القمر المتمرد.. نبوءة النصر للمقاومة على الحصار الكوني
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
يقدم فيلم "القمر المتمرد.. طفلة النار" (Rebel Moon – Part One: A Child of Fire) -الذي يعرض حاليا على منصة نتفليكس- في بدايته مجتمع الأحلام الذي يقترب من العدالة والسلام ويكتفي ذاتيا من احتياجاته، بل وتفيض محاصيله عبر نشاط جماعي في بقعة يسود بين أهلها التعاطف والتكافل.
ورغم الحصار الذي يضربه "الكوكب الأم"، فإن مجتمع الأحلام يستطيع أن يمنح فوائضه للمقاومة في الكواكب البعيدة، والتي تحاول جاهدة التحرر من مستعمر يطمع في الاستيلاء على خيرات الأرض لإطعام جنوده، ويقرر السيطرة على البلاد كلها، لكنه يواجه بحركة مقاومة تنتشر كالنار في الهشيم انطلاقا من فتاة غامضة.
وتبدو القصة التي يحكيها المخرج زاك سنايدر في فيلمه، أقرب إلى تشخيص حقيقي لكيفية تحول المزارعين الطيبين إلى مقاومين شجعان دفاعا عن الأرض. ويقدم "القمر المتمرد" نبوءة سينمائية بانتصار المقاومة، كما يكشف عن حالة مجتمعية أو حالة عالمية، وإشارات لملامح عالم يعاد تشكيله على أيدي قلة من المقاومين.
اختار المخرج والسيناريست زاك سنايدر أن يقدم إطارا واسعا جدا لفكرته الواضحة للغاية في الفيلم الذي يعد جزءا أولا من سلسلة يتم الإعداد لإطلاقها منذ عقود، وتدور أحداثها في الكون باتساعه اللانهائي.
ويقدم سنايدر -الذي لم يكتف بالعالم أو المجرة أو حتى عدة مجرات- الدراما الأرضية التي نشهدها يوميا في عالم ينقسم إلى دول صغيرة وأخرى هائلة الحجم والإمكانيات، ويدور بين النوعين من الدول صراع دائم على السيطرة ونهب الخيرات وفرض السيادة والنفوذ.
وقد استُهلكت الفكرة في مئات الأفلام من قبل، سواء في إطارها البسيط المتعلق بالصراع بين الأفراد الأقوياء والضعفاء أو الصراع بين الكيانات، أو بين العوالم والكواكب والمجرات. ولعل أقرب النماذج سلسلة "حرب النجوم" (Star Wars) وغيرها. وحاول سنايدر أن يضع عمله في إطار نوع الخيال العلمي، فجاء في أغلب مشاهده تكرارا للعديد من الأعمال التي قُدمت في هذا الإطار.
وتدور قصة "القمر المتمرد.. طفلة النار" حول مستعمرة مسالمة على حافة المجرة مهددة من قبل جيوش قوة حاكمة مستبدة، لتصبح الشابة كورا (صوفيا بوتلا) الغريبة الغامضة التي تعيش بين القرويين، أفضل أمل لهم للبقاء على قيد الحياة. وتُكلف كورا بمهمة العثور على المقاتلين المدربين الذين سيتحدون معها لاتخاذ موقف مستحيل ضد القوة المستبدة، وتجمع مجموعة صغيرة من المحاربين الغرباء والمتمردين والفلاحين والناجين من الحرب التي نشبت بين عوالم مختلفة والذين تجمعهم الحاجة المشتركة للخلاص والانتقام.
شظايا عالم ميتالكون الذي يقدمه سنايدر المعروف بأفلام الخيال العلمي، هو حالة كابوسية لعالم بدائي النزعة رغم وجود بقع تكنولوجية، وخاصة في مجال التسليح، وهو حالة تجل للظلم السياسي والاجتماعي، رغم وجود بقعة صغيرة تحاول تطبيق قيم العدالة والمساواة بين أفرادها، وهو أيضا كون مستسلم لدولة أو مملكة كبرى، يطلق عليها في الفيلم المملكة الأم، باستثناء بعض مساحات المقاومة التي لا تلبث أن تهزم.
وما يمكن أن يطلق عليه حبكة في "طفلة النار"، هو حدوتة مكررة لمئات المرات. إنها حكاية الشخص الذي يبدأ رحلة لجمع المحاربين أو المقاومين أو الورثة، وفي الطريق يصادف الأهوال ويخوض الحروب التي تنعكس نتيجتها في النهاية على حربه الكبرى.
ورغم ذلك، استطاع صناع العمل أن يشكلوا ملامح قرية مسالمة تزرع الأرض بأيدي أهلها بدلا من الزراعة الآلية، ويحكمها شخص محبوب اختير من قبل سكانها، وبالتالي كسبت القرية الطيبة تعاطف المشاهد.
وفي المقابل، تقتحم قوات "الكوكب الأم" أراضي القرية وتقتل كبيرها، ومن ثم يبدأ أحد مقاتليها في محاولة للاعتداء على فتاة والتعرض لها، وهو الموقف التالي ذو الدلالة، والذي يجعل المشاهد يتخذ موقفا ضد القوات الغازية الأكثر تقدما بمعايير التكنولوجيا.
لم يكن تشكيل انحيازات المشاهد سوى البداية لقصة البطلة "كورا" الفتاة الغريبة الغامضة، والتي جسدت دورها الممثلة الفرنسية ذات الأصل الجزائري صوفيا بوتلا، ونجحت في الدفع بانطباع الغموض بشأن أصولها وقصتها، لكن حوارها في الفيلم افتقد كثيرا للحيوية، فكأن الجمل تتدفق على فمها مدفوعة برغبة في التخلص من الكلمات وليست بغرض التعبير عن المحتوى.
وبالإضافة إلى صوفيا ذات الأصول الجزائرية فعليا، فإن أحد أبطال العمل الثوار ضد ظلم المملكة الأم يدعى "طارق"، وهو ثائر عربي اختار أن يحارب ضمن صفوف المقاومين ضد المملكة المستبدة، وجسّد دوره بحيوية واضحة البريطاني ستاز نير.
ويعود المخرج بالمشاهد لبداية قصة "كورا" الطفلة التي عثر عليها جنرال ورباها وعلمها فنون الحرب، وأصبحت فيما بعد حارسة الأميرة، لكن الجنرال نفسه انقلب على ملكه وحكم الكون بالحديد والنار، وانقلبت كورا بدورها عليه وفرت إلى مجتمع مسالم ومقاوم.
حركة مستعارةيقدم زاك سنايدر في فيلمه اعترافا ضمنيا بسيادة قانون الغابة في العالم أو في الكون، إذ يسيطر الأكثر قوة دائما، ويجمع الفيلم بين بين مختلف الأعراق المعروفة لنا في كوكب الأرض، لكنه يقدم مخلوقات أخرى من اختراعه؛ تشبه الإنسان في سلوكها، لكنها تجمع بين الإنسان والحيوان في أشكالها.
لم يضع صناع العمل معايير لأشكال أو سلوكيات هذه الكائنات، ولعل النموذج الأكثر كمالا في سياق إبداع الأشكال المختلفة هو المخرج جيمس كاميرون في الجزء الأول من فيلم "أفاتار" الذي قدم مواصفات بيئية محددة إلى علماء البيولوجيا والنباتات، فقدموا له أشكال الحيوانات التي يمكن أن تعيش فيها وتتكيف مع مواصفاته البيئية، وكذلك قدموا مواصفات الأشجار التي ظهرت في الفيلم، فجاءت حالة "أفاتار1" موحدة، بعكس فيلم سنايدر الذي قدم وحوشا قبيحة دون مبرر.
وجاء حركات "الأكشن" في العمل -وخاصة في المعارك الحربية الكبرى التي حسمت الحرب- شبه مستعارة من سلسلة "حرب النجوم" بأجزائها المختلفة، رغم الإضافة الملفتة في مشهد تدخل "كورا " للدفاع عن الفتاة ضد اعتداء الجندي المستعمر في الفصل الأول من العمل، حيث بدأت الحركة في المشهد.
لم يكتف زاك سنايدر بتقديم نسخة مشوهة من سلسلة حرب النجوم، ولكنه قرر أن يقدم مكانا مختلفا منذ بداية الفيلم إلى نهايته، فاعتمد المبالغة في كل شيء، فكانت الدولة البسيطة المسالمة أقرب إلى أماكن تلقي عظات المسيح في الأفلام التي تستعرض سيرته، لكنها ذات أبواب إلكترونية منزلقة، ولم تكن محتويات البيوت سوى "كراكيب" تتخللها أضواء.
لم يجتهد صناع الأسلحة في تطويرها إلا قليلا، فالمسدس أصبح أكبر قليلا، والطبق الطائر المعروف في الأفلام وبعض الأساطير الإعلامية عُدلت لتصبح شكلا متوسطا بين الطائرة والطبق الطائر. أما ميادين المعركة الكبرى، فجاءت هائلة الاتساع بوجودها السرمدي بين المجرات في كون غير محدود، وبدت الخلفية أقرب إلى صورة مهتزة بلا تفاصيل.
"القمر المتمرد.. طفلة النار" ضربة بداية غير موفقة لسلسلة قد تموت إذا لم يقرر صناعها أن الأصالة هي العنصر الأهم في نجاح العمل الفني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: طفلة النار فی الفیلم
إقرأ أيضاً:
"دبلوماسية الطهى".. كيف أصبح المطبخ الأوكراني أداة لمواجهة روسيا ورمزا للمقاومة؟
"لقد أحرقوا حقولنا لقطع الإمدادات الغذائية"، بهذه الكلمات، يصف طهاة أوكرانيون لـ Euronews Culture كيف أصبح الطعام سلاحًا في الحرب الثقافية مع روسيا.
في أواخر شباط/فبراير، ومع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر بفعل برودة الرياح، تبدو الأجواء كما لو أنها كييف، لكنها في الواقع ستراتفورد، شرق لندن.
عند دخول مطعم XIX، وهو مطعم أوكراني يقع على بعد دقائق من محطة ستراتفورد الدولية، يلفت النظر على الفور غلاف مزيف لمجلة فوغ يحمل صورة كرتونية لستالين، يطل على الزبائن من خلف كومة من صناديق النبيذ الأوكراني.
لفهم البعد الثقافي للمطبخ الأوكراني في ظل الحرب مع روسيا، لا بد من تذوقه، وذلك يبدأ دائمًا بطبق "البورش".
طبق "البورش" الوطني الأوكراني، بلونه العنابي النابض بالحياة، بات رمزًا للصراع الثقافي. تمتزج في الطبق نكهات غنية بالفلفل، يرافقه الخبز الأسود مع شرائح من البصل الأحمر النيء، بالإضافة إلى البقدونس، ليمنح توازنًا لطعم المكونات الحادة.
و"للبورش" في أوكرانيا، العديد من الوصفات التي تتنوع بين المرق الممزوج بالشمندر أو عصيره المخمر. ويمكن أن يُضاف إليه لحم الخنزير المطهو على نار هادئة. إنه طبق يعكس أكثر من مجرد تقاليد الطهي، فهو جزء من الهوية الأوكرانية.
"البورش" واليونسكو: الطهو كأداة لمقاومة الهيمنة الثقافيةمنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، ثم بشكل أكثر وضوحًا بعد اندلاع الحرب في شباط/فبراير 2022، استخدمت أوكرانيا تراثها في الطهي كوسيلة لتأكيد استقلالها الثقافي. وفي تموز/يوليو 2022، أصبح "البورش" محورًا لهذا الصراع، عندما اعترفت اليونسكو، بعد ضغوط مكثفة، بأن هذا الطبق يحتاج إلى "حماية عاجلة" بوصفه جزءًا من التراث الثقافي غير المادي.
وجاء في بيان اليونسكو عند الموافقة على القرار في الأول من تموز/يوليو 2022: "نظرًا للحرب وتأثيرها السلبي على هذا التقليد، طلبت أوكرانيا من الدول الأعضاء في اللجنة الإسراع في دراسة ملف ترشيح طبق "البورش" لإدراجه على قائمة الصون العاجل، وفقًا لقواعد وإجراءات الاتفاقية".
اعتُبر هذا القرار رفضًا سياسيًا واضحًا لمحاولات روسيا تقديم "البورش" على أنه جزء من إرثها الثقافي أو أنه نشأ لديها حصريًا.
كان الطهاة الأوكرانيون في طليعة هذه الجهود، إذ عملوا على الترويج عالميًا للمطبخ الأوكراني باعتباره شكلاً من أشكال المقاومة. وشهدت السنوات الأخيرة انتشارًا لفعاليات الطعام الأوكرانية، من معارض ومطاعم مؤقتة إلى دبلوماسية الطهي، ما ساهم في تعزيز التضامن الدولي مع أوكرانيا.
ومن بين الشخصيات البارزة في هذا المجال، برز اسم إيفغين كلوبوتينكو، الذي أصدر كتابه "المطبخ الأوكراني الأصيل" في أيار/مايو 2024، ونال استحسان النقاد. يقول كلوبوتينكو لـ Euronews Culture من كييف: "نبدأ بالتعرف على أي بلد من خلال طعام شعبه".
ويُضيف: "الطعام هو انعكاس مباشر لحياة الناس، لما يمرون به، لما يفخرون به، وما يرغبون في مشاركته مع العالم. نحن نقع في الحب من خلال الطعام. الطعام ليس مجرد وجبة، بل هو قصة الناس، وهو ثقافة العائلات، وجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية".
Relatedأوكرانيا تجدد رفضها دخول مفتشي الطاقة الذرية إلى زابوروجيا عبر الأراضي المحتلةرئيس وزراء السويد السابق" يصف مفاوضات ترامب للسلام حول أوكرانيا بأنها مباحثات "هواة" مظاهرات حاشدة في أوكرانيا تطالب بالإفراج عن أسرى الحرب المحتجزين لدى روسياويستشهد كلوبوتينكو بالطماطم كمثال على كيفية ارتباط الطعام بالهوية الثقافية، مشيرًا إلى أنها مكون أساسي في كل من المطبخ الإيطالي والأمريكي، إلا أن كل دولة تتعامل معها بطريقة مختلفة، وتروي قصصًا مختلفة عنها، لأن ثقافتها وتاريخها يختلفان.
بصفته الفائز بالنسخة الأوكرانية من برنامج ماسترشيف، لعب كلوبوتينكو دورًا أساسيًا في الضغط على اليونسكو للاعتراف بـ"البورش" كجزء من التراث الأوكراني. لكنه يؤكد أنه لم يكن يسعى إلى إثارة صراع بين مطابخ أوروبا الشرقية، بل كان هدفه واضحًا: "أردت فقط أن تعترف اليونسكو بـ"البورش" كجزء من الثقافة الوطنية الأوكرانية، لأنني بصراحة سئمت من استمرار المطاعم حول العالم في تقديمه على أنه حساء روسي".
إلا أن تقديم الطلب لليونسكو لفت الانتباه العالمي إلى "البورش"، وأتاح لعشاق الطعام في مختلف أنحاء العالم فرصة للتعرف على تاريخه. ويضيف كلوبوتينكو: "بفضل "البورش"، حظي المطبخ الأوكراني بقليل من الأضواء التي يستحقها. أوكرانيا لديها الكثير لتقدمه، وهذه مجرد بداية".
دبلوماسية الطهي: كيف يستخدم الأوكرانيون الطعام لتعزيز هويتهم؟ظهر مصطلح "دبلوماسية الطهي" لأول مرة عام 2002، عندما استثمرت تايلاند موارد كبيرة لدعم طهاة يروّجون لمطبخهم وثقافتهم حول العالم. واليوم، يسير الأوكرانيون على نهج مماثل، مستغلين الطهي كأداة دبلوماسية في واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا بتاريخهم.
يؤكد كلوبوتينكو أهمية هذا البعد قائلاً: "اليوم، مائدة الطعام الأوكراني أصبحت ساحة يتشكل عليها مستقبل أوكرانيا". ويرى أن دبلوماسية الطهي باتت جبهة رئيسية في الدفاع عن الهوية الأوكرانية.
Relatedأوكرانيا: تضامن شعبي مع زيلينسكي بعد مشادته الكلامية مع ترامب في البيت الأبيض"عواقب وخيمة".. كيف يؤثر وقف المساعدات الأمريكية على مرضى الإيدز في أوكرانيا؟أوكرانيا تكثف هجماتها وروسيا تعلن إسقاط 128 مسيرةالطهي من أجل كسب "القلوب والعقول"مع بداية عام 2025، توسعت المبادرات الأوكرانية في مجال القوة الناعمة، مستهدفة السوق الأمريكية تحديدًا. في مقدمة هذا الجهد تقف الطاهية والمؤلفة الأوكرانية أوليا هرقل، التي تعمل على تعزيز التعاطف العالمي مع بلادها من خلال الطهي.
تقول هرقل لـ Euronews Culture: "هناك مؤسسة رائعة في الولايات المتحدة تدعى Razom for Ukraine، ترسل المساعدات الطبية والجراحين لتدريب الفرق الطبية الأوكرانية. لقد دعوني إلى لويزيانا، حيث سأقضي أسبوعًا في شريفبورت ونيو أورليانز".
ستطهو هرقل، إلى جانب طهاة محليين، للمجتمع المحلي وحتى لبعض السياسيين. وتضيف: "سأروي لهم قصصًا، وأعتقد أن الجمع بين النكهات والتجربة الحسية سيخلق لحظات إدراك جديدة".
كانت اليونسكو قد لفتت إلى أن الدمار الذي طال البيئة الزراعية والبنية التحتية التقليدية حال دون وصول المجتمعات إلى المكونات المحلية الضرورية لإعداد "البورش"، مثل الخضروات الأساسية التي يعتمد عليها الطبق.
