أمنيات العام الجديد لبنانيًا.. من يمكن أن يحقّقها؟!
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
على الأمنيات المعهودة بسنة تكون بالحدّ الأدنى "أفضل" من سابقاتها، ولو ورثت كلّ "أثقال" المرحلة الماضية، من فراغ سياسي، وانهيار اقتصادي، وتخبّط اجتماعي، وقد أضيف إليها جميعها "شبح" حرب يبقى احتمالها قائمًا في أيّ لحظة، يمكن أن "تنزلق" معها الجبهة "المشتعلة" أصلاً على الحدود الجنوبية إلى ما لا تُحمَد عقباه، ودّع اللبنانيون العام 2023، ليستقبلوا عامًا آخر، متمسّكين بـ"الأمل" بغدٍ أفضل وأكثر إشراقًا.
في استقبال العام الجديد، اختلطت أمنيات اللبنانيين بين ما هو عام وما هو شخصيّ، في ظلّ "ترابط" بين الإثنين لا يخفى على أحد، لتتقاطع بمجملها عند الرغبة بالوصول إلى حدّ أدنى من "الاستقرار" ليس على المستوى الأمني فحسب، ولكن قبل ذلك وبالتوازي معه ربما، على المستويين السياسي والاقتصادي، فضلاً عن الاجتماعي، بما يسمح بالمضيّ عمليًا إلى الأمام، والتطلّع بناءً عليه لخوض التحدّيات وتحقيق الذات.
وإذا كان هناك من استبدل تعبير "تنعاد عليكم" المعتمَد في مثل هذه المناسبات، بمصطلحات أكثر تحديدًا، تعبيرًا عن رفض أن "تنعاد" بالظروف القاسية نفسها، فإنّ السؤال الذي يطرحه كثيرون، مع بداية العام الجديد: هل تكفي الأمنيات أصلاً؟ كيف يمكن تحويلها إلى واقع عمليّ على الأرض؟ ومن الذي يستطيع فعل ذلك على أرض الواقع؟ وأبعد من ذلك، هل من "خريطة طريق" يمكن أن تؤمّن ذلك؟
أمنيات اللبنانيين في العام الجديد
في حال وضع الأمنيات الشخصيّة، على أهميتها ودقتها، جانبًا، يمكن اختصار أمنيات اللبنانيين العامة في استقبال العام 2024، بمجموعة من التعابير تكرّرت على ألسنة الكثيرين، من بينها إبعاد "شبح" الحرب عن البلد الذي قد لا يحتمل مواجهة عسكريّة كبرى في ظلّ الظروف الاستثنائية التي يعيشها على كل المستويات، وإن كان جزء لا يتجزأ منه واقعًا منذ نحو ثلاثة أشهر، في أتون حرب بأتمّ معنى الكلمة على الحدود الجنوبية.
في أمنيات اللبنانيين ما يرتبط أيضًا بالواقع الاقتصادي، وما ينتج عنه من استقرار مالي أو فوضى نقدية واجتماعية، فإذا كان اللبنانيون قد "طبّعوا" إن جاز التعبير، مع وضعهم الاقتصادي، في ظلّ "الدولرة الشاملة"، أو بالحدّ الأدنى "تأقلموا" معه رغم كلّ الصعوبات، فإنّ الخوف الحقيقيّ الذي ينتابهم على أعتاب العام الجديد يكمن في عودة عقارب الساعة إلى الوراء، وتحديدًا إلى زمن الانهيار، وتفلّت الأسعار مع ما اصطلح على تسميته لبنانيًا بـ"جنون الدولار".
ولا يغيب الواقع السياسي عن آمال اللبنانيين وانتماءاتهم، ولا سيما لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، بعد عامل كامل من الفراغ، الذي انعكس على كلّ القطاعات، وأن تتوقف النكايات السياسية، التي لم تعرقل عملية انتخاب رئيس فحسب خلال العام الماضي، لكنّها عطّلت في طريقها الكثير من المشاريع التي تعنى بشؤون المواطنين مباشرة، بذرائع وحجج أثارت ولا تزال تثير الكثير من الجدل، مع انّها قد لا تعني الناس فعليًا.
