قلع أشجار الزيتون وجرف الأرض.. الاحتلال يستفرد بأرض ذات إطلالة في بيت صفافا بالقدس
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
القدس المحتلة- "يتم تنفيذ أعمال تطوير وبنية تحتية من أجل رفاهية السكان، نعتذر عن الإزعاج المؤقت"، منذ أن علقت بلدية الاحتلال هذه اللافتة على أرض خربة طباليا في قرية بيت صفافا جنوب شرقي القدس، انتهت رفاهية عائلة عليان وبدأ الإزعاج اللامنتهي، الذي كان آخره اقتحام العشرات من جنود وشرطة الاحتلال الأرض، صباح اليوم الثلاثاء، لتأمين جرفها واقتلاع أشجار زيتونها.
يروي حفيد العائلة براء عليان للجزيرة نت كيف اعتلى الجنود من دون سابق إنذار أسطح منازل العائلة فجرا، وكيف اعتقلوا لساعات والده أحمد، وشقيقيه أوس وإبراهيم، وعمه موسى، وابن عمته علي، لأنهم اعترضوا على اقتحام الأرض وجرفها، وطالبوا الشرطة بإظهار أمر المحكمة الذي يقضي بذلك، علما أن عائلة عليان استصدرت قبل نحو عامين قرارا يقضي بمنع اقتحام الأرض والعبث بها.
اشترى المقدسي إبراهيم عليان هذه الأرض قبل 50 عاما في خربة أو تلة طباليا بمساحة 25 دونما (الدونم ألف متر مربع)، وأورثها قبل موته لأبنائه الـ11 وأحفاده الخمسين، لكن الاحتلال وأذرعه الاستيطانية صادروا 40% من مساحتها بهدف شق شارع رئيس وإقامة خدمات عامة لصالح مستوطنة "جفعات همتوس" المقامة على أراضي الخربة.
"الحقوا الأرض، الحقوا الأرض".. استيقظت طبيبة الأسنان ياسمين عليان على استغاثة شقيقها، وهرعت ركضا مع أقاربها نحو الأرض بعد أن حاصرها الاحتلال ومنع وصول إلى المركبات إليها.
تنظر ياسمين إلى أشجار الزيتون وهي تُنشر وتقتلع من جذورها وتقول للجزيرة نت "زرعنا هذه الأشجار مع والدنا منذ نعومة أظفارنا، مشهد قاهر جدا، كأنهم يقتلعون روحنا، لنا ذكريات فيها وأيام ومواسم، حسبنا الله ونعم الوكيل".
وعلى مرأى العشرات من رجال وأطفال ونساء عائلة عليان، اقتلعت الجرافات أكثر من 30 شجرة بعد وضع علامة عليها، وحُملت إلى مكان مجهول.
ويقول محمد عليان (53 عاما) للجزيرة نت إن العائلة قطفت ثمار الزيتون قبل شهرين وجنت من الموسم 25 تنكة زيت (وعاء يتسع لـ15 لترا)، رغم تنغيص الاحتلال واقتحامه الأرض مرارا ومن عدة مواقع، وأضاف باكيا "اختاروا التوقيت بعناية مستغلين حالة الحرب، هذه الأرض روحنا وحياتنا، أفضل أن أموت ولا أرى هذه اللحظة، ولا أرى شجرة تخلع".
تعيش عائلة عليان الممتدة في بنايتين سكنيتين ملاصقتين للأرض المهددة التي تمتلك إطلالة مميزة على القدس المحتلة، حيث ترتفع خربة طباليا 813 مترا فوق سطح البحر، لكن جرافات الاحتلال غيّرت معالم المكان خلال ساعات معدودة، ثم أحاطتها بسور من صفائح "الزينكو" لتكمل الجرافات عملها ويمنع الأهالي من دخولها أو الاعتصام فيها.
لم يكن هذا الاقتحام الأول لأرض عائلة عليان، فقد اقتحمتها قوات وشرطة الاحتلال في التاسع من يناير/كانون الثاني 2023، واعتقلت أحمد إبراهيم عليان بسبب اعتراضه، إذ استخدمت بلدية الاحتلال حينها قانون "إعادة توحيد وتقسيم الأراضي" من دون موافقة أصحابها، رغم امتلاك عائلة عليان وثائق ملكية "طابو"، لكن البلدية ترفض -حتى اليوم- تسجيل الأراضي المصادرة باسم ورثة العائلة.
من ناحيته، يقول المهندس عبد الكريم لافي من بيت صفافا للجزيرة نت إن الاستيطان الإسرائيلي بدأ في قريته عام 1948، حتى بقي اليوم من مساحتها التاريخية 2500 دونم فقط بعد أن كانت 5288 دونما.