إيرينا، من منظمة XIX، تؤكد أن الهجمات الروسية لم تستهدف فقط البشر والبنية التحتية، بل أيضًا الزراعة والأمن الغذائي. وتقول: "أسوأ ما فعلوه هو أنهم أحرقوا حقولنا. قصفوا القمح وكل شيء في شرق أوكرانيا، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء، خاصة الخبز. لم يعد لدينا دقيق. لذا، في ظل هذه الظروف، يصبح الاعتماد على البطاطس ضروريًا، فهي تنمو تحت الأرض ويسهل زراعتها حتى في ظل الحرب".
توضح إيرينا أن الأوكرانيين ورثوا تقاليد تخزين الطعام في أوقات الأزمات منذ الحرب العالمية الثانية، حيث كانت العائلات تحرص على إخفاء المؤن تحسبًا للغزو.
وتُضيف: "في الحرب العالمية الثانية، كان الجميع يخزنون الطعام في القبو، لأنهم كانوا يعلمون أن أي شيء قد يحدث فجأة. جدتي وأمي كانتا تفعلان ذلك دائمًا، وكان القبو مليئًا بالمؤن التي تكفي لخمس سنوات".
يرى كلوبوتينكو أن تنوع مناخ أوكرانيا هو ما يمنح كل منطقة طابعها الغذائي الفريد، وهو ما يجعل المطبخ الأوكراني متميزًا عن غيره. ويقول: "بفضل مناخنا، تتمتع كل منطقة في البلاد بمنتجاتها الفريدة من نوعها".
ويضيف مشيرًا إلى أبرز النكهات التي تميز المطبخ الأوكراني: "أولًا، القشدة الحامضة، التي نضيفها إلى عدد لا يحصى من الأطباق، وعلى رأسها البورش. ثانيًا، الجبن المخمر، الذي يُستخدم بكثرة في المخبوزات. وثالثًا، النكهات المدخنة . نحن الأوكرانيون نحب هذه النكهات".
وتتفق الطاهية والكاتبة أوليا هرقل مع هذه الرؤية، مؤكدةً على أن التنوع الإقليمي في أوكرانيا لم يُلغِ وجود عناصر غذائية موحدة تجمع الجميع.
وتوضح قائلة: "قبل الحقبة السوفيتية، كان لكل منطقة مطبخها المختلف، لكن بعض العناصر كانت دائمًا توحدنا، وتجعلنا جميعًا "أوكرانيين". يمكنك أن تكون من تتار القرم، أو من الغاغوز القاطنين قرب حدود مولدوفا، أو من سكان مرتفعات الكاربات، حيث تلعب البيئة دورًا في تحديد الأطباق التي تطهوها، لكن هناك وجبة واحدة تشكل جزءًا من حمضنا النووي، وهي البورش".
في 21 حزيران/يونيو، تستعد هرقل لإطلاق كتابها الجديد "جذور قوية: قصة عائلة أوكرانية عبر الحرب والمنفى والأمل"، حيث تتبعت تاريخ عائلتها على مدى 100 عام، ووجدت أن الحروب والعدوان عبر الحدود كان لهما دائمًا تأثير على مصائرهم، وغالبًا ما كان الطعام حاضرًا في هذه التحولات.
وتروي هرقل إحدى اللحظات التي تجسد هذه العلاقة العميقة بين الطعام والهوية الأوكرانية، قائلة: "عندما اندلع الغزو الشامل عام 2022، كان والداي تحت الاحتلال، وفي بعض الأحيان لم يكن هناك أي اتصال بيننا، ما أصابني بالرعب. لكنني لن أنسى أبدًا اليوم الذي وصلتني فيه رسالة من والدتي أخيرًا، قالت فيها: نحن بخير، ووجدنا القوة لطهي البورش اليوم. فجأة، بدا كل شيء أفضل. شعرت بطاقة غريبة في جسدي. هناك شيء في جيناتنا يجعل طهي البورش ليس مجرد طعام، بل تجربة تمنحك القوة وتملؤك بالإيجابية".
وعلى الرغم من الأجواء السياسية المتوترة في الأيام الأخيرة، يرى كلوبوتينكو أن القوة الناعمة للطهي الأوكراني "تواصل تقدمها بثبات"، مؤكدًا أن نجاح مطعم XIX ليس إلا جزءًا من هذه المسيرة.
ويُُضيف كلوبوتينكو: "نشهد افتتاح مطاعم تقدم المطبخ الأوكراني في مختلف أنحاء العالم، كما تُنظم مهرجانات طهو تعرّف الناس على نكهاتنا التقليدية. خطوة بخطوة، نحن نثبت وجودنا على خريطة تذوق الطعام العالمية".