المتتبع لتناولات الإعلام البريطاني والأمريكي للعملية التي شهدها جنوب البحر الأحمر، الأحد، بين قوات جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) والبحرية الأمريكية، والتي سقط فيها 10 من منتسبي الجماعة، سيلاحظ أن ثمة نوايا (مترددة أمريكيًا متقدمة بريطانيا) لإنشاء تحالف داخل التحالف مهمته تنفيذ عمليات جوية ضد أهداف للحوثيين في البحر وداخل اليمن؛ وهو ما تحدث عنه صراحة وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، في مقال بصحيفة تلغراف.

 

فيما قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها، الأحد، بهذا الشأن “يشكل الحادث الآن خيارًا صعبًا بالنسبة للسيد بايدن وإدارته. قال مسؤولون كبار إنه يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا سيضربون مواقع الحوثيين للصواريخ والطائرات بدون طيار في اليمن، أو ينتظرون ليروا ما إذا كان الحوثيون سيتراجعون بعد غرق ثلاثة من زوارقهم السريعة ومقتل مقاتليهم”.

 

وقالت صحيفة تلغراف البريطانية، الأحد، إن الحكومة “تفكر في توجيه ضربة جوية لجماعة الحوثي اليمنية الموالية لإيران، في ظل التهديدات التي تمثلها لحركة الملاحة جنوبي البحر الأحمر”.

 

وقال وزير الدفاع البريطاني إن الحكومة “لن تتردد في اتخاذ إجراء مباشر” لمنع أي هجمات أخرى.

 

في ذات السياق أكدت تلغراف أن “المملكة المتحدة والولايات المتحدة تجهزان بيانا مشتركا لتوجيه تحذير أخير للحوثيين”.

 

يأتي ذلك بعد إعلان الولايات المتحدة إغراق 3 زوارق حوثية إثر محاولة من على متنها الاستيلاء على إحدى السفن جنوبي البحر الأحمر.

 

وفي تعليقهم على ذلك، حمّل الحوثيون الولايات المتحدة مسؤولية وتبعات ما حصل في البحر الأحمر أمس الأحد.

 

وتبنت الجماعة استهداف سفينة حاويات “ميرسك هانغتشو”، التي قالوا إنها كانت متجهة لموانئ إسرائيلية. وأكدت استمرار عملياتها في منع عبور السفن الإسرائيلية أو التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية في سياق ما اعتبرته الجماعة الدعم المستمر للفلسطينيين في قطاع غزة.

 

نبرة تهديد

 

كما ارتفعت نبرة التهديد فيما صدر عن قيادات الجماعة في منصات التواصل الاجتماعي.

 

وقال نائب وزير الخارجية في حكومة الجماعة، حسين العزي، في تدوينة على منصة إكس: “حتى لا تخونكم الذاكرة في المستقبل: أمريكا (وليس صنعاء) هي من بدأت القتل وسفكت الدم، وأعتقد كل سكان الكرة الأرضية الآن يعرفون هذه الحقيقة بشكل جيد. إن كل ما نرجوه هو عدم نسيان هذه الحقيقة فقط لا غير “.

 

فيما قال عضو المكتب السياسي للجماعة، محمد البخيتي:” رغم أننا قمنا بواجبنا الديني والاخلاقي والانساني تجاه إخواننا الفلسطينيين إلا اننا كنا نشعر بالخجل ونحن نشاهد شهداء فلسطين خصوصًا من النساء والأطفال، ولكن بعد أن اختلطت دماؤنا اليوم بدمائهم فإن هذا خفف عنا كثيرًا و(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)”.

 

ينضح من تلك التدوينات أن الرد على ما حصل أمس بات واردًا، ومن خلال تتبع علاقة الحوثيين برد الفعل؛ سيجد المراقب أنهم لا ينسون ثأرهم، ولا يفوتون فرصة الرد؛ وهو أمر لو حصل سيزيد من تعقيد الأوضاع؛ لأن ما شهده البحر الأحمر، الأحد، يمثل أول مواجهة مباشرة بين الطرفين في البحر؛ لن تمر دون تداعيات؛ وهي التداعيات التي بدأت تطل برأسها.

 

هذه المواجهة قرأها الأمريكيون بأنها جاءت في سياق “الدفاع عن النفس”؛ وهو مبرر يرفضه بعض المراقبين بالنظر للرواية الحوثية التي لم تتطرق إلى أن زوارق الجماعة أطلقت النيران على المروحيات.

 

ماذا بعد؟

 

السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا بعد، وهل التهديدات التي أطلقها البريطانيون والأمريكيون تمثل محاولة “لا أكثر” لردع الحوثيين لتجنب الرد؟ لأن الرد في حال حصل فسيكون له رد فعل؛ وبالتالي تكون الحرب قد اندلعت بشكل رسمي في جنوب البحر الأحمر.

 

بات الوضع حاليًا أكثر تعقيدًا، لاسيما وأن التصريحات البريطانية بتنفيذ ضربات جوية ضد الحوثيين كانت واضحة، بل إن صحيفة التايمز تحدثت عن تحالف بريطاني- أمريكي، وربما مع دولة أوروبية أخرى لم تسمها، لإطلاق وابل من الصواريخ على أهداف مخطط لها مسبقًا للحوثيين إما في البحر أو داخل اليمن. وقالت إن الضربات ستنفذها بريطانيا للمرة الأولى من خلال سلاح الجو البريطاني أو من خلال المدمرة البريطانية HMS Diamond.

 

على الرغم من ذلك ما زال الأمريكيون مترددين في الحديث عن ذلك صراحة، و يظهر التردد من خلال ما صدر عن بعض قياداتهم؛ إذ يعرفون أن ذلك يمثل توسيعًا لدائرة حرب غزة؛ وهو ما لا يريدونه، علاوة على مطالب السعودية الخاصة بهذا الجانب.

 

إلا أن تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، الأحد، حمل نبرة تهديد، وفي نفس الوقت نبرة رفض فيها توسيع الصراع في المنطقة، إذ قال إن الولايات المتحدة ستواصل التصرف دفاعًا عن نفسها. وأضاف لشبكة ABC: “لا نسعى إلى صراع أوسع في المنطقة، ولا نسعى إلى صراع مع الحوثيين”. وأضاف أن “أفضل نتيجة هنا هي أن يوقف الحوثيون هذه الهجمات، كما أوضحنا مرارًا وتكرارا “.

 

وقال البيت الأبيض، الأحد، إنه لا يسعى إلى صراع أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط.

 

ثمة رغبة بريطانية لتوجيه ضربة للحوثيين، إلا أن الأمريكيين ليسوا واضحين في هذا الأمر بقدر الوضوح البريطاني

 

ما يمكن فهمه مما صدر عن الأمريكيين والبريطانيين أن ثمة رغبة بريطانية لتوجيه ضربة للحوثيين، إلا أن الأمريكيين ليسوا واضحين في هذا الأمر بقدر الوضوح البريطاني؛ وهذا في ذات الوقت لا يلغي أن ثمة تنسيقا مشتركا بينهما في هذا الشأن؛ لأنهم يعرفون أن ما بعد إغراق زوارق حوثية سيكون تصعيدًا حوثيًا؛ وهذا التصعيد سيضع تحالف “حارس الازدهار” في مأزق؛ لأن معظم من تبقى من أعضائه يرفضون أن يكون تحالف حرب؛ وبالتالي فلا بد من إنشاء تحالف داخل تحالف؛ والمتمثل في تحالف أمريكي بريطاني مع دولة أوروبية، يُرجح أن تكون فرنسا، لتوجيه ضربات ضد الحوثيين؛ كما أن واشنطن كعادتها لا تخوض حروبها خارج حدودها إلا من خلال تحالفات، كما حصل في العراق وأفغانستان وغيرهما، إلا أن تأسيس تحالف لاستهداف الحوثيين سيكون توسيعًا للصراع بلا شك؛ وهذا يجعلها بالإضافة إلى المطالب السعودية أكثر ترددًا من غيرها في قطع خطوة للأمام في هذا الجانب.

 

ووفق مراقبين، فإن نتائج الحرب المفترضة ستكون أكثر سلبية على المستوى الشعبي العربي والإسلامي في ظل القمة العربية والإسلامية تجاه موقف الغرب من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.

 

الصعيد العسكري

 

على الصعيد العسكري، يمكن القول إن الحوثيين خاضوا حروبًا عديدة آخرها ضد التحالف العربي بقيادة السعودية، وأصبحوا يمتلكون خبرات متراكمة في إدارة الحرب، وكيفية امتصاص تأثيراتها على قدراتهم؛ وبالتالي فإن الحرب المفترضة مع التحالف الجديد لن تنحصر في توجيه ضربات لأهداف محددة، بل سيكون هناك رد ربما يكون في مستواه مفاجئا للمتابعين؛ لأن الحوثيين يعملون باستمرار على تطوير قدراتهم؛ وبخاصة فيما يتعلق بقدراتهم الصاروخية، وعلى الرغم من أنها تمثل قدرات تقليدية بالنظر للسلاح الذي يمتلكه الطرف الآخر، إلا أن هذا النوع من الأسلحة ما زال له قدرة على تحويل كفة المعركة لصالحه.

 

الكاتب الصحافي والباحث الأمريكي، مايكل هورتون، وهو باحث في مؤسسة جيمس تاون قال: “في حين أن التكاليف العالمية لهجمات الحوثيين على الشحن البحري تتزايد بشكل مطرد، فإن الهجمات تحقق مكاسب سياسية وحتى استراتيجية كبيرة للحوثيين، الذين يبدو أنهم ينتصرون على جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه. وفي اليمن، ازداد الدعم للحوثيين، حتى بين بعض الأعداء”.

 

وقال في تقرير نشرته مجلة ريسبونسبل ستاتكرافت الأمريكية، الأسبوع الماضي: “إن الحوثيين يتمتعون بقدرة قوية على الصمود والقدرة على التكيف. لقد أدى ما يقرب من عقدين من الحرب إلى شحذ القدرات القتالية للحوثيين”.

 

مايكل هورتون: تحقق الهجمات مكاسب سياسية واستراتيجية كبيرة للحوثيين، الذين يبدو أنهم ينتصرون على جبهة العلاقات العامة داخل اليمن وخارجه، إذ ازداد الدعم لهم حتى بين بعض الأعداء

 

وذكر التقرير: “أن الحوثيين لم يستخدموا طائراتهم بدون طيار وصواريخهم الأكثر تطوراً بعيدة المدى. كما يمتلك الحوثيون أعداداً كبيرة من الألغام البحرية، بما في ذلك الألغام النفوذية التي يصعب اكتشافها”.

 

وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن سفينة الحاويات “ميرسك هانغتشو” تعرضت لقصف صاروخي أثناء إبحارها جنوب البحر الأحمر بعد ظهر السبت. وبث طاقم السفينة نداءات استغاثة وطلب مساعدة. وجاءت ثلاث سفن تابعة للبحرية الأمريكية للإنقاذ، واعترضت المدمرة “جريفلي” صاروخين باليستيين آخرين.

 

وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن كبار قادة البنتاغون يضغطون من أجل اتخاذ إجراءات أكثر عدوانية ضد الوكلاء الإيرانيين الذين يهاجمون القوات الأمريكية، بما في ذلك في سوريا والعراق. وفي الأسبوع الماضي، ضربت الولايات المتحدة قاعدة في العراق تستخدمها كتائب حزب الله بعد هجوم أدى إلى إصابة ثلاثة جنود أمريكيين، وترك أحدهم في حالة حرجة.

 

نيويورك تايمز: الحذر الأمريكي تجاه الحوثيين مدفوع باعتبارات عديدة، أهمها هو أن المملكة العربية السعودية تريد تجاوز حربها المكلفة في اليمن

 

وأضاف تقرير للصحيفة: لكن يبدو أن المشكلة الأكثر إلحاحا تكمن في البحر الأحمر، حيث أطلق الحوثيون العشرات من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار ضد السفن التجارية ردًا على حرب إسرائيل ضد جماعة أخرى مدعومة من إيران، حماس، على حد تعبير الصحيفة.

 

وبينما قصفت القوات الأمريكية مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار في سوريا والعراق، كان بايدن – حسب الصحيفة – مترددًا في إصدار الأمر نفسه ضد قواعد الحوثيين في اليمن، “هذا الحذر مدفوع باعتبارات عديدة، لكن أهمها هو أن المملكة العربية السعودية تريد تجاوز حربها المكلفة في اليمن”.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر الحوثي أمريكا الملاحة الدولية الولایات المتحدة البحر الأحمر داخل الیمن بدون طیار فی البحر فی الیمن من خلال فی هذا إلا أن

إقرأ أيضاً:

تحذير أمريكي من استخدام الحوثي لنفوذه الجديد حتى بعد انتهاء حرب غزة

أكد معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن الآثار المباشرة لحملة جماعة أنصار الله "الحوثي" ضد الشحن البحري خطيرة بشكل واضح، ولابد للولايات المتحدة والسعودية والشركاء الآخرين الاستعداد لاحتمال أن تستخدم الجماعة نفوذها المكتشف حديثا بطرق أخرى تتجاوز حرب غزة.

وقال المعهد في تحليل له نشره الأربعاء الماضي إن: "التهديد لا يزال يتصاعد بشكل كبير كما ونوعا، ولم يتمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ولا القوة البحرية للاتحاد الأوروبي التي تم إطلاقها مؤخرا من الحد من هجمات الحوثيين، التي شنتها الجماعة ردا على القتال في غزة".

وأضاف أنه "في الأشهر الخمسة منذ أن بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن ضربات عسكرية في اليمن بدعم غير عملياتي من دول أخرى، تم تسجيل أكثر من 100 حادثة إضافية، شملت الكثير من عمليات الاعتراض البحرية لأسلحة الحوثيين".

 وفي البداية، تجاهلت بعض الشركات التجارية التي تتعامل مع "إسرائيل" تهديدات الحوثيين واستمرت في العمل في المنطقة، ولكن في نهاية المطاف، بدأت الجماعة بمحاولة شن هجمات أكثر فتكا وتعقيدا. 


وعلى سبيل المثال، في 12 حزيران/ يونيو، هاجمت الحركة ناقلة بضائع سائبة باستخدام سفينة سطحية غير مأهولة ونجحت في إلحاق أضرار جسيمة بسفينة تجارية للمرة الأولى منذ تشرين الثاني/نوفمبر. 

وقد غرقت السفينة لاحقا، وتم الإبلاغ عن وفاة أحد البحارة، ومن ثم في 13 حزيران/ يونيو، شن الحوثيون هجوما مزدوجا على سفينة شحن باستخدام ثلاثة صواريخ على الأقل، مما أسفر عن إصابة بحّار بجروح خطيرة وأرغم بقية الطاقم على إخلاء السفينة.

وأكد المعهد أنه "في ضوء تزايد المخاطر، اقتنعت الكثير من شركات الشحن بالابتعاد عن المنطقة، مما تسبب بانخفاض حاد في عمليات العبور الإجمالية عبر مضيق باب المندب، أحد أهم ممرات الشحن في العالم، فبين 10 و16 حزيران/يونيو، انخفضت حركة المرور عبر المضيق بأكثر من 50 بالمئة مقارنة بالأسبوع الرابع والعشرين من العام الماضي. 

ومن المتوقع أن تزداد الهجمات بشكل أكبر إذا استمرت حرب غزة أو إذا صعّدت "إسرائيل" وحزب الله صراعهما في لبنان.

وأضاف أنه "على الرغم من التركيز المفهوم على التبعات البحرية والتجارية المباشرة لهذه الهجمات، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لمدى ترسخ التهديد الحوثي، وكيف يمكن أن يستخدم الحوثيون نفوذهم المكتشف حديثا لخدمة أجندات سياسية مختلفة في المستقبل. فمع أن التهديد البحري قد يتلاشى تدريجياً إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فهو لن يختفي، بل إن فعاليته في تعطيل التجارة العالمية لن تؤدي إلا إلى تشجيع الحوثيين".

"مرحلة رابعة" 
وقال المعهد إنه "في 16 أيار/مايو، بعد أيام معدودة من شن إسرائيل هجومها على رفح، حذّر زعيم الحوثيين قائلاً: سنسعى إلى تعزيز المرحلة الرابعة من التصعيد من حيث عدد الهجمات وتأثير الضربات، مؤكدا أن الغرض من الحملة هو دعم الفلسطينيين في غزة. ومنذ ذلك الحين، وسّعت الجماعة قائمة أهدافها: فإذا كان لدى شركة ما سفنٌ ترسو في الموانئ الإسرائيلية، فقد أصبحت جميع سفنها الآن عرضة للاستهداف، حتى تلك التي لا تبحر إلى إسرائيل. وفي "المراحل" الثلاث السابقة، ركز الحوثيون بشكل أساسي على السفن التي أبحرت إلى إسرائيل أو كانت لها صلات معروفة بالولايات المتحدة أو بريطانيا أو إسرائيل، مع أن الكثير من هجماتهم لم تكن تملك دوافع واضحة أو استندت إلى معلومات غير دقيقة".

ووفقاً لما توعدت به الحركة، كانت الموجة الحالية أكثر قوة أيضا. فقد اعترضت القوات الغربية الكثير من محاولات الاستهداف، لكن العدد الإجمالي للهجمات لم يتوقف تقريبا منذ 23 أيار/مايو، عندما أطلق الحوثيون صاروخا على ناقلة البضائع السائبة "يانيس" (رقم "المنظمة البحرية الدولية" 9401910) التي ترفع علم مالطا. 


وعلى غرار الموجات السابقة، وقعت غالبية هذه الهجمات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن (حيث شهد كل من المحيط الهندي وبحر العرب هجوماً واحداً مؤكداً على الأقل خلال حملة الحوثيين).
وكانت العديد من الأهداف في الموجة الحالية تابعة لشركات مقرها اليونان، ومن بينها "شركة شرق المتوسط البحرية المحدودة" ("إيست ميد") و"إيفالند" و"غريهيل". وتمتلك "إيفالند" سفينة "تيوتر" (رقم "المنظمة البحرية الدولية" 9942627)، وهي السفينة التي غرقت بعد تعرضها لضربات متكررة من سفينة سطحية غير مأهولة وأسلحة أخرى في وقت سابق من هذا الشهر. كما أصدر الحوثيون إعلانات مشكوك فيها وغير مؤكدة بتبنّي هجمات في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط وميناء حيفا الإسرائيلي، وقد انطوت في بعض الحالات على تعاون مزعوم مع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران.

في وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية أن الحوثيين شنوا حوالي 190 هجوماً منذ 19 تشرين الثاني/نوفمبر، لكن "حفنة قليلة فقط" نجحت في إصابة الهدف بسبب "فعالية قوات التحالف في وقف الهجمات". وفي حين تتفاوت التقييمات التي تقيس تأثير عمليات التحالف، إلا أنه لا يمكن إنكار النتائج السلبية للتصعيد الحوثي، إذ يتم استهداف المزيد من السفن، وتواصل الكثير من شركات الشحن تجنب الممرات المائية في المنطقة، ويبدو أن الحوثيين يشعرون بالقوة بدلاً من الضعف. فبعد أشهر من ضربات التحالف، ما زالوا يحددون الشروط التي يمكن للشركات بموجبها إرسال السفن إلى المنطقة وعبرها، منتهكين المبادئ الأساسية لحرية الملاحة.

وفي الوقت نفسه، تتخذ السفن التجارية التي تواصل الإبحار عبر البحر الأحمر خطوات غير عادية لتقليل خطر تعرضها للهجوم. وقد استخدم بعضها نظام التعرف الآلي الخاص بها للإشارة إلى أنه "ليس لديها أي صلة بإسرائيل"، في حين بثت أخرى رسائل مثل "كل أفراد الطاقم مسلمون" أو "جميع الطاقم سوري" أو "طاقم السفينة صيني". وبثت إحدى السفن رسالة "نفط خام روسي" بدلاً من الإشارة إلى ميناء توقفها التالي. ومع ذلك، فحتى الناقلات المحملة بالنفط الروسي تعرضت أحياناً للاستهداف، ويعود ذلك عادة إلى معلومات غير دقيقة أو قديمة حول ملكية السفينة. على سبيل المثال، تعرضت الناقلة "ويند" (رقم "المنظمة البحرية الدولية" 9252967) للاستهداف في 18 أيار/مايو بينما كانت تحمل زيت الوقود الروسي متجهة إلى الصين، كما هو مفصل في متتبع الهجمات التابع للمعهد.

في هذه المرحلة، أثبت الحوثيون أنهم قادرون على تعطيل حركة المرور بشكل كبير بين المناطق التجارية المختلفة، إذ قررت شركات عملاقة مثل "شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة" (MSC) و"ميرسك" تجنب جنوب البحر الأحمر. ونتيجة لذلك، انخفض حجم سفن الحاويات التي تعبر باب المندب بنحو 55 في المائة، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن "لويدز ليست إنتليجنس". ومن بين الوجهات الأخرى المتضررة، انخفض عدد هذه السفن التي تزور ميناء الملك عبد الله وميناء جدة - أكبر مركز لإعادة الشحن في المملكة العربية السعودية، وأكبر ميناء للحاويات على التوالي - بشكل حاد في وقت سابق من هذا العام.

وفي أيار/مايو 2023، وقبل بضعة أشهر فقط من شن الحوثيين حملتهم الهجومية، أعلنت "ميرسك" عن خدمة بحرية جديدة تربط أسواق الشرق الأوسط بأوروبا وتدور بين الموانئ الرئيسية مثل جدة. ولكن بحلول كانون الأول/ديسمبر، دفعت هجمات الحوثيين شركة "ميرسك" إلى الإعلان عن تعليق حركة المرور في البحر الأحمر وإعادة توجيه السفن حول رأس الرجاء الصالح "في المستقبل المنظور".


وفي الشهر الماضي، أصدرت الشركة توقعات أكثر سوداوية: "توسعت منطقة الخطر، والهجمات تصل إلى مسافات أبعد في البحر. وقد أجبر هذا سفننا على إطالة رحلتها، مما أدى إلى هدر المزيد من الوقت وزيادة التكاليف... وإلى الاختناقات وازدحام السفن، فضلاً عن التأخير ونقص المعدات والقدرات. ونقدّر نسبة الخسارة في الطاقة على مستوى القطاع بما يتراوح بين 15 و20 في المائة في الشرق الأقصى وصولاً إلى شمال أوروبا وسوق البحر الأبيض المتوسط خلال الربع الثاني".

أما بالنسبة إلى "شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة"، فقد أعلنت "الهيئة العامة للموانئ" السعودية في آذار/مارس 2023 أن الشركة ستضيف جدة إلى خدمات الشحن في البحر الأحمر وشرق أفريقيا والبحر الأحمر. لكن منذ تشرين الثاني/نوفمبر، تم استهداف الكثير من سفنها بشكل مباشر. ويعتبر الحوثيون، من دون مسوغ دقيق، أن الشركة التي تتخذ من سويسرا مقراً لها هي "شركة إسرائيلية"، ويرجع ذلك على الأرجح إلى تعاونها التجاري مع شركات الشحن الإسرائيلية.

وبناءً على ذلك، سيكون من الحكمة أن تستعد السعودية وغيرها من الدول المتضررة في المنطقة لمستقبل تظل فيه بنيتها التحتية الحيوية تحت تهديد الحوثيين إلى أجل غير مسمى. فقد أصبح لدى الجماعة الآن القدرة على شن هجمات أكثر تطوراً في سياقات سياسية مختلفة تتجاوز حرب غزة، بدعم من إيران على الأرجح. على سبيل المثال، قد تقرر في النهاية استئناف هجماتها البحرية أو تصعيدها إذا بدا أن اتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي وشيك، خاصة إذا لم يتم حل الصراع اليمني. وحتى الآن، فضلت الرياض البقاء على الهامش وتجنب المواجهة مع الحوثيين، معتقدة أن ذلك لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة ويعرّض السفن السعودية لخطر الهجوم.

وفي الواقع، يُعتبر استقرار البحر الأحمر بالغ الأهمية لطموحات المملكة بتوسيع قطاع الخدمات اللوجستية فيها، وهذا عنصر أساسي في كل من "برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية" السعودية واستراتيجيتها الأوسع نطاقاً "الرؤية 2030". فالرياض تخطط لزيادة القدرة التنافسية لموانئها وتعزيز ترابطها الدولي على مدى السنوات القليلة المقبلة. غير أن إنشاء مركز لوجستي بحري عالمي يتطلب بيئة مستقرة، ليس في شمال البحر الأحمر فحسب حيث أطلق السعوديون مؤخراً خدمة شحن جديدة بالشراكة مع شركة "سي إم ايه - سي جي أم" الفرنسية العملاقة، ولكن أيضاً في جنوب البحر الأحمر الذي يشهد تقلبات شديدة.


ووفقاً لعض التوقعات، ستستمر حملة الهجوم الحوثية الحالية لبقية هذا العام على الأقل، وستواصل الكثير من السفن التجارية تجنب خليج عدن وجنوب البحر الأحمر حتى عام 2025 أو بعده. ويمكن لوقف إطلاق النار في غزة أن يخفف من حدة الهجمات إلى حد ما، ولكن حتى ذلك الحين قد لا يوقف الحوثيون حملتهم بالكامل. ومع أن بعض مالكي السفن قد شهدوا زيادة في أرباحهم بسبب ارتفاع أسعار الشحن، فإن التأثير العام على حركة الملاحة البحرية وسلاسل التوريد العالمية كان شديداً. وليست دول الخليج محصنة ضد هذه التأثيرات، لذلك يجب على واشنطن أن تحثها على إيجاد وسيلة دبلوماسية لوقف الهجمات، بغض النظر عما يحدث على المسارين الدبلوماسيين الأمريكيين المنفصلين في غزة ولبنان.

وختم المعهد بالقول: "يتعين على واشنطن وشركائها تضمين التهديد المحتمل بحدوث تصعيد حوثي على المدى الطويل في مخططاتهم العسكرية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، غادرت حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" البحر الأحمر، حيث كانت متمركزة لمواجهة تهديدات الحوثيين منذ أواخر العام الماضي. وإذا تصاعدت الحملة الحالية بشكل أكبر، أو إذا كثفت الحركة هجماتها في المستقبل، فقد تحتاج القوات البحرية الغربية إلى نشر المزيد من الأصول لحماية السفن التجارية".

مقالات مشابهة

  • ضربات أميركية في البحر الأحمر تنهي تفاخر الحوثي بزوارقه المسيرة
  • ناقلات النفط العملاقة تواجه أسرابًا من الزوارق المسيّرة قبالة سواحل اليمن
  • تحالف “حارس الأزهار”.. البحر الأحمر ومعركة الملاحة العالمية
  • تحذير أمريكي من استخدام الحوثي لنفوذه الجديد حتى بعد انتهاء حرب غزة
  • تحالف حارس الأزهار.. البحر الأحمر ومعركة الملاحة العالمية
  • السلطات الإريترية تفرج عن أكثر من 20 صيادا يمنيا
  • وزير خارجية اليمن: هجمات الحوثيين هدفها كسب تأييد شعبي والهروب من مشكلاتها
  • الجيش الأميركي يدمر محطة تحكم و7 مسيرات للحوثيين في اليمن
  • الجيش الأميركي يقول إنه دمر 7 طائرات مسيرة ومركب تحكم للحوثيين في البحر الأحمر
  • القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 7 طائرات مسيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن