قد يكون عاما مُستعادا، مثلما هي الحال في السنين الأخيرة. ومع ذلك، لنحاول أن نسأل: ما الذي يخبئه لنا هذا العام الجديد؟ كلّ واحد منّا، يطرح هذا السؤال «الحتمي» على نفسه مع بداية سنة جديدة. بالطبع، نأمل في قدوم الفرح والسرور والنجاح والحب والمال... ونخشى ظهور المحن والحزن والمرض والمعاناة. نأمل في أن نختبر السعادة وأن نتجنب التعاسة.
لا داعي لأن يكون الواحد منّا عرافًا أو كاهنًا أو قارئ فنجان، لكي نفترض أن هذا العام سيجلب لنا ألف شيء وشيء، بعضها مفرّح أو حزين، والبعض الآخر مفاجئ أو غير مهم. فلماذا يكون الأمر خلاف ذلك؟ فعلى الرغم من توقعاتنا، إلا أن الواقع الخارجي لن يتغير بالكامل، كما لو بفعل سحر. لهذا غالبا ما تبدو احتفالات نهاية العام تافهة بعض الشيء، بكل ما تحمله من صخب مفتعل.
ومع ذلك، نحن متناقضون للغاية: نريد التغيير بقدر ما نخشاه. من ناحية، إن لم تحدث أي تحولات كبيرة، نجدنا نشعر بالاطمئنان على عاداتنا ويقيناتنا؛ لكننا، في الوقت عينه، نخشى أن نعيش حياة مملة وكابية.
ومن جهة ثانية، إذا حدث تغيير ما ذو أهمية، نشعر بالدهشة من جاذبية الجديد؛ لذا، يتزعزع استقرارنا بسبب المجهول ويسيطر علينا القلق. نحن نتردد باستمرار بين الأمل في الحفاظ على السعادة أو تجربتها والخوف من رؤيتها تهرب منّا.
من الناحية المثالية، «يجب أن يتغير كل شيء حتى لا يتغير شيء» (وفق ما قاله الأمير سالينا في رواية جيزيبي توماسي دي لامبيدوسا، «الفهد»، التي حولها فيسكونتي إلى شريط سينمائي).
السؤال الحقيقي هو معرفة كيف تكون سعيدا. ليس سؤالا جديدا بالطبع، بل إنه قديم قدم التفكير الفلسفي، لدرجة أنه يحتل مكانة مركزية فيه! ومع ذلك: كيف نحقق أو كيف نحافظ على حالة الرضا هذه؟ هل يجب أن ننتظر السعادة؟ بمعنى آخر، هل علينا أن ننتظر حتى تصبح الظروف مواتية لنا؟ يمكن تعريف مفهوم السعادة بطريقتين: إما بشكل سلبي، كغياب المعاناة؛ أو بشكل إيجابي كحالة مستقرة ودائمة من الرضا. سوف نلاحظ أنه، بغض النظر عن أي محتوى يمكن التنازل عنه، فإن هذين المفهومين للسعادة يشتركان في فكرة الارتباط الإيجابي بين نظام رغباتنا ونظام العالم، سواء على المستوى المادي أو على المستوى الأخلاقي... وبما أننا، من ناحية، لسنا أسياد الأحداث، يبدو من المشروع أن ننتظر السعادة، أي أن نأمل فيها كما لو أنها ستحدث. كيف يمكننا أن نعيش بشكل جيد بدون هذا الأمل؟ ولكن، من ناحية أخرى، أليس هناك شيء سخيف في هذا التوقع السلبي للسعادة التي تحدث كما لو كانت بالصدفة؟ أليس هذا مخاطرة بالانتظار لفترة طويلة، وبالتالي عدم الشعور بالسعادة أبدًا؟ وفوق كل ذلك، أليس من الجنون انتظار السعادة وكأنها ستأتي لا محالة؟ لماذا يجب أن يتفق الواقع مع ترتيب رغباتنا إن لم يكن في خيالنا؟
هل السعادة هي مسألة حظ فقط، أو ظروف مواتية أم على العكس من ذلك، مبادرة شخصية، أو نهج نشط وواع وواضح؟ أرجح الفرضية الثانية. أعتقد أنه لا يمكن أن يحدث أي شيء مهم في وجودنا إذا لم نكن قادرين على الرغبة في الأشياء التي تعتمد علينا، ولا على قبول ودعم الأشياء التي لا تعتمد علينا، وفقًا للتمييز الشهير الذي اقترحه الفيلسوف إبكتيتوس. على سبيل المثال، القيام بمشروع يعني أن تكون نشيطًا؛ إن انتظار الفرصة لتقدم نفسها من «دون علمنا» هو أمر سلبي. يبدو من المهم بالنسبة لي أن أفهم أن السعادة هي عمل يجب بناؤه وليس هدية «سقطت من السماء». يجب أن نتصرف بطريقة تمكننا من السيطرة على مصيرنا، لا أن يتحكم القدر فينا. وعلى عكس ما يتم التأكيد عليه في كثير من الأحيان، أجدني لا أشارك هذا المفهوم الرومانسي والروائي الذي بموجبه «السعادة هي صفحة بيضاء بلا تاريخ». إنه مفهوم مأساوي للوجود الإنساني أعتبره ليس فقط محبطًا في عواقبه، ولكنه أيضًا خاطئ في مبدئه، لأنه يفترض مسبقًا أن السعادة ستكون فارغة من المعنى وخالية من الفائدة، وأن سوء الحظ وحده هو الذي له تاريخ، أي أن الاتساق هو ما يجعل الواقع يستحق أن يُروى. إن استفادة الشعراء والروائيين والصحفيين من هذا الميل إلى سوء الحظ لا يفاجئني: فحماسهم يعكس شهية الجماهير للقصص المليئة بالدراما. وتظل الحقيقة طريقة فريدة للغاية لتضييع جوهر السعادة، أي أنها جزء من خلق أبدي، تأتي من جهد متواصل للوجود وتأكيد نفسها إلى الوجود!
بطبيعة الحال، لا يتساوى كل البشر عندما يتعلق الأمر بالسعادة والتعاسة. لدى البعض «كل شيء ليكونوا سعداء» ومع ذلك يفشلون في تحقيق ذلك؛ وعلى العكس من ذلك، ثمة آخرون محكوم عليهم بسوء الحظ، ومع ذلك ينجحون في الحياة. ولكن، ما الذي يصنع الفرق لاحقا؟ «إذا كانت السعادة موجودة، فهي اختبار للفنان» مثلما كتب ميشيل بيرجر في «سيزان يرسم». وبالتالي، من الممكن إظهار أن الأزواج السعداء هم أولًا وقبل كل شيء أولئك الذين ناضلوا للحفاظ على رغبتهم وخطتهم للعيش معًا، برغم لحظات الإحباط والتجارب والإغراءات والأخطاء. كذلك فإن الشعوب السعيدة هي تلك التي تتمتع بالحرية بعد أن تحررت من الاستبداد، والتي هيأت الظروف لتحقيق الرخاء من خلال العمل على القضاء على الفقر والظلم، أو، في سياق آخر، الذين يعيشون في وئام مع قيمهم ومعتقداتهم وبيئتهم.
تتعلق السعادة بالغزو والفتوحات وليس بالقدر. يجب أن نأخذ في الاعتبار الأحداث الخارجية، في اللحظة المناسبة (استخدم الإغريق مصطلح كايروس)، وهذا أمر مؤكد، لأننا لا نستطيع تجاهل الواقع. ولكن لا يكفي أن تتاح الفرصة؛ ولا يزال يتعين على العقل أن يتعرف عليها ويقرر الاستيلاء عليها بشجاعة وتصميم. على سبيل المثال، لتنفيذ مشروع ناضج مسبقًا، أو السماح أخيرًا لرغبة مدفونة بالازدهار.
قال بريكليس، أحد آباء الديمقراطية الأثينية: «لا سعادة بدون حرية، ولا حرية بدون شجاعة». لا أعرف صيغة أفضل لتبين لنا الطريق إلى سعادتنا. بالتأكيد، لا تسمح لنا فكرته هذه بتخصيص محتوى محدد للسعادة (يبقى هذا الأمر محددًا من قبل الجميع ولكل شخص، للفرد كما للشعب)؛ إلا أنها تتيح تحديد شروط إمكانية السعادة، وهي: حرية التفكير والقرار والتصرف، فضلًا عن الشجاعة في مواجهة الشدائد.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ناقصني السعادة.. بوسي تدخل فى نوبة بكاء شديدة: اتبهدلت بعد وفاة أمي
دخلت الفنانة بوسي فى نوبة بكاء ، اثناء حلولها ضيفة على برنامج “ عندي سؤال ” ، والمذاع علي قناة المشهد ، من تقديم محمد القس .
و بكت “ بوسي ” عند سؤالها عن الأشياء التى تفتقدها ، إذ قالت : ناقصني السعادة والراحة ، انا أتبهدلت من بعد وفاة أمي فى عمر الـ 16 عامًا .
واضافت : ناقصني حنية وحب وأهتمام ، أمي كانت تعوضني عن هذه الاشياء ، ولكن من بعد وفاتها أتبهدلت ، كل البلاوي اللي حصلت فى حياتي كانت من بعد موتها .
وأستكملت : أمي كانت السند والضهر والحنية اللي فى الدنيا ، كانت معوضاني عن غياب أبويا ، رغم انه فى الفترة دي كانت لسه عايش .
أعمال المطربة بوسيوفي شهر يناير الماضي، طرحت شركة روتانا أحدث أغاني الفنانة بوسي، والتى تحمل أسم “زيه تاني” ، وهى من كلمات حسام حسن وألحان مدين وتوزيع وميكس وماستر يحيي يوسف.
وقبلها طرحت بوسى، أغنية جديدة بعنوان "مسولى وصبحوا" على موقع "يوتيوب" وجميع المنصات الموسيقية، على طريقة الفيديو كليب، والأغنية من كلمات تامر حسين، وألحان عزيز الشافعي، وتوزيع وميكس وماستر جلال حمداوى، والكليب من إخراج اشرف رمضان.