صرتُ أفكّر دوما لمَ أنتصرُ لبعضٍ من رواياتِ الخليج، وأنشدُّ إلى قسمٍ مهم منها، حتّى صرتُ أكاد أشكُّ في نفسي وأتّهمها بالتملّق والتزلّف والتقرّب، ثمّ سرعان ما تنبّهني نفسي الأمّارة بالكبرياء أنّي لم أرض على عدد مهمّ من الرواية الخليجيّة وأنّي كتبتُ فيها ما كتبه مالك في الخمر؟ جواب سؤالي أنّ عددا مهمّا من أصحاب الكتابة الروائيّة المشرقيّة قد دخل في تقديس مرجعيّاته، وأنهى رصيده الحكائيّ (هذا حُكم نسبيّ جدّا)، فدخل في سرْد العاديّ، في حين أنّ التجربة الخليجيّة عموما ما زالت بصدد صناعة مرجعيّاتها، وحكاياتها جمّة، وملقاة على قارعة الطريق، تحتاجُ روائيّا فَطِنا لتحويلها إلى رواية أو إلى قصّة تسرُّ القُرّاء وتُبْهرهم، فإن أخذت عُمان (التي أعرفها جيّدا) نموذجًا، فإنّ ظُفار لها رصيدٌ من الحكايات ومن التقاليد ومن الطقوس ومن العادات، ما به تختلف عن منطقة الشرقيّة، ومنطقة الشرقيّة لها من الأساطير والعادات والتقاليد والحكايات ما به تنفرد عن الباطنة أو الوسطى وهكذا دواليك، المُختلف في ظلّ المؤتلف يقدّ ثراء حكائيّا زاخرا، وهي مناطقُ مليئةٌ بحكايات مختلفة عن عموم حكايات المشرق -نسبيّا- في تاريخها القديم والحديث، في حين أنّ الشرق العربيّ التقليدي يتآكل ويأكلُ من فُتات رُواته الذين فتّحوا سُبُل الرواية، ويتعثّرُ المُحدَثون في السبيل الذي أشاده الأقدمون في الكتابة الروائيّة، وعديد التجارب تُستَعَاد وتُجتَرّ.
لقد كتبت رواية «الطلياني» تعبيرا عن مرحلةٍ من اليسير أن يجد كاتبها وفْرةَ الأحداث وتنوّع الشخصيّات لإثراء روايته، ولكنّه يكون عاجزا عن تخييل أحداث، وصناعة شخصيّات، ويكون عاجزا عن صناعة حكايته بعيدا عن المرجعيّات المكشوفة، ولذلك، فقد كانت الأعمال الروائيّة اللاّحقة واهنة، ضعيفة، سافرة المرجعيّة، ومنها -تمثيلا- رواية «باغندا» التي أُقِيمت على شخصيّة مرجعيّة رياضيّة حقيقيّة، لم يُوَفّق كاتبها في بنائها بناء روائيّا، رغما من عمله على إخفائها، وإدارته السرد على سبب اختفائها. عودا إلى مسألة الجامعيّ وكتابة الرواية، فإنّ افتقار بعض كتَبَة الرواية إلى مَلَكة التخييل يرجع أساسا إلى الوعي بالاقتدار، والإيمان أنّ الجامعيّ قادرٌ على صناعة الرواية بحكم علمه بقوانينها وأدواته، مع العلم أنّ العالم بقانون الظاهرة لا يعني بالضرورة أن يُتقن الإبداع فيها. لقد أدرك العرب منذ القديم، أنّ العالم بالنحو والبلاغة والعروض لا يكتب شعرا بالضرورة، بل لا يكتب شعرا بالأساس، ومن كَتب من اللّغويين في قديم الأدب شعرا فقد انتهى إلى الفشل والخيبة، ولذلك فإنّ فكرةً سائدة وجب أن تُدْحَض، وهي أنّ دكاترة اللّغة العربيّة قادرون على كتابة الأدب، بالعكس، فهم الأعجز عن الإبداع، لسببٍ بسيط يتمثّل في أنّ أغلبهم محكوم بالضوابط والقوانين، وفي ذهنه قياسٌ منطقيّ لما يجوز وما لا يجوز، والأدب في جوهره قائم على ما لا يجوز فمبدعوه «أمراء الكلام»، وليسوا خاضعين بالضرورة لسنن الكتابة. شكري المبخوت باحثٌ له مكانته، وكاتب رواية لا أعتقد أنّه يحتلّ منزلة فارقة في تاريخ الرواية العربيّة، ولا يُحدث رجّة ولا أثرا -رغم جائزة البوكر- فما يكتبه داخلٌ في المألوف ممّا هو سائدٌ ومنتشرٌ، ما يكتبه هو نمطٌ سلفيّ في كتابة الرواية، وكان الأجدى والأجدر أن يكتفي بِعُصارة ذهنه، أي بالرواية الفائزة. الأستاذ الجامعيّ والرواية صلةٌ جديرة بالاهتمام، قد لا تُطرَح في النقد الغربيّ، ولكنّها شاعت في حديث الأدب العربيّ، وصار عددٌ مهم من «الدكاترة» يستهينون بمَركب الكتابة الروائيّة، ولهذا فصلتُ في المقالة السابقة بين نمطين من الجامعيين الذين يكتبون الرواية، نمط هو في الأصل كاتب، قصّاصٌ، حكّاءٌ، ثم يتوجّه إلى البحث العلمي، فهذا مالكٌ لزمام الرواية، له هبةُ الحكي، والنمط الثاني الذي يدخل فيه شكري المبخوت ومَن ماثله، هو أنّه في الأصل باحثٌ جامعيّ ينتهي إلى كتابة الرواية من باب أنّه مالكٌ للّغة، عارفٌ بقوانين الأدب، وأعتقد أنّ هذا النمط يُمكن أن يكتب روايةً فحسب، هي مذكّراته، أو هي حصيلة تجربته، ثمّ يصمت، فلا ينساق في الكتابة، ويذهب في ظنّه أنّه كاتبٌ روائيّ، ويدخل ضمن هذا الإطار عددٌ مهم من الكُتّاب الجامعيين، أغلب رواياتهم باهتة، تفتقر إلى مِلح الرواية، فهم عموما من كُتّاب الرواية الوحيدة، وما عداها هو وهْم الرواية، ولعلّ الروائيّ حسونة المصباحي على حقّ -نسبيّا- عندما صرّح أنّ «الجامعيين أفسدوا المشهد الروائيّ»، فقد جمعوا بين السلطة (نقدا) والحُكم (لجان الجوائز) والكتابة الإبداعيّة (كتابة الرواية).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کتابة الروایة الروائی ة ة الروایة فی الأصل روائی ا ع فیها شخصی ة
إقرأ أيضاً:
3 ساعات فى رمضان يستجاب فيها الدعاء .. اغتنم الفرصة
استجابة الدعاء، الدعاء سلاح المؤمن القوي، والدعاء هو العبادة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي»، وبشرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم من يدعو الله بأن الله لن يرد خائبا بدعائه، فقال: «إن الله حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين» [رواه أبو داود، وابن حبان]، ويبحث الكثير عن أوقات استجابة الدعاء وكيفية استجابة الدعاء وكيف يستجاب الدعاء بسرعة، وهناك ساعتان لا ينبغي على المسلم تفويتهم فى رمضان خاصةً يوم الجمعة ففيهما استجابة للدعاء.
3 ساعات لا تفوتهم فى رمضانالساعة الأولى: قبل الافطار
حضر وجبتك باكراً وخصص هذا الوقت للدعاء لأن دعاء الصائم قبل أن يفطر لا يرد أبداً أدع لنفسك ولمن تحب.
الساعة الثانية: الثلث الأخير من الليل
هذة الساعة الثانية هى حوالي الثلث الأخير من الليل كرس هذا الوقت مع الكثير من الدعاء لطلب المغفرة لأنه حان الوقت الله ينزل الى السماء ينادي من سيدعوني حتي أجيب من سيسأني فأعطيه؟ من يستغفر فأغفر له؟ صحيح البخاري.
الساعة الثالثة: من عصر الجمعة للمغرب
الساعة الأولى قبل الإفطار
للصائم عند فطره دعوة لا ترد وهذه الدعوة كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «للصائم فرحتان يفرحهما عند فطره وفرحة عند لقاء ربه»، فهناك أمرين مهمين لاستجابة دعاء الصائم، وهما الأول عندما تتناول شيئًا من الطعام بعد طول الصيام كأنك تحيي الجسد وتفرج كرب هذه الخلايا وهذه لحظة من اللحظات التى يستجيب عندها الدعاء.
والثانية هي أنك في حاجة إلى الطعام وإلى الإقبال على ما منعت منه ومع ذلك فأنت مقبل على الدعاء فتقدم التوجه إلى الله تعالى على حاجة نفسك ولذلك كما جاء في الحديث «أحب الذكر الى الله تعالى سُبحة الحديث قالوا وما سُبحة الحديث يا رسول الله قال القوم يتحدثون والرجل يسبح» فهذا متعلق بالملأ الأعلى فيكون غيره مقبلا على الطعام وهو مقبل على ربه علم أنه في حالة إجابة فيسأل ربه أن يتقبل منه وأن يغفر له.
وكما جاء فى الحديث «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك أمنت وعليك توكلت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله».
الساعة الثانية استجابة الدعاء فى الثلث الأخير من الليل
قيام الليل من أوقات استجابة الدعاء، وهو من أوقات الغفلة التي تعدل الهجرة إلى مدينة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فراراً بالدين، فإنّ الله عز وجلّ يَنزل كلَ ليلة في الثُلثِ الأخير من اللّيل إلى السّماء ِالدُّنيا فيقول:«هل من داعٍ فأستجيبُ لهُ هل من سائلٍ فأعطيهُ، هل من مستغفرٍ فأغفرُ له، حتى يطلع الفجر»، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «لا يَرُدُّ القَضَاءَ إلا الدُّعاء».
وورد في السنة الصحيحة أن المحافظة على قيام الليل لها معجزات عظيمة، منها ما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، من الفضائل الخمس، فقال: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد".
وورد عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول لله صلى لله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ولك الحمد أنت قيوم السماوات والارض ولك الحمد أنت رب السماوات والارض ومن فيهن أنت الحق وقولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لى ماقدمت وأخرت وأسررت وأعلنت أنت إلهى لا إله الا أنت).
وجاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: «أَنَّ رَجُلاً، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ». قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «يا أيها الناسُ أفشوا السلامَ، وأَطْعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نِيَامٌ، تدخلون الجنةَ بسلامٍ».
ولقيام الليل أثر كبير على نقاء وسلامة القلب، حيث قال الشيخ أبو اليزيد سلامة ، الباحث في مشيخة الأزهر الشريف، إن قيام الليل، وصيام النهار لهما أثر كبير جداً على نقاء وسلامة القلب ، متابعا أن لذة الحياة تنبع من القلب السليم .
وأضاف الشيخ أبو اليزيد سلامة ، خلال استضافته في برنامج " صباح الخير يا مصر"، والمذاع على فضائية " القناة الأولى المصرية "، أن من علامات الشعور باللذة في الجنة هي نزع الغل من قلوب المؤمنين للتمتع بالنعيم، والقدر الكافي من التسامح، والمغفرة .
وتابع، أن الإنسان الذي يقتدي بالنبي الكريم يتمتع بسلامة الصدر، مستدلا على ذلك بتصرف الرسول مع "عبد الله من أُبي "، وكيف سامحه النبي بعد طلب من ابنه، ومنحه ردائه ليكفنه، مبياً أن الطهارة القلبية خلق وقيمة مارسها الرسول في كافة جوانب حياته، وأن طهارة القلب تتحقق في عدد من الـ خطوات ، وأولها ذكر الله مع استحضار القلب، وقراءة القرآن .
الساعة الثالثة تكون فى يوم الجمعة
اختلف العلماء في تحديد ساعة استجابة الدعاء يوم الجمعة، وانتهى البحث فيها إلى قولين تضمنتهما الأحاديث النبوية، وأحدهما أرجح من الآخر.
القول الأول: أنها بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ؛ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ»، وروى الترمذي من حديث كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاه» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: «حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا».
القول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وغيرهم، وحجَّة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ»، وما رواه أبو داود والنسائي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ».