أي اصطفاف غير الاصطفاف ضد الحركة الإسلامية سيساعد على انتصار الثورة المضادة.

محمد سليمان عبدالرحيم
ليس هناك ما هو أبشع من الحرب، وفي خضم هذه البشاعة تضيع الحقائق وتختلط الأمور ويصبح تمييز الحقيقة من الخيال، أو الواقع من البروباقاندا أمراً صعباً للغاية، كما يصبح من العسير الفصل بين الأمور الجوهرية والثانوية، وبين الأمور الأصيلة وتلك العارضة، وبين المهام العاجلة والآنية وتلك التي يمكن تأجيلها ومعالحتها لاحقاً.

ذلك كان هو حال الحروب تاريخياً، أما الآن فقد جعلت شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومؤخراً تقنيات الذكاء الإصطناعي، الأمر أكثر صعوبة، حيث يمكن للنشطاء إنتاج كميات غير محدودة من المحتوى والذي يتضمن قدراً هائلاً من المعلومات الكاذبة أو المضللة ومقاطع الفيديو الكاذبة التي تنتشر بسرعة الضوء، وتستطيع بالفعل أن تحجب عنا ما يحدث على أرض الواقع.

في حرب أو حروب السودان الحالية لا يقل حجم الأكاذيب والتضليل ضخامة عن حجم التدمير وأكوام المباني والمؤسسات والمصانع والبيوت المنهارة التي قصفت على رؤوس ساكنيها أو شاغليها، ونحن هنا لا نتحدث فقط عن الأكاذيب بشأن من انتصر أو هزم في هذه المعركة أو تلك أو ما إذا كان حميدتي حياً أو ميتاً، وإنما عن إخفاء الحقائق الأساسية للحرب نفسها، وإخفاء دوافعها ومراميها الأصلية تحت هذا الركام القبيح والمؤلم.

إن الحرب التي تحظى بالتغطية الإعلامية الأوفر الآن هي تلك التي تدور كنزاع على السلطة بين الجيش والدعم السريع، أما الحرب الأخطر والتي تدور بعيداً عن التناول اليومي والكثيف للإعلام وبعيداً عن المداولات والنقاشات اليومية، فهي تلك الحرب التي تشنها الحركة الإسلامية (الكيزان) في تسمياتهم المختلفة، المؤتمر الوطني أو غير ذلك، في الخفاء ضد الشعب السوداني وقوى الثورة تحديداً. لقد تم إشعال حرب 15 أبريل بصورة رئيسية للقضاء على ثورة ديسمبر. فمنذ انتصار الثورة وتمكنها من اقتلاع رأس النظام البائد في أبريل 2019، لم تتوقف محاولات فلول النظام البائد والحركة الإسلاميةوأذنابها، لهزيمة الثورة واستعادة السلطة. لقد حاولوا ذلك عبر مجزرة فض الاعتصام، وعبر تشويه وتزييف الوثيقة الدستورية، وعبر الالتفاف على الحكومة الانتقالية الأولى، وعبر ما سمي باتفاقية سلام جوبا، وعبر انقلاب 25 أكتوبر 2021، وحينما فشلوا في كل ذلك أشعلوا الحرب.

إذا كانت الحقيقة الأساسية لهذه الحرب هي أنها حرب الكيزان للقضاء النهائي على ثورة ديسمبر، فلماذا لا تحظى تلك الحقيقة الأساسية بمثل الكثافة الإعلامية التي تحظى بها حرب الجيش والدعم السريع؟ الحركة الإسلامية تعلم جيداً أنه لوتم التركيز على تلك الحقيقة الأساسية فإن الأغلبية الساحقة من الشعب ستقف في صف الثورة وستهزم مخطط الكيزان، لهذا فقد تم إشعال الحرب الثانية (الحرب الخديعة) بين الجيش والدعم السريع لتحقيق اصطفاف على هذا الأساس، لا على أساس الثورة أو الكيزان، وهو اصطفاف قد تتمكن الحركة الإسلامية عن طريقه من تحييد، إن لم نقل اجتذاب، قطاعات شعبية واسعة إلى جانبها تحت ستار الوقوف مع "الجيش الوطني ضد الميليشيا الأجنبية، والجيش المؤسساتي ضد الميليشيا المتفلتة وهكذا .. هذه الخديعة لم تنطل على قطاعات عريضة من الشعب فحسب، كما أرادت الحركة الإسلامية، وإنما تلقفتها حفنة من المفكرين والمثقفين المحسوبين على الثورة ذاتها وأخذت تروج لها بحيث لم تعد الحركة الإسلامية في حاجة للقيام بتسويق خديعتها بنفسها.

