بوابة الوفد:
2025-03-14@05:12:11 GMT

هل تذكرتم؟

تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT

أيها العالم المتحضر المفعم بالخيلاء والمزجج بالوحشية والهمجية فى علن أو فى صمت متواطئ، هل تذكرتم وأنتم تضيئون المصابيح الملونة احتفالًا بالعام الجديد أن شعب غزة بلا كهرباء، يتحسسون الخطى ليلًا فى ظلام دامس فرضه عليهم الاحتلال؟ هل تذكرتم وأنتم تزينون أشجار الكريسماس باللعب والهدايا، أن الاحتلال اقتلع كل أشجار غزة وأحرقها بنيران القصف المتواصل بلا هوادة؟ هل تذكرتم وأنتم تتبادلون الهدايا  وتوسدونها فراش أطفالكم الدافئ وتترقبون فرحتهم  بها فى الصباح، أن أطفال غزة، أقصد من تبقى منهم على قيد الحياة بلا فراش، بلا أغطية أو ملابس، بلا دفء، بل بلا جدران بيت، يرجف الصقيع أجسادهم النحيلة وقد أنهكها الجوع والعطش!

هل تذكرتم وأنتم تتجمعون فى البيوت، تتزاورون لتبادل التهانى، تلتهمون الطعام الفاخر الساخن والحلوى، أن أطفال غزة ومن تبقى من ذويهم يقفون حفاة شبه عراة، بأيديهم أوانٍ صدئة هى ما تبقى لهم من أطلال منازلهم أو حتى أكياس قمامة، ينتظرون سيارات المعونات الدولية ليتلقفوا بعض الطعام، بل الفتات، وأنهم أصبحوا يتصارعون حتى على الفوز ببعض هذه الفتات، لأنهم فى صراع بين الموت والتمسك بما تبقى لهم من حياة؟

هل تذكرتم وأنتم داخل بيوتكم العامرة، وتشعلون أجهزة التدفئة المركزية، أن أهل غزة لم يعد لهم بيوت، وأنهم ينامون فى العراء بين الطلل، أو داخل خيام لا تحميهم من مطر ولا برد، وأن بقايا بيوتهم لا يزال تحتها أشلاء أبنائهم، آبائهم، زوجاتهم، آلاف من أفراد عائلاتهم ولم يتم انتشالهم بعد لدفنهم، لأن آلة الحرب الصهيونية الوحشية لم تتوقف بلا هوادة، وتأبى أن تدعهم يلتقطون أنفاسهم، يدفنون شهداءهم، يداوون جرحاهم.

هل تذكرتهم وأنتم تحتسون كؤوس الخمر وتقرعونها نخب حياة ناعمة فى عام جديد، أن كؤوسكم هذه مليئة بدماء الأبرياء من أبناء فلسطين، فقد خرست ألسنتكم، وتواطأتم بالصمت على جرائم إبادتهم، وما زلتم تدفعون ضرائبكم على الرحب لحكوماتكم ليرسلوا للمحتل ثمن أسلحة القتل، وأنكم اعتدتم مشاهد القتل والأشلاء، وصارت أخبار غزة مثل كل الأخبار العادية فى صحفكم وشاشاتكم، تطالعونها وأنتم تلوكون طعامكم وتبتلعون معها ألسنتكم وتمارسون حياتكم الطبيعية دونما توقف!

هل تذكرتم يا ساسة، قادة، شعوب العالم المتحضر وأنتم تشعلون ألعابكم النارية وتهتف حناجركم فرحة وبهجة بالاحتفال، أن نيران أخرى تتساقط من سماء غزة، ولكنها شعلات نيران لا بهجة فيها ولا فرح، نيران تقتل، تمزق الأوصال، تدمر البيوت، تهدم المستشفيات فوق رؤوس المرضى، تسوى بالأرض كل المساجد، الكنائس، وشتى مرافق الخدمات.

هل تذكرتم وأنتم تستقبلون العام الجديد، أن ملامح هذا الجديد بنفس كآبة وأحزان العام القديم، بنفس السواد والوحشية والهمجية الصهيونية، فلم يتغير فى المشهد شيء لأهل غزة، لم يشعروا أن عامًا جديدًا جاء، لم يحتفل المسيحيون منهم بأعياد الميلاد، فقد صادر المحتل كل فرحة للأعياد، لا عيد بلا دار، بلا جدران تستر الإنسان، بلا لمة عائلة لم يقتل منها أحدًا، لم يترك المحتل عائلة واحدة دون شهيد، فعشش الحزن والخراب فى أركان الطلل وداخل الخيام، ونهشت الكلاب الضالة الجثث، ونعقت الغرابيب السود لتغطى على قرع أجراس كنائسكم، واندلعت النيران لتغطى على وهج ألعابكم النارية، ولم يعد سقوط المطر مبهجًا فهو يغرق الأرض داخل الخيام، ويُحرم النوم على أعين من تشردوا من ديارهم ولجأوا إلى تلك الخيام.

فأى عام جديد جاء؟ وأى احتفالات احتفلتم؟ وأى شراب احتسيتم حتى ثملت ضمائركم؟ وأى أعين أغمضتم؟ وأى ألسنة ابتلعتم؟ وأى وحشية تجاهلتم؟ وأى إبادة اعتدتم واستمرأتم؟ أيها العالم المتحضر تكشف اختلال ميزانكم، غرقت فى دماء فلسطين كل شعاراتكم الجوفاء البلهاء عن الإنسانية وحقوقها، فلا نامت أعين الجبناء، ولا هنأت حياة المتواطئين، ولا سلمت الأيدى الممتدة بالسلام مع أيدٍ غارقة فى دماء الأبرياء.

 

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أشجار الكريسماس فكرية أحمد

إقرأ أيضاً:

الصِّيغة الجديدة لأمْرَكة العالم

واشنطن في سعيها لتحقيق مصالحها ــ حسب رؤية ترامب ـ تهدم البناء الكلي للنظام العالمي

تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية من خلال رئيسها الجمهوري دونالد ترامب مع قضايا العالم ـ خاصة الشائكة منها ـ يفرض على الدول نمطاً جديداً من العلاقات، يمكن اعتباره صيغة فريدة من التفاعل، حيث يرجّح الصراع بدل التعاون، ويبلغ في حده الأقصى" أمْركة" لصناعة القرارات، الأمر الذي يقلل من أهمية المؤسسات الدولية، بما فيها مجلس الأمن والأمم المتحدة.
لا يقف التوصيف السّابق عند المواقف الآنية المتناقضة التي تُجَاهر بها الإدارة الأمريكية عند نظرتها لمجمل القضايا من زاوية المصالح الأمريكية ذات الطابع النفعي المُتوحّش فحسب، إنما يتابع، ويستشهد، من ناحية التحليل بالقرارات الأمريكية الأخيرة المهددة للسلم والأمن العالميّيْن.. تلك المواقف التي تكشف كل يوم عن تحالفات تلغي الثوابت لصالح المتغيرات، في ظل سباق محموم لأجل بلوغ أهداف تعَلِّي من الدور الأمريكي بعيداً عن أيِّ شراكة مع الآخرين، حتى لو كانوا حلفاء.
هذه الممارسة الأمريكية تأتي من عاملين، أولهما، مواقف الرئيس الأمريكي المتغيرة والمتناقضة من القضايا المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، بمنطق "غلبة العدو" في حال الرفض للقرار الأمريكي، وثانيهما، الهلع العام الذي أصاب معظم دول العالم، الأمر الذي دفعها نحو صيغ مختلفة للاستجابة للقرارات الأمريكية، في محاولة منها لتطويع نفسها بما يحقق نجاتها من التغول، حتى لو كانت في الحد الأدنى.
الاستجابة للقرارات "الترامبية" أو الرد عنها من خلال التحايل أو التأجيل هي التي تحدد اليوم مواقف الدول على المستوى الرسمي، حيث العجز البيّن لدى كثيرين منها، وأخرى تترقب ما ستفسر عنه تلك القرارات من رد فعل من قوى دولية أخرى، وخاصة التنظيمات والجماعات، الخارجة عن سلطة الدول، كونها هي القادرة على التمرد، بل إنها توضع اليوم في الصف الأول لمواجهة القرارات الأمريكية.
على خلفية ذلك، ستشكل التنظيمات والجماعات ـ كما يلوح في الأفق ـ قوى يعوّل عليها في تثبيت القرارات الأمريكية، وتطويع الأنظمة الرسمية لها، ليس فقط لما ستحظى به من اعتراف أمريكي يجعل منها ـ حقيقة أو وهماً ـ قوى منافسة، قد تحلُّ في المستقبل المنظور بدل الحكومات القائمة حالياً، وتُسْهم في إعادة تشكيل خرائط الدول، بل تُغيِّر من المفاهيم، ومنها مصطلح الإرهاب بوجه خاص، وإنما لما هو أهم من ذلك بالنسبة للإدارة الأمريكية، وهو تكريس خيارها السّاعي إلى تغيير سياسة العالم بما يحقق غلبة أمريكية مطلقة، والدخول في مرحلة "ما فوق القوة".
من هنا، فإنَّ الشعور العام لدى الدول، خاصة تلك التي تتواجد في مناطق صراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، هو أن واشنطن في سعيها لتحقيق مصالحها ــ حسب رؤية ترامب ـ تهدم البناء الكلي للنظام العالمي السائد، انطلاقا من ضغطها على الدول عبر تنظيمات وجماعات داخلية أو خارجية معادية لها، في محاولة منها لتكون الدولة الوحيدة الصانعة للقرارات العالمية، بما يحقق لها سيطرة كاملة من خلال الخوف والترهيب، مع عدم مبالاة لما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك من انهيار لقيم وأشكال الدولة المعاصرة.
إذاً الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب تعمل على تعميم سياسية التبديل في حال عدم قبول الدول بأطروحاتها المهددة لوجودها، وهذا من خلال تحريكها للتنظيمات والجماعات المختلفة بشكل ظاهر ومعلن، لدرجة أنها تحاور اليوم بعضاً ممن صنفتها تنظيمات إرهابية في وقت سابق، وتدعمها لتشكل "شبه دولة"، وهو ما نراه اليوم في عدد من مناطق العالم، خاصة في منطقتنا، حيث الحوار المباشر مع تنظيمات ليست منافسة للدول على مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة فحسب، وإنما تمثل بديلاً لها ليس في مقدور الأنظمة الرسمية مواجهته، كونه يأتي محملاً بوعود أمريكية نافذة اليوم، وإن كانت مجهولة اليقين بعد ذلك.

مقالات مشابهة

  • محسن جابر : شيرين ممكن تبقى خليفة أم كلثوم .. ولما بتخانق مع فنان بقرص ودنه
  • «الجارديان»: 733 ألف امرأة فى السجون حول العالم
  • الصِّيغة الجديدة لأمْرَكة العالم
  • أربعة أوسمة ملونة للعراق في بطولة العالم للكيك بوكسينغ
  • مصر تطلب استضافة بعض مباريات كأس العالم 2034
  • عاسور يحدد مهمتين للجيش الإسرائيلي في غزة
  • نفسي تبقى زملكاوي.. دونجا لـ رامز جلال في برنامجه أيلون مصر
  • فضائح أحيزون لا تنتهي.. المغرب يغيب لأول مرة عن بطولة العالم لألعاب القوى داخل القاعة
  • رمضان حول العالم.. من العصيدة للحلومر رحلة في مطبخ رمضان السوداني
  • تصفيات كأس العالم.. تعرف على استعداد المنتخب العراقي قبل لقاء الكويت