آلة التدمير الصهيونية تهدّد لبنان بعد غزة
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
قبل أسبوعين، قدّرنا في ضوء الدلائل المتوفرة آنذاك أن جيش الاحتلال سوف يوقف القصف الكثيف في مستهل هذا العام الجديد، وينتقل إلى خوض «حرب متدنية الشدة» تكون الغاية منها إحكام السيطرة على معظم أراضي القطاع التي وقعت تحت هيمنته واستئصال من بقي فيها من مقاومين وتدمير ما لا يزال تحت سطح الأرض فيها من شبكة أنفاق (أنظر «في سبر آفاق العدوان على غزة» «القدس العربي» 19/12/2023).
والحقيقة أن الدولة الصهيونية لا تستطيع أن تستمر طويلاً في خوض حرب بمثل كثافة تلك التي خاضتها منذ «طوفان الأقصى» لأسباب بشرية واقتصادية. ذلك أنها دولة صغيرة نسبياً، لا يزيد عدد سكانها اليهود سوى قليل عن سبعة ملايين، منهم مليون ونصف من الرجال في سن الخدمة العسكرية (ينضاف إليهم مليون ونصف من النساء اللواتي لم يُزجّ بهنّ في الحرب حتى الآن). فلا تستطيع أن تستمر في تعبئة ما يناهز نصف المليون من الاحتياطيين لمدة طويلة، إذ يشكّل ذلك عبئاً بشرياً ثقيلاً على المجتمع الإسرائيلي وعبئاً اقتصادياً أثقل بعد.
فقد كلّفت الحرب حتى نهاية العام المنصرم، أي خلال أقل من ثلاثة أشهر، ما يناهز عشرين ملياراً من الدولارات حسبما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» عن نائب سابق لمحافظ المصرف المركزي الإسرائيلي، أي بمعدّل يقترب من ربع مليار دولار باليوم، وهي كلفة باهظة بالنسبة لاقتصاد البلاد.
هذا ويقدّر الحكم الصهيوني أن الحرب بمجملها، التي أكّد رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو يوم السبت الماضي أنها سوف تدوم سنة على الأقل، سوف تكلفه حوالي خمسين ملياراً من الدولارات (أي ما يناهز عِشر الناتج المحلّي الإجمالي الإسرائيلي).
ما يزيد من عزم نتنياهو وحلفائه في أقصى اليمين الصهيوني على مواصلة الحرب بكثافة منخفضة طيلة العام الجديد، إنما هو مراهنتهم على فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخريف القادم، بحيث يصبح أمامهم ضوء أخضر لاستكمال «النكبة الثانية» بالاستيلاء النهائي على قطاع غزة وضمه إلى دولتهم. وإذ يتكّلون على التمويل الأمريكي للتخفيف من وطأة الحرب على اقتصادهم، لا بدّ لهم من تخفيف تكاليفها كي يستطيعوا الاستمرار بها خلال الأشهر القادمة كما ينوون.
بيد أن الحكم الصهيوني يخطط في الوقت ذاته لحملة قصف كثيفة ثانية تبدأ بعد تخفيض كثافة حملته على غزة. والحال أن تقارير ذكرت خلال أيام العدوان الجديد الأولى أن وزير «الدفاع» الصهيوني، الفريق أول السابق يوآف غالانت، عضو حزب الليكود ومنافس نتنياهو، كان قد أراد لإسرائيل أن تهاجم «حزب الله» في لبنان بالتزامن مع هجومها على «حماس» في غزة. ومعروف عن غالانت أنه من دعاة «استراتيجية الضاحية» التي جرى تطبيقها للمرة الأولى خلال العدوان على لبنان في عام 2006 والتي تقوم على الردّ على كل من يهدّد أمن إسرائيل ردّاً كاسحاً مدمّراً بما يشكّل ردعاً له. وقد أشرف غالانت بصفته رئيساً للقيادة الجنوبية بين عامي 2005 و2010 على تطبيق تلك العقيدة في العدوان الفتّاك على غزة الذي دام ثلاثة أسابيع بين نهاية عام 2008 والشهر الأول من عام 2009.
هذا وقد سبق لوزير «الدفاع» الصهيوني في الصيف الماضي أن هدّد بإرجاع لبنان إلى «العصر الحجري». كان ذلك إثر تفقده لمنطقة مزارع شبعا على الحدود اللبنانية ورؤيته لخيمة أقامها «حزب الله» هناك، وقد قال آنذاك: «أحذّر حزب الله ونصر الله ألا يخطئا. لقد ارتكبتم أخطاءً في الماضي ودفعتم ثمناً باهظاً للغاية. إذا ما حصل هنا، لا قدر الله، تصعيد أو مواجهة، سنعيد لبنان إلى العصر الحجري». ثم تابع مكرّراً: «أحذر حزب الله وزعيمه: لا تخطئوا. لن نتردّد في استخدام كل قوتنا، وتدمير كل متر يخص حزب الله ولبنان إذا اضطررنا لذلك». وأضاف أنه «عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، نحن جميعاً متحدون». وقد جاء هذا الكلام الأخير ردّاً على تأكيد أمين عام «حزب الله» على أن إسرائيل ضعُفت بسبب أزمتها السياسية.
