حروب السودان .. أيهم أولاً، حرب الكيزان أم حرب الجنجويد؟؟
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
أي اصطفاف غير الاصطفاف ضد الحركة الإسلامية سيساعد على انتصار الثورة المضادة.
محمد سليمان عبدالرحيم
ليس هناك ما هو أبشع من الحرب، وفي خضم هذه البشاعة تضيع الحقائق وتختلط الأمور ويصبح تمييز الحقيقة من الخيال، أو الواقع من البروباقاندا أمراً صعباً للغاية، كما يصبح من العسير الفصل بين الأمور الجوهرية والثانوية، وبين الأمور الأصيلة وتلك العارضة، وبين المهام العاجلة والآنية وتلك التي يمكن تأجيلها ومعالحتها لاحقاً.
في حرب أو حروب السودان الحالية لا يقل حجم الأكاذيب والتضليل ضخامة عن حجم التدمير وأكوام المباني والمؤسسات والمصانع والبيوت المنهارة التي قصفت على رؤوس ساكنيها أو شاغليها، ونحن هنا لا نتحدث فقط عن الأكاذيب بشأن من انتصر أو هزم في هذه المعركة أو تلك أو ما إذا كان حميدتي حياً أو ميتاً، وإنما عن إخفاء الحقائق الأساسية للحرب نفسها، وإخفاء دوافعها ومراميها الأصلية تحت هذا الركام القبيح والمؤلم.
إن الحرب التي تحظى بالتغطية الإعلامية الأوفر الآن هي تلك التي تدور كنزاع على السلطة بين الجيش والدعم السريع، أما الحرب الأخطر والتي تدور بعيداً عن التناول اليومي والكثيف للإعلام وبعيداً عن المداولات والنقاشات اليومية، فهي تلك الحرب التي تشنها الحركة الإسلامية (الكيزان) في تسمياتهم المختلفة، المؤتمر الوطني أو غير ذلك، في الخفاء ضد الشعب السوداني وقوى الثورة تحديداً. لقد تم إشعال حرب 15 أبريل بصورة رئيسية للقضاء على ثورة ديسمبر. فمنذ انتصار الثورة وتمكنها من اقتلاع رأس النظام البائد في أبريل 2019، لم تتوقف محاولات فلول النظام البائد والحركة الإسلاميةوأذنابها، لهزيمة الثورة واستعادة السلطة. لقد حاولوا ذلك عبر مجزرة فض الاعتصام، وعبر تشويه وتزييف الوثيقة الدستورية، وعبر الالتفاف على الحكومة الانتقالية الأولى، وعبر ما سمي باتفاقية سلام جوبا، وعبر انقلاب 25 أكتوبر 2021، وحينما فشلوا في كل ذلك أشعلوا الحرب.
إذا كانت الحقيقة الأساسية لهذه الحرب هي أنها حرب الكيزان للقضاء النهائي على ثورة ديسمبر، فلماذا لا تحظى تلك الحقيقة الأساسية بمثل الكثافة الإعلامية التي تحظى بها حرب الجيش والدعم السريع؟ الحركة الإسلامية تعلم جيداً أنه لوتم التركيز على تلك الحقيقة الأساسية فإن الأغلبية الساحقة من الشعب ستقف في صف الثورة وستهزم مخطط الكيزان، لهذا فقد تم إشعال الحرب الثانية (الحرب الخديعة) بين الجيش والدعم السريع لتحقيق اصطفاف على هذا الأساس، لا على أساس الثورة أو الكيزان، وهو اصطفاف قد تتمكن الحركة الإسلامية عن طريقه من تحييد، إن لم نقل اجتذاب، قطاعات شعبية واسعة إلى جانبها تحت ستار الوقوف مع "الجيش الوطني ضد الميليشيا الأجنبية، والجيش المؤسساتي ضد الميليشيا المتفلتة وهكذا .. هذه الخديعة لم تنطل على قطاعات عريضة من الشعب فحسب، كما أرادت الحركة الإسلامية، وإنما تلقفتها حفنة من المفكرين والمثقفين المحسوبين على الثورة ذاتها وأخذت تروج لها بحيث لم تعد الحركة الإسلامية في حاجة للقيام بتسويق خديعتها بنفسها.
وحتى تكتسب مقولاتهم الزائفة بعض المصداقية، فإن مروجي خديعة الحركة الإسلامية يتفقون معنا في أن هناك معركة أساسية ضد الحركة الإسلامية، ولكنهم يقولون أن تلك المعركة مؤجلة الآن وإلى حين القضاء على ميليشيا الدعم السريع، أي إلى حين انتصار الجيش! هؤلاء المثقفون والمفكرون يغفلون، أو يتغافلون، عن أشياء كثيرة، وأول ما يغفلونه، أو يتغافلون عنه، هو أنه إذا كانت معركتنا ضد الحركة الإسلامية مؤجلة، فإن معركة الحركة الإسلامية ضدنا ليست مؤجلة، إنها تشنها ضدنا يومياً بمختلف السبل والوسائل. إنها تقصف البيوت والأسواق والمستشفيات والمصانع وتهدم الكباري والجسور وتهجر الناس. من جانب آخر، هي تعتقل وتعذب النشطاء من قوى الثورة والعاملين على توفير سبل الحياة للمواطنين ومساعدتهم من لجان الطوارئ وغيرهم. هؤلاء المثقفون والمفكرون يغفلون أن الحركة الإسلامية لا تخوض حربها بواسطة الجيش فقط، وإنما تستدعي في هذه الحرب كل شياطين الحروب التاريخية في السودان، شياطين العنصرية، والجهوية والمتاجرة بالدين . حينما ينسحب الجيش ترتفع أصوات العنصرية البغيضة، وحينما يتم الاستيلاء على مقاره، تنتشر فتاوي علماء السوء، وحينما يهرب الجنود من الميدن يتم استدعاء "المستنفرين" أو صناعة أكذوبة المقاومة الشعبية. ما يغفله أولئك المثقفون والمفكرون هو أنه إذا فشلت الحركة الإسلامية في حربها بواسطة الجيش فستشنها عن طريق أهل الشمال والوسط ضد "الغرابة"، وعن طريق "دولة البحر والنهر" ضد دولة "العطاوة". إذن، فحرب الحركة الإسلامية لإجهاض ثورة ديسمبر لن تنتهي حتى ولو انهزم الجيش تماماً، بل أن الحركة الإسلامية لو اضطرت في سبيل القضاء على ثورة ديسمبر نهائياً للتحالف مع الدعم السريع ذاته، فستفعل ذلك.
الأمر الآخر والأهم الذي يغفله أولئك المفكرون والمثقفون هو أنه إذا تحقق انتصار الجيش، فإن الحركة الإسلامية لن تكون في حاجة لمعركة أخرى لاستلام السلطة من جديد. إن انتصار الجيش هو، ببساطة، الانتصار الحاسم للحركة الإسلامية. بالطبع سيقولون لنا أن الحركة الجماهيرية لن تسكت وستقاوم من جديد إلخ .. إلخ.. ولكن حينما ينتصر الجيش ستكون الحركة الإسلامية قد قضت تماماً على كل مراكز القوة والنشاط في الحركة الجماهيرية، وسيكون على هذه الحركة الانتظار طويلاً قبل أن تستطيع التحرك من جديد.
ما أود أن أقوله في ختام هذا المقال هو بالتحديد أن أي اصطفاف غير الاصطفاف الواضح والكامل ضد الكيزان والحركة الإسلامية لن يقودنا إلى تحقيق أهدافنا في إيقاف الحرب وإقامة الدولة المدنية واسترداد الثورة. إن أي اصطفافات أخرى ستعمل على تقسيم صفوف القوى الشعبية والمدنية، كما هو حاصل الآن، ولن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب أو القبول بتسويات ضعيفة تعيد إنتاج الأزمة.
abuhisham51@outlook.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة ثورة دیسمبر
إقرأ أيضاً:
التقدمي معزيا الجيش: لضرورة وقف العدو لكل انتهاكاته وانسحابه من النقاط الخمس التي احتلّها
يتوجّه الحزب التقدمي الإشتراكي في بيان "بتحية إكبارٍ إلى الجيش اللبناني الذي يواصل تقديم التضحيات في مهمّاته الكبيرة على مساحة الوطن"، ويتقدم "بالتعازي الحارة من الجيش وقيادته وأفراده باستشهاد الملازم الشهيد محمود أحمد زيتون، المعاون الأول الشهيد علي إبراهيم أحمد والرقيب الأول الشهيد جودات سليم نورا ومن عائلاتهم"، ويدعو "بالشفاء العاجل للجرحى الذين أصيبوا نتيجة الانفجار الذي طال آلية للجيش اليوم".
أضاف البيان: "إنّ الحزب التقدمي الإشتراكي إذ يجدّد وقوفه إلى جانب الجيش اللبناني، ويشيد بالجهود التي تبذلها المؤسّسة العسكرية في حفظ السلم الأهلي، وحماية لبنان وحرصه على أن تطبّق القرارات الدولية، وبخاصة منها القرار 1701، يدعو إلى التنبّه الدائم للعدو الإسرائيلي المستمر في اعتداءاته على لبنان، ويشدّد على ضرورة وقف العدو لكل انتهاكاته، وانسحابه من النقاط الخمس التي احتلّها خلال الحرب الأخيرة على لبنان". مواضيع ذات صلة حسين الحاج حسن: العدو ما زال يحتل اراض لبنانية وتجاوز النقاط الخمس Lebanon 24 حسين الحاج حسن: العدو ما زال يحتل اراض لبنانية وتجاوز النقاط الخمس 20/04/2025 20:54:38 20/04/2025 20:54:38 Lebanon 24 Lebanon 24 إنسحاب إسرائيل من النقاط الخمس محور زيارة عون الى السعودية Lebanon 24 إنسحاب إسرائيل من النقاط الخمس محور زيارة عون الى السعودية
20/04/2025 20:54:38 20/04/2025 20:54:38 Lebanon 24 Lebanon 24 اسرائيل توسّع اعتداءاتها بعد المهلة وعون يطالب والتز بانهاء احتلال النقاط الخمس Lebanon 24 اسرائيل توسّع اعتداءاتها بعد المهلة وعون يطالب والتز بانهاء احتلال النقاط الخمس
20/04/2025 20:54:38 20/04/2025 20:54:38 Lebanon 24 Lebanon 24 رجي: لممارسة أقسى الضغوط على إسرائيل للانسحاب من كل الأراضي اللبنانية التي تحتلها Lebanon 24 رجي: لممارسة أقسى الضغوط على إسرائيل للانسحاب من كل الأراضي اللبنانية التي تحتلها
20/04/2025 20:54:38 20/04/2025 20:54:38 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً
وزير الدفاع يتصل بقائد الجيش معايدا
Lebanon 24 وزير الدفاع يتصل بقائد الجيش معايدا
13:38 | 2025-04-20 20/04/2025 01:38:07 Lebanon 24 Lebanon 24 كلاس عن شهداء الجيش: التضحية المكتوبة بالدم
Lebanon 24 كلاس عن شهداء الجيش: التضحية المكتوبة بالدم
13:08 | 2025-04-20 20/04/2025 01:08:00 Lebanon 24 Lebanon 24 السنيورة: شهداء اليوم على طريق تحرير لبنان من الاحتلال واستعادة الدولة لسلطتها
Lebanon 24 السنيورة: شهداء اليوم على طريق تحرير لبنان من الاحتلال واستعادة الدولة لسلطتها
13:01 | 2025-04-20 20/04/2025 01:01:33 Lebanon 24 Lebanon 24 البزري هنأ المطرانين حداد والعمار بعيد الفصح
Lebanon 24 البزري هنأ المطرانين حداد والعمار بعيد الفصح
12:55 | 2025-04-20 20/04/2025 12:55:22 Lebanon 24 Lebanon 24 الحجار معزيا بشهداء الجيش: حمى الله لبنان
Lebanon 24 الحجار معزيا بشهداء الجيش: حمى الله لبنان
12:05 | 2025-04-20 20/04/2025 12:05:35 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة
الذهب يحلّق بلا سقف... لماذا ارتفعت اسعاره هكذا؟
Lebanon 24 الذهب يحلّق بلا سقف... لماذا ارتفعت اسعاره هكذا؟
15:24 | 2025-04-19 19/04/2025 03:24:31 Lebanon 24 Lebanon 24 من البحر.. هكذا قُصفت مواقع "حزب الله"!
Lebanon 24 من البحر.. هكذا قُصفت مواقع "حزب الله"!
16:23 | 2025-04-19 19/04/2025 04:23:32 Lebanon 24 Lebanon 24 من بينهم ملازم... هؤلاء هم شهداء الجيش الذين سقطوا في القصيبة - بريقع
Lebanon 24 من بينهم ملازم... هؤلاء هم شهداء الجيش الذين سقطوا في القصيبة - بريقع
07:42 | 2025-04-20 20/04/2025 07:42:04 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. هذا ما حصل مع البطريرك الراعي خلال قداس "الفصح"
Lebanon 24 بالفيديو.. هذا ما حصل مع البطريرك الراعي خلال قداس "الفصح"
03:45 | 2025-04-20 20/04/2025 03:45:31 Lebanon 24 Lebanon 24 بالليرة.. كم تحتاج العائلة اللبنانية شهرياً للعيش؟
Lebanon 24 بالليرة.. كم تحتاج العائلة اللبنانية شهرياً للعيش؟
16:00 | 2025-04-19 19/04/2025 04:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان
13:38 | 2025-04-20 وزير الدفاع يتصل بقائد الجيش معايدا 13:08 | 2025-04-20 كلاس عن شهداء الجيش: التضحية المكتوبة بالدم 13:01 | 2025-04-20 السنيورة: شهداء اليوم على طريق تحرير لبنان من الاحتلال واستعادة الدولة لسلطتها 12:55 | 2025-04-20 البزري هنأ المطرانين حداد والعمار بعيد الفصح 12:05 | 2025-04-20 الحجار معزيا بشهداء الجيش: حمى الله لبنان 12:00 | 2025-04-20 عن "ملاجئ إسرائيل" ولبنان.. إليكم ما قاله جنرالٌ بارز فيديو ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود
Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود
01:00 | 2025-04-15 20/04/2025 20:54:38 Lebanon 24 Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو)
Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو)
04:17 | 2025-04-14 20/04/2025 20:54:38 Lebanon 24 Lebanon 24 جويس عقيقي تتمنى مُقابلة بشار الأسد لهذا السبب.. وهذا ما قالته عن ترك هشام حداد محطة الـ MTV (فيديو)
Lebanon 24 جويس عقيقي تتمنى مُقابلة بشار الأسد لهذا السبب.. وهذا ما قالته عن ترك هشام حداد محطة الـ MTV (فيديو)
01:42 | 2025-04-12 20/04/2025 20:54:38 Lebanon 24 Lebanon 24
Download our application
مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة
Download our application
Follow Us
Download our application
بريد إلكتروني غير صالح Softimpact
Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24