وذكر أن الاحتلال بنى على أراضي القرية عدة مستوطنات، أبرزها المنطقة الصناعية (تلبيوت)، ومستوطنة "بات" ومستوطنة "جيلو" و"جفعات همتوس"، كما استولى منذ عام 1967 على 12 بيتا، بالإضافة إلى أول مستشفى في فلسطين وحولّه إلى مدرسة دينية يهودية، وكذلك قضم معظم أراضي القرية بالشوارع الالتفافية، للوصل بين المستوطنات وتقسيم القرية داخليا وسلخها عن القدس.
ويضيف لافي أن التخطيط لبناء "جفعات همتوس" بدأ عام 1991، لتخليد ذكرى طيار إسرائيلي سقط فوقها عام 1967، كما يخطط حاليا لإنشاء مستوطنة "شاكيد" غربي بيت صفافا.
ويفسر المهندس المقدسي اهتمام الاحتلال بقرية بيت صفافا بسبب موقعها الإستراتيجي الواصل بين عدة مستوطنات، بالإضافة إلى بعدها عن مركز القدس 7 كيلومترات، ومثلها أيضا عن مركز مدينة بيت لحم.
يسعى الاحتلال من خلال مشاريعه الاستيطانية المتصاعدة في بيت صفافا إلى ربط مستوطنة "هارحوما" في قرية صورباهر، مع "جفعات همتوس" في بيت صفافا، بهدف فصل القدس عن أحيائها الجنوبية وعن بيت لحم، وتقليص التواصل الحضري الفلسطيني شرق القدس، وإغلاق آخر ممر يربط قريتي بيت صفافا وشرفات.
ويختم لافي قائلا "أمست بيت صفافا جزيرة إسلامية عربية تحيط بها المستوطنات من جهاتها الأربع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
كيف رمضان بدون الأقصى؟ سؤال ينكأ جراح فلسطينيي الضفة
انتصف شهر رمضان المبارك، ومرت الجمعة الثانية في المسجد الأقصى بحضور 80 ألف مصل فقط، في انخفاض واضح مقارنة بالسنوات الماضية، حيث سجلّت الجمعة الثانية عام 2023 حضور 250 ألف مصل، وذلك بفعل تضييقات الاحتلال غير المسبوقة للعام الثاني على التوالي على دخول فلسطينيي الضفة الغربية المدينة الفلسطينية المقدسة المحتلة.
ورغم أن الدخول لم يكن متاحا وسهلا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنه لم يكن بهذه الصعوبة، حيث حصر الاحتلال دخول فلسطينيي الضفة إلى القدس في رمضان بيوم الجمعة، وحدد عدد المسموح لهم أسبوعيا بـ10 آلاف فقط.
كما اشترط توفر تصريح دخول وبطاقة ممغنطة (بطاقة ذكية تصدرها سلطات الاحتلال) سارية المفعول، ومغادرة القدس قبل حلول المساء، وحدد أعمار الداخلين بمن تجاوزت أعمارهم 55 عاما للرجال و50 عاما للنساء وأقل من 12 عاما للأطفال، مما يعني حظرا تاما لدخول عنصر الشباب، وانتقاء 10 آلاف من أصل نحو 3 ملايين و400 ألف نسمة هم سكان الضفة المحتلة.
#صابرون: اعتقال 11 شاباً من عمال الضفة الغربية غرب القدس المحتلة بحجة الدخول دون تصاريح. pic.twitter.com/76DgBkCn72
— صابرون (@SabronPS) February 25, 2025
إعلان من صعب إلى أصعبخلال السنوات الماضية، كان السبيل أمام الممنوعين من دخول القدس عدة طرق للوصول إلى الأقصى: القفز من فوق جدار الفصل العنصري ، أو المرور من ثغرة فيه، أو دفع مبالغ كبيرة والاختباء داخل مركبة تمر من الحاجز العسكري وسط مخاطر عالية قد تصل حد الاعتقال والسجن أو الأذى الجسدي.
وحتى تلك الطرق الخطيرة لم تعد متاحة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث شدد الاحتلال إجراءاته على الحواجز ومحيطها، وصاعد من تنكيله بحق من يتم القبض عليهم خلال محاولتهم دخول القدس أو بعد نجاحهم في الدخول.
