المؤامرات والشدائد لم تنقطع يوما عن القضية الفلسطينية منذ ما قبل النكبة عام 1948، والوقائع التاريخية بيّنت التأثير العميق لهذه المؤامرات، وما أحدثته هزيمة 1967 في النظام الرسمي العربي وفي مسار القضية الفلسطينية، وما رافقها من عقود استلهام النظام العربي المثال الحي على تثبيت "حقائق" هزيمة ذاتية وفرضها على جيوش ومجتمعات عربية، من خلال "عملقة" الاحتلال واستحالة هزيمته ومواجهته.
وعلى الرغم من جولات المواجهة التي خاضها الشعب الفلسطيني مع المشروع الاستعماري فوق أرضه، بقيت الرواية الرسمية العربية تقيم يافطات البؤس وتضخيم المؤامرة التي تحطمت وتفككت في محطات كثيرة أظهرت فيها مقاومة الشعب الفلسطيني بطولات خالدة بإمكانيات متواضعة، خلافا للسجل المتخاذل لأنظمة تطوي عاما جديدا من الانحطاط والعجز والتخاذل.
ولأن المقاومة الفلسطينية أثبتت جدارتها مع نهاية العام 2023، خلافا لكل الأوهام الإسرائيلية والغربية، والتي انتظرت هزيمة "محققة" للشعب الفلسطيني بعد كل المؤامرات والعدوان الواسع والشامل على قطاع غزة، والانفلات الصهيوني على كل مدن الضفة، بتوسيع عمليات القتل والعدوان على الشعب والأرض والأسرى والمقدسات، وطرح مشاريع تصفية القضية الفلسطينية من حكومة فاشية عنصرية ومجرمة، وتسجيل انهيار عربي واضح أمام هذه الهجمة الصهيونية، والتساوق معها والتآمر معها في ذروة العدوان.. لكل ذلل بقيت الرزنامة الفلسطينية في الربع الأخير من العام المنقضي، فلسطينية بامتياز الجرأة والجسارة، وسجلت المقاومة أول لحظات العام الجديد بعزمٍ أذهل قادة الاحتلال برشقة الصواريخ مع بداية العام الجديد، وفَرضَ صمودها في غزة نفسه على المشهد العربي والإقليمي، وزاد من صعوبة الحسابات الصهيونية التي وصفت صحافتها العام 2024 بأنه "لم يعد لإسرائيل ما تفخر به أمام العالم في غزة"، مع "وابل الصواريخ بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب وادعاء الجيش تمركزه في كل مكان تقريبا من غزة فيما الصواريخ تنطلق منها، فأين الانتصار الذي يدعيه بنيامين نتنياهو، عليه الاستقالة فورا".
يبذل كثير من إعلام العرب المتأسرل، والمتشرنق في رواية التفوق الصهيوني والدونية أمامه، ما هو مطلوب منه، بفرض عجزٍ شامل على كل ما تبديه المقاومة من إنجازات، وتغييب دروسها المُذهلة الكاشفة لعجزٍ عربي ونفاق دولي. ولأن عام المقاومة الفلسطينية كان الأصعب بسبب حجم الخسائر البشرية والدمار الواسع بفعل همجية وبربرية صهيونية، فإن الأنظار تتجه للرزنامة الصهيونية ورواية اليوم التالي بعد حركة "حماس" أو بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية، حسب التصور الصهيوني لرؤية غزة منزوعة من كل شيء حتى من سكانها، بحسب رغبة وزراء الفاشية الصهيونية من سموتريتش ‘لى بن غفير وعميحاي.
ورغم الإخفاق الكبير الذي مُني به الاحتلال على صعيد تحقيق بنك أهدافه الموضوعة، وباعتراف كثير من أوساطه الأمنية والسياسية والإعلامية، يُصر البعض على تسويق رواية بنيامين نتنياهو ودس الإنجازات فيها، مع إسقاط الشوط الذي قطعته المقاومة والأثمان الغالية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه مما يمكن البناء عليه في مستقبل شعب يقاوم مستعمرهِ.
التأمل في عام فلسطين الماضي، بكل ما حمله من مآسٍ وجرائم وهمجية صهيونية، لا يمكن وصفه بغير وصف العام الأصعب، والأقوى بنفس الوقت، عندما خابت كل آمال المطبعين والمتصهينيين، وعندما خاب أمل الشعب الفلسطيني من المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته، والخيبة من استحالة نجدة عربية لغزة وشعبها بفك الحصار عنها وتقديم العون لها، والخيبة الواضحة من سياسة عربية أخذت طور العداء الواضح للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.
لكل ذلك تبرز قوة الكبرياء المتأصلة في المقاومة الفلسطينية بكل الشموخ الذي أبدته بالتصدي لجيش الاحتلال والقدرة على ضرب "نواته" في لواءي جولاني وجفعاتي؛ بعد توجيه ضربة قوية لهما في فرقة غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
مآثر كثيرة سجلها الشعب الفلسطيني في مقاومته قساوة الإرهاب الصهيوني في غزة والضفة والقدس، ولم تكن كافية لاستثارة مواقف عربية رسمية وشعبية تلجم العدوان وتشعر المؤسسة الصهيونية بقلق، فكانت الأخبار دوما التي تُلهج الصدور والأفئدة والضمائر تأتي إما من إسكتلندا، أو من أمريكا اللاتينية، وصولا لجنوب أفريقيا التي حملت أخبار نهاية العام عزمها التقدم بشكوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد إسرائيل بتهمة "قتل شعب"، والتي جعلت المؤسسة الصهيونية تشعر بخطر حقيقي من خطوات قطع العلاقات وتصعيد خطوات الاحتجاج ورفع الصوت في شوارع دولية ضد سياسة الأبارتايد الصهيوني في فلسطين.
يمكن القول إنه في العام الماضي، حدث تغير فعلي في وزن السياسة العربية الرسمية وفاعليتها، التي كانت ضعيفة التأثير بفعل الثورات والثورات المضادة، فانتقلت من حيز الضعف إلى حيز الانسحاب الكلي من مشهد التأثير بقضية فلسطين مع بقاء محور منخرط مع سياسة الضغوط على الشعب الفلسطيني والتآمر عليه، لذلك برزت قوة المواقف بهوية غير عربية بالمطلق.
وحتى في المحور المدعي دعمه للمقاومة كان هو الأسوأ على الإطلاق في ابتلاع الشعارات، رغم كل ذلك بقيت المقاومة تُلهج صدور أبناء الشعب العربي من المحيط إلى الخليج كمظهر من مظاهر الفخر المفقود في أنظمة العسكر والاستبداد العربي، والتي تعاني اليوم بقدر ما يعاني الاحتلال نفسه، وهي تتأمل المشهد الفلسطيني في غزة، وفي بقية الأرض المحتلة، لكنه تأمل مختلف عن بقية الفُرجة والشعار والخطاب والوهم الذي كان يحد من رفع آمال الشعب العربي والفلسطيني بالاعتماد على سواعده، بعد كل هذا الوضوح والبساطة بالأدوات والإرادة التي تقول عنها أنظمة وجيوش عربية أنها "مستحيلة" التحقق، بالاعتماد على نظرية صهيونية قادرة على رسم سياسات عربية وتحديد طبيعة العلاقات فيما بينها بناء على هذه النظرية.
twitter.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال المقاومة غزة غزة الاحتلال المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة الفلسطینیة الشعب الفلسطینی فی غزة
إقرأ أيضاً:
المقاومة تقصف مقر القيادة الإسرائيلي في نتساريم وتوجه رسالة للسلطة الفلسطينية
نشرت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح اليوم الخميس صورا تظهر قصف مقاتليها مقر القيادة والسيطرة الإسرائيلي في محور نتساريم، وطالبتا السلطة الفلسطينية بالتوقف عن عملياتها التي تستهدف المقاومة في الضفة الغربية.
وأظهرت الصور عملية التخطيط والتجهيز للعملية، والتي أجريت في غرفة مغلقة علقت على جدرانها صور قادة فلسطينيين، منهم مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين والرئيس الراحل ياسر عرفات.
كما أظهرت أيضا العديد من الآليات الإسرائيلية في المنطقة المستهدفة لحظة القصف الذي تُظهر الصور أنه جرى على مرحلتين، إحداهما في الصباح والأخرى في المساء.
وتضمّن الفيديو صور طائرة "كواد كابتر" استخبارية قالت سرايا القدس إنها أسقطتها بالتعاون مع "شهداء الأقصى" خلال قيامها بعملية في شمال المنطقة الوسطى.
انتشار للجيش الإسرائيلي على طول محور "نتساريم" (صور من المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي) رسالة للسلطة الفلسطينيةوقبل تنفيذ العملية وجّه أحد مقاتلي سرايا القدس رسالة دعا فيها كافة التيارات الفلسطينية إلى توجيه البوصلة نحو قتال الاحتلال.
وأكد أن المقاومة لا تريد لإسرائيل أن تستفرد بأي فصيل فلسطيني، وأن مقاتلي حركة فتح يقاتلون جنبا إلى جنبهم مع بقية فصائل المقاومة في قطاع غزة.
كما وجّه مقاتل من كتائب شهداء الأقصى رسالة قال فيها إن الفصائل تقاتل صفا واحدا في غزة، ودعا أجهزة الأمن الفلسطينية إلى إعادة حساباتها والتوقف عما تقوم به ضد المقاومة في مخيم جنين وبقية المناطق بالضفة الغربية.
ووصف المقاتل ما تقوم به أجهزة الأمن الفلسطينية ضد المقاومة في الضفة بـ"الانتحار السياسي"، مؤكدا حرص "شهداء الأقصى" على المشروع الوطني.
إعلان
عمليات يومية
وأمس الأربعاء، قالت سرايا القدس إنها قصفت مقرا إسرائيليا للقيادة والسيطرة غرب محور نتساريم بصواريخ 107، وإنها سيطرت على طائرة "كواد كابتر" استخبارية.
وشهدت العمليات التي تنفذها المقاومة تصاعدا كبيرا خلال الأيام الأخيرة التي أصبحت إسرائيل تتلقى خلالها ضربات شبه يومية في مختلف مناطق القطاع.
وفي وقت سابق اليوم، قالت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس إن مقاتليها استهدفوا قوة راجلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي قوامها 7 جنود في مخيم جباليا شمالي القطاع بعبوة شديدة الانفجار، وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح.
وأكدت القسام أيضا أنها استهدفت "قوة هندسية صهيونية" بقذيفة "تي بي جي" خلال تقدمها لنسف منازل غرب المخيم.
كما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن ضابطا برتبة رائد قتل اليوم الخميس برصاصة قناص في منطقة نتساريم.
ونفذت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس عددا من عمليات الطعن والقنص خلال الأيام الأخيرة، وتمكن مقاتلوها من الإجهاز على جنود إسرائيليين من المسافة صفر.
ويوم الاثنين الماضي، أوقعت القسام قوة من لواء كفير النخبوي في كمين محكم، فقتلت ضابطا وجنديين اثنين وأصابت 3 آخرين، وقالت إن ثمة مزيدا من التفاصيل التي لم يتم كشفها بشأن العملية لدواعٍ أمنية.