هكذا بات احتمال شنّ الدولة الصهيونية عدواناً كثيفاً جديداً على لبنان احتمالاً مرتفعاً للغاية، وهي تُحرج «حزب الله» بمطالبته بالانسحاب إلى شمالي نهر الليطاني، إذ إن من شأن انصياعه أن يُفقده ماء الوجه بينما رفضه الانصياع من شأنه أن يحمّله مسؤولية التسبّب بعدوان مدمّر جديد على لبنان ومناطق انتشار الحزب على الأخص. فهكذا يكون تدخّل الحزب المحدود إثر «طوفان الأقصى» قد ارتدّ عليه، إذ يكون قد فوّت فرصة إجبار إسرائيل على خوض حرب كثيفة على جبهتين، فإذا بها تهدّده اليوم بالانتقال إلى قصف كثيف للساحة اللبنانية مستفردة إياها بعد الانتهاء من قصفها الكثيف لغزة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الحرب نتنياهو لبنان لبنان غزة نتنياهو الحرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله
إقرأ أيضاً:
حركة حماس وحزب الله .. تأكيد الرفض لأي تسوية وفقًا لإملاءات العدو الصهيوني وأي شروط استسلامية
يمانيون /
مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة ولبنان، تتواصل المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبين حزب الله وكيان العدو الصهيوني، وسط رفض متزايد من حركة حماس وحزب الله لأي تسوية وفقًا لإملاءات الكيان الغاصب ورفض أي شروط استسلامية.
وانتهت المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة قبل أن تُستكمل، وبالنسبة إلى حزب الله، في الأساس لم يكن الحزب قد بنى آمالاً على إمكانية نجاحها، فهو يعتبر أن بنيامين نتنياهو لا يريد وقف الحرب ولا وقف إطلاق النار الدائم.
ويرتكز الحزب في قراءته على مواقف نتنياهو ومنهجيته، وعلى كلمة مفتاحية قالها في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، بأنه سيواصل الحرب إلى حين “القضاء” على الراديكالية والواقع العسكري في غزة.
وهذا يعني أن الحرب ستكون طويلة وتحتاج إلى سنوات، في حين يعتبر حزب الله أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال توفر الغطاء الكامل لنتنياهو، على الرغم من تراجعه في أكثر من مرّة عن ما تم الاتفاق عليه مسبقاً، بما في ذلك المقترح الذي وافقت عليه الحركة في 2 يوليو 2024.
وفي جولة المفاوضات الأخيرة في قطر، جدد الصهاينة فرض شروطهم بعدم الانسحاب من محور فيلادلفيا، ومعبر رفح، ومعبر نتساريم، أي عدم الانسحاب العسكري من قطاع غزة، بينما تتمسك حركة حماس بهذا المطلب.
ورفضت حماس هذه الشروط بشكل كامل واعتبرتها تغييراً لما كان قد اُتفق عليه سابقاً، ووصفت ما يجري بأنه وضع شروط استسلامية على الحركة.
وفي المفاوضات التقنية التي شهدتها القاهرة بين الجيش المصري ووفد من جيش العدو الصهيوني والشاباك لم يتم الوصول إلى أي اتفاق بِشأن محور فيلادلفيا، إذ أصر الصهاينة على بقائهم هناك.
وبالتزامن مع وصول وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، سُرِّبت المقترحات الأمريكية الصهيونية لوقف إطلاق النار، وهي لا تحظ أن يكون وقف إطلاق النار دائماً، بل تبُقي التفاوض حول ذلك للمرحلة الثانية من إنجاز الاتفاق، وهذا يعني اللجوء إلى الموافقة على المرحلة الأولى من الهدنة لمدة ستة أسابيع يُطلق خلالها سراح الأسرى، وبعدها يواصل نتنياهو الحرب والعمليات العسكرية، ويستكمل التفاوض تحت الضغط العسكري حول وقف إطلاق النار الدائم، وهذا ما رفضته حركة حماس بشكل كامل.
وينص المقترح على أنه يتم التفاوض حول وقف إطلاق النار لفترة محددة، خصوصاً أن نتنياهو لا يزال يطالب بالحصول على تعهد أمريكي بدعمه لمواصلة الحرب بعد الهدنة.
كما أن الاتفاق ينص على مراقبة صهيونية لعمليات إدخال المساعدات، وتمسك الكيان الصهيوني بمراقبة وتفتيش الفلسطينيين الذين سيعودون من الجنوب إلى الشمال عبر معبر نتساريم الذي يقسم القطاع إلى قسمين.
كما عاد الكيان الصهيوني إلى رفع عدد الأسرى الذين يطالب بإبعادهم إلى 150 أسيراً، ورفض التفاوض على إعادة الإعمار، وطلب تأجيله إلى المرحلة الثانية.
كما أن المقترح لا يتضمن أي إشارة لانسحاب الكيان الصهيوني من القطاع في المرحلة الثانية من الاتفاق أو الهدنة.