وحتى تكتسب مقولاتهم الزائفة بعض المصداقية، فإن مروجي خديعة الحركة الإسلامية يتفقون معنا في أن هناك معركة أساسية ضد الحركة الإسلامية، ولكنهم يقولون أن تلك المعركة مؤجلة الآن وإلى حين القضاء على ميليشيا الدعم السريع، أي إلى حين انتصار الجيش! هؤلاء المثقفون والمفكرون يغفلون، أو يتغافلون، عن أشياء كثيرة، وأول ما يغفلونه، أو يتغافلون عنه، هو أنه إذا كانت معركتنا ضد الحركة الإسلامية مؤجلة، فإن معركة الحركة الإسلامية ضدنا ليست مؤجلة، إنها تشنها ضدنا يومياً بمختلف السبل والوسائل. إنها تقصف البيوت والأسواق والمستشفيات والمصانع وتهدم الكباري والجسور وتهجر الناس. من جانب آخر، هي تعتقل وتعذب النشطاء من قوى الثورة والعاملين على توفير سبل الحياة للمواطنين ومساعدتهم من لجان الطوارئ وغيرهم. هؤلاء المثقفون والمفكرون يغفلون أن الحركة الإسلامية لا تخوض حربها بواسطة الجيش فقط، وإنما تستدعي في هذه الحرب كل شياطين الحروب التاريخية في السودان، شياطين العنصرية، والجهوية والمتاجرة بالدين . حينما ينسحب الجيش ترتفع أصوات العنصرية البغيضة، وحينما يتم الاستيلاء على مقاره، تنتشر فتاوي علماء السوء، وحينما يهرب الجنود من الميدن يتم استدعاء "المستنفرين" أو صناعة أكذوبة المقاومة الشعبية. ما يغفله أولئك المثقفون والمفكرون هو أنه إذا فشلت الحركة الإسلامية في حربها بواسطة الجيش فستشنها عن طريق أهل الشمال والوسط ضد "الغرابة"، وعن طريق "دولة البحر والنهر" ضد دولة "العطاوة". إذن، فحرب الحركة الإسلامية لإجهاض ثورة ديسمبر لن تنتهي حتى ولو انهزم الجيش تماماً، بل أن الحركة الإسلامية لو اضطرت في سبيل القضاء على ثورة ديسمبر نهائياً للتحالف مع الدعم السريع ذاته، فستفعل ذلك.
الأمر الآخر والأهم الذي يغفله أولئك المفكرون والمثقفون هو أنه إذا تحقق انتصار الجيش، فإن الحركة الإسلامية لن تكون في حاجة لمعركة أخرى لاستلام السلطة من جديد. إن انتصار الجيش هو، ببساطة، الانتصار الحاسم للحركة الإسلامية. بالطبع سيقولون لنا أن الحركة الجماهيرية لن تسكت وستقاوم من جديد إلخ .. إلخ.. ولكن حينما ينتصر الجيش ستكون الحركة الإسلامية قد قضت تماماً على كل مراكز القوة والنشاط في الحركة الجماهيرية، وسيكون على هذه الحركة الانتظار طويلاً قبل أن تستطيع التحرك من جديد.

ما أود أن أقوله في ختام هذا المقال هو بالتحديد أن أي اصطفاف غير الاصطفاف الواضح والكامل ضد الكيزان والحركة الإسلامية لن يقودنا إلى تحقيق أهدافنا في إيقاف الحرب وإقامة الدولة المدنية واسترداد الثورة. إن أي اصطفافات أخرى ستعمل على تقسيم صفوف القوى الشعبية والمدنية، كما هو حاصل الآن، ولن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب أو القبول بتسويات ضعيفة تعيد إنتاج الأزمة.

abuhisham51@outlook.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة ثورة دیسمبر

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي يكشف عدد الأهداف التي ضربها في غزة

كشف الجيش الإسرائيلي ، مساء اليوم الثلاثاء 25 مارس 2025 ، عدد الأهداف التي ضربها في قطاع غزة ، منذ يوم الثلاثاء الماضي.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان صحفي إنه هاجم 420 هدفا بغزة بشكل دقيق منذ الثلاثاء الماضي وقتلنا 150 "مخربا" كانوا تحت مراقبتنا ومتابعتنا الدقيقة.

وأضاف :" هاجمنا أكثر من 100 مركبة مثل تلك التي شاركت في هجوم السابع من أكتوبر ، ونحن نهاجم أهدافا وفق جودتها وليس على حساب الكمية".

وأوضح أنه تم نقل قوة من الفرقة 36 إلى القيادة الجنوبية وتم إعدادها للعمليات في غزة

وقال الجيش الإسرائيلي :"سنحافظ على الغموض في الخطة والكثافة المطلوبة ، ونعمل وفق خطة منهجية ومرحلية عرضت على القيادة السياسية ونحن مصممون على تحقيق أهداف الحرب".


 

الجيش الإسرائيلي يستعد للمرحلة التالية

قالت صحيفة معاريف ، إنه لا توجد حاليا أي مقترحات جديدة ولا مفاوضات بشأن غزة وإن الجيش الإسرائيلي يستعد للمرحلة التالية من عمليته في القطاع الفلسطيني.

وأضاف أن "إسرائيل تصر على أن مثل هذا العرض لم يصل إلى المسؤولين الإسرائيليين عبر الوسطاء".

ونقلت عن مصدر إسرائيلي رسمي لم تسمه: "لا يوجد أي تقدم في المفاوضات، بل في الواقع لا توجد مفاوضات على الإطلاق".

وتابع المصدر: "لذلك تستعد إسرائيل للانتقال إلى المرحلة التالية من العملية العسكرية في غزة".

وأضاف المصدر أن المرحلة التالية من العدوان العسكري "تهدف إلى "زيادة الضغط على حماس ودفع كبار قادتها إلى إبداء مرونة والموافقة على مناقشة الخطة التي اقترحها المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف".

وقال مصدر إسرائيلي آخر مطلع للصحيفة إن "القيادة السياسية الإسرائيلية تسعى إلى إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المختطفين، مع التركيز على الأحياء منهم".

وأردف: "من المتوقع أن يتزايد الضغط العسكري بهدف إجبار حماس على الجلوس إلى طاولة المفاوضات".

واستدرك: لكن "مع ذلك، فإن إسرائيل غير مستعدة لقبول أي خطة أقل من مقترح ويتكوف".

ووفق وسائل إعلام عبرية فإن ويتكوف قدم مقترحا لإطلاق 10 أسرى إسرائيليين مقابل 50 يوما من وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجون إسرائيل، وإدخال مساعدات إنسانية، وبدء مفاوضات حول المرحلة الثانية.

وفي مارس الجاري قالت "حماس" إنها لم ترفض مقترح ويتكوف، وإن نتنياهو استأنف حرب الإبادة الجماعية على غزة لإفشال الاتفاق.

وأعلنت الحركة، في اليوم التالي، موافقتها على مقترح قدمه الوسطاء، يتضمن إطلاق جندي إسرائيلي-أمريكي وتسليم 4 جثامين لمزدوجي الجنسية، في إطار استئناف مفاوضات المرحلة الثانية.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية نتنياهو يبدأ غدا مقابلات لاختيار رئيس جديد للشاباك إصابة شخص برصاص الاحتلال بادعاء محاولته دهس عناصر شرطة بالقدس الاحتلال يصادق على أكثر من 10 آلاف وحدة استعمارية بالضفة منذ بداية 2025 الأكثر قراءة تفاصيل اجتماع وفد حماس مع وزير خارجية تركيا في أنقرة ساعر: العملية العسكرية ضد غزة ستتواصل في الأيام المقبلة الاتحاد الأوروبي : معبر رفح مغلق حتى إشعار آخر الأمم المتحدة تعقب على استئناف القتال في غزة عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الحركة الشعبية المعارضة تفقد الاتصال ب “مشار” وتقرير أممي يكشف عن اشتباكات في جوبا
  • الإعلامية يسرية محمد الحسن تروي تفاصيل مأساوية..صور حيه من واقع حرب الجنجويد ضد الوطن والمواطن!!..
  • انتصار عسكري كبير.. كيف فرض الجيش السوداني سيطرته على الخرطوم؟
  • إنهيار المليشيا .. الحلقة الأخيرة من تراجيديا الجنجويد
  • في محاضرته الرمضانية الثانية والعشرين قائد الثورة: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم تجاه المخاطر التي تستهدفهم مهمة جداً
  • عملية هروب الجنجويد، تقابلها عمليات استعدادات ضخمة لقوات الجيش بمختلف المحاور
  • أمين عام البحوث الإسلامية لـ«البوابة نيوز»: نعمل فى إطار الرسالة الشاملة للأزهر.. نركز على كل القضايا التي تمس الإنسان بشكل مباشر.. والخطاب الديني المستنير يراعي واقع المجتمع
  • الجيش الإسرائيلي يكشف عدد الأهداف التي ضربها في غزة
  • في محاولة لتحرير مشار.. الحركة الشعبية المعارضة تتخذ خطوة مفاجئة
  • هل يدرك بقايا الجنجويد ما ينتظرهم؟