شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد، في فعاليات مؤتمر «العلاقة بين فقه الشريعة وفقه الواقع»، والذي عقده مجمع دار النعيم للعلوم الشرعية بدولة نيجيريا.

أمين البحوث الإسلامية يلتقي إمام الجامع الكبير بالسنغال ويناقشان الاستفادة من الأزهر أمين «البحوث الإسلامية» ورئيس قطاع المعاهد يلتقيان وفدًا من المركز المسيحي الإسلامي

وقال الأمين العام خلال كلمته التي ألقاها افتراضيًا، إن طبيعة "النظام المعرفي والعلمي" في الإسلام ترسخ فلسفة واضحة حول فقه الواقع واحترام الحال والمقام، فنجد أن النص الشرعي الواحد غالبًا ما يحمل دلالات متعددة، وقد كان الله -تعالى- قادرًا على جعل نصوص الشريعة كلها قطعية في ثبوتها ودلالاتها، مقيدة ومخصصة في معانيها وأحكامها، كالمعادلات الرياضية الحسابية، ولكن الله سبحانه وتعالى لم يرد ذلك رحمة بنا.

ومن ثم صارت نصوص الشريعة على مر العصور، معينًا معصومًا لا ينضب من الحكم والأفكار والأحكام والمعاني؛ التي تتناسب مع تغيرات الواقع، وتطورات الزمن، مضيفًا أن الحكمة التي من أجلها اعتمد الفقهاء الاجتهاد أداة من أدوات استنباط الأحكام الشرعية وتنزيلها على الوقائع والأحداث؛ هي أن نصوص الشريعة محدودة، والأحداث في الواقع غير محدودة، والاجتهاد هو أداة التوفيق بين النص المحدود والواقع اللامحدود، والفقيه الحق، هو من يقوم بتطبيق هذا التوازن بين الواجب الشرعي والواقع الفعلي، فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم.

العلوم الإسلامية شيدت واستمدت تأسيسها من خلال التواصل بين الشريعة الإسلامية وفهم الواقعالدكتور نظير عياد

أضاف عياد أن العلوم الإسلامية شيدت واستمدت تأسيسها من خلال التواصل بين الشريعة الإسلامية وفهم الواقع، ممثلة في "علوم أصول الدين والتصوف والمنطق"، حيث إن هذه العلوم قد اشتملت على مجموعة من النظريات التي صيغت أساسا استنادا إلى فهم طبيعة الواقع، ومراعاة المقام فيه، وضرورة مراعاة المقام بين العقل والنقل، ومراعاة المقام بين الحكمة والشريعة، ومراعاة المقام بين الحقيقة والشريعة، والحكم على الشيء فرع عن تصوره، وغير ذلك، مشيرًا إلى أن علماء "الفقه والأصول" قد وضعوا قواعد فقهية محكمة مبناها في الأساس على الفهم الدقيق للواقع، من ذلك قولهم: "المشقة تجلب التيسير"، وقولهم: "الأمور بمقاصدها"، وقولهم: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وكلها قواعد فقهية كلية عامة، تم استنباطها من نصوص الشريعة؛ لمراعاة فقه الواقع والمقام بما يصلح حال البلاد والعباد.

أوضح الأمين العام، أن الحاجة تبرز إلى التأكيد على أهمية مراعاة فقه الواقع في صياغة الأحكام الشرعية وضبط التكييف الفقهي السليم لها، وهذا – من وجهة نظرنا – لا يكون إلا بتصور القضايا والحوادث والنوازل على وجهها الصحيح كما هي على أرض الواقع، ثم بعد ذلك نقوم بتحرير الملابسات الخاصة بواقعها، وتحليلها ومناقشتها مناقشة جادة، ثم بعد ذلك نصوغ الحكم الشرعي المناسب لها استنباطًا وتنزيلًا، مبينًا المنهجية الصحيحة من خلال أمور عدة: اعتبار "فقه الواقع" في الفتوى والإفتاء، وضرورة الالتزام به، وأهمية الإحاطة به، واجب شرعي محتم لا يمكن تجاهله أو الغفلة عنه بأي حال من الأحوال، مراعاة فقه الواقع من أهم ما اشترطه الفقهاء والأصوليون لتنزيل الأحكام الشرعية تنزيلا صحيحا خاليا من اللغط واللبس، أن الجهل بفقه الواقع، والغفلة عنه، والجمود على الفتاوى القديمة، والأقوال التراثية التي قيلت في سياقات وأزمنة وأمكنة مغايرة للعصر الذي نعيش فيه، أدى إلى انتشار الفتاوى الشاذة والمنحرفة، التي تهلك الحرث والنسل، وترتب عليها زعزعة استقرار المجتمعات، اعتبار فقه الواقع يعد أحد أهم الأدوات لتحقيق التجديد في الفكر والفقه الإسلامي، أن إغفال فقه الواقع أصبح طريقا من طرق تشويه الإسلام، وفتح الأبواب للتشكيك فيه، واتهامه بالجمود والتحجر، وعدم قدرته على مواكبة الأحداث والتطورات، أن مراعاة فقه الواقع يساعد الفقيه والمفتي على تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها.

وختم الأمين العام كلمته ببعض المقترحات والتوصيات التي يمكن أن تسهم في التوفيق بين الشريعة الإسلامية وفقه الواقع، ومنها: ضرورة مراعاة فقه الواقع في التكييف الفقهي للحوادث والمستجدات، وصياغة الأحكام الشرعية بما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في واقع الناس المعيش، ولا يتأتى ذلك على النحو المنشود إلا من خلال التكامل والتناغم مع جميع التخصصات الدينية والإنسانية والتجريبية، وضرورة إعادة النظر في القرارات والفتاوى القديمة، والتي صدرت لتناسب واقعا معينا لم يعد موجودا الآن، وضرورة التشديد الرقابي والقانوني على أصحاب الفتاوى الشاذة والمتطرفة، التي لا تتوافق ومقتضيات الواقع المعاصر، وضرورة تنسيق الجهود بين المؤسسات الدينية والإفتائية على مستوى العالم في دراسة القضايا المتعلقة بالواقع وتحدياتها، والسعي للوصول إلى رأي جمعي معتدل في هذه القضايا يتيح التنسيق بين هذه المؤسسات فرصة لتحقيق توافق وتفاهم شامل حول المسائل الدينية والاجتماعية المعاصرة.

وشدد على أن الفوضى في الفتاوى، التي انتشرت بشكل واسع في العصر الحاضر، تشكل تحديا جديا يهدد الاستقرار الاجتماعي، مما يدفعنا دفعا إلى الإسراع في تحقيق التعاون الذي يسهم في وضع إطار منضبط لفهم ديني منسجم ومتوازن مع مستجدات عصرنا، مبديًا استعداد الأزهر الشريف للتعاون مع جميع المؤسسات الدينية في العالم في هذا الموضوع.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: البحوث الاسلامية مجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد الإسلام الشریعة الإسلامیة الأمین العام بین الشریعة من خلال

إقرأ أيضاً:

مختبر افتراضي في تعليم الرياضيات

يتمتع معلم الرياضيات بمكانة مهمة كعضو فاعل ومؤثر في عملية إكساب الطلبة المفاهيم، والتعميمات، والمهارات، والمسائل الرياضية، بالإضافة إلى القيم الجمالية المرتبطة بماهية الرياضيات، ويتطلب هذا الدور تطويرًا وتجديدًا للخبرات التعليمية والتعلمية لهؤلاء المعلمين بما يتلاءم مع التطورات الهائلة في مجال تعليم وتعلم الرياضيات.

لذا؛ أصبح لزامًا على المؤسسات التربوية المختصة بتعليم الرياضيات أن تتبنى مجالات التطوير التي تعزز من الأداء التدريسي للمعلمين والتحصيل العلمي للطلبة. وقد ظهرت العديد من التوجهات المعاصرة التي تركز على تحسين تقديم المعرفة الرياضية. وتهدف هذه التوجهات إلى تجويد الخبرات التعليمية التي تساعد المتعلمين على الاكتساب النوعي والعميق للمفاهيم والحقائق والتعميمات والمهارات الرياضية. كما تسهم في تعزيز مهارات حل المشكلات والتمثيلات الرياضية والتواصل الرياضي، فضلًا عن تعزيز معتقدات الكفاءة الذاتية والتنظيم الذاتي والدافعية.