وكل هذه الشروط رفضتها حماس، واعتبرت أنها شروط استسلامية، وأن نتنياهو يريد أن يكرّس في المفاوضات والسياسة والاتفاق ما يسعى إلى تحقيقه بالحرب والعمليات العسكرية.
وهذه الشروط أيضاً أججت الخلاف في الكيان الصهيوني بين نتنياهو ووزرائه وجيشه، وصولاً إلى تهديد رئيس الأركان بالاستقالة في حال عدم الموافقة على الصفقة، خصوصاً أن جيش العدو الصهيوني قدم تقريراً للحكومة بأنه لا حاجة للتمسك بالبقاء في محور فيلادلفيا بل يمكن العودة إليه في الوقت الذي تريده، لكن نتنياهو رفض ذلك، وأصر على البقاء في المحور.. كذلك وزير الحرب السابق يوآف غالانت في حينه وجه اتهامات لنتنياهو بأنه هو الذي يعرقل الصفقة.
وفي الشأن اللبناني مع الكيان، في الوقت الذي يسعى فيه البعض للتوصل إلى تسوية سياسية تهدف إلى تهدئة الأوضاع، يرى حزب الله أن الكيان الصهيوني ليس في موقف يمكّنه من فرض شروط على لبنان، ويؤكد ضرورة أن تكون أي تسوية في مصلحة لبنان أولًا، بعيدًا عن الهيمنة الصهيونية.
ويرى خبراء أن الكيان الصهيوني يسعى إلى فرض شروط غير مقبولة على لبنان عبر الأمم المتحدة والقوات الدولية (اليونيفيل)، بهدف شن عمليات عسكرية مفتوحة ضد حزب الله كما يرغب الكيان الغاصب من الجيش اللبناني واليونيفيل تنفيذ ما فشلا في تحقيقه، وهو نزع سلاح عناصر حزب الله في منطقة جنوب الليطاني”.. مؤكدين أن الاستسلام لهذه الشروط يمثل تجاوزًا لكل تضحيات المقاومة اللبنانية.
ويعتقد الخبراء أن هذه التصورات تهدف إلى “تنظيم خطاب الكيان الصهيوني في الحرب ضد لبنان وتحديد أهداف غير واقعية”.. وبحسب الخبراء، فإن المطالب الصهيونية تمثل تحديًا للكرامة اللبنانية، حيث إن “الاستسلام بعد كل ما حدث من تضحيات هو أمر مستحيل وغير مقبول”، كما أن أي تسوية تتم وفق هذه الشروط لا يمكن أن تُقبل.
ويأتي رفض حزب الله للمقترحات الصهيونية المتعلقة بوقف إطلاق النار بحسب الخبراء لأن الكيان الصهيوني في وضع لا يُسمح له بفرض شروط” على لبنان، وحزب الله لن يقبل بأي اتفاق يعطي الجيش اللبناني مهمة تدمير البنية التحتية للحزب في جنوب الليطاني.
ويرى الخبراء أن هذا سيكون بمثابة تحويل الجيش اللبناني إلى “ذراع صهيونية” لتحقيق أهدافها، كما أشاروا إلى أن أحد البنود التي تضمنتها المقترحات الصهيونية، التي تسمح للكيان الغاصب بـ”حماية نفسها من حزب الله” عبر العمل العسكري داخل لبنان، غير مقبول، لأن ذلك سيعطي الكيان الحق في التسلل وشن عمليات اغتيال واختطاف وهجمات داخل الأراضي اللبنانية تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”، واعتبر حزب الله هذا البند بمثابة “إذعان للهيمنة الصهيونية على لبنان”.
ويؤكد الخبراء أنه لا يزال هناك تشاؤم كبير داخل لبنان بشأن إمكانية الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف.
وفيما تتواصل المحادثات، يُبدي حزب الله قلقًا من أن تكون الضغوط الأمريكية سببًا في دفع لبنان إلى القبول بشروط صهيونية قد لا تضمن السيادة الوطنية للبنان.
وفي ظل هذه الأجواء المتوترة، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، أعطى موافقته على الخطوط العريضة لاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار في الشمال اللبناني.
وبحسب التقرير، قدّم وزير الشؤون الاستراتيجية الصهيوني، رون ديرمر، هذه المقترحات خلال لقاء مع ترامب هذا الأسبوع، الذي أبدى أمله في إمكانية تنفيذها قبل دخوله البيت الأبيض في 20 يناير.
وفي إطار جهود الوساطة، سلّم المبعوث الأمريكي عاموس هوشستين، الثلاثاء الماضي، مسودة اتفاق وقف إطلاق النار إلى الحكومة اللبنانية، حيث أبلغ المسؤولين اللبنانيين بأنه لن يزور بيروت إذا لم يكن هناك استعداد جاد من قبلهم لإبرام الاتفاق.
وكان “هوشستين” سلّم المسودة إلى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تسلم النسخة باسم حزب الله، في خطوة تهدف إلى ضمان دعم فاعل لهذا الاتفاق.