الذكرى المئوية لثورة 1924 «2»
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
الذكرى المئوية لثورة 1924 «2»
تاج السر عثمان بابو
1اشرنا سابقاً إلى تزامن الذكرى المئوية لثورة 1924 مع الذكرى 68 لاستقلال السودان التي كانت النواة لانطلاق الحركة الوطنية الحديثة حتى انتزاع الحرية ورفع علم السودان المستقل في أول يناير 1956، كما اشرنا لتزامن الذكرى مع الحرب اللعينة الجارية حاليا الهادفة لتصفية الثورة ونهب ثروات البلاد من المحاور للاقليمية والدولية التي تدعم الطرفين المتحاربين بالسلاح، مما يهدد بتمزيق وحدة البلاد.
كما اصبح جليا أن الحرب تهدف لتصفية الثورة وقواها من حملة الاعتقالات والتعذيب االتي يقوم بها طرفا الحرب ضد المعارضين السياسيين والمدنيين الرافضين للحرب وجرائمها، والذين يعملون في الخدمات الانسانية الطوعية لدرء آثارها، اضافة لتهديد مليشيات “الفلول” بالتصفية البدنية للداعين لوقف الحرب، وامهال والي نهر النيل المعارضة المدنية 24 ساعة لمغادرة الولاية!!!، وهو والي لا شرعية له، بعد الفشل في حربهم ضد الجنجويد حولوها لحرب ضد المدنيين والمعارضين السياسية الداعين لوقف الحرب وجرائمها وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمات. اضافة للمزيد من الانتهاكات ضد المدنيين كما في اطلاق الجيش للبراميل المتفجرة في نيالا بدارفور مما أدي لسقوط قتلي وجرحي وسط ادانات محلية واقليمية وعالمية واسعة، اضافة لنهب الامدادات الغذائية بود مدني من قوات الدعم السريع التي تحتوى على امدادات انسانية منقذة للحياة، مما حرم المواطنين ومتضرري الحرب من الغذاء والرعاية الصحية الحيوية، وهو انتهاك صارخ للقانون الانساني الدولي، اضافة لاستمرار دعوات التسليح للمواطنين من “الفلول” مما يحول الحرب الي أهلية وقبلية وعنصرية تمزق وحدة البلاد التي وجدت ادانة ورفضا واسعا من الرأي العام المحلي والعالمي، مما يتطلب بمناسبة ذكرى الاستقلال والذكرى المئوية لثورة 1924 بناء اوسع تحالف جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة، ومواصلتها حتى تحقيق أهدافها.
2لم يكن ثوار 1924 بمعزل عن صراع ونضال القوى السياسية والاجتماعية ضد الاستعمار ، ولم يكونوا معزولين عن نضال العاملين من أجل تحسين اوضاعهم المعيشية والمهنية، وعن نشأة وتطور الطبقة العاملة مع قيام مؤسسات الإادارة الاستعمارية الجديدة: السكة الحديد، النقل النهري، الخطوط البحرية، مشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية، والصناعات الحديثة، وبعدها انفجرت إضرابات ونضالات الطبقة العاملة السودانية التي ترجع جذورها بعيدا الي نشؤها وميلادها في بداية القرن العشرين ، فالطبقة العاملة الحديثة الوليدة التي نشأت مع تلك المشاريع بسبب الاستغلال البشع للاستعماريين كما هو الحال في ضآلة الأجور التي كانت تتقاضاها، اضافة الي أن عمال الجنوب كانوا يعانون من اضطهاد طبقي وعنصري من خلال نظام الأجر غير المتساوي للعمل المتساوي مع عمال الشمال، كما كانت المرأة تعاني من اضطهاد طبقي وجنسي من جراء الأجر غير المتساوي بين الرجال والنساء، وكان جهاز الدولة الاستعماري هو المخدم الرئيسي الذي كان ينهب خيرات البلاد الاقتصادية ويصدر فائضها الاقتصادي للخارج، بالتالي كان من مصلحته أن يعيش العمال والمزارعون وصغار الموظفين وبقية القوي الأخرى العاملة بأجر علي حد الكفاف ليجنى أكبر قدر من الأرباح.
اضافة لنضال العمال من أجل تحسين اوضاعهم المعيشية، شارك بعض العمال في ثورة 1924، وتعرضوا للاعتقال والتشريد. (للمزيد من التفاصيل عن تلك الاضرابات والمشاركة في ثورة 1924، راجع: تاج السر عثمان: نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية، 2007).