عطفًا على ما سبق؛ تمثل تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط أحد المصادر الحديثة والمتجددة باستمرار التي تبنتها العديد من النظم التعليمية في العالم. في الولايات المتحدة، تستخدم بعض المدارس والجامعات تطبيقات الواقع بأنواعه لتعزيز تجربة تعلم الرياضيات. على سبيل المثال: يتم استخدام تطبيقات تفاعلية لتوضيح المفاهيم الرياضية الصعبة وإبراز العلاقات بينها.

وفي اليابان؛ تُستخدم التقنيات المختلطة في تعليم الرياضيات في المدارس الابتدائية والثانوية، حيث يتم استخدام الأجهزة اللوحية وتطبيقات الواقع المختلط لتوفير تجارب تعليمية محفزة وتفاعلية تساعد الطلاب على فهم المفاهيم الرياضية بشكل أفضل.

وفي المملكة المتحدة وأستراليا؛ يُستخدم التعلم المختلط في الرياضيات كجزء من تجارب التعليم الحديثة، حيث يتم توفير موارد تعليمية رقمية تجمع بين المفاهيم التقليدية والتقنيات الحديثة لتعزيز التعلم الفعّال وتحفيز الطلاب.

كما أظهرت بعض التحليلات الإحصائية لنتائج الدراسات البحثية في الدول العربية أن هناك جهودًا نوعيةً في بعض الدول العربية نحو تضمين هذه التقنيات كتجارب تعليمية جيدة في تدريس الرياضيات. ورغم هذا التوجه الطموح، إلا أنه، وبرأي مجموعة من الدراسات الحديثة، تعد تقنيات الواقع المعزز والمختلط والافتراضي أمثلة على التقنيات ذات الموارد غير المستغلة إمكانياتها في تجويد تعليم وتعلم الرياضيات بشكل واسع محليًا وعربيًا حتى الآن.

إضافة إلى ذلك؛ ظهرت مجموعة من التوجهات التي تجمع بين التكامل في العمق المعرفي والمهاري المطلوب اكتسابه من قبل الطالب وبين آلية ووسائل ومصادر تقديمه للمتعلمين. فمثلا ركزت التجارب التعليمية والبحثية حتى الآن بشكل كبير على تقديم المعارف للطلبة من خلال تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي والواقع المختلط. وفي هذا السياق؛ تعتبر هذه التقنيات نهجًا بديلًا لتوصيل أو عرض المعلومات التي تُدرَّس حاليًا بوسائل أخرى. ومع ذلك؛ من المهم أن نأخذ في الاعتبار ليس فقط قدرة الطلاب على اكتساب المعارف والمهارات من خلال التكنولوجيا، بل أيضا حاجتهم إلى الإبداع والإنتاج باستخدام هذه التقنيات الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتطلع إلى استكشاف كيفية تعزيز التفاعل والتعاون بين الطلاب عبر هذه الوسائل التكنولوجية، حيث يمكن لتقنيات الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط أن تفتح آفاقًا جديدةً للعمل الجماعي والمشاريع المشتركة، كما ينبغي التركيز على تطوير المناهج التعليمية لتشمل تطبيقات عملية تحفز التفكير النقدي، وتحل المشكلات بطرق مبتكرة؛ مما يعزز من قدرة الطلاب على التكيف مع تحديات المستقبل.

وتضمن التوجهات المعاصرة في استخدام تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي والواقع المختلط في التعليم العديد من الجوانب التطبيقية، مثل إنشاء بيئات تفاعلية توفر فرصًا للتجريب والاكتشاف، وتصميم برامج تعليمية تعزز التعلم الفردي، وخلق فرص للتعلم التعاوني التفاعلي والتعلم القائم على اللعب والتجريب. هذه التوجهات تعكس قدرة التكنولوجيا الحديثة على إعادة تشكيل العملية التعليمية وتقديم تجارب تعليمية مبتكرة وشاملة.

في ذات السياق؛ كان من المهم تسليط الضوء على تجربة محلية طموحة في توجهاتها، تمثل مسارًا يجمع بين التجربة التعليمية والتجربة البحثية، وتعد هذه التجربة بحثًا استراتيجيًا ضمن برنامج البحوث الاستراتيجية المتأهلة في قطاع التعليم للدورة الأولى، في إطار التعاون المشترك بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. يضم الفريق البحثي مجموعة من الخبراء المختصين بمناهج تدريس الرياضيات وتكنولوجيا التعليم من جامعة السلطان قابوس ووزارة التربية والتعليم.

