيلي المستشفيات إلى مشهد من الرعب، حيث يعاني أكثر من 7 من كل 10 من سكان غزة من الجوع الشديد وتكافح المساعدات من أجل الدخول.

كان الناس ينتظرون الموت بصمت، وقد أوضحت إسرائيل نيتها بشكل واضح للغاية، وكل هذا يرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقد ذكرت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان أن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي تحدث بدعم من حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الوقت الفعلي مع القليل من الاهتمام حتى بحياة وسلامة الرهائن الإسرائيليين.

لماذا تقدمتم بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل؟

كما تعلمون؛ فإن إسرائيل ارتكبت وتواصل ارتكاب جرائم حرب بما في ذلك الإبادة الجماعية وفقا لتقييم الخبراء القانونيين والمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان بما في ذلك النشطاء اليهود ومنظمات حقوق الإنسان.

يجب أن يكون هناك تحقيق ومحاسبة مناسبين، ويوضّح الذين وقّعوا معي على الشكوى جهات من جميع أنحاء العالم أن هذه مسألة جدية تتعلق بالعدالة، وليست موقفا أو لفتة سياسية.

وأرى أنه إذا اقتضى الأمر يجب أن يتم توقيف القيادة السياسية الإسرائيلية بسبب ما ارتكبوه من جرائم وانتهاكات؛ فالمحاكم الدولية يجب أن تتصرف وتقوم بدورها وتنفذ المسؤوليات المنوطة بها، من أجل تحقيق العدالة المنشودة.

هل هناك خطوات أو تحركات جديدة ستقومون بها ضد إسرائيل خلال الأيام المقبلة؟

نعم، أعتقد ذلك، سأعمل مع البرلمانيين والمشرّعين الآخرين في جميع أنحاء العالم الذين صوّتت بلدانهم لصالح وقف فوري لإطلاق النار للضغط على حكومتهم للتنديد بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.

وتُعتبر الدول القومية هي الوحيدة القادرة على القيام بذلك، وبالتالي نحتاج إلى دول الجنوب العالمية بشكل رئيسي التي تسلط الضوء أو تدعو إلى وقف إطلاق النار منذ اليوم الأول للتحقيق في هذا العمل. ومن غير الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة إلى هذا الأمر، ومن غير المرجح أن تفعل المملكة المتحدة ذلك. ومن ثم فإن حملتي مع البرلمانيين في جميع أنحاء العالم تسعى لتحديد أفضل طريق لتحقيق ذلك والاحتكام إليه في أسرع وقت ممكن.

برأيكم، ماذا حققت إسرائيل بعد 85 يوما من الحرب على غزة؟

بعد 85 يوما من الحرب على غزة، حققت إسرائيل في نظري جريمة قتل جماعي وسحق مكانتها الدولية في نظر أعداد كبيرة من الجمهور حول العالم. لقد كشف ذبح سكان غزة عن الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية للنظام الإسرائيلي؛ حيث تحدث الوزراء الإسرائيليون علنا عن مجلس إدارة جديد وإزالة سكان غزة. إنهم يريدون حرفيّا دفع شعب غزة إلى صحراء سيناء المصرية.

لقد تعرّض الفلسطينيون للقمع والقتل لعقود من الزمن. لكن حجم المذبحة الأخيرة فتح أعين الملايين من الشعوب.

هل ستنجح إسرائيل في خططها لتهجير سكان غزة؟

آمل بشدة ألا يحدث ذلك. ولكن هذه بالتأكيد نية نظام نتنياهو.

وتنامي النفور العالمي بأن الثمن الاقتصادي والسياسي قد يكون أعلى مما تستطيع  كل من الولايات المتحدة وحكومة المملكة المتحدة دفعه. لكن إذا استمروا في التواطؤ علنا أو سرّا مع جرائم الحرب وما يطلق عليه الكثيرون الإبادة الجماعية، سيبدو المستقبل غامضا، ولكن الفرصة الوحيدة تتمثل في الانتفاضات والحركات الشعبية المنسقة التي لا عودة عنها، وتكثيف حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات على مستوى العالم.