كما عمدت شرطة الاحتلال -في انتهاك غير مسبوق- إلى اقتحام المسجد الأقصى ومصلياته خلال ساعات الفجر أو صلاة القيام، والبحث بدقة عن أي مصل من الضفة يحمل الهوية الفلسطينية، الأمر الذي أنهى حالة الأمان التي كان يعيشها الفلسطيني داخل المسجد ممن استطاع الوصول بشق الأنفس.
وفي ظل ذلك المنع والتقييد، سألت الجزيرة نت بعضا من فلسطينيي الضفة الذين اعتادوا الاعتكاف في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وحرموا هذا العام. فأجابوا أن رمضان كان على الدوام فرصة ذهبية لوصال الأقصى الشريف، وسط تخوفات أن يصبح هذا المنع أمرا واقعا بسبب تمريره للعام الثاني، مستذكرين أهالي قطاع غزة الذين يحظرون تماما عن المسجد الأقصى.
"يوميا أشاهد الصور ومقاطع الفيديو التي كنت التقطتها في الأقصى، وأعيش على ذكرياتها، وأبكي شوقا" هذا ما قالته شذى حسن من مدينة رام الله شمال القدس، مضيفة أنها تنتظر رمضان سنويا بفارغ الصبر "لأنه كان الأمل الوحيد لدخول المسجد".
وتصف المواطنة رمضان الحالي والماضي بـ"الموحش" مضيفة أن المسجد الأقصى هو الدواء لقلبها. وأكملت "أكثر ما أشتاق إليه وأفتقده جدا هو اعتكاف العشر الأواخر، وبالرغم من كل التحديات التي كانت تواجهنا آنذاك إلا أن لتلك الأيام والليالي سعادة خاصة".
أما إباء شريدة من مدينة نابلس شمال الضفة، فقالت إنها تذهب إلى المسجد الأقصى برفقة عائلتها منذ عمر السادسة، ومنذ ذلك الحين حتى عمر الـ23 لم تقطع الصلاة في المسجد الأقصى في رمضان أبدا.
إعلانوأضافت بتأثر "بالنسبة لي رمضان هو المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى هو رمضان، أنا بدون المسجد الأقصى حرفيا كالسمكة بدون ماء، وهذا أول رمضان يمر عليّ بدون الأقصى".
واختنقت العبرات في عيني براءة وأثرت على صوتها الذي ارتجف قائلا "أحاول أن أتناسى، وألا أشاهد أي مقطع متعلق بالأقصى.. لقد كان رمضان يشحننا لسنة كاملة، فوجودنا في الأقصى المبارك كان يشعرنا بقيمة الرباط ، كنا نُذل في الطريق ونتعب كثيرا لكن ذلك كان يزول بمجرد رؤية القبة الذهبية".
#شاهد | مسن فلسطيني يتحدث بحرقة عن منع الاحتلال دخوله إلى القدس للصلاة في المسجد الأقصى في الجمعة الثانية من رمضان pic.twitter.com/BE1ONss4jz
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) March 14, 2025
الأقصى حياة كاملةيستذكر محمد النتشة من مدينة الخليل (جنوب الضفة) رفقاءه في الاعتكاف وشد الرحال إلى الأقصى والذين غيّبتهم سجون الاحتلال أو استشهدوا برصاصه خلال الأشهر الماضية، ويقول "لم تكن الطريق يوما معبّدة إلى الأقصى، ومهما ضاعفوا العقبات سنحاول بعون الله ونأمل أن نصله ونعتكف فيه، كلما ذهبنا إلى الأقصى ازداد الشوق.. إنه حياة كاملة".
وفور أن سألنا "ب ش" التي فضلت عدم نشر اسمها: ماذا يعني رمضان بدون الأقصى؟ وانهمرت دموعها ودعت "يارب لا تحرمنا، يا رب رُدّنا إليه وأكرمنا" وكان التأثر واضحا على الشابة وهي ترى المستوطنين من جميع أنحاء الضفة يقتحمون المسجد الأقصى بكل سهولة، بينما تمنع هي بشكل كامل منذ عامين.
وقد وصفت صعوبة الوصول قائلة" كنا نتعرض لأعلى درجات القهر والذل والإهانة أثناء محاولتنا الوصول إلى المسجد الأقصى سابقا، وكنا ندفع مبالغ مالية وصلت إلى 140 دولارا على الفرد لقطع مسافة قصيرة نحو القدس".
وختمت قائلة "الأقصى بوصلة الأمة، فإذا ضاعت البوصلة ضاعت الأمة، كل الطوفان قام لأجل الأقصى، ووفاء للدماء النازفة يجب أن نحافظ عليه، وكلنا يقين بأن الله سيردنا إلى المسجد الشريف قائمين معتكفين بصحبة إخواننا في غزة".
إعلان