ويسعى البحث إلى تقصي أثر مختبر افتراضي قائم على تقنية الواقع المختلط في تدريس وحدة هندسة الفضاء ضمن منهاج الرياضيات المتقدمة للصف الحادي عشر. يهدف البحث إلى تحسين الأداء التدريسي للمعلمين وتعزيز الاكتساب المفاهيمي والكفاءة الذاتية لدى الطلاب.

كما يركز البحث على تحليل محتوى مناهج سلاسل كامبردج «الرياضيات المتقدمة للصف الحادي عشر»، من خلال تحليل وتحديد البنى الرياضية (مثل: المفاهيم، التعميمات، الخوارزميات، والمسائل الرياضية) وتصنيف الموضوعات التي يمكن تصميم أنشطة افتراضية لها. بناءً على ذلك؛ تم تصميم برمجية مختبر رياضيات افتراضي وفقًا للأسس الهندسية، التقنية، والعلمية المعتمدة في تصميم بيئات التعلم الافتراضية بالاستفادة من نتائج تجارب عالمية وعربية في التصميم وبناء المحتوى، مع مراعاة السياق المحلي التربوي والتعليمي.

ويهدف البحث أيضًا إلى تقصي أثر المختبر الافتراضي في تدريس وتعلم مناهج سلاسل كامبريدج للرياضيات، من حيث تأثيره على الأداء التدريسي لمعلمي الرياضيات المتقدمة للصف الحادي عشر، بالإضافة إلى الاكتساب المفاهيمي والكفاءة الذاتية لدى الطلاب.

وركزت تجربة المختبر الافتراضي القائم على تقنية الواقع المختلط على إكساب الطلبة المعارف الرياضية في هندسة الفضاء من خلال تجارب تفاعلية. تعتمد هذه التجارب على تقنية الواقع المختلط، مما يمنح الطلاب مزيدًا من الاستقلالية من خلال عرض المعلومات لإرشادهم في خطوات تنفيذ الأنشطة والإجراءات التي يتعين عليهم القيام بها، أو حتى التحقق من صحة الأنشطة بمجرد الانتهاء منها. كما تعتمد التجربة على إنشاء محتوى جذاب ومفيد لتطبيقات الواقع المختلط، يساعد على تعليم وتعلم محتوى هندسة الفضاء في إطار التفاعل بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي ضمن بيئة الصف المدرسي.

ومن المؤمل أن تكون هذه التجربة ذات قيمة مضافة قابلة للتقويم والتطوير بناءً على التغذية الراجعة المستمدة من واقع التطبيق الفعلي وتحدياته، وأن تفتح المجال للباحثين والمهتمين بتعليم الرياضيات وتعلمها في رسم التوجهات المستقبلية لتجويد تدريس الرياضيات وبرامج إعداد وتدريب المعلمين.

د. خولة بنت زاهر الحوسنية أستاذ مساعد بقسم المناهج والتدريس، كلية التربية، جامعة السلطان قابوس

مقالات مشابهة

  • الباحثة صفاء أبوالجود تحصل على الدكتوراه في الفقه
  • رسالة دكتوراه تناقش «التكييف الفقهي للعقوبات الاقتصادية الدولية»
  • الدبلوماسية بين الشريعة والقانون (19) حصانة مقر البعثة الدبلوماسية
  • مختبر افتراضي في تعليم الرياضيات
  • صراع الأفكار
  • في الليلة الثانية لميدفست في وجه بحري.. ميرفت أبو عوف: مناقشة المواضيع وتغيير الواقع يكون أسهل من خلال الأفلام
  • رخص استثنائية لموباريك والمكعازي وبن عياد من جامعة الكرة للمشاركة في نهائي كأس العرش
  • حظك اليوم.. توقعات برج الجوزاء 30 يونيو 2024
  • رانيا المشاط: العلاقات المصرية الأوروبي وثيقة ومترجمة على أرض الواقع
  • المفتي: تطور العلوم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال النقد الذاتي والموضوعية