شهد عام 2023 تقدم غير مسبوق في مستوي التكنولوجيا، بالإضافة إلى ظهور مصطلحات جديدة، وكان أشهرها الذكاء الاصطناعي، المدمج في العمليات التجارية اليومية، مع دخول العام الجديد يتوقع خبراء التقنية أن يشهد هذا العام تسارعاً وتطوراً ملحوظاً في عالم التكنولوجيا الذكية والذكاء الاصطناعي.

5 اتجاهات تكنولوجية متوقعة في 2024

وكشف برنامج «TechnoVision» المقدم من شركة «كابجيميني»، التي تعد أحد أكبر الشركات في العالم العاملة في مجالات خدمات تكنولوجيا، عن أهم 5 اتجاهات تقنية متوقعة للعام الجديد 2024.

الذكاء الاصطناعي1. الذكاء الاصطناعي التوليدي

في عام 2024 سينتقل الذكاء الاصطناعي من مجرد مفهوم نظري إلى واقع ملموس، فقد قدم الذكاء الاصطناعي في الشهور الماضية أفكار مبتكرة، إذ يتوقع أن تصبح الموجة الأولى من المشاريع القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي ناضجة بما يكفي للإطلاق، مما يميط اللثام عن جوانب مهمة من هذه التكنولوجيا، التي لم يتم استغلالها بالكامل في مراحلها المبكرة.

الذكاء الاصطناعي التوليدي

وبمرور العام سيصبح الحصول على نتائج مهمة من هذه التقنية أمراً أكثر سهولة ويسراً، وسوف تتسابق المزيد المؤسسات والقطاعات لتبني هذه التكنولوجيا، وسينتقل صناع القرار من مرحلة التجريب واسع النطاق إلى استراتيجية مركزة، كما تتضمن إطلاق مشاريع مختارة تستند إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، وتنطوي على إمكانات تحويلية حقيقية.

ووفقًا لتقديرات شركة ماكينزي، التي تشير إلى يمكن أن تضيف تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي ما بين 2.6 إلى 4.4 تريليونات دولار إلى الاقتصاد العالمي سنوياً.

2. نهج الثقة المعدومة

ستزداد أهمية نهج الثقة المعدومة مع زيادة إمكانية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي وانتقال عملية معالجة البيانات إلى الأطراف، فإن مستويات التهديد والمخاطر السيبرانية ستزداد بدورها.

نهج الثقة المعدومة

وهذا سيجعل الشركات على اختلاف أحجامها تعتمد على بنية تستند إلى نهج الثقة المعدومة، وسوف يتطور هذا النهج في عام 2024 من مجرد كلمة يتردد صداها هنا وهناك، إلى تقنية لا غنى عنها ذات معايير حقيقية، وسيكون على المؤسسات تضمين نهج الثقة المعدومة في ثقافة أعمالها، وبذل جهود كبيرة لدعم وتعزيز المرونة السيبرانية لعملياتها.

وسنشهد حالة من نضج نهج الثقة المعدومة في جميع أنحاء المنطقة، بما يتيح لهذا النهج امتلاك معايير وشهادات محددة، ليصبح في نهاية المطاف المعيار الافتراضي الرئيسي بالنسبة للمؤسسات.

3. الحوسبة الطرفية

ستكون الحوسبة الطرفية قوة استراتيجياً للأعمال، وستواصل نموها السريع، ولن تظل مجرد عامل ثانوي كما هو الحال الآن، حيث ستتيح معالجة البيانات بشكل أسرع، وستسهم بتقليل زمن الاستجابة وتعزيز الكفاءة.

وستلعب الحوسبة الطرفية دوراً كبيراً في تطوير حالات استخدام وبناء قدرات جديدة عبر العديد من القطاعات، بالتزامن مع قيام الشركات باستخلاص القيمة من بياناتها، وإطلاق فرص تحويلية جديدة، فعلى سبيل المثال سيكون النمو غير المسبوق في الحوسبة الطرفية بمثابة مقدمة مبكرة لشبكة الجيل السادس، ومن المتوقع أن يدعم هذا التآزر بين الحوسبة الطرفية وشبكات الجيل السادس، الذي سيصبح الوضع السائد بحلول عام 2030، المتطلبات العالية للتقنيات المستقبلية.

الحوسبة الطرفية4. أجهزة الكمبيوتر

ستصبح أجهزة الكمبيوتر في عام 2024 أكثر تطوراً وقوةً، وسيعمل الذكاء الاصطناعي على إطلاق العديد من الميزات الجديدة، مثل المطالبات غير النصية لإتاحة تجربة ثنائية الاتجاه بين البشر وجهاز الكمبيوتر.

وستوفر أجهزة الكمبيوتر الجديدة تجربة جذابة وتعاونية، حيث ستسمح للمستخدمين بالمشاركة في الإبداع بالصوت والإيماءات والأوامر المرئية، بما يجعل منها أجهزة مساعدة رقمية حقيقية.

أجهزة الكمبيوتر

ومن المتوقع في العام الجديد أن يتم تزويد أجهزة الكمبيوتر الشخصية الجديدة بميزات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل «تقنية التعرف المتقدم على الصوت، ومعالجة اللغة الطبيعية، والأتمتة الذكية لتفسير الحالة المزاجية، وتعبيرات الوجه ونبرة الصوت، أو حتى تغيير طريقة الكتابة»، وذلك لتقديم تجربة أكثر تميزاً وثراء.

5. الابتكارات المستقبلية

ستكون الابتكارات المستقبلية التكنولوجية في 2024 هادفة ومستدامة، حيث ستولي هذه الابتكارات المستقبلية أولوية رئيسية للاستدامة، واهتمام بالأثر البيئي والاجتماعي والاقتصادي، وستقوم المؤسسات بفحص جوانب عملياتها التجارية بعناية بالغة، بما في ذلك «عمليات البحث والتطوير، وتصميم المنتج، ودورة حياة المنتج بأكملها، لتقليل الانبعاثات والنفايات وخفض البصمة الكربونية بالتوازي مع تحسين الكفاءة التشغيلية».

اقرأ أيضاً«معلومات الوزراء»: تطبيقات الذكاء الاصطناعي وفرت للبنوك العالمية 447 مليار دولار

الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليل الخسائر بالجيش الإسرائيلي

الاستشعار من البُعد والأكاديمية العربية تنظمان ورشة عمل حول «الذكاء الاصطناعي وإطلاق الأقمار التعليمية»

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي أجهزة الكمبيوتر الذكاء الإصطناعي الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته مجالات الذكاء الاصطناعي ai الذكاء الاصطناعي ذكاء اصطناعي تعلم الذكاء الاصطناعي الذكاء الصناعي الذكاء الاصطناعي التوليدي تطور الذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي يرسم تكنولوجية في 2024 تكنولوجيا 2024 الذكاء الاصطناعي 2024 الذکاء الاصطناعی أجهزة الکمبیوتر

إقرأ أيضاً:

هل يمكن أن يطوّر الذكاءُ الاصطناعي خوارزمياته بمعزل عن البشر؟

في عقود زمنية خلت، تصدرت سرديات الخيال العلمي سيناريوهات أقرب تشبيها إلى ما صار العلم يعرفه في وقتنا الحالي بـ«الذكاء الاصطناعي العام أو الخارق»؛ حيث يمتلك النظام الحاسوبي قدرةً على فهم أوسع لمختلف المجالات والمهارات البشرية؛ فتكون لديه ملكة التعلّم والتحسين الذاتي بشكلٍ مطلقٍ أو شبه مطلق، ويصل الأمر في بعض التصوّرات إلى ظهور ما يُدعى بـ«الانفجار التقني» أو«التفرّد التقني» -Technological Singularity-؛ حيث يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحسين قدراته بنفسه بوتيرة متسارعة تؤدي في النهاية إلى تجاوز مستوى الذكاء البشري بمراحل. مع التطور التقني المتسارع، تجاوز مفهوم «الذكاء الاصطناعي العام» أبجديات الخيال العلمي وسردياته اللاواقعية؛ ليكون في بعض أجزائه النظرية والعملية واقعا ملموسا؛ فنلمح تقدما علميا بارزا مثل قدرة نظم الذكاء الاصطناعي على ابتكار خوارزميات فريدة أسرع وأكفأ، ولكن -للأمانة العلمية- فإن الوصول إلى «التفرّد التقني» ما زال افتراضًا نظريًا لم يجد طريقه العملي، ولكن التطور آخذ في الصعود؛ فهناك مظاهر أولية لهذا الاتجاه مثل الأنظمة التي تنتج رموزًا برمجية وتتعلّم من أخطائها؛ ففي تطور علمي غير معهود يمكن اعتباره قفزةً علميةً في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة «DeepMind» في يونيو 2023 عن نجاح نظامها «AlphaDev» في ابتكار خوارزمية فرز «Sorting Algorithms» بيانات جديدة أسرع بنحو 70% من أفضل الخوارزميات التي طورها البشر سابقا -وفقَ الخبر الذي نشره موقع «Deepmind» في 7 يونيو 2023-؛ ليعكس هذا الإنجاز العلمي الفريد خطوةً كبيرةً في عالم التقنية وتحديدا الذكاء الاصطناعي، ويعكس قدرة الأنظمة الذكية الحديثة على تخطي حدود التفكير البشري التقليدي.

كيف نفهم هذا النوع من التطور الخوارزمي الذاتي؟

لفهم أهمية مثل هذا التطور العلمي غير التقليدي، سنحتاج إلى إلقاء نظرة معمّقة فيما يخص آلية هذا التطور وكيفية حدوثها؛ فنشرت مجلة «Nature» العلمية دراسة تفصيلية -في عددها المسجّل بـ 618, 257–263 (2023)، وجاءت بعنوان « Faster sorting algorithms discovered using deep reinforcement learning» « اكتشاف خوارزميات فرز أسرع باستعمال التعلّم التعزيزي العميق»- عن نظام AlphaDev» الذي طُوّر عن طريق تقنيات التعلّم التعزيزي Reinforcement Learning الذي يعتبر فرعا من فروع التعلم الآلي، ويعمل على تعزيز النظام الذكي عبر عملية التجربة والخطأ وتلقي المكافآت على القرارات الصائبة. تُعدّ خوارزميات الفرز من العناصر الرئيسة في علم الحاسوب من حيث قدرتها على التحكم في طريقة معالجة البيانات وتصنيفها؛ فيؤثر بشكلٍ مباشرٍ على سرعة تنفيذ المهام الحاسوبية في شتى المجالات، بدءًا من الترتيب البسيط للبيانات في قواعد المعلومات وانتهاءً بالخوارزميات المعقّدة المستعملة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وعلى مدار العقود الماضية، اكتُشفت العديد من خوارزميات الفرز وطُوّرت مثل: خوارزمية «الفرز السريع» (Quicksort) التي طورها «توني هور» في عام 1960، وخوارزمية «الفرز الدمجي» «Mergesort»، وبالإضافة إلى خوارزميات أُخرى تُعد كلاسيكيةً من حيث المبدأ العلمي لعلوم الحاسوب، وواصلت هذه الخوارزميات تطويراتها حتى وصلت إلى مستويات بالغة الدقة من حيث التعقيد الرياضي، وظلت لفترة طويلة بمثابة الأمثلة الأبرز للتميّز الرياضي والبرمجي. في هذا الإطار، لم يقم نظامُ «AlphaDev» بابتكار خوارزمية جديدة فحسب، ولكنه قام ببناء هذه الخوارزمية على مستوى لغة التجميع «Assembly Language»، وهي لغة منخفضة المستوى تتعامل مباشرة مع تعليمات المعالج المركزي؛ ليسمح باكتشاف طرق مختصرة غير تقليدية لتحسين كفاءة عمليات الفرز.

كما أشرنا آنفا؛ فإن مجلة «Nature» العلمية المرموقة نشرت تفاصيل هذه الدراسة في يونيو 2023؛ حيث وضّح البحث المنشور في المجلة بالتفصيل آلية عمل «AlphaDev» وكيفية توصله إلى هذه النتائج غير المسبوقة، وأشارت الدراسة إلى أن «AlphaDev» استعمل أسلوب التعلم التعزيزي الاستراتيجي؛ فأقدم النظام الذكي على ملايين المحاولات لإعادة ترتيب العناصر بطريقةٍ تحسّن من سرعة عملية الفرز مع الحفاظ على صحة النتائج ودقتها، وفي كل محاولة كان النظام يتعلم من أخطائه ويُعدّل من إستراتيجيته؛ ليقترب تدريجيًا من أفضل نتيجة ممكنة.

ما يميز ابتكار «AlphaDev» أنه وجد طرقًا مختصرة وغير تقليدية لفرز البيانات، وبمعنى آخر، اكتشف طرقًا لم تكن واضحةً أو متوقعةً لدى خبراء الذكاء الاصطناعي البشر. لم يقف الأمر عند حدود النشر العلمي النظري، ولكن باتت هذه الخوارزمية الجديدة جزءا فاعلا في مكتبة «C++» القياسية؛ فجعلها متاحةً للمطورين في جميع العالم بشكل مباشر، وبدأت العديد من التطبيقات بالفعل باستعمال هذه الخوارزمية المتطورة، وهذا ما يمكن أن يساهم في تحسين كفاءة البرمجيات وتسريع الأداء في مختلف المجالات التقنية، بدءًا من التطبيقات البسيطة ووصولًا إلى الأنظمة الحاسوبية العملاقة بما فيها الكوانتمية التي سبق أن استعرضنا حديثا عنها في مقال علمي سابق نشرناه في الملحق العلمي لجريدة «عُمان »عدد أكتوبر 2023.

المنافع المتوقعة

إنّ الفوائد المتوقعة من هذا الإنجاز لا تقف عند حدود فرز البيانات بشكلٍ أسرع؛ ولكنها تمتد إلى تحسين النظم الحاسوبية في مجالاتٍ عدة مثل قواعد البيانات العملاقة، وتحليل البيانات الكبيرة «Big Data»،

ونماذج التعلم الآلي التي تعتمد كثيرًا على عملياتٍ متكررةٍ من الفرز والبحث والمقارنة، ومع دخول التقنيات الحاسوبية في كل جوانب الحياة العملية التي تشمل تطبيقات التجارة الإلكترونية وتطبيقات الطاقة والمناخ؛ فإنّ تخفيض الوقت المستهلك في مثل هذه العمليات الأساسية يمكن أن يسهم في توفير كبير في الطاقة والموارد؛ ليعود بالنفع على الشركات والمؤسسات والمجتمعات على حد سواء. كذلك يمكن أن يفتح هذا التطور الرقمي أبوابًا جديدةً أمام الأبحاث المستقبلية في الذكاء الاصطناعي؛ إذ يمكن أن تتطور الخوارزميات التي تأتي بها نظم الذكاء الاصطناعي لتشمل جوانب برمجية أخرى مثل: الضغط «Compression»، والتخزين، والمحاكاة البصرية، والأمن السيبراني. رغم أن بعضنا يرقب هذه التطورات بحذرٍ خوفًا من تفوق الآلة على الإنسان في نواحٍ تهدد وظائف بشرية؛ فإنّ النظرةَ العلمية متفائلةٌ إلى حد ما؛ فترى في ذلك فرصةً لتعزيز القدرات البشرية واستغلال وقت المبرمجين والعلماء في حل مشكلات أكبر وأكثر تعقيدًا، تاركين للأنظمة الرقمية ابتكارَ الحلول في الجوانب الروتينية والحسابية المحضة.

الإبداع الرقمي والتساؤلات الفلسفية

عبر هذا المنحى الرقمي ذو البعد الذاتي للتقنيات الحديثة، يفتح نظام «AlphaDev» آفاقًا جديدة في عالم الخوارزميات والحوسبة؛ ليعكس قدرةَ الذكاءِ الاصطناعي على اكتشاف حلول إبداعية لمشكلات لم تكن معروفة ومحسومة من قبل العقل البشري ومنظوره العلمي؛ ليطرح تساؤلات عميقة تتعلق بمستقبل الذكاء الاصطناعي واستقلاله التطوري الذي يوحي بالنقيضين: الآمال العلمية والمخاوف المرتبطة، ومن الناحية الفلسفية، يطرح هذا الإنجاز أسئلةً مهمة تتعلق بطبيعة الإبداع وحدود الإدراك الإنساني في مقابل قدرات الآلة الرقمية واستقلالها التطوري؛ إذ ظن الإنسان لفترات طويلة أنه المصدر الوحيد للإبداع والتفكير غير التقليدي، ولكن تجربة «AlphaDev» وغيرها من أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة بدأت تزلزل هذه الفرضيات؛ فلم تعد الآلة الآن محصورةً في دور الأداة لتنفيذ الأوامر البشرية، ولكنها أضحت كيانًا رقميا قادرًا على إنتاج المعرفة والإبداع بطرق يمكن أن تفوق ما يمكن للبشر أن يتصوره؛ ففي حدث علمي آخر أشبه بالخيال العلمي -بطله الذكاء الاصطناعي-، نجح باحثون في اليابان في تدريب ذكاء اصطناعي على توليد صور مرئية مستخرجة من دماغ الإنسان عن طريق مسح دماغه، وعرض الباحثون على مشاركين مجموعة متنوعة من الصور -مثل دب دمية وطائرة وبرج ساعة-، واعتمدت الآلية على قياس نشاط الدماغ عبر «fMRI»؛ ليتمكن بعدها نموذج الذكاء الاصطناعي من إعادة رسم صور لهذه القراءات التي تعكس أنماطَ نشاطِ الدماغِ المسجلة والمستخرجة، وجاءت الصور المولدة مشابهة بشكل مذهل لما رآه المشاركون في التجربة، وتشير الدراسات إلى أن دقة هذه الطريقة كانت مدهشة رغم أن التقنية لا تزال في مهدها، وحال استمرار تطورها؛ فإنها ستخطو خطوة علمية كبيرة في المقاربة لمساعدة الأشخاص غير القادرين على التواصل عبر ترجمة أفكارهم إلى صور أو نصوص، وكذلك يمكن للقدرات الخوارزمية أن تمتد إلى فهم محتوى الأحلام وتصويرها وقراءة ما يدور في الأذهان.

عودة إلى المنظور الفلسفي، فإن مثل هذا التفوق الرقمي يثير أسئلة عميقة تتعلق بالعلاقة بين الإنسان والآلة، والطبيعة الحقيقية للذكاء والإبداع؛ فتنهمر العديد من الأسئلة مثل: أيكرر الذكاء الاصطناعي تجربة الإنسان الإبداعية أم أنه يُنشئ مسارات جديدة بالكامل؟ وهل ينبغي لنا التعامل مع الذكاء الاصطناعي باعتباره شريكا في الإبداع وليس أداةً جامدةً؟ بدأت مثل هذه التساؤلات تأخذ مساحة واسعة في النقاشات العلمية والفلسفية الحديثة خصوصًا بعد أن أثبتت الأنظمة الذكية مثل «AlphaDev» قدرات لا تقتصر فقط على حسابات رياضية، ولكن على إيجاد حلول ابتكارية غير متوقعة لمشكلات علمية معقدة.

نظرة مستقبلية مشرقة

تؤكد نتائج «AlphaDev» على أن قدرة الذكاء الاصطناعي على الإبداع والابتكار فاقت حدودَ التصورات البشرية السابقة؛ فتقليديًا، كان تطوير الخوارزميات الجديدة يعتمد بشكل كبير على الخبرة الإنسانية والمعرفة النظرية والتجريبية المسبقة، كما رأينا في الفقرات السابقة أمثلة لخوارزميات مشابهة من تطوير الإنسان، ولكنها بقدرات رياضية وبرمجية أضعف، وليظهر نظام «AlphaDev» بمنهجيةٍ جديدةٍ تعتمد على المحاكاة العميقة والتجربة واسعة النطاق، والخالية من القيود البشرية التقليدية؛ لتُحدثَ تغييرات جذرية في كيفية تصميم الأنظمة الحاسوبية مستقبلًا وتطوريها. على المستوى العملي والتطبيقي، فإن هذه الخوارزمية الجديدة توفر الكثير من الوقت في عملية معالجة البيانات، الأمر الذي يعني توفيرًا في الموارد والطاقة وتخفيضًا كبيرًا في التكاليف خاصةً في الصناعات التي تعتمد على المعالجة المكثّفة للبيانات مثل التحليل المالي، والذكاء التجاري، والتطبيقات الصناعية، وغيرها. كما أن هذا الإنجاز يمهّد الطريق نحو اكتشافات مستقبلية مشابهة في مجالات أخرى عديدة؛ حيث من المحتمل أن تتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من ابتكار خوارزميات أخرى أكثر تعقيدًا في مجالات مختلفة.

كذلك من المتوقع أن يؤدي تطوّر الذكاء الاصطناعي في مجال ابتكار الخوارزميات إلى تغييرات في طرق تعليم الحوسبة وهندسة البرمجيات؛ لينتقل المبرمجون والمهندسون إلى التركيز على تطوير استراتيجيات لتهيئة أنظمة الذكاء الاصطناعي بدلًا من كتابة الخوارزميات بشكل مباشر؛ ليسهم في صناعة تحولٍ في طبيعة عملهم من التنفيذ إلى إدارة العمليات الإبداعية وتوجيهها. تؤكد لنا مثل هذه القفزات العلمية أننا على أبواب مرحلة جديدة من العلاقة بين الإنسان والآلة، ولا ينبغي أن نعتقد أن هذه المرحلة حالة منافسة بين الاثنين (الإنسان والآلة)، ولكنها مرحلةُ تكاملٍ واندماجٍ؛ حيث تتضافر قدرات الإنسان والذكاء الاصطناعي معًا لبناء مستقبلٍ أكثرَ تطورًا وإبداعًا وفعالية.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • تكنولوجيا جديدة بنهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة
  • كيف تعمل من المنزل باستخدام الذكاء الاصطناعي؟
  • يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟
  • بتشويه «فوضى الذكاء الاصطناعي» للواقع يمضي العالم إلى كارثة
  • أمنكس و Hyperfusion تعقدان شراكة لتقديم الجيل الجديد من حلول الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء
  • خبراء: الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للبشر
  • هل يمكن أن يطوّر الذكاءُ الاصطناعي خوارزمياته بمعزل عن البشر؟
  • إطلاق أول برنامج دكتوراه في الذكاء الاصطناعي في دبي
  • حمدان بن محمد يلتقي شركات تكنولوجية حاصلة على شهادة اعتماد الذكاء الاصطناعي في دبي
  • ميتا: إنستغرام يستخدم الذكاء الاصطناعي لمنع القُصّر من الكذب بشأن أعمارهم