الاستقرار السياسي أولاً
صحيح أنّ انتخاب الرئيس قد لا يكون في صدارة أمنيات اللبنانيين في استقبال العام الجديد، فهو يأتي خلف عنواني الأمن والاقتصاد، اللذين يتأثر بهما عامة الشعب بصورة مباشرة، إلا أنّ الاستقرار السياسي هو الذي يأتي في الصدارة، وفقًا للعارفين، لأنّ كل العناوين الأخرى تتفرّع منه، بل لأنّها أضحت في مكان ما "رهينة" هذا الاستقرار الغائب، والفراغ الذي يبدو أنّ هناك من يطمح لمنحه "إقامة طويلة" في قصر بعبدا، بغض النظر عن التبعات الثقيلة.
صحيح أنّ انتخاب الرئيس لا يمكن أن يؤمّن "حلاً سحريًا" لكلّ الأزمات، خلافًا لما يروّجه البعض، بعيدًا عن "وهم" الفرج الشامل الذي قد يحصل بمجرد إنجاز الاستحقاق المغيَّب، لكنّ الصحيح أيضًا وفق العارفين، أن من شأنه إعادة الانتظام للواقع السياسي والدستوري في البلاد، بما قد ينعكس إيجابًا على الوضعين الأمني والاقتصادي، عبر "تحصين" الساحة الداخلية أولاً، وإطلاق العنان ثانيًا للإصلاحات الاقتصادية "المعلَّقة" منذ سنوات، وهنا بيت القصيد.
يبقى السؤال الأكبر عمّن يفترض أن يتحمّل هذه المسؤولية، من أجل تحويل الأمنيات إلى واقع على الأرض، إلا أنّ الإجابة "أبسط" من ذلك بكثير، ولو أنّ "التعقيدات" تحيط بآليات التنفيذ، فالمسؤولية هي "جماعية"، وتتطلّب من الجميع "حسًّا وطنيًا"، مع الاستعداد لتقديم "التنازلات المتبادلة"، لأنّ الاستمرار على "نَفَس التحدّي" الذي طبع المواقف خلال العام الماضي، لن يؤدي سوى لاستمرار "الكابوس" لعام آخر، وربما أكثر.
المطلوب بحسب العارفين، من أجل وضع "خريطة طريق" لتحقيق الأمنيات، أن يبدي جميع الأفرقاء "مرونة" لمقاربة من نوعٍ آخر لكلّ الملفات، وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي، بعيدًا عن منطق "مرشحي أو لا أحد"، لكن بعيدًا أيضًا عن منطق "لا للتفاهم"، الذي لا يزال عصيًا على الاستيعاب لكثيرين، وقد أصبح واضحًا أنّ "تحرير" الاستحقاق مستحيل، من دون المرور بمرحلة "التحاور"، أو "التشاور"، بلا شروط مسبقة أو ملحقة! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
العام الجديد آفاق وتطلعات
أيام قليلة تفصلنا عن حلول العام الجديد ٢٠٢٥ بكل ما يحمله من تطلعات وآمال على الصعيد الوطني والعربي والدولي خاصة وأن العام الحالي شهد جملة من الصراعات والحروب والخلافات في المنطقة العربية خاصة العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة وعموم فلسطين والاعتداء على لبنان وسط إبادة جماعية ارتكبها الكيان الصهيوني من خلال توثيق وسائل الإعلام لتلك الجريمة الشنعاء وهي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن الحرب الروسية الأوكرانية متواصلة وجعلت المواجهة الاستراتيجية بين الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية تهدد الأمن والاستقرار في العالم.
كما أن حالة الاستقطاب السياسي متواصلة بين المشروع الصهيوني العالمي وبين مشروع التحرر الوطني الذي تقوده حركات المقاومة الفلسطينية بشكل خاص وبقية حركات المقاومة اللبنانية بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين وجنوب لبنان والجولان السوري المحتل، وشهد العام الحالي زلزالا سياسيا غير متوقع بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا بصورة دراماتيكية ودخول المعارضة السورية إلى دمشق، لتدخل سوريا حقبة جديدة تعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد العربي الحضاري وتنتهي معاناة الشعب السوري على مدى سنوات، ومن هنا فإن المصالحة السورية السورية وإيجاد توافق سياسي بين الفرقاء وعمل دستور جديد للدولة السورية هي من الخطوات الحاسمة خلال العام الجديد، بحيث تنتهي العملية السياسية بالانتخابات التشريعية وانتخاب رئيس جديد للبلاد. ويبدو أن سوريا تحتاج إلى وقوف الدول العربية والمجتمع الدولي لتجاوز المرحلة الحساسة الحالية، كما أن انسحاب القوات الأجنبية من سوريا سوف يعطي مناخا إيجابيا يمهد لاستقرار الدولة السورية. العام الجديد ٢٠٢٥ كما تمت الإشارة إليه، يحمل طموحات وتطلعات نحو تحقيق مزيد من التقدم والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، ولعل بلادنا سلطنة عمان في ظل النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة واقتدار جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قد حققت خطوات جادة وإيجابية على صعيد المؤشرات الاقتصادية والتصنيف الدولي خلال الخمس سنوات الماضية، ولعل تصنيف وكالة «فيتش» الأخير يعطي دلالة واضحة على المسار الاقتصادي الإيجابي، حيث تم تصنيف الاقتصاد الوطني على أنه في المسار الإيجابي، وهذا يعزز نظرة التفاؤل والتطلعات نحو تحقيق المزيد من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق المزيد من الاستدامة المالية وفي مجال انتعاش الاستثمارات الداخلية والخارجية، علاوة على تنشيط القطاعات الغير نفطية والتي تعد حجر الزاوية في عدم الاعتماد على قطاع النفط. ومن هنا فإن المشهد الوطني على الصعيد الاقتصادي يبشر بالخير خاصة وأن الزيارات السلطانية لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تهدف بشكل خاص إلى وضع سلطنة عمان في مسار اقتصادي قوي ومستدام وديناميكي، ومن هنا يحظى الملف الاقتصادي باهتمام كبير من لدن المقام السامي منذ تسلمه مقاليد الحكم في البلاد يوم الحادي عشر من يناير ٢٠٢٠ . وتظل فترة الخمس سنوات من حكم جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ فترة زمنية قصيرة وكانت هناك تحديات حقيقية واجهت الاقتصاد الوطني بشكل خاص خاصة الارتفاع الكبير للدين العام وضعف المؤشرات والتصنيف الدولي، ومن هنا فإن العام الجديد يحمل المزيد من الطموحات نحو تعزيز ما تحقق من إنجازات حيوية ومن خلال الأرقام وتدفق المزيد من الاستثمارات، حيث إن هذه الأخيرة لها انعكاس مباشر على سوق العمل وخلق فرص العمل للشباب العماني الباحثين عن عمل وهو الملف الوطني الأهم والذي يحتاج إلى معالجة خاصة، ولذلك فإن التنوع الاقتصادي والاستدامة المالية تمكن الدولة من تحقيق الأهداف الوطنية ومن خلق تنمية واسعة في ربوع الوطن العزيز، كما أن تعزيز الاقتصاد ينعكس إيجابا على كل خطط التنمية الشاملة ويعزز المكاسب الاجتماعية في ظل برامج الحماية الاجتماعية والتي يستفيد من منافعها عدد كبير من أفراد المجتمع، ولاشك أن تلك الحماية الاجتماعية سوف يتم تقييمها خاصة وأن صندوق الحماية الاجتماعية لايزال في بدايته. الخطة التنموية العاشرة في عامها الأخير، كما أن «رؤية عمان ٢٠٤٠» تدخل عامها الخامس ومن المهم تقييم الخطط ومتابعة المؤشرات من خلال ما تحقق وما تواجهه تلك الخطط والرؤى من تحديات حقيقية، خاصة وأن القطاعات الواعدة ينبغي أن تلعب دورا أكبر على صعيد الناتج المحلي الإجمالي، ومنها قطاعات السياحة والتعدين والقطاع اللوجستي والخدمات، كما أن القطاع الصناعي ينبغي أن يتصدر المشهد الاقتصادي لأن هذا الأخير هو القاطرة التي من خلالها تُخلق آلاف فرص العمل وينشط التصدير، كما أن قطاع التعدين والأسماك ينبغي أن يخرج من نمطية تصدير المواد الخام إلى إقامة صناعات تعد قيمة مضافة كبيرة للدخل الوطني.
إن التطلعات خلال العام الجديد هو أن يشهد الاقتصاد الوطني دفعة قوية على صعيد تنشيط القطاعات الغير نفطية وهذه إستراتيجية مهمة على اعتبار أن الصدمات النفطية ممكنة في ظل الظروف الجيوسياسية وفي ظل ترقب قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، ولذلك فإن وجود الاقتصاد الذي يقوم على التنوع والاستدامة وعدم الاعتماد بشكل كبير على النفط هو إستراتيجية صحيحة وتشكل ضمانا اقتصاديا واجتماعيا وحتى أمنيا، حيث استقرار الدول والمجتمعات على ضوء المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي يعتمد على وضع الاقتصاد، وهذه نقطة جوهرية في غاية الأهمية. وبلادنا سلطنة عمان تحظى بموقع إستراتيجي فريد على البحار المفتوحة وعلى مقدرات حيوية وعلى استقرار سياسي متواصل بفضل السياسة الخارجية الحكيمة وفي ظل الرؤية العمانية الثاقبة التي يقودها جلالة السلطان المعظم بكل حكمة، وفتح مزيد من آفاق التعاون الجاد مع الدول الشقيقة والصديقة.
أما المشهد السياسي العربي خلال العام الجديد، فالجميع يتطلع إلى عالم عربي مستقر وإلى مزيد من التضامن العربي وحل الخلافات والأزمات خاصة الأزمة اليمنية والتي تحتاج إلى توافق سياسي بين الفرقاء اليمنيين وإيجاد مقاربة سياسية تنهي معاناة الشعب اليمني الشقيق. وقد بذلت بلادنا سلطنة عمان دورا كبيرا خلال سنوات الحرب في اليمن لإيجاد هدنة وتوقف الحرب، وقد نجحت الدبلوماسية العمانية في ذلك، حيث إن الوضع في اليمن يشهد تحسنا والجهود الخيرة لسلطنة عمان متواصلة من خلال إطلاق عملية سياسية تشارك فيها الحكومة اليمنية وبقية الفرقاء ومن خلال التنسيق السياسي ودور الأمم المتحدة والمبعوث الأمريكي ودول المنطقة. كما أن الأوضاع العربية ينبغي أن تنطلق بشكل إيجابي ونرى دورا فعّالا لجامعة الدول العربية في لمّ الشمل العربي والتركيز على منظومة التكامل الاقتصادي والاجتماعي وإطلاق مشاريع تنموية مشتركة تعود بالنفع على الشعوب العربية وهناك إمكانات كبيرة لتحقيق ذلك إذا توفرت الإرادة السياسية والتي تعد العقبة الكبيرة نحو التضامن العربي المنشود.
الحرب في السودان الشقيق يجب أن تنتهي ومعها تنتهي معاناة ملايين السودانيين وهذا يفرض توافقا سياسيا وتغليب مصلحة السودان الوطنية، خاصة وأن السودان يمتلك إمكانيات كبيرة لتجعل منه بلدا متطورا ومزدهرا اقتصاديا واجتماعيا. وأيضا الوضع في الصومال وليبيا، ومن هنا فإن العام الجديد يحمل تطلعات وأحلام الشعوب العربية والعالم نحو إيجاد الاستقرار ووقف الحروب والصراعات التي دمرت مقدرات الشعوب وكانت نتائجها كارثية، كما أن حل القضية الفلسطينية على ضوء قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية وحل الدولتين هو المسار الصحيح نحو استقرار المنطقة والعالم وإيجاد تعاون، وأن يسود السلام والاستقرار ربوع العالم الذي شهد خلال قرن عشرات الحروب والصراعات التي أنهكت شعوب العالم شرقا وغربا.. مع التمنيات بعام جديد يسوده السلام والعدالة والخير لجميع دول وشعوب العالم.