3وفي مقال له بجريدة الأضواء السودانية يناير 1969م يذكر الأستاذ محمد سليمان، بعنوان: (صحائف مطوية من تاريخنا الحديث)، أن أولى المحاولات لإنشاء نقابات العمال بدأت في تلك الفترة فيقول: كما كانت ثمة محاولات تجري لتنظيم العمال في نقابات، بل كان هناك اتصال بما يسمي بمجلس العمال المصري لبعض العمال السودانيين وجاء في تقرير المخابرات في شهر يوليو عام 1924 ما يلي: وصلتنا معلومات تفيد بأن حزبا عماليا قد تكون برئاسة علي أحمد صالح يضم النجارين والبناءين وصناع الأحذية وغيرهم بهدف حماية مصالح العمال، ويقال أن رئيس الحزب يسعي لضم حزبه مع حزب علـي عبد اللطيف).
إذن يمكن القول، أن أقساما من الطبقة العاملة الوليدة ارتبطت بأول تنظيم سياسي حديث في السودان قام علي شعارات سياسية ووطنية، بعد هزيمة التنظيمات والانتفاضات السابقة التي قامت على أسس دينية وقبلية في بداية القرن العشرين.
4لم يكن ثوار 1924 بمعزل عن الأفكار التي كانت سائدة في العالم يومئذ، فقد تابعوا ثورات التحرر الوطني كما في: ثورة 1919 في مصر، وثورة الهند، والثورة الروسية 1917، والثورة الصينية الديمقراطية 1911، وأفكار الديمقراطية وحقوق الانسان التي برزت بعد الثورة الفرنسية، والثقافة الغربية والعربية الإسلامية، وتأثروا بما كان يدور في مصر من معارك فكرية وسياسية، وكان لبعضهم مكتبات كبيرة مثل: عبيد حاج الأمين، وكانوا يتبادلون الكتب سرا، وكسروا طوق تعليم كلية غردون الضيّق الذي وصفه معاوية محمد نور بقوله:
” مناهج التدريس في كلية غردون غريب في رأيه، فليس هناك مجال للعلوم الطبيعية أو التاريخ الحديث والآداب، وانما معظمه تمرين على الآلة الكاتبة أو على شؤون الهندسة العملية والمحاسبة” (معاوية نور قصص وخواطر، ص 34).
منذ نهاية القرن التاسع عشر سافر بعض الطلاب المصريين للدراسة في أوربا، وهناك تأثر البعض منهم بالأفكار الاشتراكية ومدارسها المختلفة: ماركسية، فابية، الخ، وعندما اكملوا دراساتهم رجعوا إلي مصر وبشروا بالأفكار الاشتراكية التي تطالب بتحسين أحوال ومستويات العمال والكادحين وتناصر المستضعفين ضد الاستعمار والاضطهاد الرأسمالي، وقامت أحزاب اشتراكية في مصر، ومن هؤلاء المفكرين كان سلامة موسى أول من ألف كتابا عن “الاشتراكية” في مصر عام 1913، وعصام الدين حفني ناصف ومصطفي المنصوري وغيرهم، وقد أسهمت هذه الأفكار في تطور وعي الطبقة العاملة ونشر الفكر الاشتراكي.
كان لذلك تأثيره في قيام الحزب الاشتراكي في مصر 1921 الذي تغير اسمه للحزب الشيوعي المصري عام 1922، وطرح في برنامجه المجاز عام 1924 أهداف مثل: الاطاحة بالملكية واقامة الجمهورية الديمقراطية، تحرير الفلاحين من عبودية كبار الملاك واعطائهم أراضيهم، حق الشعب السوداني في الانفصال عن مصر. إلخ، كما ارتبط الحزب منذ تأسيسه بالطبقة العاملة التي كانت اضراباتها واسعة وتطالب بتحسين أوضاعها المعيشية، وتكوين النقابات واتحاد العمال للمطالبة بحقوقها وتعرض الحزب لقمع وحشي من حكومة سعد زغلول..
كان بعض أعضاء جمعية اللواء الأبيض متابعين لكتابات الحزب الشيوعي المصري في الصحف المصرية، على سبيل المثال: جاء في كتاب “رجل من دلقو” لمؤلفه الحسن محمد سعيد، دار مدارات 2019، ص 27 – 28، أن أحد أعضاء الجمعية الجندي نوح ابراهيم الملقب بـ”المارشال”، ذكر في أحد اللقاءات للأعضاء “اطلعت اليوم علي خبر صاعق في جريدة (المقطم ) بقيام حزب شيوعي مصري في (القاهرة) في ظل دستور 1923، يقترح علي الحركة السياسية المصرية وأحزابها المختلفة، بأن العلاقة مع السودان يجب أن تقوم على وحدة في ظل اتحاد فيدرالي بين البلدين، وهذا النظام الدستوري سيمنح السودان نوعا من الحكم الذاتي المستقل تحت التاج المصري”.
ويعلق نوح ابراهيم على شعار وحدة وادي النيل، باعتباره تبعية لمصر، كما حدد نوح طبيعة الصراع، واشار لمعسكرين: معسكر زعماء الطوائف الدينية وسادة القبائل والعشائر، وهؤلاء انصار الانجليز، ومعسكر أخر نمثله نحن من العسكروصغار الموظفين والتجار والمثقفين وأهل التعليم المدني الجديد الذي اوجده الاستعمار”.
5الجدير بالذكر أن كتاب “رجل من دلقو” تابع في رواية شيقة سيرة الضابط سيد فرح من قادة ثوار 1924، وكيف تمكن من الهروب بعد هزيمة ثورة 1924 الي مصر ومنها الي شعاب وبطاح ليبيا، وخيبة أمله في مساندة القوات المصرية لثوار 1924، وفي شعار وحدة وادي النيل تحت التاج المصري، وكيف التقي صدفة بالثائر عمر المختار، وشارك معه في الثورة ضد الاستعمار “الطلياني”، وكيف تم هروبه بعد وصول العدو الى عمر المختار وتم استشهاده، وواصل سيد فرح اختفاءه مع اسرة في قرية مصرية، وتزوج منها، حتى تم العفو عنه مع بقية الثوار بعد اتفاقية 1936، وعودته للعمل في الجيش المصري حتى وفاته في مصر.
ما يؤكد ارتباط قادة الطائفية بالاستعمار ما جاء مقال في (حضارة السودان) بعد مظاهرات ثوار 1924 الذي جاء فيه “أُهينت البلاد عندما تظاهر أصغر واوضع رجالها دون أن يكون لهم مركزا في المجتمع”، وكتب آخر بعنوان ود النيلين “(انها لآمة وضيعة يقودها أمثال علي عبد اللطيف)، “مها عبد الله المرجع السابق”. (للمزيد من التفاصيل عن الصراع العنصري: راجع د. يوشيكو كوريتا، علي عبد اللطيف وثورة 1924، ترجمة مجدي التعيم، مركز الدراسات السودانية، يناير 1997).
كل ذلك يشير، الى أن حركة اللواء الأبيض، لم تكن معزولة عن التيارات الفكرية والسياسية التي كانت سائدة في المحيطين الاقليمي والعالمي (نواصل).
alsirbabo@yahoo.co.uk
الذكرى المئوية لثورة 1924 «1»
الوسوماستقلال السودان الحزب الشيوعي المصري الدراسات السودانية السودان العمال تاج السر عثمان بابو ثورة 1924 مصر وحدة وادي النيلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: استقلال السودان الحزب الشيوعي المصري الدراسات السودانية السودان العمال ثورة 1924 مصر التی کانت فی مصر
إقرأ أيضاً:
“هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق
الثورة نت
أشار المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس الإسرائيلية” عاموس هرئيل إلى أن صور الحشود الفلسطينية التي تعبر سيرًا على الأقدام من ممر “نِتساريم” في طريقها إلى ما تبقى من بيوتها في شمال غزة، تعكس بأرجحية عالية أيضًا نهاية الحرب بين “إسرائيل” وحماس، مؤكدًا أن الصور التي تم التقاطها، يوم أمس الاثنين، تحطم أيضًا الأوهام حول النصر المطلق التي نشرها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ومؤيدوه على مدى أشهر طويلة، وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.
ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “إسرائيلي” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى “إسرائيليين” في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.
تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على “إسرائيل” استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.
وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية الإسرائيلي” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.
وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – “إسرائيلية” وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.
وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء “إسرائيلي”.