موقع النيلين:
2025-04-16@02:55:42 GMT

دولة 1956 في السودان: يتيمة في يوم استقلالها (2-2)

تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT


اليوم هو العيد الـ 68 لاستقلال السودان في الأول من يناير 1956. وهو يوم يتم طقوسي وسياسي للعيد لم يقع له من قبل. فلن تنعقد الاحتفالات التقليدية به بسبب الحرب. وهذا مفهوم، لكن يجيء صميم يتمه من أن قضية هذه الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، بحسب القائمين بها، هي تقويض “دولة 56″، أي دولة الاستقلال.
لم يتوقف نقد هذه الدولة منذ الاستقلال ممن صار يعرف بأهل الهامش السوداني محتجين على حظهم البئيس منها لاستئثار أهل النيل والوسط الشماليين بوظائفها ولذائذها.

وتنوعت صور الطعن في الاستقلال لتراوح ما بين الأحزاب والمنظمات الإقليمية مثل مؤتمر البجا، وجبهة نهضة دارفور، واتحاد جبال النوبة، والحركات المسلحة التي طبعت تاريخنا في الاستقلال بحرب أهلية أزلية. ولم تبلغ أي من هذه الاحتجاجات مبلغ قوات “الدعم السريع” من مناضلة الاستقلال المنقوص. فهي الآن، غيرها جميعاً، على أبواب العاصمة، التي كان ارتفع عليها علمه قبل 68 سنة، تريد استكماله بيدها.
وسقم الهامش من الاستقلال واضح. لكن ثمة ضجراً آخر من الاستقلال ذاع بين صفوة الشمال والوسط المتهمين أنفسهم بالاستئثار بالاستقلال من غير التفات كبير له. وبدا كامتياز للفئة تنغمس فيه بغير مسائل أو معقب، أو هذا ما خيل لها. فقد تمكنت منها الخيبة الطويلة من بشريات الحرية الوطنية. وبلغ بؤس المردود المشاهد من الاستقلال حداً دفعها إلى الاعتقاد بخطأ نيلنا الحرية الوطنية أصلاً. وهو تنصل صريح من الاستقلال بالندامة على فعل الحرية ومردودها.
البادي أن صفوتنا في المركز والهامش نبحتا الشجرة الخطأ، في قول الإنجليزية، في ما اتصل بالدولة الاستعمارية. فاصطرعا على وظائفها مضربين عن النفاذ إلى بنيتها التي تناسلت عن عنف محض. فنهشوا وظائفها كأن القسط في توزيعها بالسوية لا في تفكيكها وردها من دولة للرعايا إلى دولة لمواطنين. وبلغت الأطراف بفقه هذا النهش حداً سخرياً. فكل من قرأ نصوص اتفاقات سلام جوبا (2020) بين الحكومة الانتقالية وحركات دارفور المسلحة لا بد يزكمه افتضاح التجاحد فيها بما لم تعد الوظيفة فيها وظيفة للخدمة العامة، بل كسباً لكهف من كهوف الوطن، أو غنيمة. وأثار الاتفاق بمغالاته في تدبيج الحركات المسلحة بالوظيفة العامة حسد أقاليم أخرى لم تحمل السلاح قبلاً. وظنت بنفسها ظن الهوان لأنها سالمت وخسرت في حين كسب من خرج للدولة بالسلاح. وأول خروج أبو عاقلة كيكل، الذي قاد هجوم الدعم السريع على مدينة مدني، كان على رأس قوة مستقلة باسم “درع السودان” يريد لشرق السودان غلاباً ما ناله غربه.
لو نفذت الصفوة في المركز والهامش إلى بنية العنف والامتياز في دولة الاستعمار لتجاوزوا وراثتها إلى تفكيكها. وما أضلهم عن هذا إلا زعمهم أن الإنجليز أقاموا وسطهم خدمة مدنية زاهرة خربوها هم في الاستقلال بأيديهم. وعموا عن الحق. فالاستعمار، بتعريفه ذاته، لا ينتج خدمة مدنية. فهو تعريف براء من الخدمة المدنية التي تفترض قيام جماعة من الموظفين بخدمة أمة من الناس شريطة أن تكون هذه الجماعة المخصوصة مساءلة أمام هذه الأمة مهما اشتطت في بيروقراطيتها، أو إذعانها للمستبدين من الحكام.
فالدولة الاستعمارية ليست حكومة في المعنى المصطلح عليه لتكون لديها خدمة مدنية. فالأصل في الحكومة نشأتها لإدارة جماعات من السكان. بينما حكومة الاستعمار نشأت لإدارة رقعة جغرافية تستأثر بخير ظاهرها وباطنها. أما سكان هذه الرقعة فهم عبء. ولهذا لم يسلموا من الإبادة في الأميركتين وأستراليا ونيوزيلندا والجنوب الأفريقي وغيرها لكي تخلو الأرض للغازي الذي جاء ليتملكها.
وعبر سيسل رودس، الحاكم الإنجليزي لمستعمرة كيب تاون في جنوب أفريقيا، عن شبق المستعمرين للأرض دون الناس بقوله، “إنني أفضل أرض الأهالي عليهم”. والقول إن ما تركه الإنجليز فينا خدمة مدنية يكذبه أن موظفي تلك الخدمة هم خدام الإمبراطورية البريطانية، ولم يقتصر عمل كثير منهم على السودان. فكانوا ينقلون من موضع في تلك الخدمة إلى موقع بعده بحسب حاجة الإمبراطورية. ومن فرط بعد الإنجليز في حكومتهم عن مفهوم الخدمة المدنية سموها “قلم السودان” لو صحت الترجمة عن “Sudan service”. واشتهرت في الحركة الوطنية باسم حكومة المفتشين الذي يجمع الواحد منهم بين السلطات الإدارية والقضائية حيث هو. فقولنا بـ”خدمة مدنية” في عهد الاستعمار مما يعرف في الإنجليزية بـ”أوكسمورن oxymoron”، أي العبارة التي تلغي نفسها بنفسها.
ومن أبلغ ما قرأته في وصف غربة حكومة الاستعمار قول أحدهم إنها دولة مفكسة (من fax)، أي إنها صورة من أصل. والأصل هو الحكومة في حواضر الإمبريالية مثل لندن وباريس وروما. فمرجع الحكومة في البلد المستعمر مثل السودان هو الحكومة الإنجليزية. فالإدارة الإنجليزية عندنا مكلفة من قبل حكومة الحاضرة الإمبريالية استنزاف موارد البلد المستعمر، ومحرج عليها ألا تضيع مال دافع الضرائب البريطاني في ما لا عائد منه رفعاً لعناء الأهالي أو شفقة بهم. ولهذا ترك الإنجليز أقاليم في السودان مثل جنوبه ودارفور وغيرهما بكراً من التنمية والخدمات لأنهما عصيين على عائد الاستثمار فيهما.
عشنا تجربة الدولة الاستعمارية فينا. وحين لم نستصف إلا الوظيفة منها افترس بعضنا بعضاً للمغنم منها. وبقيت بنيتها فينا بصور شتى. وليس أقلها خطراً أننا عشنا في ظل نظم ديكتاتورية مقطوعة من قماشة الدولة الكتشنرية (أول حاكم عام إنجليزي على السودان في 1989) الاستعمارية حجبت عنا حق اختيار الحكومة فينا لـ43 سنة من عمر استقلالنا (68 سنة). فالشير كان فينا كتشنرياً باختلاف وهمي هو أنه خلافاً عن كتشنر يعقد الانتخابات غير المقصودة لانتخاب غيره أو انتخاب بطانته. وزادت صراعات نهش جاه الدولة الاستعمارية ضغثاً على إبالة. ولهذا قال العالم المصقع عبدالله الطيب إنه لم يخرج الإنجليز من بلدنا لكنهم قاموا فينا، بالحكم الوطني، “بعاتي” (بعاثي، عفريت بلغة مصر) له خنخنة.
وهذا البعاتي هو الذي تزعم قوات “الدعم السريع” خروجها لكتابة نهايته.
المشهد من حفل بالاستقلال نظمته الجماعة السودانية بمدينتي كلولمبيا ميزوري بقيادة الأمهات رأفة بأطفالهم من كآ بة منظر السودان في عيده هذه المرة. وكان هؤلاء الأطقال من ساد في فقرات الحفل. والفديو هذا لمشهد جاء فيه كل صبي يمثل إقليماً من السودان يشير فيه إلى منزلته في الوطن ثم يصرخ لماذا يحدث له هذا. ويقعي على الأرض. ثم ينهض جميعهم يحمل كل منهم خارطة إقليمه الذي مثله ليشكلوا منها في كليتها سوداناً متضامناً.

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: دولة الاستعمار من الاستقلال حکومة فی

إقرأ أيضاً:

الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار

دعت دولة الإمارات العربية المتحدة كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الموافقة على وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار، وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية.
وأكدت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في السودان، وإنما فقط حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني.

وأوضح البيان إلى أنه: «مع دخول حرب السودان المدمرة عامها الثالث، تصدر الإمارات العربية المتحدة دعوة عاجلة للسلام. إن الكارثة الإنسانية التي تتكشف في السودان هي من بين أشد الكوارث في العالم: أكثر من 30 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة عاجلة، والمجاعة تنتشر، والمساعدات يتم حظرها عمداً».
وأضاف البيان: «وما زالت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ترتكب الفظائع. إن الهجمات المستمرة للقوات المسلحة السودانية - التي تميزت بتكتيكات التجويع، والقصف العشوائي للمناطق المأهولة بالسكان، والأعمال الانتقامية ضد المدنيين، بما في ذلك عمال غرف الاستجابة للطوارئ، والاستخدام المبلغ عنه للأسلحة الكيميائية - ألحقت معاناة لا يمكن تصورها بالسكان المدنيين الذين هم بالفعل على شفا الانهيار. تدين الإمارات هذه الفظائع بشكل لا لبس فيه وتدعو إلى المساءلة. كما تدين الإمارات بشدة الهجمات الأخيرة على المدنيين في دارفور، بما في ذلك الاعتداءات الوحشية على مخيمي زمزم وأبو شوك بالقرب من الفاشر، والتي أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى. يجب على جميع أطراف النزاع وقف الاستهداف المتعمد للعاملين في المجال الإنساني والقصف العشوائي للمدارس والأسواق والمستشفيات».

وتابع البيان: في هذه اللحظة من المعاناة الهائلة، تدعو الإمارات العربية المتحدة إلى اتخاذ إجراءات فورية على ثلاث جبهات:

1. وقف إطلاق النار والعملية السياسية


يجب أن تصمت البنادق. وتحث الإمارات كلا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الموافقة على وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار وعلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحسن نية. لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري - فقط حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني.

2. وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق


وعرقلة المعونة أمر غير معقول، كما أن تسليح المعونة الإنسانية والإمدادات الغذائية عمل مدان. يجب على كلا الطرفين السماح بالوصول الفوري والآمن والعاجل للمنظمات الإنسانية للوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليها في جميع أنحاء السودان. وتدعو الإمارات الأمم المتحدة إلى منع الأطراف المتحاربة من استخدام المساعدات الإنسانية لأغراض عسكرية أو سياسية. حياة الملايين من المدنيين تعتمد على ذلك.

3. الضغط الدولي


ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل على وجه السرعة لتيسير عملية سياسية، وزيادة المساعدة الإنسانية، وممارسة ضغط منسق على جميع الجهات الفاعلة التي تغذي الصراع. وندعو إلى الانتقال إلى حكومة مستقلة يقودها مدنيون—وهي الشكل الوحيد للقيادة التي يمكن أن تمثل شعب السودان تمثيلا شرعيا وتضع الأساس لسلام دائم. لا يمكن للعالم أن يسمح للسودان بالتحول إلى مزيد من الفوضى والتطرف والتشرذم.
منذ اندلاع النزاع، قدمت الإمارات العربية المتحدة أكثر من 600 مليون دولار أمريكي كمساعدات إنسانية للسودان والدول المجاورة—بما في ذلك من خلال وكالات الأمم المتحدة، بنزاهة، على أساس الحاجة ودون تمييز. ولا نزال ملتزمين بدعم الشعب السوداني والعمل مع الشركاء الدوليين للتخفيف من المعاناة والضغط من أجل السلام.
لقد حان وقت العمل الآن. يجب أن يتوقف القتل. يجب أن يبنى مستقبل السودان على السلام والعدالة والقيادة المدنية المستقلة عن السيطرة العسكرية-وليس على طموحات أولئك الذين يسعون إلى إطالة أمد الحرب على حساب شعبهم.

مقالات مشابهة

  • عبدالله بن زايد: الإمارات تدين بشدة المخططات التي تستهدف المساس بأمن الأردن
  • الإمارات تدين الفظائع التي ترتكب في السودان وتدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • متحدث الحكومة: توفير التمويل للأعمال الدرامية التي تعزز القيم الأسرية والوطنية
  • هنادي بت الفاشر الطبيبة التي قتلت وهي تدافع عن أهالها بمخيم زمزم
  • التنوع الثقافي جذوره عميقة في الدولة السودانية
  • الخارجية: المملكة تُدين وتستنكر الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين حول مدينة الفاشر غرب السودان
  • شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارة مدنية بدير البلح
  • المملكة تُدين وتستنكر الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين حول مدينة الفاشر غرب السودان
  • المملكة تُدين الهجمات التي تعرضت لها مخيمات للنازحين بالسودان