خصائص فريدة لزراعة البن الشدوي في جبال الباحة
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
ما بين جبلين.. أحدهما في الأسفل والثاني في الأعلى، رائحة أشجار القهوة تملأ الأجواء في مرتفعات الباحة، فشجيرات البن في جبل شدا الأسفل تصعد لتتعانق مع مثيلاتها في جبل شدا الأعلى.. لتشكل قصة فريدة لزراعة نوع فريد من البن يسمونه (البن الشدوي) نسبة إلى الجبلين الكبيرين، إذ تتناثر فيهما مزارع تحوي نحو أكثر من 54 ألف شتلة من أشجار البن، تنتج ما يزيد عن 12 طناً من البن كل عام، يعمل بها أكثر من 280 مزارعاً، وفقاً لإحصائيات فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة الباحة.
الجبلان يقعان بين محافظتي قلوة والمخواة، ضمن سلسلة جبلية وسط مجموعة من السهول المنخفضة والأودية، ويُعدان أعلى جبلين في سهل تهامة، حيث يبلغ ارتفاع شدا الأعلى 2200 متر تقريبًا عن سطح البحر، بينما يصل ارتفاع شدا الأسفل إلى 1500 متر تقريبًا، ولا تقتصر الزراعة في هذين الجبلين على البن وحده، بل يزرع الأهالي مختلف الأشجار، ولكن تركيزهم الأكبر على البن الذي يعتبرونه سيد المكان.
وللعناية بمحصول البن قصص عجيبة لدى الأهالي، إذ تتم سقياه عن طريق تخزين مياه الأمطار في المصائد، وهي عبارة عن صخور مجوفة تمت تهيئتها لتكون مشابهة لخزانات المياه، وفقاً للمزارع علي بن جمعان الغامدي صاحب مزارع الحرير برهوة قرية الدهنة بجبل شدا الاسفل، والذي تضم مزرعته نحو 700 شجرة من البن الشدوي، مشيراً إلى أن الانتاج من البن وفير، وتتم العناية به من خلال متابعة المحصول من بداية الإثمار وحتى تجفيف المحصول وإنتاجه.. وقال إن أسعار البن الشدوي تتراوح بين 100 و 150 ريالاً للكجم، فيما يبلغ سعر المد 600 ريال.
ويجاور مزرعته كهف مصمم ليكون متحفاً للبن الشدوي، حيث يحتوى على كميات وفيرة من البن إلى جانب أنواع من المنتجات الأخرى كالموز والمانجو والليمون، ألى جانب بعض الأدوات المستخدمة في إعداد القهوة.
ومن شدا الأسفل إلى شدا الأعلى، وجدنا العديد من الأشجار المعمرة التي يصل عمر بعضها لما يفوق 150 عاماً، ولا تزال تنتج البن حتى الآن، ويصل عددها إلى حوالي 300 شجرة، ويتعامل معها المزارع عبدالله بن حميد الشدوي بعناية خاصة، كونه ورث هذه المهنة من الآباء والأجداد، مستعرضاً مراحل زراعة البن من البذرة حتى تكبر وتبدأ الإنتاج بعد ثلاث سنوات، وبين أن مزارع البن الشدوي تتميز بخصوبة التربة الصالحة للزراعة التي اسهمت في زيادة الإنتاج وجودته العالية، مشيراً إلى أن لديه ما يقارب 3000 شتلة.
ومن جهته، أكد مدير فرع وزارة البيئة والزراعة والمياه بمنطقة الباحة المهندس فهد بن مفتاح الزهراني اهتمام الوزارة بالزراعة في المنطقة ومنها زراعة البن الشدوي، مفيداً بأن فرع الوزارة بالمنطقة يعمل على تقديم كل التسهيلات والدعم للمزارعين لزيادة انتاج محصول البن، والذي يجد اهتماماً ودعماً من سمو أمير منطقة الباحة ومن فرع وزارة الزراعة بالمنطقة التي أسهمت في دعم المزارعين بالمدرجات الزراعية وإنشاء خزانات المياه إلى جانب تنفيذ العديد من البرامج التوعوية وورش العمل للتعريف بهذا المنتج الوطني.
وبين أن عدد المزارع بجبل شدا الاسفل يقارب 150 مزرعة تحتوي على 24 ألف شتلة من أشجار البن، ويصل حجم إنتاجها السنوي لما يقارب 5 أطنان، مقابل ما يقارب 130 مزرعة في شدا الأعلى، تحتوي على 30 ألف شتلة من أشجار البن الشدوي، ولكن يصل حجم إنتاجها السنوي لما يقارب 7 أطنان، مشيراً إلى أن عدد خزانات المدرجات الزراعية 125 خزاناً منها 83 بشدا الأسفل و42 بشدا الأعلى.
واختتم يقول أن الوزارة تصرف نحو 80 لتراً من المبيدات الحشرية لخدمة المزارعين سنوياً، ويبلغ عدد المستفيدين من مشروع إعادة تأهيل المدرجات الزراعية بجبلي شدا الأعلى والأسفل 93 مزارعاً، كما عملت وزارة الزراعة على إنشاء مشروع "مدينة البن" في مركز معشوقة بمحافظة القرى شمال مدينة الباحة، على مساحة إجمالية تبلغ 1.6 مليون متر مربع، وبطاقة تشغيلية تستهدف توفير 1000 فرصة وظيفية وزراعة 300.000 شجرة بن.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: ما یقارب من البن
إقرأ أيضاً:
جبال مسندم .. أرض العجائب الجيولوجية والمناظر الطبيعية والتاريخ العريق
يعد التاريخ الجيولوجي لمحافظة مسندم بتكوينها التضاريسي الفريد من نوعه متحفًا تاريخيًا متعدد الأقسام، يضم بين طيّاته تسلسلًا تاريخيًا متنوعًا وهو محط اهتمام الجيولوجيين وعلماء الآثار، وتقع محافظة مسندم في أقصى الطرف الشمالي من سلطنة عُمان عند مدخل الخليج العربي، وتمتد على طول شريط ساحلي غرب بحر عُمان وجنوب شرق الخليج العربي، وبذلك تطل على البوابة التي تربط بين الخليج العربي والبحار المفتوحة في بحر عُمان والمحيط الهندي، التي يُطلق عليها مضيق هرمز الاستراتيجي، أحد أكثر الممرات المائية حركة في العالم. أما من حيث المساحة، فإن محافظة مسندم تغطي حوالي 0.6% من المساحة الكلية لسلطنة عُمان، وهي بذلك صغيرة مقارنةً بمساحات المحافظات الأخرى في سلطنة عُمان، فضلًا عن أن هذه المساحة تغطيها الجبال الوعرة، باستثناء مساحات صغيرة بين قمم الجبال أو على ساحل البحر، وأعلى قمة في هذه السلسلة من الجبال الوعرة هي قمة جبل حارم في ولاية خصب، تليها قمة جبل كيوي في ولاية دبا. جغرافية مسندم كما أن سلسلة الجبال في محافظة مسندم كانت متصلة مع السلاسل الجبلية لجبال زاجروس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونتيجة للحركات العنيفة التي شهدتها الصفائح الأرضية التكتونية، حدث هبوط كبير لهذه السلسلة، مما أدى إلى فصل سلسلة الجبال في محافظة مسندم عن جبال زاجروس وتكوّن الخليج العربي، وبالتالي فإن هذه الحركات التي مرت على تضاريس المنطقة أسهمت في تشكّل العديد من الأحفوريات التي لا تزال شاهدة على التاريخ الجيولوجي لهذه المنطقة. وحول تفاصيل أكثر عن بنية المنطقة الجيولوجية، التقى «ملحق المحافظات» بعمر بن علي الشحي، باحث تاريخي بمحافظة مسندم. يقول عمر الشحي: «تشير معظم الدراسات الجيولوجية الحديثة إلى أن محافظة مسندم تتبع جيولوجيًا إقليم جبال شمال عُمان، الذي تسوده صخور جيرية ترسبت فيما كان سابقًا يشكل الرصيف القاري للكتلة العربية، وتعود هذه الصخور في تكوينها إلى منتصف الزمن البرمي والكريتاسي، أي حوالي 100-280 مليون سنة قبل الحاضر، وقد رُسبت هذه الصخور في بيئة بحرية ضحلة، وبالتالي يميل لونها إلى اللون الرمادي وتعرف جيولوجيًا بمجموعة الحجر الكبرى، هذا وقد جُلبت هذه الصخور مع صخور القشرة المحيطية «الأوفيوليت» بواسطة عمليات تكتونية معقدة لتستقر فوق صخور الرصيف القاري المذكورة سابقًا، «مجموعة الحجر الكبرى»، لذا تعد جبال محافظة مسندم من الناحية الجيولوجية مشابهة لبقية أجزاء جبال الحجر الغربي، فهي تمتاز بوجود كتلة سميكة من هذه الصخور الكربونية، إلا أن هناك أوجه اختلاف جيولوجية؛ حيث إن جبال محافظة مسندم تظهر على شكل ثنية محدبة كبيرة لكنها تميل ميلًا طفيفًا نحو الشرق والغرب». أحافير متنوعة يضيف عمر الشحي قائلًا: «لا نبالغ إذا قلنا: إن جبال محافظة مسندم كتاب تاريخي مفتوح بين قمة جبل حارم بولاية خصب وقمة جبل كيوي في ولاية دبا، حيث يقف الجبلان بشموخ حرّاسًا لهذا المكان الأثري المعشّق بروائح من تاريخ غابر في الجبال الصخرية المحيطة بمحافظة مسندم، فهناك صخور تحتوي على أحافير، وهي بقايا وآثار وبصمات الكائنات البحرية من أسماك ومرجان مرورًا بعدة أنواع من الأصداف البحرية التي يعود تاريخها إلى عشرات الملايين من السنين وحتى قبل ظهور البشر، لذا تُعد الأحافير من أكثر المفاتيح القيمة لتاريخ الأرض عند الباحثين الجيولوجيين، حيث لا تساعد الأحافير الجيولوجي على معرفة عمر صخرة ما فحسب، بل تساعد أيضًا في تحديد الظروف التي تشكلت فيها تلك الصخرة وتعقُّب الطبقات المختلفة الموجودة حول العالم». بيانات جيولوجية أضاف الباحث التاريخي عمر الشحي: «إن جبال محافظة مسندم تضم مجموعة متنوعة من الصخور التي ترجع إلى العصر البليوسيني، بما في ذلك الحجر الجيري والصخور الرسوبية، ومن مميزات الصخور الرسوبية -التي تمتاز بها عن بقية الصخور الأخرى- هي قدرتها على الاحتفاظ بالأحافير، وقد حصلت بعثة من علماء الجيولوجيا والآثار والنبات -حضرت إلى محافظة مسندم في الفترة ما بين 1970 و1972- على تصريح من السلطان قابوس -رحمه الله- وأمضت بعثة مسندم ثلاثة أشهر في الجزء الشمالي من شمال عُمان الذي يضم شبه جزيرة مسندم ووديانها الغارقة، وكان الهدف الرئيسي للبعثة هو الحصول على بيانات حول التاريخ الجيولوجي للمنطقة، وقد حددت البعثة أهم الآثار والأحافير والنباتات والصخور في محافظة مسندم، ثم وصلت بعثة علمية أخرى عام 1974 إلى محافظة مسندم لدراسة تاريخها التكتوني والجيولوجي، ونتيجة للدراسات التي أجرتها هذه البعثات، أدرك الجيولوجيون العاملون في المنطقة أن تكتونيات محافظة مسندم تتشابه مع جبال البحر الأحمر». متحف جيولوجي يؤكد عمر الشحي أن التراث الجيولوجي بشكل عام هو ثروة سياحية، حيث أكّدت الاكتشافات التي قام بها ولا يزال يقوم بها بعض المواطنين بجهودهم المتواضعة أن محافظة مسندم مقصد حيوي للجيولوجيين وعلماء الحفريات، وهذا يشكل نوعًا من الدعاية والترويج للسياحة الجيولوجية المطلوب تطويرها والاهتمام بها من قبل وزارة التراث والسياحة والمعنيين، حيث سيبرز اسم محافظة مسندم على خريطة السياحة المتعلقة بالحفريات والجيولوجيا، مما يجعلها مقصدًا للعديد من الباحثين والعلماء من مختلف دول العالم، خاصة مع التاريخ الجيولوجي القديم لهذه المنطقة وما مرت به من حقب تاريخية أسهمت في اكتسابها خصائص متنوعة، سواء في فترات غرقها بالمياه أو صعودها عاليًا نتيجة الطي والالتواء الذي تعرضت له طبقات القشرة الأرضية، مما جعلها تتسم بتنوع في التركيب والخصائص، كما تتنوع بالأحفوريات التي تعد عامل جذب للعلماء والمهتمين، إلى جانب السياح من محبي السياحة البيئية. مناطق غنية بالحفريات وحول أبرز مناطق انتشار الحفريات، قال عمر الشحي: «غالبًا ما توصف محافظة مسندم عند الكثير من الباحثين بأنها رؤوس الجبال؛ لأنها تحتضن سلسلة جبال شاهقة ممتدة بشكل رأسي وملتوية شديدة الانحدار والوعورة، وتضم واحدة من أكثر سلاسل التتابع اكتمالًا للطبقات الجيولوجية التي تسجِّل مراحل تاريخ الأرض والحياة، حيث نجد الحفريات في جميع مناطق محافظة مسندم تقريبًا، ومن بين المناطق الرئيسية يمكن أن نذكر الموقع الفريد لجبل حارم في ولاية خصب، حيث يضم حفريات من الكائنات البحرية التي يعود تاريخها لملايين السنين، وأيضًا جبل كيوي في ولاية دبا، ومواقع جبلية كثيرة متفرقة في ولاية خصب وفي نيابة ليما، إضافة إلى حفريات بحرية في ولاية بخاء، ووجود هذه الحفريات يعد دليلًا قاطعًا على أن المنطقة كانت مغمورة بالمياه لفترات طويلة، ثم نتيجة حركة الصفائح التكتونية حدثت حركات رفع وهبوط في المنطقة، ولذلك تعتبر المحافظة، بجيولوجيتها الفريدة، مثالًا للأودية الهابطة والمصاطب والجبال المرفوعة التي تكوّنت بين حركات انكسارية أخذت أشكالًا متعددة». |