2023.. عام آخر من فشل مفاوضات سد النهضة يقرب إثيوبيا من تحقيق هدفها
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
في كل عام تفشل مصر في الوصول إلى اتفاق شامل بشأن مفاوضات سد النهضة الإثيوبي يقربها أكثر إلى الفقر المائي كأحد أسوأ الأزمات التي يمكن أن تواجهها أي دولة تعاني من نقص الموارد المائية الصالحة للاستخدام.
ومنيت مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر بالفشل للعام الـ12 على التوالي، وألقيا باللوم على الأخيرة في عدم التوصل لاتفاق يحقق مصالح الأطراف الثلاثة؛ بسبب ما قالا إنه تعنت ومحاولة فرض الأمر الواقع وهو ما ترفضه الأخيرة.
وفشلت مفاوضات الساعات الأخيرة نهاية الشهر الماضي التي استمرت نحو 4 شهور، والتي استؤنفت بعد أكثر من عامين من إعلان الفشل في التوصل إلى اتفاق ملزم بين دولتي المصب ودولة المنبع في نيسان/ أبريل 2021.
في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أعلنت مصر أن "المسارات التفاوضية مع إثيوبيا قد انتهت"، مؤكدة أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر.
وأرجعت وزارة الري فشل الاجتماع الأخير من المفاوضات بين الأطراف المعنية إلى "استمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث".
مصر تعاني من ندرة مائية
تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة وتواجه ندرة حادة في المياه، فهي الأقل في معدل هطول الأمطار بين دول العالم، في حين يتجاوز عدد سكانها الـ105 ملايين نسمة، وتعتمد على نهر النيل بنسبة 98% لتوفير احتياجاتها من المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة.
ويحتجز سد النهضة المياه على النيل الأزرق، الفرع الرئيسي لنهر النيل، في منطقة "بني شنقول-قمز" على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1800 متر وارتفاعه 145 مترا، ومن المقرر أن يخزن 74 مليار متر مكعب.
تراجع حصة مصر من المياه يهددها بالجفاف، خاصة أن نصيب الفرد أقل من النسبة العالمية بحوالي النصف، ويكلفها عشرات مليارات الدولارات على صورة محطات تحلية مياه على البحرين الأبيض والأحمر، ومحطات أخرى لتنقية مياه الصرف الزراعي وإعادة تدويره.
إلى جانب تلك الخسائر فإن ندرة الموارد المائية، أدى إلى استيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة 15 مليار دولار سنويا، حسبما أفاد وزير خارجية مصر سامح شكري أثناء كلمة له على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي.
سير مفاوضات سد النهضة
التسلسل الزمني لبدء وسير وانتهاء المفاوضات وفشلها مرة تلو الأخرى مر بعدة محطات منذ تولي رئيس النظام الحالي سدة الحكم في حزيران/ يونيو عام 2014 والتي كانت كالتالي:
حزيران/ يونيو 2014: اتفقت مصر وإثيوبيا على استئناف المفاوضات مرة أخرى.
أيلول/ سبتمبر 2014: عقد الاجتماع الأول للجنة ثلاثية (مصر وإثيوبيا والسودان) للتباحث حول صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات.
تشرين الأول/ أكتوبر 2014: اتفقت الأطراف الثلاثة على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد.
آذار/ مارس 2015: وقع السيسي ونظيره السوداني السابق عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلي ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة".
تموز/ يوليو 2015: عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم الجولة السابعة لاجتماعات اللجنة الفنية التي أصدرت بيانا يتضمن قواعد وأطر عمل المكتبين الاستشاريين الدوليين.
أيلول/ سبتمبر 2015: انسحب المكتبان الاستشاريان لـ"عدم وجود ضمانات لإجراء الدراسات بحيادية".
كانون الأول/ ديسمبر 2015: وقع وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة الخرطوم التي تضمنت التأكيد على اتفاق إعلان المبادئ، وتضمن ذلك تكليف مكتبين فرنسيين بتنفيذ الدراسات الفنية الخاصة بالمشروع.
شباط/ فبراير 2016: إثيوبيا تؤكد أنها لن تتوقف عن بناء سد النهضة.
أيار/ مايو 2017: الانتهاء من التقرير المبدئي حول سد النهضة، واندلاع خلاف بين الدول الثلاث على التقرير.
تشرين الثاني/ نوفمبر 2017: وزير الري المصري يعلن عدم التوصل لاتفاق بعد رفض إثيوبيا والسودان للتقرير المبدئي.
تشرين الثاني/ نوفمبر 2017: الحكومة المصرية تعلن أنها ستتخذ ما يلزم لحفظ "حقوق مصر المائية".
شباط/ فبراير 2020: استضافت واشنطن، جولة مفاوضات جديدة حول سد النهضة الإثيوبي، تجمع وزراء الخارجية والري في دول مصر والسودان وإثيوبيا، بمشاركة ممثلين من وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي، بوصفهم مراقبين.
نيسان/ أبريل 2021: فشل مفاوضات "الفرصة الأخيرة" بين مصر والسودان وإثيوبيا في عاصمة الكونغو كينشاسا.
آب/ أغسطس 2022: أديس أبابا تعلن الملء الرابع.
حزيران/ يونيو2023 اتفق السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على البدء بمفاوضات "عاجلة" للاتفاق على ملء سد النهضة وقواعد تشغيله.
كانون الأول/ ديسمبر 2023: مصر تعلن فشل المفاوضات مجددا.
"الوضع كما هو عليه"
في تقديره لسير عملية التفاوض، يقول عضو اللجنة الوطنية المصرية لدراسة آثار سد النهضة الإثيوبي سابقا، ومستشار البرنامج الإنمائي للأمم بشأن مياه النيل، محمد محيي الدين، إن "إثيوبيا اعتمدت منذ البداية سياستين، الأولى هي المماطلة والتسويف، الثانية، هي فرض الأمر الواقع وتجاهل الأطراف الأخرى وهما دولتي المصب، وهذا يجعل إثيوبيا أقرب من أي وقت مضى في تحقيق أهدافها".
وبشأن النتائج المخيبة للآمال مع نهاية كل جولة تفاوض، أوضح لـ"عربي21": "المجتمع الدولي وخاصة الأفريقي لم يقف إلى جانب في مصر ويساندها في الحفاظ على حصتها في مياه نهر النيل الذي يعد المصدر الرئيسي للمياه، وكل محاولات الدولة في محاولة الضغط على إثيوبيا من خلال الاتصالات الإقليمية أو الأفريقية أو حتى الدولية بما فيها واشنطن ومجلس الأمن الدولي فشلت ولم تسفر عن أي نتيجة".
وقدر الخبير المصري الدولي أن "تزيد تكلفة فشل المفاوضات من حجم أزمة نقص المياه من ناحية والأزمة الاقتصادية؛ لأن البدائل مكلفة لتعويض أي نقص في المياه بسبب زيادة سعة التخزين السنوية لسد النهضة البالغة 74 مليار متر مكعب، وسوف تتحمل مصر وحدها فاتورة باهظة من الأموال والجهد ويعرض أمنها المائي والغذائي للخطر".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر سد النهضة مصر أثيوبيا سد النهضة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مفاوضات سد النهضة مصر والسودان
إقرأ أيضاً:
ما بين السودان الجديد والسودان الحديث
د. أبوبكر الصديق على أحمد مهدي
لقد تكرر الحديث كثيراً حول الغاء السودان القديم وابداله وتبديله بسودان جديد. وهذه الدعوة لا تعكس الا قصر نظر أصحابها، لأن الجديد هو انفصال نهائي عن القديم، وهذا لا يعني انه مختلف عنه، وانما هو ذاته كمحتوى مع الباسه لبوساً تبدو جديدة. وهو فقط محض تكرار كريه للسابق مع عدم الإضافة له أو اليه. فيصبح هناك تكلس وهناك غياب عن التقدم وعن التطور. فهي لا شيء سوى أنها دعوة دعائية عدوانية ضد القديم بسبب عدم المشاركة فيه.
ولكن، دعوتنا للسودان الحديث، ما هي الا امتداد للقديم، وامتداد تعني تحديث في القديم، وهي انقطاع لا نهائي عن الماضي أو القديم. فالمولود يُفصل عن أمه حتى يتواصل التواصل بينهما، ويصبح الطفل المولود امتداد لامه. فيضيف الطفل فكر جديد ورؤى جديدة ووجدان جديد، وجديد هنا لا تحمل معني "جديد" الموجودة في "السودان الجديد".
فجديد في "السودان الجديد"، تتسبب في انشطار الأمس عن اليوم، ويصير لا وجود لجسر يربط بين الأمس وبين الغد بسبب انفصال اليوم عن الأمس بصورة مطلقة. والنتيجة تكون تشويه للتركيبة الاجتماعية وللهوية الثقافية للمجتمع، ويصبح مجتمع هلامي لا كينونة له ولا يحمل هوية تميزه عن الآخرين ليكون متفرداً في وجوده.
اما دعوتنا فهي من أجل تواصل الأجيال ومن أجل ربط الأمس بالغد بجسر اليوم. وهي دعوة تحرض على التقدم وعلى التطور وعلى التحديث. فلا يمكن أن يكون هناك تحديث أو سيرورة لشيء تم الغاءه. فدعوة السودان الحديث تحافظ على تماسك لُحمة المجتمع ونسيجه، وتغنيه بكينونته المميزة، وتساعده في أن يمتلك هوية فيها من التفرد كل معانيه.
فالجديد هو انفصال لا انفصال، وبمعني آخر إذا لم يكن هناك فصل أو انفصال فلن يكون هناك تجديد، وانما يكون هناك تكرار لقديم، ولكن فقط بتبديل الشخوص الذين أتوا بذاك القديم، بشخوص آخرين يأتون بالقديم نفسه مع تغير سطحي في الشكل ولكن المضمون يكون هو هو لم يطرأ عليه جديد، فيصبح الجديد من جنس القديم.
فالانفصال لا يعني اطلاقاً الغاء التاريخ -ولكن تكرار التاريخ يعني الغاء للزمان ولكثافته-، والانفصال لا يقوم على زمن مفتت، يتكون من أنات مشتتة متناثرة. حتى وان كان لا بد من أن نعمل على المحافظة على مفهوم اللحظة الماثلة (الآن)، فلا يجب أن نحدده التحديد الهندسي، بمعني أنه نقطة تلاقي أو التقاء خطين. ولكن ينبغي أن نعينه أو نحدده تعييناً أو تحديداً فيزيائياً من حيث هو اتصال لاسلكي تيار كهربائي. فاللحظة الماثلة أو (الآن) هو شرارة وانفجار. انه لحظة تصدع واضحة، وهذه اللحظة هنا هي ليست أصغر جزء من الحاضر. ليست هي وحدة الحاضر. ولكنها تفتحه وتصدعه. انها هي نفسها التي تجعل الانفصال هو نسيج الزمان أو الزمن، بحيث لا يكون الزمن أو الزمان بمثابة صيرورة يفصل فيها حاضر حي متحرك الأمس (الماضي) عن الغد (المستقبل)، ولكنها هي حركة التباعد التي تنخر الحاضر ذاته، ولا تسمح له من أن يحضر ويتطابق أو يعيد ويكرر نفسه.
والتحديث معناً يعني أنه ليس مجرد التجديد (الجديد). فالتجديد قائم أو يقوم على فهم أو مفهوم "تخارجي" عن الانفصال. فالتجديد كمفهوم هو كل انسلاخ لجديد من قديم، انسلاخ لحاضر من ماضي. ولكن، وفي الجانب الآخر، فالتحديث هو "ظاهرة" متميزة متفردة بها صار الانفصال هو خاصية الكائن (زمان أو مكان أو انسان).
في التحديث لا يستمر الانفصال رابط أو علاقة بين طرفين، بين عنصرين، بين عاملين، بين فترتين، لا يظل علاقة، ولكنه يصبح خاصية (خاصية المعرفة، خاصية المجتمع، خاصية النص، خاصية الكائن). هو ما يجعل الكائن دائم الهروب عن ذاته، ما يجعل هذا الكائن يتخلله الزمان.
فالتحديث ليس هو مجرد اثبات للتحولات الكبرى في مختلف الحقول وفي عديد المجالات، وانما هو وعي عميق بأن الكائن (زمان، مكان، انسان) تحول. ويعتبر هذا التحول في حاضرنا يمتلك من القوة بحيث لا يسمح لنا الحديث (التكلم) عن هوية ثقافية سوى في خروجها عن نفسها، وتفاعلها مع ما يخالفها وانزالها ووضعها في فضاء ثقافي جديد وعالم كان غائب ولم يكن له وجود قبل اليوم أو قبل يومنا الذي بين أيدينا.
وما عنيناه هو أن الانفصال لم يعد مجرد اغتراب وابتعاد عن الآخر، ولكنه يعني ابتعاد الذات عن نفسها، والمهم والأهم من كل ذلك أنه ابتعاد لا متناه.
ولكي نميز بين مصطلح "الجديد" ومصطلح "الحديث"، يجب التمييز بين مفهومين عن الانفصال، مفهوم وضعي بحت يعمل على أن يفصل فصلاً نهائياً بين مرحلة ومرحلة، بين عامل وعامل، ومفهوم آخر يجب أن يكون مضاداً، يجعل القطيعة انفصالاً لا متناهياً ما يكاد أن يتم. وذلك لأنه ينطلق من نفيه "الحضور" والتحقق النهائي.
وبهذا الفهم وبهذا المعني فان "جوهر" هذا الانفصال لا يكون في الفصل والقطيعة، ولكنه يكون في لا تناهي الفصل وفي لا محدودية القطيعة. فالقطيعة ليست هي بمعني حلول حاضر يجُب ما قبله أو يلغي ما قبله نهائياً. فالقطيعة هي انفصال لا متناه، أي أنها حركة دائمة دائبة نشيطة لا تنفك تتم. فهي ليست انفصالاً بين حاضر وحاضر أي ليس انفصال بين حاضرين، ولا بين حضورين، ولكنها بالأحرى، هي خلخلة للحضور ذاته. انها اقحام للا-تناهي "داخل" الكائن.
وهذا الطابع اللامتناهي للانفصال يجعلنا نقعد القرفصاء داخل مفهوم دوري عن الزمان، ويجعل الفروع متعلقة أو تعلق بأصولها، يجعل الانفصال مستحيل أن يكون الا بإعادة ربط، بحيث نصير كسيحين عاجزين عن معرفة الماضي أو اكتشافه من جديد الا إذا نحن تمكنا من قطع الحبل، ذلك الحبل الذي يشدنا اليه. قطع الحبل هذا، مثل قطع حبل السرة، فهو لا يعني انفصالاً مطلقاً، ولكنها هي العملية التي يتم بها وعن طريقها ربط المولود بأمه من جديد. ولذلك فنحن من دعاة السودان الحديث الذي ينطلق من الماضي بعد دراسته موضوعياً مروراً بالحاضر الي الغد المشرق المنشود.
bakoor501@yahoo.com