الفرق بيننا وبين البلابسة المستهبلين (٩) حملات مسعورة لهدم الدولة برعاية الدولة!!
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
• عندما تتقاعس الدولةُ عن أداء دورها كدولة، أو تعجز عنه بالكلية، فإنّ المواطنين يظلون يصرُّون على مواصلة حيواتهم بدونها، وليس أمامهم غير القيام بما يستطيعون القيام به من واجبات الدولة المتقاعسة. فإذا كانت الدولة غير موجودة جملةً واحدة، أو أصبح وجودُها كعدمه، فمن سينتظر المواطن ليقوم له بواجبات الدولة المنعدمة أو المتلاشية نحوه ؟!
• وإذا كان المواطنون في الدول الفاسدة فقط، وليست المتلاشية، هم من يقومون بأغلب أدوار الدولة التي (تغلبها) فكيف يكون الوضع إذا كانت الدولة باركةً تماماً، أو منهارةً كدولتنا ؟!!
في مثل هذا الوضع لا مناص أن يكون المواطنون -بشخوصهم- هم الدولة فعلاً لا قولاً، فهم من سيبنون المدارس ليعلموا أبناءهم، وهم من سيبنون مشافيهم ليطببوا أنفسهم وأهاليهم، وهم من سيؤمِّنون مطعمهم ومشربهم بما تيسر، ويحرسون أنعامهم من اللصوص والذئاب والهوام المفترسة بما أمكن، وهم كذلك، وبطبيعة الحال، من سيحرسون أنفسهم وعيالهم وأعراضهم من المعتدين، وبما تيسّر كذلك !
• إنَّ الحياة لهؤلاء لابد أن تمضي ولا تتوقف أبداً مهما حدث لدولتهم أو للكيان الذي يمثل لهم الدولة !
• وفي حال بلادِنا، لا يلومن أحدٌ أحداً شعر بعدم الأمن والأمان فيها، مما كان من صميم واجبات الدولة نحوه، فسعى لتأمين نفسه، وهذا هو قانون الإصرار على البقاء بالضبط، إذ الطبيعي أن يسعى كل شخص لتأمين نفسه وأهله وماله قدر إستطاعته، طالما أستشعر أنه ليس في مأمن، وأنه لا يوجد من يقوم بهذه المهمة نيابةً عنه وهي دولته!!
• صحيحٌ أنه ستترتب مفاسد عظيمة، ولا حصر لها، عندما يمتلك المواطنون السلاح بلا حسيب، وبلا رقيب، في دولةٍ منهارة بلا سلطان، وفي مجتمعاتٍ تسودها القبلية، ويستشرى فيها خطاب الكراهية بطريقةٍ غير مسبوقة.
• من السخريات العجيبة، والتي تقف شاهداً مزرياً على الخوَر والعجز المزري أن تجد (رئيس) الكيان المسمى دولة نفسه يدعو لحملات تسليح المواطنين العشوائية هذه، بعدما عجِز هو نفسه عن توفير الحماية لمواطنيه، والتي هي من صميم واجباته التي ظل يتشدق بها ويمتن بها عليهم في كل محفل، وهذا معناه بالضبط أن رئيس الدولة (العاجز) أصبح يعمل هو نفسُه -بعد عجزِه- على تقويض ما تبقى من الدولة وسلطانها، دع عنك الكيزان والمهووسين والبلابسة وأصحاب الأغراض الذين يؤازرون هذا الرئيس العاجز في إتمام مهمة العجز والإفشال، بعلمٍ أو بغير علم.!!
• ولكن، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّ الدعوات لعدم التسليح، وبيان أضراره الفادحة، ومجرد مناهضة حملاته المسعورة ذات الغرض، حتماً لن يوقفه، لأنه أصبح قناعةً حتى لبعض عامة المواطنين، وسيكون السؤال الحاد المباشر الذي سيواجهك به الجميع، بمن فيهم من يسمى رئيس الدولة العاجز : ما هو البديل للتسليح الذي يعتقد أنه ربما يحمي المواطنين، إلى حدٍّ ما، في حال إنهارت الدولة أو عجزت عن القيام بمهامها ؟!
• إننا نعتقد أن هذا المنعطف هو الأخطر في تسلسل إنهيار الدولة الذي بدأ بإشعال فتيل هذه الحرب الملعونة، وأن أفضل الحلول المتاحة هو إيقاف الحرب بأي ثمن، وفوراً، وقبل أن تصل حملات التسليح المسعورة هذه إلى غاياتها، لأن كل ما يحدث في بلادنا ولأهلنا ولأمننا سببه هذه الحرب، وإيقافها الفوري سيكون هو الحل الذي يمكن به إنقاذ ما تبقى من دولتنا وإعادة ترميمها ووضعها، من ثم، في مسار المعافاة والتصالح توطئةً لنهوضها المتكامل..
• أوقفوا هذه الحرب، فهي أس البلاء، ولا معافاة تحت ظلال سيوفها..
•••
bashiridris@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى
في مدينة بيالي الأوغندية، بعيدًا عن ضجيج الحرب وضياع الأحلام في السودان، يروي آلاف اللاجئين السودانيين قصصهم التي تتأرجح بين المعاناة والنجاح في المنافي القسرية. من بين هؤلاء، تبرز حكاية الموسيقار سعود، الذي كان يسكن منطقة الخوجلاب بمدينة بحري قبل أن تدفعه الحرب إلى مغادرة وطنه، تاركًا خلفه ذكريات عمر كامل، ليبدأ رحلة جديدة في معسكرات اللجوء.
كمبالا: التغيير
الحرب التي تجاوزت عامًا ونصف أجبرت آلاف الأسر السودانية على النزوح القسري، حيث بحثوا عن الأمان داخل البلاد وخارجها. يعيش معظمهم في ظروف إنسانية صعبة، تعكس حجم المعاناة التي فرضها النزاع على حياتهم اليومية.
سعود، المتخصص في العزف على البيانو والجيتار والكمنجة، يصف مسيرته الفنية بأنها رحلة امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، بدأت منذ طفولته في الحفلات المدرسية، واستمرت بالدراسة في معهد الموسيقى والمسرح، الذي أصبح لاحقًا كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان.
لحظة قاسيةيقول سعود: “الموسيقى كانت جزءًا من حياتي حتى قبل الحرب، لكن النزوح أضاف لها أبعادًا جديدة. رغم أصوات الرصاص التي أحاطت بنا، كانت الموسيقى دائمًا بداخلي؛ المعاناة كانت مصدر إلهام، وبدل أن تقيدني، فتحت لي آفاقًا للإبداع”.
عبر سعود مع أسرته الحدود إلى أوغندا، متجهًا إلى معسكر نيومانزي عبر منطقة اليقوا بجنوب السودان. يصف لحظة وصوله بأنها كانت قاسية: “كنا في حالة مزرية، وكانت ذكريات الوطن تطاردني. تركنا خلفنا كل شيء، ووجدنا أنفسنا أمام واقع جديد تمامًا”.
وسط هذه الظروف، كانت الموسيقى طوق النجاة. أطلق سعود مبادرة لدعم اللاجئين نفسيًا عبر الموسيقى، حيث شكّل فرقًا صغيرة من الأطفال والشباب لتقديم جلسات غنائية ودعم نفسي. يروي سعود: “في أول حفل نظمته، رأيت الدموع في عيون الناس، خاصة النساء. قالوا لي إن الأغاني أعادتهم إلى السودان، فبكيت معهم”.
تدريب الأطفالرغم التحديات، استمر سعود في تقديم تدريبات موسيقية للأطفال والشباب، على الرغم من انعدام الكهرباء وضيق المساحات في المعسكر. أنتج ست مقطوعات موسيقية خلال إقامته، لكنه لم يتمكن من تدوينها لعدم توفر النوتات الموسيقية.
يعاني اللاجئون السودانيون من أوضاع نفسية صعبة، حيث تلاحقهم ذكريات الفقد والنزوح القسري. ورغم ذلك، يواصل الكثيرون، مثل سعود، صناعة الأمل وسط الألم.
يقول سعود: “الموسيقى ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي رسالة أمل وسلام. سأستمر في استخدامها لتوحيد السودانيين وإعادة بناء الوطن”. في معسكرات اللجوء، تبقى أصوات الفنانين السودانيين شاهدًا على قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى إبداع، وعلى قوة الموسيقى في خلق حياة جديدة حتى وسط أقسى الظروف.
الوسومآثار الحرب في السودان اللاجئين السودانيين في يوغندا معسكر بيالي للأجئين يوغندا