• عندما تتقاعس الدولةُ عن أداء دورها كدولة، أو تعجز عنه بالكلية، فإنّ المواطنين يظلون يصرُّون على مواصلة حيواتهم بدونها، وليس أمامهم غير القيام بما يستطيعون القيام به من واجبات الدولة المتقاعسة. فإذا كانت الدولة غير موجودة جملةً واحدة، أو أصبح وجودُها كعدمه، فمن سينتظر المواطن ليقوم له بواجبات الدولة المنعدمة أو المتلاشية نحوه ؟!

• وإذا كان المواطنون في الدول الفاسدة فقط، وليست المتلاشية، هم من يقومون بأغلب أدوار الدولة التي (تغلبها) فكيف يكون الوضع إذا كانت الدولة باركةً تماماً، أو منهارةً كدولتنا ؟!!
في مثل هذا الوضع لا مناص أن يكون المواطنون -بشخوصهم- هم الدولة فعلاً لا قولاً، فهم من سيبنون المدارس ليعلموا أبناءهم، وهم من سيبنون مشافيهم ليطببوا أنفسهم وأهاليهم، وهم من سيؤمِّنون مطعمهم ومشربهم بما تيسر، ويحرسون أنعامهم من اللصوص والذئاب والهوام المفترسة بما أمكن، وهم كذلك، وبطبيعة الحال، من سيحرسون أنفسهم وعيالهم وأعراضهم من المعتدين، وبما تيسّر كذلك !

• إنَّ الحياة لهؤلاء لابد أن تمضي ولا تتوقف أبداً مهما حدث لدولتهم أو للكيان الذي يمثل لهم الدولة !

• وفي حال بلادِنا، لا يلومن أحدٌ أحداً شعر بعدم الأمن والأمان فيها، مما كان من صميم واجبات الدولة نحوه، فسعى لتأمين نفسه، وهذا هو قانون الإصرار على البقاء بالضبط، إذ الطبيعي أن يسعى كل شخص لتأمين نفسه وأهله وماله قدر إستطاعته، طالما أستشعر أنه ليس في مأمن، وأنه لا يوجد من يقوم بهذه المهمة نيابةً عنه وهي دولته!!

• صحيحٌ أنه ستترتب مفاسد عظيمة، ولا حصر لها، عندما يمتلك المواطنون السلاح بلا حسيب، وبلا رقيب، في دولةٍ منهارة بلا سلطان، وفي مجتمعاتٍ تسودها القبلية، ويستشرى فيها خطاب الكراهية بطريقةٍ غير مسبوقة.

وصحيحٌ أن إحدى النتائج المجانية الفورية لمثل هذا الوضع أن التقتيل الإبادي سيكون أمراً مشاعاً، ولا يثير إستغراب أحد، ولكن الأخطر من كل هذا وذاك أنَّ هذا الوضع سيعجِّل بتلاشي الدولة، وسيجعلُ إعادة بنائها مجدداً أمراً صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً ! والشواهد على ذلك لا تحصى من حولنا كما في الصومال وليبيا مثلاً !

• من السخريات العجيبة، والتي تقف شاهداً مزرياً على الخوَر والعجز المزري أن تجد (رئيس) الكيان المسمى دولة نفسه يدعو لحملات تسليح المواطنين العشوائية هذه، بعدما عجِز هو نفسه عن توفير الحماية لمواطنيه، والتي هي من صميم واجباته التي ظل يتشدق بها ويمتن بها عليهم في كل محفل، وهذا معناه بالضبط أن رئيس الدولة (العاجز) أصبح يعمل هو نفسُه -بعد عجزِه- على تقويض ما تبقى من الدولة وسلطانها، دع عنك الكيزان والمهووسين والبلابسة وأصحاب الأغراض الذين يؤازرون هذا الرئيس العاجز في إتمام مهمة العجز والإفشال، بعلمٍ أو بغير علم.!!

