المراقب العام للإخوان المسلمين بسوريا للجزيرة نت: الثورة مستمرة وندعم طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا عامر البو سلامة إن الثورة ما زالت مستمرة، وإن الأمر لم يستقر للنظام، مستشهدا بتفجر الاحتجاجات في مناطق جديدة داخل البلاد.
وأكد البو سلامة -في حوار مع الجزيرة نت- أنه لا حل إلا بزوال نظام بشار الأسد، مشددا على أن إعادة تدويره محاولة بائسة ويائسة.
وعن الإخوان المسلمين في سوريا، قال المراقب العام للجماعة إنها موحدة وبعيدة عن أي انقسامات، كما أنها تسعى -مع غيرها من القوى السورية- لتحقيق أهداف الثورة.
وعن طوفان الأقصى والحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، دعا البو سلامة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح المعابر لإغاثة أهالي غزة.
وهذا نص الحوار، ويمكن أيضا مشاهدته كاملا مصورا:
بعد 12 عاما من اندلاع الثورة.. إلى أين وصلت سوريا؟الثورة السورية بعد هذه السنوات الطوال ما زالت مستمرة، بل إنها تتفجر في مواقع ما كان يتوقع كثير من الناس أن تنفجر فيها مثل الذي حدث في الساحل السوري ومحافظة السويداء وفي ثورة العشائر.
فالنظام ترنح في الـ6 أشهر الأولى وكاد أن يسقط، إلى أن تدخلت إيران بمؤسساتها ومليشياتها وحمته قليلا، ثم تدخل الروس بعد ذلك، وعملوا حسما في بعض المناطق بالحديد والنار والقصف والقتل والإجرام الذي لا نشاهد مثله إلا في غزة اليوم، حيث لم تسلم منطقة في سوريا من إجرام النظام.
هذا النظام -الذي ترنح مرارا- ليس بعافية كما يظن هو ومن معه في محوره الذين يظنون أنهم انتصروا، لكنهم لم ينتصروا، ما زالت الثورة قائمة، صحيح أصابها نوع من الفتور بسبب الخذلان لها عالميا، ولكن الثورة باقية ومستمرة.
البو سلامة: الثورة ما تزال تغلي في قلوب السوريين بالداخل والخارج (الجزيرة) لماذا أخفقت الثورة في تحقيق أهدافها رغم طول المدة؟ وما مدى مسؤولية المعارضة، وأنتم جزء منها، عن ذلك؟من الصعوبة بمكان أن نقول إن الثورة أخفقت أو أنها لم تحقق أهدافها، لأنها لم تنته بعد. صحيح طالت المدة وما كنا نتمنى لها أن تطول، ولكن الظروف الموضوعية الكثيرة هي التي جعلت الثورة تستمر هذه المدة الطويلة نسبيا، وهي ليست طويلة بالقياس إلى عمر الثورات أو إلى حركات التحرر عالميا.
رغم هذا، فالثورة ما زالت مستمرة وباقية، وما زالت تحمل الأهداف التي قامت من أجلها، ونحن جزء من هذا الأمر حتى نحقق الأهداف كاملة. يعني لم ينته شيء إلا عند النظام والروس والإيرانيين الذين يقولون إنهم انتصروا. ولكن كيف انتصروا، ونصف الشعب السوري اليوم ما بين مشرّد ولاجئ ونازح؟ كيف انتصروا وسوريا مهدمة؟ كيف انتصروا وشمال غرب سوريا منطقة محررة، وشرق سوريا يسيطر عليه الأميركان وقسد (ما تسمى قوات سوريا الديمقراطية)؟
لذلك فالأمور لم تستقر للنظام، وعلى العكس من هذا، فنحن نبشّر بثورة ثانية ستكون أقوى من الأولى بإذن الله.
أين المعارضة الآن؟ هل سلمتم بالأمر الواقع؟ وأين حضور المعارضة بالشمال السوري الذي يُوصف بالمُحرر؟نحن جزء من المعارضة ولا نتكلم باسمها. وأوكد أننا والشرفاء من أبناء وطننا من المعارضين من كافة الاتجاهات وسائر التكوينات موجودون وما فتئنا نقوم بواجب الثورة على النظام.. مستمرون في هذا وماضون دون تردد أو تراجع أبدا عن المبادئ الأساسية لهذه الثورة.
حضورنا قائم سياسيا بما نستطيع سواء كان بالاتفاق مع الدول الشقيقة ودول الطوق والدول المتعاونة والمتفهمة لقضيتنا. ونحن نسعى حاليا لإقناع الدول التي لم تقتنع بعد بأنه لا حل إلا بزوال هذا النظام المجرم، ونحن متمسكون بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (الذي دعا لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية ووقف الهجمات ضد المدنيين) ونطالب كافة الدول بتطبيقه.
والملاحظ أن غالبية الأشقاء في دول الخليج وفي جامعة الدول العربية يطالبون بتطبيق هذا القرار، وقد ذُكر ذلك صراحة في القمة الخليجية الأخيرة، وهذا إقرار بأن الثورة ما زالت قائمة، ونطالب أيضا بتطبيق القرار بمعناه الصحيح، وأساسه هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وهذا يعني أن لها السيادة والسلطة، ومن ثم يصبح بشار الأسد وأركان نظامه في طرف الخريطة تماما.
الأسد (وسط) شارك بالقمة العربية الأخيرة بعد سنوات من تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية (رويترز) مؤخرا حضر رئيس النظام السوري القمة العربية، وعيّن سفراء في بعض الدول العربية. هل يعني هذا إسدال الستار على صفحة الثورة؟أبدا، كما قدمت في كلامي، فأي تحرك من النظام وحلفائه لا تعني إسدال الستار على ثورة الشعب السوري، والثورة قائمة بإذن الله ولا يمكن أن يسدل عليها الستار.. سنبقى صامدين ثابتين نحن وشركائنا في الوطن حتى يسقط هذا النظام ونقيم الدولة السورية الحديثة لكل أبنائها بإذن الله.
أما إعادة تدوير النظام فهي محاولة بائسة ويائسة، وقد شاركنا في وثيقة خاطبنا فيها الدول العربية ألا يقبلوا هذا المجرم بينهم في القمة العربية بعد أن قتل مليون إنسان، وشرّد أكثر من 10 ملايين آخرين، وهدّم أكثر من 3 ملايين بيت، فضلا عن استمرار الظلم والفساد والفقر وانهيار العملة، إضافة لهذه المخدرات التي ينتجها والتي لم تسلم منها دولنا العربية، وقلنا لهم إن الذي يحاول إغراق الدول العربية بالكبتاغون لا يمكن أن يأتي منه خير.
أما بالنسبة لعودته إلى جامعة الدول العربية أو فتح سفارات، فكل هذا لن يغير من الحقيقة شيئا، ستبقى جذوة الثورة مشتعلة حتى تحرق هذا المجرم، والمحاكم الوطنية العادلة تنتظره وتنتظر أمثاله، وسوف نراهم في قفص الاتهام في ساعة من الساعات.
"الإخوان" عرفت دائما بأنها جماعة جماهيرية بالمقام الأول. أين حضوركم الآن في الوسط السوري سواء داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام أو الشمال "المحرر" أو خارج سوريا عموما وخصوصا في تركيا؟نشاط الجماعة كجزء من نشاط المعارضة في الإطار السياسي وأهداف الثورة موجود، ونحن نعيش همّ الثورة في كل يوم.
الجانب الثاني أننا كجماعة نعمل كحركة دعوية وتربوية وفكرية، والحمد لله لنا أنشطتنا حيثما وجدنا في هذا الباب، ونحن حركة جماهيرية غير منكفئة على ذاتها، ونسعى إلى حضور أكبر وأوسع بإذن الله.
الجانب الثالث وهو علاقاتنا المجتمعية، ونحن نركز خصوصا في هذه المرحلة على هذا الجانب عن طريق الدعوة، والعمل الطلابي والإنساني والإغاثي والنسائي والتعليمي، والتواصل مع الناس ومعرفة همومهم وما إلى ذلك. والجماعة -منذ تأسيسها عام 1945 وكان الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله أول مراقب عام لها- وهي تعمل في أوساط الجماهير.
وفي هذا المقام، هناك اتجاهان في النظرة إلى الإخوان: أحدهما يرى أن الإخوان يهيمنون ويسيطرون على كل شيء، وهذه مبالغة مقصودة بهدف التنفير من الإخوان باعتبارهم إقصائيين. والاتجاه الثاني هناك من يقول إن الإخوان غائبون ولا حضور لهم، وهذه أيضا هذا مبالغة وتقزيم لنا. ولذلك نحن نضع الأمور في نصابها الصحيح لا إفراط ولا تفريط.
البو سلامة: جماعة الإخوان في سوريا موحدة ولم تشهد سوى انسحاب عدد قليل جدا من أبنائها (الجزيرة) خلال العقد الأخير، شهدت جماعة الإخوان السورية انسحاب بعض المنتمين إليها. الآن مر على انتخابكم مراقبا عاما نحو عام، هل اتخذتم خطوات عملية في سبيل رأب الصدع الداخلي؟هذا الكلام كثيرا ما يثار في وسائل الإعلام، والحقيقة أن من استقال من الجماعة عدد قليل جدا، وأنا لا أحقر من شأنهم، فهم إخواننا وأحبابنا ولهم احترامهم وتقديرهم وقد انسحبوا بكل ود، وهذا الانسحاب منصوص عليه في نظامنا الداخلي بأن من حق العضو أن ينسحب من الجماعة متى شاء لأن هذه الجماعة ليست فرضا لازما عليه.
الجماعة بشكل عام بخير وعافية من هذا الجانب، أعني جانب الانسحابات. أما جانب الانشقاقات أو الانقسامات فليس موجودا أبدا، ولا أقول هذا أيضا لأنني المراقب العام، فالجماعة والحمد لله موحدة منذ سنوات وليس الآن فقط.. ما عرفنا إلا مراقبا واحدا، ومجلس شورى واحدا، وقيادة واحدة.
كيف تنظر إلى عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي؟أولا لا بد أن نشير إلى أن معركة طوفان الأقصى حدث كبير وعظيم، وهو حلقة في سلسلة مواجهة الاحتلال، كما حدث في الحروب السابقة، وقبلها الانتفاضة، وما قبل ذلك بل من الثلاثينيات من خلال جهاد الشيخ عز الدين القسام، وصولا إلى جهاد حركة الإخوان المسلمين في فلسطين عام 1948، والشيخ حسن البنا وعندنا السباعي في سوريا أيضا بنفس العام، فهم قادوا العمل.
والآن نرى إجراما صهيونيا لا مثيل له إلا ما حدث في سوريا، لكن المشهد العام في فلسطين اليوم يجمع بين الابتسامة والدمعة: الابتسامة بأن أنف هذا العدو مُرغ في التراب، وكذلك بهذا الصمود الكبير لأبناء شعبنا في غزة، وهو صمود المؤمنين بقضيتهم.. صمود الذين يبحثون عن الشهادة ولا يحرصون على الحياة. صمود في وجه محاولات التهجير.. هذا الصمود يواجهه العدو الصهيوني بالقتل والتشريد، وهذا هو سبب الدمعة.
ومن المهم التأكيد على رفضنا لتهجير الفلسطينيين على كافة المستويات، حتى لو من حي إلى حي، كما نشدد على ضرورة فتح المعابر لخروج الجرحى للعلاج وإدخال المساعدات، وقبل ذلك السعي مع كل أحرار العالم على وقف هذه الحرب الشرسة على أهلنا في غزة، فكل ساعة إضافية تعني المزيد من دماء أبناء شعبنا.
سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية للمقاومة التي شاركت في "طوفان الأقصى" (مواقع التواصل) كيف تقيم دور النظام السوري تجاه ما يحدث بغزة الآن، خصوصا وأنه يتزامن مع قصف إسرائيلي متكرر يستهدف بعض المناطق داخل سوريا ومنها مطارات ومواقع عسكرية؟في تقديرنا، ما يُسمى بمحور المقاومة، ونحن نسميه محور الشر، ليس مفيدا للقضية الفلسطينية في شيء على الإطلاق. فالنظام السوري وغيره من المتاجرين بالقضية الفلسطينية سقطت عنهم ورقة التوت، والمؤكد أن الذي باع الجولان لا يمكن أن يكون محررا لفلسطين أو مساندا للمقاومة. والذي قتل الفلسطينيين في تل الزعتر وغيرها من مناطق لبنان، وفي حي التضامن ومخيم اليرموك في سوريا، إضافة إلى اعتقال عدد كبير منهم، لن ينصر فلسطين.
هذا النظام الذي يقتل الشعب السوري ويشرده، من العار أن يتكلم بقضية تحرير فلسطين، ونحن نعجب مِن مَن يتأمل من هذا النظام خيرا، فالنظام يأكل الضربات ويسكت، ويقول إنه ينتظر الوقت المناسب، صبرنا 50 سنة ولم يطلق طلقة واحدة تجاه الصهاينة.
الآن بعد نحو 88 يوما على انطلاق معركة طوفان الأقصى والهجوم الشرس الذي تشنه إسرائيل على غزة، ما توقعاتك لمستقبل القضية الفلسطينية؟نأمل ونتوقع قريبا إن شاء الله وقف إطلاق النار وإعادة الأمور إلى نصابها الذي كان في الأصل موجودا في غزة، فغزة وفلسطين لأبنائها يحكمونها بالطريقة التي يرون أنها مناسبة.
ومن المهم الإشادة برفض مصر تهجير أهل غزة إلى سيناء، ورفض الأردن تهجير أهل الضفة الغربية إلى الأردن، وهذا موقف مشرف وجيد، والدول العربية حكومات وشعوبا متحدة في هذا الشأن على أنه يجب إيقاف إطلاق النار وأن تبقى غزة لأهلها، وألا يُهجّر أحد من أهلها.
ومن المؤكد أن هذه الدماء التي تبذل ليست عقيما، بل هي دماء ولاّدة، وعندي أمل كبير بأن المشروع الصهيوني بإذن الله إلى زوال، فهذا المشروع ليس قابلا للحياة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الدول العربیة المراقب العام طوفان الأقصى هذا النظام الثورة ما بإذن الله فی سوریا ما زالت فی غزة فی هذا من هذا
إقرأ أيضاً:
طوفان سوريا بين سرعة الإنجاز وضخامة المنتج
من الصعوبة بمكان على أي باحث بعقله ووجدانه وحسه الوطني أن يفصل بين الحدث وصانعه، كما لا يمكن أبدا في الاعتبار الوطني قبول اختزال الوطن كله في شخص واحد مهما كان بطلا حتى ولو كان "سينوارا".
نافذة على التاريخ
منذ مجيء الأسد الأب (1971-2000)، ثم ولاية بشار حتى هروبه (2000- 2024)، غابت سوريا الحضارة والأدب، والعلم، ورجال الدولة والتوبة عن المشهد السياسي. غاب ذكر الإمام الأوزاعي وأبو سليمان الدمشقي وابن تيمية وابن قيم الجوزية والحسن بن الهيثم الحلبي وأبو العلاء المعري وابن النفيس والجغرافي والمؤرخ الشهير المقدسي البشاري، وابن أبي أصيبعة الطبيب والمؤرخ للطب، لتحل محلهم رموز الفشل والخيبة والنكسة والوكسة الذين ساعدوا حافظ الأسد وولده بشار في تحويل الدولة إلى قسم من أقسام الجحيم، فكان: علي دوبا ومحمد الخولي وحكمت الشهابي ومصطفى طلاس ورفعت الأسد ونجيب جابر وعلي مملوك وجميل حسن وعبد الفتاح قدسية ومحمد ديب زيتون ورستم غزالي وآصف شوكت وماهر الأسد وعلي حبيب محمود وحسين همدان. وتحولت سوريا ودمشق من رمز للعمارة ومجد لتاريخ الآباء والأجداد وعاصمة للخلافة الأموية؛ إلى كابوس ومصدر للفساد وشبح مرعب يثير مجرد ذكره في الذاكرة والوجدان كل أنواع الخوف والترويع لكل حر شريف، وتحولت مدن سوريا إلى خرائب حيث قامت أجهزة النظام بتدميره وتهجير ونزوح أكثر من نصف سكانه إلى كل مكان وأي مكان يستبقي وجودهم على قيد الحياة.
صناعة التاريخ وصناعة البطولة أيضا
ورغم القهر والإحباط الذي ملأ دنيا السوريين بمعاناة الغربة والتشريد، إلا أن الإصرار والصبر والأمل والعمل وتحت وطأة الاستبداد والقهر وعموم المظالم دفعهم إلى استكمال التجربة الثورية وعدم الاكتفاء منها بدورة واحدة، فقرروا صناعة التاريخ وصناعة نمط من الأبطال جديد في رؤيته وقدرته وإصراره.
رغم القهر والإحباط الذي ملأ دنيا السوريين بمعاناة الغربة والتشريد، إلا أن الإصرار والصبر والأمل والعمل وتحت وطأة الاستبداد والقهر وعموم المظالم دفعهم إلى استكمال التجربة الثورية وعدم الاكتفاء منها بدورة واحدة، فقرروا صناعة التاريخ وصناعة نمط من الأبطال جديد في رؤيته وقدرته وإصراره
* تعلم السوريون من رصيد حضارتهم وتراكم الخبرة لديهم أن التاريخ ليس صفحات طويت، وليس مواقع لاجترار الذكريات والوقوف على أطلالها بحديث عن أمجاد الآباء ثم ينفض السامر وينتهي الأمر.
* وأن في أحداث التاريخ سعد ونحس، ومد وجزر، وانتصار وانكسار، وهذه الثنائيات لا تنشأ هكذا مصادفة أو من فراغ، وإنما يصنعها الإنسان بإرادته وعمله.
* وأن الكبار وحدهم هم الذين يشقون طريقهم نحو المجد ويتجاوزون العقبات ويذللون الصعاب، ويقتحمون على التاريخ أبوابه ويرغمونه أن يفتح لهم نوافذ مشرقة بين أيامه ولياليه.
* تعلموا من دينهم أيضا أن الطبيعة لا تعرف الفراغ، ومن ثم فموقع المسلم الحقيقي في الأحداث هو موقع الفاعل المؤثر، وليس موقع الغائب أو المتفرج، أومن يقف على هامش الأحداث ليشاهد من موقع المتفرج وباندهاش عملية المد أو الجزر.. كلا، المسلم ليس كذلك، إنه رجل آخر، إنه هو الذي يحرك التاريخ ويدفع به إلى الأمام، ويصنع من خلال إرادته وقراره الحر عملية المد للحق والجزر للباطل، لذلك رأينا على مدار التاريخ رجالا يؤثرون فيه، بل ويصنعونه لأمتهم ويخلدون من خلاله مواقفهم.
* أمثال هؤلاء الرجال يربط القدر بمواقفهم مصائر الأمم ومقدرات الشعوب.
* تعلم السوريون أيضا أن صناعة التاريخ مهمة الأبطال دائما، وعناصر تكوينه زمن وأحداث ورجال.
* وأن الأمم الحية يجب أن تعيش حاضرها وفق معايير الحرية والكرامة والعدالة، وأنها تستطيع أن تضيف لمجد الآباء أمجادا جديدة ترفع من رصيدها الحضاري وتوطد مكانتها بين غيرها من أمم الأرض.
جغرافية المكان وتحدياتها
للمكان الذي ولد فيه الإنسان وتربى ونشأ في ظله أثر بالغ في تكوين شخصيته ورسم ملامحه وتحديد قسماته، بل وتحديد اتجاهاته وتوجيه بوصلته الداخلية في تشكيل خريطة وجدانه من حيث الحب والكره، والرضا والغضب، والحرب والسلم، فتعلم شعب سوريا رغم معاناته منذ بداية ثورته وعلى أرضه أن تجارب السابقين رصيد ملزم للاحقين؛ ينظرون فيها فيتجنبون ما وقع من أخطاء، ويستفيدون مما وقع فيها من انتصارات وانكسارات. قال تعالى: "أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ" (السجدة: 26). وقال سبحانه: "أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى" (طه: 128). فاستفاد اللاحق من السابق، فكانت الثورة مبهرة ومدهشة في سرعتها وأثرها.
سرعة الإنجاز وضخامة المنتج
الحدث السوري شكل طوفانا قلب كل الموازين، وأصاب الناس والدوائر السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية بدهشة جعلت كل المراقبين يترددون في الحكم على الظاهرة الغريبة التي بدأت بتحرير حلب، ثم حماة، ثم حمص، وختمت بالعاصمة دمشق.
سرعة الزمن (أحد عشر يوما) لا تتناسب مع حجم المنتج "تحرير سوريا وعودة دمشق وسقوط الطاغية".
فقدان التوازن في عقل كل مراقب للحدث أثار دهشة علت الوجوه، وعجزت معها أدوات الإدراك على الاستيعاب، فكان الحدث أشبه بحلم جميل تستطيبه مخيلة فنان يصور البطل أسطورة تتجاوز في خرق العادة حدود المعقول، لتفرض المنقول برؤية العين يقينا مجسدا متحركا فعالا في الواقع والحقيقة.
صدمة كارثية
وفي الحقيقة والواقع كانت المفاجأة المدهشة، حيث يشاهد المراقب للحدث بأم عينيه أن رجال الثورة سيطروا على المدن الأربع بما فيها العاصمة، وذهبوا ومعهم الشعب إلى مقار السجون والمعتقلات ومراكز العار ليطلقوا سراح الضحايا المعتقلين الأبرياء فكانت صدمة كارثية، حيث جزء من هذا الشعب سلبت سلطات الاستبداد والطغيان منهم كرامتهم وحريتهم وحولتهم إلى مجرد قطيع من الغنم يحلبهم الراعي متى شاء، ويضربهم متى شاء، ويذبح منهم متى شاء.
وكانت الصدمة التي بلغت من البشاعة ما يجبر العين عن كف النظر عن مزيد من الرؤية، حتى لا يظن عقل أن صور الجحيم في النار تتكرر هنا في "صيدنايا، أو المزة، أو سجن تدمر، لكن بفارق واحد هو أن المعذبين شريحة من شعب بريء كان يبحث لنفسه عن كرامة، ولوطنه عن حرية واستقلال، فإذا به هنا يستشعر زلزلة الساعة قبل أوانها، ويشاهد القيامة قبل أن تقوم، ويدخل إلى الجحيم بغير سابقة إنذار.
بين بناء الإنسان وبناء الدولة
يدرك الشعب السوري وقادته أن الحضارات ليست غابات من الحديد والأسمنت المسلح.
الحضارات ثقافة وحرية وعدالة وقيم أخلاقية وإنسانية لا يرفع بنيانها ولا يشيدها إلا إنسان يمتلك إرادته وحريته وقراره. وقد حققت تلك الثورة المباركة هدفا ثلاثي الأبعاد طولا وعرضا وعمقا.
طولا: في البعد الداخلي بإسقاط نظام دكتاتوري استبدادي سيطر لأكثر من نصف قرن..
وعرضا: في البعد الإقليمي بتحييد دولة إقليمية لها أجندتها تغلغلت في سوريا لمدة تزيد عن عقدين من الزمان.
وعمقا: في البعد الدولي بتحييد الروس وكف أذاهم وشرهم عن الثورة والشعب.
وتلك أعظم مخرجات هذا الطوفان المبارك. وبعد ذلك ما تهدم من البناء يمكن أن يبنى من جديد، والمهم أن يحافظ السوريون شعبا وقيادة على حماية المكتسبات العظمى لتلك الثورة المباركة وأراها كالآتي:
طريق الثورة طويل ومحفوف بالمخاطر، وقبول هذه الثورة بصبغتها وتوجهاتها ليس أمرا سهلا مهما حاول قادتها شرح أنفسهم وبيان رؤيتهم للمستقبل، إذ المحيط الإقليمي والدولي مشبع بسوء الظن، وربما بسوء الفهم وسوء النية معا، والخوف من انتشار عدواها في المنطقة، وكل ذلك قطعا يشارك في تكوين منظومة إقليمية ودولية تجعل من فشل تلك الثورة هدفا وغاية
1- ألا تنكسر في الإنسان إرادته.
2- ألا تصادر حريته.
3- ألا تغتصب حقوقه.
4- وألا تتسلط عليه سلطة غاشمة كما حدث في نصف القرن الأخير.
* طريق الثورة طويل ومحفوف بالمخاطر، وقبول هذه الثورة بصبغتها وتوجهاتها ليس أمرا سهلا مهما حاول قادتها شرح أنفسهم وبيان رؤيتهم للمستقبل، إذ المحيط الإقليمي والدولي مشبع بسوء الظن، وربما بسوء الفهم وسوء النية معا، والخوف من انتشار عدواها في المنطقة، وكل ذلك قطعا يشارك في تكوين منظومة إقليمية ودولية تجعل من فشل تلك الثورة هدفا وغاية.
فبعض دول المحيط الإقليمي ترى في انتصار الثورة السورية تهديدا لوجودها، ومن ثم فهي تتمني للثورة الفشل، وتساهم في وضع عقبات في طريقها، وربما تساهم في مؤامرات ضدها. ولا أظن أن ذلك غائبا عن وعي رجالها وقادتها.
وسبيل تلك المنظومة في تعطيل الثورة وإبطال مفعولها يعتمد قطعا على عوامل داخلية وأخرى خارجية.
وأكثر العوامل الداخلية تأثيرا في هذا المجال وأشد وأصعب أسباب محنة الثورة السورية كثرة الأيدي العابثة فيها بإثارة الطائفية واللعب على ورقة حقوق الأقليات، وإثارة الخوف من عودة داعش وبقية الفصائل المتطرفة.
والسوريون جميعا بمختلف مذابهم ومعتقداتهم وأعراقهم يشكلون اللحمة الحضارية والنسيج الاجتماعي لوطن بحجم سوريا، تتعدد فيه الديانات والمذاهب وتتوحد فيه المواطنة، وعندما تتحقق العدالة الاجتماعية والحرية السياسية في ظل نظام ديمقراطي حقيقي لن تكون هناك أقليات طائفية أو مذهبية.
ومن ثم فلا بد من السعي وبسرعة من سن تشريعات تحمي الحقوق في الوطن لجميع المواطنين بلا تمييز ولا تفريق، لتكون كل الحقوق مصونة، فلا يجوز انتقاصها ولا التفريط فيها، كذلك لا بد من حماية المعتقدات لتكون محفوظة، فلا ينبغي الاعتداء عليها، ولا بد من ترسيخ مفاهيم الوحدة وحماية اللحمة الحضارية والنسيج الاجتماعي، لأن أهل المعتقدات إن تناحروا فلا أوطان. سوريا يمكن أن تعود كواحة للديمقراطية وحقوق الإنسان، بل يمكن أن تكون منتدى للحضارات والثقافات والتعددية بمعناها العام.