الأمية الديمقراطية هي السبب الرئيسي في فشل العملية السياسية في ليبيا
انتهى عام وبدأ آخر وليبيا بقيت دولة مؤجلة تعاني فقداناً لهويتها السياسية تحت اسم فضفاض «دولة ليبيا»، مغيب فيها منصب الرئيس، وتسودها الفوضى والتدخل الأجنبي، وتنتظر انتخابات تبادل السلطة الحاكمة بسلطة أخرى حاكمة أيضاً ولكن بطرق شرعية ينتخبها فيها الشعب الليبي الذي غُيّب عن الإرادة السياسية لسنوات طوال عجاف، وحتى الانتخابات الوحيدة اليتيمة كانت محلَ نزاع وخلاف وانقسام، إذ انقسمت البلاد إلى شطرين وحكومتين ومجلسين ومصرفين، ومن كل شيء اثنان في حالة انقسام وتشظٍ لم تشهدها أي خلافات سياسية في العالم، ما شكل فراغاً سياسياً وحالة مغالبة غير مسبوقة.لكن المغالبة المجتمعية لن تحقق العدالة ولا السلم المجتمعي، ولن تبني وطناً للجميع، بل ستكرس الظلمَ والتهميش والمركزية مجدداً، وتبقى دائماً فتيل للحرب، فالأوطان لا تبنى بالمغالبة، بل بالتوافق والمشاركة.
الأمية الديمقراطية هي السبب الرئيسي في فشل العملية السياسية في ليبيا، مما تسبب في ممارسة خاطئة عن قصد وعن جهل معاً، وكرستها كيانات تحت مسمى أحزاب هي في أصل تكوينها كرتونية، وفي أغلبها واجهات سياسية لكيانات تسعى لإفساد الحياة السياسية في ليبيا.
أحزاب تجاوزت المئات في عددها، بعضها لا يتجاوز الخمسين فرداً وظهرت فجأة في البلاد قبل كتابة الدستور من دون وجود أي قانون منظم لها، ولا جهة رقابية فاعلة، تستطيع معرفة تمويلها، مما يجعلها في حالة شك وريبة من مصادر تمويلها.
نهاية عام وليبيا لا تزال تحكم من سلطة منتهية الشرعية الانتخابية، ولا أمل قريباً في انطلاق الاستحقاق الانتخابي، في دولة تسودها الأمية الديمقراطية، والأحزاب الطارئة التي ليس لها تراكم سياسي ولا خبرة، في ظل إصرار غربي على ممارسة الديمقراطية في ليبيا بثوب حزبي ليس على مقاس الليبيين.
إصرار البعض على ممارسة الديمقراطية بالنمط الحزبي، في ظل أمية ساحقة من خلال أحزاب ليس لها تمثيل حقيقي يذكر، ولا قاعدة شعبية فاعلة، ولهذا لا يمكن أن تكون ممثلاً حقيقياً للشعب وهي لا تكاد تمثل 10 في المائة منه في أحسن أحوالها، كما أنَّ الحزبية ليست سوى إحدى آليات الديمقراطية المتنوعة، وقد تصح ممارستها من دونها ولا تفسد، فليس بالأحزاب فقط تكون ممارسة الديمقراطية، ففي الحالة الليبية حيث لا يوجد تاريخ لعمل حزبي حتى في أيام الملكية التي حظرت الأحزاب. إذ الجدير ذكره أن ليبيا لم تشهد حركة ولا عملاً حزبياً طيلة ستين عاماً. لذا فإنَّ ممارسة الديمقراطية بالنمط الحزبي في مجتمع يجهل العمل الحزبي، تعدُّ نوعاً من التضليل والعبث بالعقل الجمعي، كما حدث في بدايات فبراير (شباط) 2012، حيث كانت الانتخابات صحيحة من حيث الإجراء مضللة من حيث المحتوى، إذ تم تضليل الرأي العام بشخصيات ضمن تحالفات حزبية لم يكن لها أي دور في العملية الانتخابية ولا مخرجاتها سوى الدعاية فقط لا غير، وحين جاءت الممارسة السياسية اتَّضح التضليل الذي مارسته الأحزاب بمجرد انسداد الحياة السياسية، بسبب التناطح الحزبي واختلاف الرؤى بين من يرغب في جعل ليبيا نسخة من تورا بورا في أفغانستان، وبين من يرى ليبيا مجرد تابعة لدولة المرشد، وبين من يرى ليبيا مجرد غنيمة ينهبها، وليبيا مجرد محطة ترانزيت سيغادرها إلى محطة أخرى، خاصة أنه يحمل جنسية وجواز دولة أخرى يستقوي بها على أي ملاحقة له.
حال ليبيا السياسي وحتى الاقتصادي لا يزال يعاني النكبات والفشل والانهيار أحياناً، وبقيت ليبيا دولة مؤجلة لفيتو خارجي، وذلك لأسباب كثيرة ومتعددة، منها الصراع الدولي على الكعكة الليبية بين الغرب الأوروبي والأميركي المتفرج تارة، والمتدخل والمسيطر على خيوط اللعبة في ليبيا، مما جعل البلاد مجردَ أرض مشاع للتدخل الخارجي، في ظل استمرار الخلاف والصراع بين «أبناء» ليبيا.
ما انتهت إليه ليبيا اليوم هو نتيجة لتدخل الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن وفصله السابع عام 2011 عندما منحت تخويلاً للناتو بالتدخل في ليبيا، الذي تسبب في إسقاط الدولة الليبية وليس فقط النظام السياسي رغم ديكتاتورية النظام وسلطة الخيمة التي مارسها النظام السابق، لكن موارد ليبيا كانت في مأمن من اللصوص، إلا أنَّ ما حدث من نهب خلال عقد يصيب الإنسان بالذهول، لدرجة أنَّ ليبيا توالى على حكمها خلال السنوات العشر الماضية كليبتوقراطيون وهم لا يزالون يحكمونها ويستنزفون ثرواتها من خلال أذرع مختلفة لم تتورع في التحالف مع الأجانب للبقاء في الحكم.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة ليبيا ممارسة الدیمقراطیة فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
انتخابات بلدية في عموم ليبيا للمرة الأولى منذ 10 سنوات
أدلى الليبيون بأصواتهم لانتخاب ممثليهم في عشرات المجالس البلدية اليوم السبت، في أول اقتراع محلي يتم إجراؤه في عموم البلاد بالتزامن للمرة الأولى منذ 10 سنوات.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن عضو مجلس إدارة المفوضية الوطنية للانتخابات عبد الحكيم الشعاب قوله إن نسبة المشاركة بلغت 55% من إجمالي الناخبين المسجلين، ووصفها بأنها "نسبة عالية ومحفزة".
وقال الشعاب إن الاقتراع لم يشهد مخالفات أو خروقا أمنية، ورأى أن "نجاح الانتخابات البلدية في شرق وغرب وجنوب البلاد يعد مؤشرا بأن الشعب الليبي يرغب في الذهاب للانتخابات للوصول إلى دولة مستقرة عن طريق صناديق الاقتراع".
وجرى الاقتراع في أكثر من 350 مركزا، لانتخاب المجموعة الأولى من المجالس البلدية في ليبيا، وتشمل 58 بلدية من أصل 142.
وبحسب المفوضية الوطنية للانتخابات، دعي إلى هذا الاقتراع حوالي 186 ألف ناخب. ويتنافس 2331 مرشحا على 426 مقعدا، منها 68 مخصصة للنساء و58 لذوي الإعاقة.
مفوضية الانتخابات دعت الليبيين إلى "تحمل مسؤوليتهم" والحيلولة دون "خطف أصواتهم" (الفرنسية)وتعاني ليبيا انقسامات منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. وتدير شؤون البلاد حكومتان: الأولى في طرابلس معترف بها دوليا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد يترأسها أسامة حمّاد وتحظى بدعم مجلس النواب واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
وقال الدبيبة عبر فيسبوك معلقا على العملية الانتخابية: "علينا جميعا الذهاب إلى مراكز الاقتراع والمشاركة في تسمية الكفاءات التي سترافقنا إلى المستقبل".
من جانبها، دعت مفوضية الانتخابات كل الناخبين المسجلين إلى "تحمل مسؤوليتهم والتوجه إلى مراكز الانتخاب المسجلين بها وممارسة حقهم في التصويت واختيار من يمثلهم في المجلس البلدي، وألا يتركوا المجال لمن يحاول أن يخطف أصواتهم ويتعدى على حقوقهم".
ستيفاني خوري @stephaniekoury1 خلال الإعلان عن انطلاق انتخابات المجالس البلدية صباح اليوم:
"الانتخابات الشاملة والشفافة والموثوقة وسيلة لتعزيز العقد الاجتماعي بين مؤسسات الدولة والشعب. وهي دليل على أن اجراء الانتخابات أمر ممكن في ليبيا كأداة للانتقال السلمي للسلطة.
أحثُ جــــميع… pic.twitter.com/42kRFl1UQR
— UNSMIL (@UNSMILibya) November 16, 2024
وتفقدت ستيفاني خوري، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يرافقها وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي، مركز اقتراع في قصر بن غشير جنوب طرابلس.
وكتبت خوري عبر موقع إكس أن هذه العملية "تثبت أن إجراء الانتخابات ممكن في ليبيا كأداة للانتقال السلمي للسلطة".
من جهة أخرى، قالت الناخبة الليبية سلمى إسماعيل لوكالة الصحافة الفرنسية "إنها تجربة جديدة لليبيين، لكنها تتويج لآمال الثورة (2011) وتضحيات شبابنا ولذلك علينا المشاركة".