• ولكن، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ الدعوات لعدم التسليح، وبيان أضراره الفادحة، ومجرد مناهضة حملاته المسعورة ذات الغرض، حتماً لن يوقفه، لأنه أصبح قناعةً حتى لبعض عامة المواطنين، وسيكون السؤال الحاد المباشر الذي سيواجهك به الجميع، بمن فيهم من يسمى رئيس الدولة العاجز : ما هو البديل للتسليح الذي يعتقد أنه ربما يحمي المواطنين، إلى حدٍّ ما، في حال إنهارت الدولة أو عجزت عن القيام بمهامها ؟!

• إننا نعتقد أن هذا المنعطف هو الأخطر في تسلسل إنهيار الدولة الذي بدأ بإشعال فتيل هذه الحرب الملعونة، وأن أفضل الحلول المتاحة هو إيقاف الحرب بأي ثمن، وفوراً، وقبل أن تصل حملات التسليح المسعورة هذه إلى غاياتها، لأن كل ما يحدث في بلادنا ولأهلنا ولأمننا سببه هذه الحرب، وإيقافها الفوري سيكون هو الحل الذي يمكن به إنقاذ ما تبقى من دولتنا وإعادة ترميمها ووضعها، من ثم، في مسار المعافاة والتصالح توطئةً لنهوضها المتكامل..

• أوقفوا هذه الحرب، فهي أس البلاء، ولا معافاة تحت ظلال سيوفها..

•••

bashiridris@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

كرم: نأمل أن يندمج الحزب في مشروع بناء الدولة ومؤسساتها

 رأى النائب فادي كرم أن "الحرب التي مرّ بها لبنان كبيرة ولا نزال ندفع أثمانها حتى اليوم، وبقاء الاسرائيليين في بعض النقاط هي من ذيول هذه الحرب"، معربا عن "اعتقاده بأنّ الاسرائيليين سينسحبون من لبنان في نهاية المطاف".     وأشار في حديث الى "صوت كل لبنان" الى أن "الادارة الاميركية تعمل على إنهاء الوجود الاسرائيلي على الأراضي اللبنانية، وذلك بحسب ما أبلغنا بعض الموفدين الأميركيين".

كما ولفت الى أن "حزب الله لا يزال في حال الانكار، ونأمل في أن يندمج في الحالة اللبنانية وحال بناء الدولة ومؤسساتها وأن يعي بأن مشروعه الاقليمي في المنطقة انتهى".

كما اعرب كرم عن اعتقاده أن "نسبة نجاح الحكومة عالية لأن الظروف السياسية والاقليمية اليوم متاحة"، مؤكدا "دعم القوات للعهد ولخطاب القسم والبيان الحكومي طالما أنهم يلتزمون بالدستور".

مقالات مشابهة

  • «إسكان المواطنين» يتصدر أجندة الأولويات لبناء مجتمع متماسك ومزدهر
  • إلى البلابسة اكملوا رؤيتكم: خسر السودانيون الحاضر بالحرب.. فاحفظوا مستقبلهم
  • من خلال هذين المثالين، تدرك اختلاف القيم والمبادئ بيننا وبينهم
  • ترامب: الوضع في أوكرانيا "مروّع" ويجب إنهاء الحرب
  • ثلاثة مزاعم أطلقها ترامب حول زيلينسكي والحرب الروسية الأوكرانية.. ما الذي تكشفه الأرقام؟
  • نائبة: سلاح الشائعات يظل تهديدًا مستمرًا للوطن ووعي المواطنين خط الدفاع الأول ضد هذه الحرب
  • سيبقى بيننا.. لحود: نصر الله كان علامة فارقة
  • كرم: نأمل أن يندمج الحزب في مشروع بناء الدولة ومؤسساتها
  • برنامج الامم المتحده الانمائي : الاقتصاد السوري بحاجه الى 55عاما للعوده الى المستوى الذي كان عليه في 2010قبل الحرب
  • سوريا.. رحلة البحث عن كنوز أثرية في باطن الأرض وبين جدران البيوت