الأرجنتين خارج مجموعة البريكس.. هل هو أقوى قرارات الرئيس المتطرف؟!
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
عندما لوّحَ الرئيس الأرجنتيني المنتخب حديثًا، خافيير ميلي، خلال حملتهِ الانتخابية في أغسطس الماضي، بعدم تفعيل انضمام بلاده إلى مجموعة البريكس في 1 يناير/ كانون الثاني 2024، اعتبرَ الرأي العام وقتها، أنّ ذلك الوعد يدخل في إطار قائمة الوعود الشعبوية الكثيرة التي أعلنها المرشح.
لكن مجموعة البريكس أعلنت منذ أيام، عن خروج الأرجنتين فعلًا، بقرار من رئيسها.
تعود تفاصيل التحاق الأرجنتين بالتكتل الاقتصادي المعروف بالبريكس- والذي يضم روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا- إلى أغسطس/ آب الماضي، في قمة جوهانسبرغ، عندما تقدّمت 23 دولة بملفاتها للانضمام، لكن التكتل أصدر ستّ دعوات فقط لإيران، ومصر، والإمارات، والسعودية، وإثيوبيا، والأرجنتين، التي قُبلت بتزكية من الرئيس البرازيلي.
وقد جاءت دعوة الأرجنتين في ذلك الوقت، مُثقلة بالتفاصيل السياسية، حيث أرجأت إدارة التكتّل دعوة فنزويلا وبوليفيا، من بين الدول اللاتينية- اللتين كانتا حريصتين جدًا على الانضمام- وعجّلت بضمّ الأرجنتين، التي كانت تمرّ بمخاض سياسي يطرح احتمال رحيل حكومة فرنانديز اليسارية، وقدوم اليميني المتطرف ميلي.
وقد جرت الرياح بما لم تشتهِ سفن المجموعة، وفاز ميلي بالرئاسة، وأبطل انضمام بلاده بشكل رسمي، بإرسال خطاب للرئيس الروسي بوتين، الذي يتولى الرئاسة الدورية للمجموعة. ورغم أن الرئيس الروسي، أعرب عن أسفه للقرار، فإن الأمر كان متوقعًا؛ نظرًا لأن الرئيس ميلي المنتخب- حديثًا- صرَّح ولا يزال يفخر بأنّ أهم شريكين لحكومته هما الولايات المتحدة، وإسرائيل.
قرارات صادمةوقد كانت لهجته قبل تولي الرئاسة عنيفة وفجّة، حيث كان يلعن مجموعة البريكس، وينعت أعضاءها بالاشتراكيين البؤساء، لولا تدخّل وزيرة خارجيته بعد تأكد فوزه، من خلال زيارتها إلى الصين، ثم البرازيل؛ في محاولة منها لمعالجة الموقف.
في الحقيقة، لم يكن قرار رفض الانضمام إلى مجموعة البريكس أكثر القرارات دويًّا في الساحة السياسية في الأرجنتين، بل أنه يعتبر الأخفّ وسط قرارات صادمة، اتخذها الرئيس ميلي، في غضون 20 يومًا فقط في الحكم، اضطرت النقابات وأنصارها إلى التظاهر بقوة في مناسبتين؛ تنديدًا باندفاع الرئيس وقراراته التي تُنذر بولادة دكتاتور يستعجل تنفيذ خططه.
وقد طال الاستياء من أداء الرئيس بعض الشخصيات العامة، التي كانت أبواقًا له خلال حملته الانتخابية، من أبرزهم الإعلامي "أليخاندرو فانتينو"، الذي قال بعد أسبوع واحد من أداء الرئيس ميلي: "لا، لا.. صديقي، ما هكذا تبدأ مدتك الرئاسية، لايمكن أن تأتي على القطاع العام في أسبوعك الأول بهذه الوحشية، هذا مؤلم!! تصف نفسك بالأسد وتقول؛ إن حزبك "الحرية تتقدم"، وأنا أنتقدك وسأواصل نقدك، أنت لست أسدًا، ولست حرًّا!".