إلى أي مدى تحترم إسرائيل القوانين الإنسانية الدولية، ولماذا لا تأبه بالانتقادات الموجّهة إليها؟

أعتقد أن إسرائيل معتادة منذ فترة طويلة على دعم الحكومات الغربية الدولية، ويخاف الكثير من الأشخاص من اتهامهم بمعاداة السامية إذا انتقدوا تصرفات الحكومة الإسرائيلية، وأعتقد أن هناك عنصرا من الرضا عن النفس يأتي مع ذلك.

أعتقد أن إسرائيل يمكنها أن تفعل ما تريد دون تحمل مسؤولية تصرفاتها؛ حيث يتسم النظام الحالي بالنرجسية وهو مصمم على فعل ما يريد بغض النظر عن النفوذ الدولي أو التحديات القائمة.

أما خارج إسرائيل؛ فإن التعليقات حول الأخلاقيات التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تشير إلى أنهم قلقون للغاية بشأن الرأي العام، ولا سيما بين الشباب الذين هم أقل رغبة في تجاهل المعاناة التي ألحقها الإسرائيليون وما وصفته منظمة مثل منظمة العفو الدولية بنظام الفصل العنصري الواضح الذي يفرضه الإسرائيليون ويقضي بالتعامل مع الفلسطينيين بطريقة غير إنسانية.

هل إسرائيل ستستطيع تحسين صورتها في أعقاب انتهاء العدوان على غزة؟

أعتقد أن صورة إسرائيل قد تضرّرت بطريقة قد لا تتعافى منها أبدا، على الأقل سيستغرق الأمر عقودا للتعافي منها؛ حيث تعتمد إسرائيل إلى حد كبير على قدرتها على تقديم نفسها باعتبارها امتدادا للديمقراطية والقيم الغربية.

لكن معظم الناس العاديين في الديمقراطيات الغربية يؤيدون تماما فكرة التواطؤ في الإبادة الجماعية وجرائم الحرب الأخرى. لكن ذلك الوهم تبدّد من خلال تقييم السياسة الأمريكية للموقف الدولي بشكل عام، والموقف البريطاني بشكل خاص، فيما يتعلق بالحرب على غزة، وتحتاج الولايات المتحدة إلى إسرائيل لحماية القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، وبالتالي تعتبر إسرائيل، كما كانت دائما، الوكالة الرقابية الأمريكية في الشرق الأوسط.

إن إسرائيل حليف موثوق به من شأنه أن يساعد الولايات المتحدة في تشكيل الدول العربية بما يخدم مصلحة الولايات المتحدة، وتعد إسرائيل من بين أكبر عشر مناطق عسكرية في العالم؛ فهي تنتج أسلحة عالية التقنية وبرامج تجسس للمراقبة.

في مدينة ليستر (شمال العاصمة البريطانية لندن)، كانت هناك حملات لإغلاق مصنع إلبيت سيستمز المتخصص في العديد من الأسلحة والأنظمة التقنية الذكية والتجسسية لصالح القوات الإسرائيلية؛ حيث كانت تتلقى إسرائيل منذ سنوات عديدة التمويل من قِبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

ومنذ وعد بلفور لسنة 1917، كانت إسرائيل عبارة عن دولة محمية من قِبل الغرب، وخاصة بعدما أزاحت أمريكا بريطانيا من مكانها كأكبر قوة إمبراطورية على الأرض بعد الحرب العالمية الثانية وما زالت الولايات المتحدة تحافظ على هذه المكانة وإسرائيل معتمدة على ذلك، ولكن البعض يسأل بأي ثمن؟ وبأي تكلفة؟، قد يكون الثمن هو الألم الضخم الذي يتكبده الفلسطينيون من دمائهم والاستيلاء على أراضيهم.

أنا أؤمن إن موقف الحكومة المحافظة البريطانية، وموقف قيادة حزب العمال المعارض، هو موقف مروّع ومقزّز من دعمهم لما تفعله إسرائيل ودعواتهم لإسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي، بينما يدعمون خرقها لنفس القانون.

ومن غير المقبول أن تصبح حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة شاذتين عن موقع باقي الحكومات؛ فمؤخرا قامت الأمم المتحدة بالتصويت على وقف إطلاق النار وتقديم مساعدة إنسانية لائقة، وأظهر هذا التصويت أن معظم الحكومات حول العالم يريدون إنهاء هذه المذبحة التي تجري للمدنيين الأبرياء وإزالة نتائجها الظالمة، لكن الولايات المتحدة تُصرّ على معارضة ذلك بينما تقوم بريطانيا بالامتناع عن التصويت كالعادة، وهو ما يجلب العار لهما.

ما تقييمكم للموقف البريطاني من العدوان الإسرائيلي على غزة؟

نحن بحاجة للمزيد من الضغوط على رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وعلى الحكومة البريطانية، وعلى رئيس حزب العمال البريطاني كير ستارمر؛ فلا يمكن لبريطانيا أن تقف متفرجة أمام تلك الانتهاكات الفظيعة، ويجب أن تقف في وجه الولايات المتحدة، ولا بد لها أن تدعم وقف دائم لإطلاق النار، ويجب ممارسة كل الضغوط لإنهاء تلك الحرب وإيقاف هذه الفظاعات؛ فالوضع العام يشبه "يوم القيامة"، خاصة أن بريطانيا كانت مسؤولة بشكل مباشر عن وعد بلفور، وبالتالي فهي المسؤولة حقا عما آل إليه وضع الصراع الراهن بين إسرائيل وفلسطين. ولذا يجب على المملكة المتحدة أن تتحرك وتتصرف لإحلال السلام وإيقاف الحرب والصراع، بينما للأسف هذا لا يحدث على أرض الواقع.

هل الرأي العام البريطاني مع أم ضد وقف دائم لإطلاق النار في غزة؟

أستطيع أن أخبركم أن الرأي العام البريطاني في الغالب يقف مع وقف إطلاق النار، وهو ما يظهر في مواقع التحليلات السياسية، وآخر استطلاع رأي يظهر أن ثلاثة أرباع الرأي العام يريدون وقف إطلاق النار بشكل فوري، وهناك الملايين الذين يتظاهرون في كل أنحاء الدولة كل أسبوع ويجعلون من الصعب جدا على العامة ألا يكونوا واعين بهذه القضية.

ما الذي تستطيع الدول الغربية فعله إذا رفضت إسرائيل وقف إطلاق النار؟

على الدول الغربية أن تفرض عقوبات فورية على إسرائيل وقطع كامل لإمدادات السلاح والدعم المالي، بينما لن يفعلوا ذلك بالطبع؛ لكن النفاق الذي يتسم به موقفهم يتضح بشكل كامل من خلال الدعم العالمي لأوكرانيا خلال الغزو الروسي.

بالتالي هل تخلى المجتمع الدولي عن حماية المدنيين الفلسطينيين؟

لا؛ فأنا أعتقد أن الرأي العام العالمي أكثر اتحادا تحديدا في مساعدة الشعب الفلسطيني عما كان عليه سابقا، وأن تصويت الأمم المتحدة على وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية يظهر أن المستوى الحكومي للكثير من الدول يتوافق مع ذلك أيضا، رغم أن رغبة الكثيرين في السلام والعدل يتم تهديدها من قِبل العديد من أفراد النخبة السياسية المعروفين بأنهم يسمحون بل ويقدمون المساعدة النشطة لما تفعله إسرائيل وإغلاق أعينهم عن آثار هذه الأفعال.

في رأيكِ، كيف يمكن إنهاء المأساة الإنسانية في غزة؟

للرد على ذلك سأقول بكل قسوة أنه بسبب أن الرغبة في مساعدة إسرائيل متأصلة بعمق في المستوى السياسي في القليل من الدول القوية وصاحبة التأثير أنه في النهاية سيكون الأمل لغزة يأتي من ثبات أهلها ونمو رفض رأي العام العالمي للصمت تجاه الانتهاكات والجرائم المضادة للإنسانية في غزة.

إذا كان هناك عدد كافٍ من الناس يعلن رفضه لما يحدث في غزة، ومع حرص العديد من الحكومات على عدم فقدان شعبيتها إذن ستكون هناك فرصة لكي تقوم هذه الحكومات باتخاذ الموقف الصحيح بشكل فردي وجماعي باتخاذ موقف ما نزعم أنه موقف صحيح وإعلان العقوبات على إسرائيل حتى توقف معاملاتها غير الإنسانية والجرائم .

لقد استمر نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لعدة عقود، لكن عندما بدأ هذا النظام يتعرض لعقوبات، ويتغير ضده الرأي العام الدولي، سقط بسرعة الصاروخ.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مقابلات إسرائيل غزة بريطانيا بريطانيا إسرائيل غزة الجنائية الدولية المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة المملکة المتحدة وقف إطلاق النار على إسرائیل الرأی العام وعد بلفور أعتقد أن سکان غزة على غزة من غیر یجب أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟

توقع تقرير  لبنك قطر الوطني تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة بشكل أكبر خلال العام المقبل، مدفوعاً بتطبيع استخدام الطاقة الإنتاجية، وتعديلات تكلفة الإسكان، واحتمال ضبط الأوضاع المالية العامة خلال ولاية ترامب الثانية مع تولي بيسنت منصب وزير الخزانة.

وقال التقرير تحت عنوان " هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟  بعد أن بلغ ذروته عند 5.6% سنوياً قبل أكثر من 30 شهراً في يونيو 2022، عاد التضخم في الولايات المتحدة تدريجياً ليقترب من نسبة 2% المستهدفة في الأشهر الأخيرة. وكان هذا إنجازاً كبيراً لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومبرراً لبداية دورة التيسير النقدي في شهر سبتمبر من العام الجاري، عندما تم إقرار تخفيضات أسعار الفائدة لأول مرة منذ بداية الجائحة في عام 2020.

وعلى الرغم من النجاح والتقدم في السيطرة على التضخم، فإن المخاوف بشأن أسعار المستهلك في الولايات المتحدة لا تزال تلقي بظلالها على أجندة المستثمرين. في الأسابيع الأخيرة، أدت بيانات التضخم الأعلى من المتوقع و"الاكتساح الجمهوري"، مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية وهيمنة حزبه على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، إلى مخاوف بشأن توقعات التضخم. والأهم من ذلك، أن المقياس الرئيسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو التضخم الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي، والذي يستثني الأسعار المتقلبة للطاقة والمواد الغذائية من المؤشر، لا يزال أعلى من النسبة المستهدفة. وهناك مخاوف من أن "الجزء الأخير" من عملية السيطرة على التضخم قد لا يكون سهلاً كما كان متوقعاً في السابق، وأن "النسخة الثانية من سياسة أمريكا أولاً" قد تؤدي إلى زيادة التضخم، بسبب التوسع المالي وارتفاع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة.

وأوضح تقرير QNB أن احتمالية ارتفاع التضخم أدت بالفعل إلى تغيير كبير في التوقعات المرتبطة بحجم ووتيرة التيسير النقدي الذي سينفذه بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2025. ففي غضون أسابيع قليلة، خفض مستثمرو أدوات الدخل الثابت توقعاتهم بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من 150 نقطة أساس إلى 50 نقطة أساس فقط، مما يشير إلى أن سعر الفائدة الأساسي على الأموال الفيدرالية سيستقر في نهاية العام المقبل عند 4% بدلاً من 3%

 

ويرى التقرير أنه بغض النظر عن جميع المخاوف والصدمات المحتملة التي قد تؤثر على الأسعار الأمريكية، فإننا نعتقد أن التوقعات المرتبطة بالتضخم في الولايات المتحدة إيجابية، بمعنى أن التضخم سيعود تدريجياً إلى النسبة المستهدفة (2%) ما لم تحدث أي تطورات جيوسياسية كبيرة أو تصدعات في السياسة الأمريكية. 

ويوضح أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم وجهة نظرهم وهي:

أولاً، شهد الاقتصاد الأميركي بالفعل تعديلات كبيرة في الأرباع الأخيرة، الأمر الذي ساهم في تخفيف حالة نقص العرض وارتفاع الطلب التي كانت تضغط على الأسعار. ويشير معدل استغلال الطاقة الإنتاجية في الولايات المتحدة، قياساً بحالة سوق العمل والركود الصناعي، إلى أن الاقتصاد الأميركي لم يعد محموماً. بعبارة أخرى، هناك عدد مناسب من العمالة لفرص العمل المتاحة، في حين أن النشاط الصناعي يسير دون اتجاهه الطويل الأجل. وتأقلمت سوق العمل بالكامل وهي الآن عند مستوى طبيعي، حيث بلغ معدل البطالة 4.1% في أكتوبر 2024، بعد أن كان قد بلغ أقصى درجات الضيق في أوائل عام 2023 عندما تراجع بكثير من مستوى التوازن إلى 3.4%. وتدعم هذه الظروف التخفيف التدريجي لضغوط الأسعار.

ثانياً، سيصبح انخفاض التضخم في أسعار الإسكان مساهماً رئيسياً في انخفاض التضخم الإجمالي في الأرباع القادمة. يمثل الإسكان ما يقرب من 15% من مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، ويشمل الإيجار أو، إذا كانت الوحدة السكنية مملوكة للمالك، ما قد يكلفه استئجار وحدة مماثلة في سوق الإسكان الحالية. بلغ التضخم في الإسكان ذروته عند 8.2% في أبريل 2023، حيث تأخر كثيراً عن ذروة التضخم الإجمالي، مما يعكس "ثبات" الأسعار، نظراً لأن العقود تستند إلى الإيجار السنوي. لذلك، تتفاعل الأسعار بشكل أبطأ حيث عادة ما يظهر تأثير تغير الأوضاع الاقتصادية الكلية عليها بشكل متأخر. انخفض تضخم الإسكان بوتيرة ثابتة منذ منتصف عام 2023 وهو حالياً أقل من 5%. تُظهر مؤشرات السوق للإيجارات المتعاقد عليها حديثاً، والتي تتوقع الاتجاهات في الإحصائيات التقليدية، أن تضخم الإيجار أقل من مستويات ما قبل الجائحة. وهذا يشير إلى أن مكون الإسكان في الأسعار سيستمر في التباطؤ في عام 2025، مما يساعد في خفض التضخم الإجمالي.

ثالثاً، غالباً ما يتم المبالغة في المخاوف بشأن الطبيعة التضخمية للنسخة الثانية من سياسة الرئيس ترامب الاقتصادية "أميركا أولاً". ستبدأ إدارة ترامب الجديدة في ظل بيئة وطنية ودولية مختلفة تماماً عن ظروف الولاية السابقة في عام 2016، حيث سيكون نطاق التحفيز المالي الكبير مقيداً أكثر. لقد اتسع العجز المالي الأميركي بالفعل بشكل كبير من 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016 إلى 6% في عام 2024، مع زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة من أقل من 100% إلى ما يقرب من 125%. وأعرب وزير الخزانة القادم، سكوت بيسنت، الذي يعتبر "أحد الصقور" في القطاع المالي، بالفعل عن نيته "تطبيع" العجز إلى 3% بحلول نهاية الولاية. بعبارة أخرى، سيتم تشديد الأوضاع المالية أكثر بدلاً من تخفيفها، وهو ما من شأنه أن يساهم في إبطاء ضغوط الأسعار، على الرغم من أي تأثيرات ناجمة عن سياسات التعريفات الجمركية والهجرة التي لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها بالكامل بعد. 

مقالات مشابهة

  • وزارة الشؤون الاجتماعية تحل جمعية تابعة لأسماء الأسد
  • رسميا.. الولايات المتحدة تعتمد النسر الأصلع طائرا وطنيا
  • دعاوى بريطانية لرفض عودة أسماء الأسد إلى المملكة المتحدة
  • خبير عسكري: إسرائيل تحاول الالتفاف على بنود اتفاق وقف النار مع لبنان| فيديو
  • فيديو| محتجون في بنما يحرقون صور ترامب وعلم الولايات المتحدة
  • مباحثات أوكرانية بريطانية حول مواصلة دعم كييف في حربها ضد روسيا
  • إسرائيل تتبنى رسميًا اغتيال إسماعيل هنية وتهدد بقطع رؤوس قادة الحوثيين
  • الكرملين يعلق على أنباء طلب أسماء الطلاق وفرض قيود على تحركات الأسد
  • هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟
  • إيمان أهل غزة يدفع متظاهرة بريطانية لاعتناق الإسلام