دكتاتورية وليدةوقبل عرض قرارات الرئيس ميلي المُدوّية- حسب وصف الإعلام الدولي- استعادت المعارضة، بتهكّم، مقطعًا من المناظرة التي سبقت الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سُئلت فيها المرشحة اليمينية باتريسيا بولريتش عمّا ستفعل في حال رفض البرلمان تمرير برنامجها، فقالت: إنها ستعتمد أسلوب المراسيم الرئاسية، وإذا استمر رفض البرلمان، فإنها ستطرح استفتاء، إلى أن ينتهي بها المطاف لتنفيذ برنامجها بأي أسلوب، فتدخّل ميلي وقتها، وقال لها: "إذن ستكونين على رأس نظام ملكي، ولن تحكمي في ظل نظام ديمقراطي يحترم الفصل بين السلطات، هذه دكتاتورية!".
أما وقد فاز ميلي بالرئاسة، بفضل دعم أنصار بولريتش له في الجولة الثانية، ها نحن اليوم أمام رئيس قام بتعيين "حليفة الضرورة" وزيرة داخلية في حكومته، واحتلّ هو منصب الرئيس الذي سيحكم من خلال المراسيم، ويلوّح بتنظيم استفتاء قريبًا!
ولعلّ من بين أكثر تعليقات المحللين واقعية؛ قول المحلّل في قناة دي دبليو الألمانية، د. إيزكيال بيستوليتّي: إن دكتاتور البيرو فوجيموري احتاج خمس سنوات لتنفيذ ما أعلن عنه ميلي في غضون 20 يومًا فقط من توليه الرئاسة! وأشار في السياق نفسه إلى أن الرئيس ميلي لم ينجح في إخفاء الشعور بالغبطة بدور الدكتاتور الجديد، الذي عزّزه بارتدائه البذلة العسكرية في فعالية لم تكن تحتاج ذلك.
يمكن تصنيف قرارات الرئيس ميلي في خانتَين: إحداهما عاجلة، ويمكنه تنفيذها، والثانية يرتبط تنفيذها بموافقة البرلمان، ثم مجلس الشيوخ، اللذَين تملك فيهما المعارضة الكتلة الكبرى، لكنها لا ترقى إلى الأغلبية.
تتمثّل الأولى في توقيع مرسوم يمنحه حق تغيير أو حذف 360 قانونًا، دون نقاش، من أهمها: إيقاف عقود 7000 موظف بالقطاع العام، من بينهم 5000 تمّ إيقافهم رسميًا مع نهاية السنة. إضافة إلى تقليص دور الدولة في الأشغال العامة، من خلال إيقاف جميع المشاريع، وفتح الباب على مصراعَيه للقطاع الخاص، وتخفيض مستوى الخِدمات العمومية في قطاعات النقل والتعليم، والتي طالت معاشات المتقاعدين.
"العلاج بالصدمة"كما يشمل هذا المرسوم، قانون التظاهر، الذي يمكن أن تمتدّ فيه عقوبة التظاهر إلى ست سنوات سجنًا، في حال معارضة المتظاهر أوامر قوات الأمن. وقد تداولت شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر عناصر أمن يوم المظاهرة الأخيرة، يصوّرون وجوه ركاب الحافلات الذين يرتدون قمصانًا عليها شعارات غضب على الحكومة، في سلوك غير مألوف بالمرّة في الأرجنتين.
أما الثانية فتمثّلت في طرح 11 مشروعَ قوانين على البرلمان يوم الأربعاء الماضي، وتشمل 664 فصلًا، تطلب تفويضًا من النواب للرئيس ميلي، يمنحه الصلاحيات لتغيير القوانين بشكل أحادي، دون العودة إلى السلطة التشريعية، وتشمل المجالات: الاقتصادية، والضريبية، والاجتماعية، وحتى الانتخابية؛ تحت حجّة "الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد".
وبعيدًا عن الفصول المتعلقة بحلّ مؤسسة البنك المركزي الذي ينوي الرئيس ميلي تنفيذه، تداولت وسائل الإعلام المعارِضة فصولًا تدخل في إطار إصلاح القانون الضريبي، تمثّل تخفيضات صارخة لرجال الأعمال وللطبقة الثرية في الأرجنتين، التي بلغ فيها مستوى الفقر 40%، ومن بينها؛ تخفيض الضريبة على الممتلكات الفخمة، وضريبة شراء العَقَارات؛ وضريبة الميراث.
يبرّر الرئيس ميلي هذه القرارات بأنها ضرورية لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الأرجنتين، وتجسّد نظرته الاقتصادية التي اختار لها عنوان: "العلاج بالصدمة"، وشعار: "المنشار" للدلالة على القضاء على المشكلة من عروقها.
لكن أصواتًا كثيرة الآن أصبحت تتحدث عن أن الصدمة يمكن أن تطال "حلّ البرلمان"، في حال معارضته هذا العلاج!
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مجموعة البریکس فی الأرجنتین الرئیس میلی
إقرأ أيضاً:
الرئيس اليمني في خطاب للشعب بمناسبة شهر رمضان : الأمة التي تجتمع على الخير لا تهزم أبدا
عدن (الجمهورية اليمنية) - دعا الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ابناء الشعب اليمني، وقواه الوطنية الى وحدة الصف، ونبذ الفرقة، واعلاء قيم التكافل، والتراحم، كما دعا القطاع الخاص ومجتمع المال والاعمال، والمبادرات المجتمعية الى مضاعفة برامجهم الخيرية، ومساعدة المحتاجين، خصوصا خلال شهر رمضان المبارك، حيث تشتد الحاجة الى حشد كافة الامكانيات الحكومية، والاهلية للتخفيف من وطأة الازمة الانسانية التي صنعتها المليشيات الحوثية الارهابية المدعومة من النظام الايراني، وفقا لـ(سبأ).
وهنأ رئيس القيادة الرئاسي اليمني باسمه وإخوانه اعضاء المجلس، والحكومة، في خطاب بمناسبة شهر رمضان المبارك، كافة ابناء الشعب اليمني في الداخل والخارج بحلول الشهر الكريم الذي جعله الله رحمةً لعباده، وفرصةً للتقوى، والتكاتف، والتآزر، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يجعله شهر خير وبركة، وأن يعيده وقد تحقق للشعب اليمني كل ما يصبوا إليه من تطلعات في النصر، واستعادة مؤسسات دولته، وامنه، واستقراره.
كما وجه الرئيس العليمي في الخطاب الذي القاه نيابة عنه وزير الاوقاف والارشاد الدكتور محمد شبيبة، تهنئة خاصة لأبطال القوات المسلحة والامن، والمقاومة الشعبية، وكافة التشكيلات العسكرية المرابطين في الجبهات، وميادين العزة والكرامة، والى أولئك المناوبين في مختلف مرافق الخدمة العامة خلال الشهر الفضيل، مجددا الشكر لكافة المكونات الوطنية، والاشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، ومنابر الوعي في الداخل والخارج الذين كان لهم جميعا ابلغ الأثر في تعزيز الصمود الاسطوري.
وقال فخامة الرئيس اليمني:" في هذه الأيام والليالي المباركة، ندعو الجميع وفي المقدمة فاعلي الخير من رجال الاعمال والقطاع الخاص إلى اعلاء قيم التراحم، وإغاثة الملهوفين، ومضاعفة تدخلاتهم الانسانية للأسر المتضررة، فالأمة التي تجتمع على الخير، والتكافل لا تُهزم أبدًا".
اضاف:" يحل علينا هذا الشهر الفضيل، وما يزال شعبنا يعاني تداعيات حربٍ ظالمة، فرضتها مليشيات إرهابية انقلابية بدعم من النظام الإيراني، مسخرة في ذلك كل وسائل الترهيب، والتخريب لتجريف سبل العيش، واعاقة أي فرصة من جانب الحكومة، والمجتمع الإقليمي والدولي لتخفيف المعاناة الإنسانية المؤلمة".
واكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي بأنه واخوانه أعضاء المجلس، على إدراك تام بهول آثار الازمة الاقتصادية، والخدمية، والوجع المتفاقم المعبر عنه في الفعاليات السلمية، والاصوات الحرة، وأنات الأمهات والأطفال في كل شبر من ربوع وطننا الحبيب، مجددا العهد بعدم ادخار أي جهد في سبيل التخفيف من المعاناة التي صنعتها المليشيات الارهابية الحوثية التي كانت تراهن بتدمير المنشآت النفطية وايقافها عن التصدير، على انهيار كامل للأوضاع في غضون أيام.
ونوه العليمي بقوة، وصلابة ابناء الشعب اليمني وصمودهم في وجه ذلك المخطط الإرهابي الذي باء بالفشل رغم ما خلفه من ازمة تمويلية، جراء فقدان الدولة أكثر من 60 بالمائة من مواردها العامة، ومصدرها الرئيسي لتغذية إحتياطياتها من النقد الأجنبي.
وقال:" ها نحن اليوم أكثر صمودا بعد نحو عامين ونصف من تلك الهجمات الاجرامية، وباقون على العهد والوعد بتحويل الازمات الى فرص للنصر الناجز بعونه تعالى".
وجدد الرئيس اليمني في هذا الشهر الكريم تذكير المواطنين في المناطق التي ترزح غصبا تحت سلطة المليشيات الارهابية، بأن الحكومة بذلت كل جهد، وقدمت كل التنازلات الممكنة، من أجل تحسين أوضاعهم، واستئناف دفع مرتباتهم.
استدرك قائلا:" لكن هذه الجماعة لا تريد للشعب اليمني إلا الفقر، والقهر، والهوان"، مجددا التأكيد على الوقوف الى جانب المواطنين في المناطق الخاضعة بالقوة للمليشيات الارهابية، ودعم ارادتهم، واحلامهم بأن هذا القيد آن له ان ينكسر.
وقال" إننا نؤمن أن الليل مهما طال، فإن الفجر قادم، وأن اليمن سينهض رغم كل المحن".
على الصعيد القومي، اشار فخامة الرئيس الى تلبيته دعوة اخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة لحضور القمة العربية غير العادية المرتقبة بالقاهرة في 4 مارس المقبل، وذلك تأكيدا لموقف اليمن الثابت الى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض كافة المشاريع الرامية الى تهجيره، وتصفية قضيته العادلة.
كما شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي على توجيهاته بهذه المناسبة الدينية العظيمة، الى الجهات المعنية بالإفراج الفوري عن السجناء الذين امضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة او نصفها، والنظر في الإفراج بالضمان التجاري عن المحبوسين على ذمة الحقوق الخاصة، مع تشكيل لجان في المحافظات من النيابات، والسلطات المحلية والغرف التجارية لمساعدة المعسرين.
وفيما يلي نص الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. والصلاة والسلام على اصدق انبيائه المرسلين.
أيها الإخوة المواطنون، أيتها الأخوات المواطنات، في الداخل والخارج،،
أهنئكم جميعًا، باسمي، وإخواني اعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة، والغفران، والعتق من النار.. الشهر الذي جعله الله رحمةً لعباده، وفرصةً للتقوى، والتكاتف، والتآزر.
وهي تهنئة خاصة لأبطال القوات المسلحة والامن، والمقاومة الشعبية، وكافة التشكيلات العسكرية المرابطين في الجبهات، وميادين العزة والكرامة، والى أولئك المناوبين في مختلف مرافق الخدمة العامة خلال الشهر الفضيل الذي نسأله سبحانه وتعالى أن يجعله شهر خير وبركة، وأن يعيده علينا وقد تحقق لشعبنا كل ما يصبو إليه من تطلعات في النصر، واستعادة مؤسسات دولته، وامنه، واستقراره.
وأنها فرصة أيضا ان نجدد في كل مناسبة الشكر لكافة المكونات الوطنية، واشقائنا في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، ومنابر الوعي في الداخل والخارج الذين كان لهم جميعا ابلغ الأثر في تعزيز هذا الصمود الاسطوري.
أيها الإخوة والأخوات المواطنون،،
هذا الشهر العظيم اختصه الله بفضائل جليلة، وجعله ميدانًا للطاعات، والتقرب اليه سبحانه وتعالى، وسبيلاً لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات، فطوبى لمن استغله في مرضاته تعالى بالخيرات، والأعمال الصالحات.
"شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون".
إن شهر رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب والملذات، بل هو مدرسة إيمانية يتربى فيها المسلم على الصبر، والتقوى، ويزداد فيها التقرب من الله عز وجل بالصيام والقيام، وقراءة القرآن، والإحسان إلى الفقراء، والمحتاجين.
وهو فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الله، ولإحياء قيمنا الإسلامية النبيلة التي تدعو إلى التكافل والتراحم والتآخي بين أبناء المجتمع.
أيتها الأخوات أيها الإخوة الاحرار في كل مكان،،
يحل علينا هذا الشهر الفضيل، ومايزال شعبنا يعاني تداعيات حربٍ ظالمة، فرضتها مليشيات إرهابية انقلابية بدعم من النظام الإيراني، مسخرة في ذلك كل وسائل الترهيب، والتخريب لتجريف سبل العيش، واعاقة أي فرصة من جانب الحكومة، والمجتمع الإقليمي والدولي لتخفيف المعاناة الإنسانية المؤلمة.
انني واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، على إدراك تام بهول آثار الازمة الاقتصادية، والخدمية، والوجع المتفاقم المعبر عنه في فعالياتكم السلمية، واصواتكم الحرة، وأنات الأمهات والأطفال في كل شبر من ربوع وطننا الحبيب.
لقد كانت المليشيات الارهابية تراهن بتدمير المنشآت النفطية وايقافها عن التصدير، على انهيار كامل للأوضاع في غضون بضعة أيام، بعدما فقدت الدولة أكثر من 60 بالمائة من مواردها العامة، ومصدرها الرئيسي لتغذية احتياطياتها من النقد الأجنبي.
لكن ذلك المخطط الإرهابي رغم ما خلفه من ازمة تمويلية، باء بالفشل بفضل صبركم، ووعيكم، ودعم الاشقاء والأصدقاء.. وها نحن اليوم أكثر صمود بعد نحو عامين ونصف من تلك الهجمات الاجرامية، وباقون على العهد والوعد بتحويل الازمات الى فرص للنصر الناجز بعونه تعالى.
اعلم ان هذا هو ليس الوقت المناسب للحديث عن المزيد من الوعود، لان الأولوية هي الان للخبز والماء، والدواء، والخدمات الحيوية، وهو ما نعمل عليه اليوم، ولن ندخر أي جهد في سبيل التخفيف من المعاناة، دون النكوص عن التزامات المعركة الوطنية لاستعادة مؤسسات الدولة، واسقاط الانقلاب باعتباره جذر الازمة، وصانعها.
ونحن اليوم أكثر يقينًا بأن النصر قادم، وأن هذا المشروع العنصري الى زوال، الامر الذي يتطلب منا جميعا الاستعداد لما قد يكون أصعب، واشد في مواجهة الارتدادات المحتملة لأزمة المليشيات الإرهابية، وداعميها في النظام الإيراني.
ايتها المواطنات أيها المواطنون،،
اننا على ثقة ان سنوات الحرب العجاف، كشفت لكم مخططات المليشيات الإرهابية لجعل بلدنا بعيدا عن ركب التطور الهائل الذي يشهده العالم من حولنا.
إن التحديات التي تواجه بلدنا لم تقتصر على تداعيات الانقلاب الغاشم في الداخل فقط، وانما امتدت إلى محاولات جعل اليمن ساحة ابتزاز للمجتمع الدولي، عبر تهديد الممرات المائية في البحر الأحمر، وخليج عدن، ضمن الاجندة الإيرانية المكشوفة لزعزعة امن واستقرار المنطقة، وتصفية قضاياها العادلة.
ولذلك، فقد كانت الازمة الاقتصادية، والتهديدات المتزايدة للأمن البحري في قلب مشاوراتنا مع الحلفاء والأصدقاء، وكافة الفاعلين الإقليميين والدوليين.
اننا في ذلك لا نستجدي الدعم العسكري كما يعتقد البعض، بل كف الأذى الإيراني عن بلدنا، لإن ايماننا بقضيتنا، وثقتنا بعزيمة شعبنا، وشجاعة جيشنا لا حدود لها في صناعة الغد المشرق الذي تستحقون.
ان هذه الاتصالات الدبلوماسية المثمرة، الذي نقودها، واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، هي جزء اصيل من سياسة الدفاع المشترك، في مواجهة عدو إقليمي مشترك، وحماية مصالح مشتركة.
وبالتالي فقد أكدنا ان هذه الشراكة، يجب ان تبدأ وفقا للالتزامات الدولية، بدعم قدرات الحكومة، العضو في الأمم المتحدة في حماية أراضيها، ومنع تحويلها الى منصة تهديد للسلم، والامن الدوليين.
وعلى الصعيد القومي فقد لبينا دعوة اخي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية لحضور القمة العربية غير العادية المرتقبة خلال أيام في القاهرة، تأكيدا لموقف شعبنا الثابت الى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض كافة المشاريع الرامية الى تهجيره، وتصفية قضيته العادلة، التي سنواصل بكل اخلاص الدفاع عنها، وحق شعبها المناضل في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة.
أيها اليمنيون الأحرار في كل مكان،،
نجدد في هذا الشهر الكريم تذكير أهلنا في المناطق التي ترزح غصبا تحت سلطة المليشيات الارهابية، اننا بذلنا كل جهد، وقدمنا كل التنازلات الممكنة، من أجل تحسين أوضاعكم، واستئناف دفع مرتباتكم، لكن هذه الجماعة لا تريد للشعب اليمني إلا الفقر، والقهر، والهوان.
إن هذه الحرب التي فرضتها المليشيات عليكم، وهذه الجبايات التي تستنزفكم، والجرائم، والاعتقالات التي ترتكبها بحقكم، ليست إلا جزءًا صغيرا من مشروعها الاوسع، القائم على العبودية، والعنصرية، والاستبداد، وإعادة اليمن قرون الى الوراء.
لذلك فإن أحد المداخل الحاسمة لأنهاء هذا العبث، الذي يصادر أحلامكم، ومستقبل ابنائكم، يرتكز على وقف تغذية المجهود الحربي للمليشيات بالمال، والرجال، والسلاح، والتمسك بمبادئ الحق، والعدل، والحرية، والمواطنة المتساوية.
ولعلكم تشاهدون الحراك الاجتماعي الواسع في المحافظات المحررة، كمؤشر للحياة والحريات المكفولة بموجب الدستور والقانون، وليس تعبيرا عن الفوضى كما تحاول ان تصورها منابر المليشيات.. وأننا هنا لا نحملكم فوق طاقتكم تحت ضغط القوة الغاشمة، وانما لتأكيد الوقوف الى جانبكم، ودعم ارادتكم، واحلامكم بأن هذا القيد آن له ان ينكسر.
أيتها الإخوات.. ايها الاخوة المواطنون،،
يعلمنا هذا الشهر الفضيل الصبر في المحن، والانصاف، وقول الحق، وصون اللسان، والأقلام عن الخوض في الاشاعات، والتضليل، وعدم استخدام نعمة التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي في التحريض، وتكريس الفرقة والشقاق، بل توظيفها فيما ينفع الناس، وتجديد الأمل بمستقبل أفضل تتحقق فيه تطلعاتهم في إنهاء كابوس الإمامة، واستعادة الأمن والاستقرار، والسلام بمشيئته تعالى.
وفي هذه الأيام والليالي المباركة، ندعو الجميع وفي المقدمة فاعلي الخير من رجال الاعمال والقطاع الخاص إلى اعلاء قيم التراحم، وإغاثة الملهوفين، ومضاعفة تدخلاتهم الانسانية للأسر المتضررة، فالأمة التي تجتمع على الخير، والتكافل لا تُهزم أبدًا.
وقد وجهنا بهذه المناسبة الدينية العظيمة، الجهات المعنية بالإفراج الفوري عن السجناء الذين امضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة او نصفها، والنظر في الإفراج بالضمان التجاري عن المحبوسين على ذمة الحقوق الخاصة، مع تشكيل لجان في المحافظات من النيابات، والسلطات المحلية والغرف التجارية لمساعدة المعسرين.
أيها الشعب اليمني العظيم،،
إننا نؤمن أن الليل مهما طال، فإن الفجر قادم، وأن اليمن سينهض رغم كل المحن.
وأننا نسأل الله عزّ وجل في هذه الليلة المباركة أن يوفقنا لاغتنام أيام رمضان ولياليه بحسن طاعته، وأن يديم علينا التوفيق والسداد، كما نسأله تعالى الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للمعتقلين، وان يحفظ بلدنا وشعبنا، وسائر الشعوب والبلدان من كل مكروه وسوء، تقبل الله منا جميعا صيامنا وقيامنا.. إنه سميع مجيب.
رمضان كريم.. وكل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته