2023.. سنة الإبادة الجماعية في فلسطين
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
تقترب الحرب الإسرائيلية على غزة من إنهاء ثلاثة أشهر، حصدت الآلة الإسرائيلية خلالها أكثر من 21 ألف شهيد، جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن، كما خلفت آلاف المصابين والجرحى، ودمرت البنية التحتية، بما فيها المستشفيات، والمؤسسات العمومية، وكل المرافق الحيوية، بما فيها مقرات البعثات الدولية الإنسانية. وما زال الإصرار قائما على الاستمرار في التدمير والإبادة الجماعية، أمام أنظار العالم ومشهد قادته وصنّاع رأيه وبناة سياساته، وحدها المجتمعات المدنية هنا وهناك تظاهرت، ورفعت أصواتها للتنديد بما تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية، ومن يدعمها بشكل مباشر أو غير مباشر.
لم ترتبط الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني بالعام الذي ودعناه، بل شكلت الإبادة سلوكا ثابتا في الممارسة الإسرائيلية منذ الإعلان الظالم عن تأسيسها عام 1948، إذ في هذا العام تحديدا حصلت النكبة الفلسطينية الأولى، والحال أنها كانت نكبة للعرب وجيوشهم المتآكلة، وتجددت سنة 1967، حين احتلت إسرائيل أجزاء استراتيجية من أراضي الدول المجاورة لها (مصر، الأردن، وسوريا، علاوة على فلسطين)، دون نسيان عمليات التهجير الجماعي للفلسطينيين على فترات متتالية.
لم تكن الإبادة سوى التعبير الفعلي عن جوهر إسرائيل ومناط تأسيسها، فوجودها بُني على الاستيطان في أبشع صوره، واستمراره وديمومته مرتبطان بالسعي المستمر إلى إبادة شعب يُراد محوُه، ليحل محله آخر تم استقدامه من الشتات. ومع ذلك، تُمثل الحرب الدائرة منذ شهور في غزة لحظة مختلفة، إن لم تكن فارقة، مقارنة مع سابقاتها من النكبات، لا سيما من زاوية حجم الخسائر البشرية والمادية، وصمت العالم أمام ما تقوم به إسرائيل
لذلك، لم تكن الإبادة سوى التعبير الفعلي عن جوهر إسرائيل ومناط تأسيسها، فوجودها بُني على الاستيطان في أبشع صوره، واستمراره وديمومته مرتبطان بالسعي المستمر إلى إبادة شعب يُراد محوُه، ليحل محله آخر تم استقدامه من الشتات. ومع ذلك، تُمثل الحرب الدائرة منذ شهور في غزة لحظة مختلفة، إن لم تكن فارقة، مقارنة مع سابقاتها من النكبات، لا سيما من زاوية حجم الخسائر البشرية والمادية، وصمت العالم أمام ما تقوم به إسرائيل.
كيف يمكن قراءة فصول الإبادة الجماعية للفلسطينيين من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية؟ وهل ثمة ما يُساعد على استنتاج تقدير موضوعي يُوازن بين الخسائر والآفاق التي فتحتها فصول هذه الحرب، بالنسبة للجانبين معا: إسرائيل وفلسطين؟
تُجمع وسائل الإعلام بكافة أنواعها، المرئية والمقروءة والمسموعة، على أن ميزان القوى بين الآلة لإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية، مختل طبعا لصالح صُناع الإبادة في غزة، لأسباب موضوعية؛ منها امتلاكهم كل الوسائل العسكرية المتطورة والفتاكة في الآن معا، واستفادتهم من الدعم اللوجيستي الأمريكي، والتغطية الدولية داخل مجلس الأمن، على خلاف الفلسطينيين الذين راهنوا ويراهنون على إمكانياتهم الذاتية، وما راكموا من خبرات في مثل هذه الحروب.
ثم إن المحيط العربي، الموسوم بالضعف والوهن وغياب التماسك الجماعي، لم يُساعد، ولن يُساعد على التأثير الإيجابي في مجريات حرب الإبادة، باستثناء بعض أدوار الوساطة التي تقوم بها كل من مصر وقطر تحديدا. لكن، في المقابل، تُساعد حرب الإبادة -على ضراوة مُجرياتها- على استنتاج خلاصات أولية مفادها أن المقصد الرئيس للآلة الإسرائيلية لم يتحقق، أي تهجير كلي للفلسطينيين من غزة، وإبادة أعداد أكثر مما حصل حتى الآن، لأن التفكير الإسرائيلي المتحكم في عملية الحرب على غزة، ظل على الدوام يروم إخلاء قطاع غزة من أهله، وترحيلهم إلى وجهة أخرى، وهو في واقع الأمر حلم قديم، لم يتردد قادة إسرائيل في الجهر به في أكثر من مناسبة.
تُعزز وجاهة هذا الاستنتاج الوقائع الحاصلة في الأرض، حيث ثمة مقاومة فلسطينية مستدامة منعت الآلة الإسرائيلية من تحقيق جوهر أهدافها حتى الآن، بشهادة القادة العسكريين والمدنيين الإسرائيليين. علاوة على ذلك، لا يسمح الإعلام الإسرائيلي بنشر ما يكفي من المعطيات والأرقام الحقيقية عن حجم الخسائر في الجيش الإسرائيلي، وعن عدد المستوطنات التي هجرها المستوطنون مرغمين، وعن الروح المنكسرة في صفوف المجتمع الإسرائيلي. كما أن الآلة العسكرية الإسرائيلية عجزت حتى الآن عن الوصول إلى رؤوس المقاومة الفلسطينية، على الرغم من كل الوسائل اللوجيستية والاستخباراتية التي وظفتها على امتداد فصول حرب الإبادة في غزة. ففي الإجمال، ما زالت أبعاد الحرب على غزة بعيدة عن تحقيق كامل أهدافها، وتؤكد الوقائع على الأرض أن ثمة ما يشبه الاستحالة أمام إسرائيل في الوصول إلى اجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه التاريخية.
ما هو حاصل مع حرب الإبادة في غزة لا صلة له بما عرفته الحرب الروسية الأوكرانية. تكشف حرب الإبادة في غزة مرة أخرى عن نفاق خطاب الغرب، وسياساته غير المتوازنة، كما يوضح بما لا يترك مجالا للشك، أن الغرب الذي خلق إسرائيل في سياق تاريخي معروف، ما زال يدعمها، ويُسندها كي تدوم وتبقى وتستمر عنوانا للاحتلال والاستيطان
كشفت حرب الإبادة على غزة، من جانب آخر، أن العالم الذي يتمُ التغني بمبادئ وقواعد قانونه الدولي، من قبيل القانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان بمختلف أجيالها، والعدالة والإنصاف، وحق الشعوب في العيش والحياة، وترسانة الاتفاقيات الخاصة بحماية الفئات الضعيفة من أطفال ونساء ومسنين ومرضى؛ ليس في النهاية سوى مجرد صكوك ورقية أمام ما يجري من حرب إبادة جماعية في غزة. بل الأكثر، أن هناك كيلا بمكيالين في التعامل مع الأحداث والأزمات التي تمس جوهر هذه القواعد والمبادئ، ففي الحرب الروسية الأوكرانية، باعتبارها من أحدث الحروب الدولية، لا يجد المتابع لفصول هذه الأزمة أي عناء في معرفة كيف تعامل العالم، والغرب تحديدا، مع هذه الحرب، وكيف وظف بشكل كثيف المنظمة الأممية وحشد التأييد لخوض حرب عالمية حقيقية ضد روسيا الاتحادية، ومن يدعم رؤيتها حيال هذه الأزمة.
والحال، أن ما هو حاصل مع حرب الإبادة في غزة لا صلة له بما عرفته الحرب الروسية الأوكرانية. تكشف حرب الإبادة في غزة مرة أخرى عن نفاق خطاب الغرب، وسياساته غير المتوازنة، كما يوضح بما لا يترك مجالا للشك، أن الغرب الذي خلق إسرائيل في سياق تاريخي معروف، ما زال يدعمها، ويُسندها كي تدوم وتبقى وتستمر عنوانا للاحتلال والاستيطان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية غزة الفلسطيني المقاومة إسرائيل فلسطين غزة جرائم حرب المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حرب الإبادة فی غزة إسرائیل فی على غزة لم تکن
إقرأ أيضاً:
هكذا تؤثر الإبادة الإسرائيلية بغزة على أصوات الناخبين في أستراليا
تعد حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إحدى القضايا المؤثرة على أصوات الناخبين في أستراليا، والذين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في الثالث من أيار/ مايو المقبل، وهو ما أكدته المتطوعة بحزب العمال الحاكم آز فهمي، أثناء توزيعها منشورات من أجل إعادة انتخاب ممثلها المحلي، وهو وزير الشؤون الداخلية توني بيرك.
لكن كل ذلك تغير بالنسبة لآز، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، بعدما شن الاحتلال الإسرائيلي حملة عسكرية على غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني وتشريد الملايين وتدمير القطاع.
وتشن آز الآن حملة ضد بيرك قبل الانتخابات المقررة في مايو المقبل، بسبب ما تعتقد أنه رد "محبط" من حزبه على دعوات الطائفة المسلمة للحكومة الأسترالية لدعم الفلسطينيين في غزة.
وقالت آز، وهي مسلمة ومن أصول سورية عراقية، لرويترز "الوقت الوحيد الذي سيستمعون فيه هو وقت الانتخابات".
أما هافا ميندل، وهي ربة منزل يهودية في برزبين، فقد دعمت حزب العمال في آخر انتخابات بسبب سياساته المناخية، لكنها تقود الآن حملة تضم مئات المتطوعين للإطاحة "بحكومة حزب العمال الضعيفة التي لم تفعل ما يكفي" لوقف موجة من "الهجمات المعادية للسامية"، على حد وصفها.
ويسلط استياء الناخبين، مثل آز وهافا، الضوء على تفتيت التأييد لحزب العمال، الذي يسعى إلى إبعاد المعارضة الليبرالية الوطنية المحافظة والفوز بولاية ثانية في السلطة، بسبب حرب غزة.
وتسير حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي منذ أواخر عام 2023 على خط رفيع، بين إبداء القلق إزاء الفلسطينيين والدعوة مرارا إلى وقف إطلاق النار، وبين دعم حق حليفتها إسرائيل في حق الدفاع عن النفس.
وقال خبراء انتخابات إن هذا النهج أثار غضب الناخبين المناصرين للفلسطينيين والمؤيدين لإسرائيل، ما جعل حزب العمال عرضة لخطر خسارة تسعة على الأقل من مقاعد مجلس النواب التي يحتاج إليها للحفاظ على أغلبيته في البرلمان المكون من 150 مقعدا.
وتعد دائرة آز واحدة من ثلاث دوائر انتخابية متعددة الثقافات وتسودها الطبقة العاملة في غرب سيدني، والتي كانت منذ فترة طويلة معاقل لحزب العمال، حيث هناك ناخب مسلم من كل ثلاثة ناخبين رغم أنهم يشكلون 3.2 بالمئة فقط من سكان أستراليا.
واليهود الأستراليون كذلك لا يشكلون إلا 0.5 بالمئة من إجمالي عدد السكان، لكنهم يمثلون ما يصل إلى سُدس الناخبين في الدوائر الانتخابية الثرية بالمدن الداخلية في سيدني وملبورن.
ويقول خبراء الانتخابات إن التركيبة السكانية للطائفتين، قد تؤدي إلى تحولات كبيرة ضد المشرعين الحاليين.
وقال محلل الانتخابات المستقل وليام بوي إن حزب العمال قد يواجه تحولا مدمرا ضده بنسبة 20 بالمئة في غرب سيدني، حيث حصل المرشحون الحاليون على ما يزيد قليلا على نصف الأصوات الأولية في عام 2022، ما يعكس خسائر حزب العمال البريطاني العام الماضي بسبب رد فعل الناخبين المسلمين بعد حرب الإبادة في غزة.
"السياسة كلها محلية"
قال آندي ماركس المدير التنفيذي لمركز غرب سيدني، وهو مؤسسة بحثية، إن الناخبين المسلمين ليسوا "متجانسين" وإن القضايا المحلية، مثل الرعاية الصحية والإسكان، عادة ما تحظى بالأولوية على حساب الأحداث على الجانب الآخر من العالم.
لكن الروابط العائلية بالشرق الأوسط أتت بحرب غزة إلى أستراليا، وتؤثر على العديد من الناخبين في هذه الانتخابات.
وتابع ماركس: "القاعدة السائدة في غرب سيدني هي أن السياسة كلها محلية".
وأضاف "سرعة (وصول) الأحداث في الشرق الأوسط، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال الروابط العائلية، تجعل هذه القضايا تبدو محلية جدا لبعض" المسلمين.
وقال زياد بسيوني، وهو طبيب مسلم يخوض الانتخابات ضد بيرك، إنه كان يشعر بالتجاهل وهو يعيش في دائرة انتخابية آمنة بالنسبة لحزب العمال لمدة 20 عاما، لكن "قضية غزة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما حدثت".
ولم يرد ألبانيزي أو بيرك أو وزير التعليم جيسون كلير، الذي يشكل عدد السكان المسلمين في دائرته بغرب سيدني 32 بالمئة، على طلبات للتعليق.
وبموجب نظام التصويت التفضيلي المعقد في أستراليا، فإنه إذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من نصف الأصوات في الانتخابات التمهيدية، يُستبعد المرشح الحاصل على أقل عدد من الأصوات ويعاد توزيع التفضيلات حتى فوز أحد المرشحين. ويعني ذلك أن مرشحا قد يتصدر بما يعادل 49 بالمئة من الأصوات في الانتخابات التمهيدية ويخسر في النهاية.
ويمكن للمستقلين مثل بسيوني تعويض النقص في الأصوات خلال الانتخابات التمهيدية من خلال إبرام صفقات مع مرشحين آخرين لتفضيل بعضهم البعض في بطاقات التصويت التي تُوزع في مراكز الاقتراع، وهي استراتيجية يستخدمها المرشحون الأقل شهرة أحيانا لزيادة فرصهم أو تقليل فرص منافسين مشتركين.
وقال الشيخ وسام الشرقاوي منسق مجموعة "الصوت الانتخابي المسلم"، وهي منظمة شعبية تدعم ثلاثة مرشحين من بينهم بسيوني، إن المجموعة لاحظت "رغبة قوية في الوقت الحالي في وضع حزب العمال في المرتبة الأخيرة" في بطاقات التصويت.
المحافظون يسعون لكسب أصوات اليهود
ذكرت وسائل إعلام محلية أن ائتلاف المعارضة المحافظة استبعد إجراء أي اتفاق مع الجماعات المؤيدة لفلسطين واتجه بدلا من ذلك لحشد دعم الجالية اليهودية، منتقدا ألبانيزي لضعف موقفه تجاه معاداة السامية.
ودفع ائتلاف المعارضة بمرشحين مؤيدين لإسرائيل في الضواحي الشرقية الثرية في سيدني ووسط ملبورن، موطن أكبر تجمعات يهودية في أستراليا، على أمل استعادة مقاعد خسرها المستقلون المهتمون بالبيئة في انتخابات 2022.
وفي سيدني، درس المرشح المحافظ رو نوكس في الجامعة العبرية في القدس، بينما واجهت النائبة المستقلة الحالية أليجرا سبندر انتقادات من الناخبين اليهود لدعمها تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وفي بوندي بيتش، قال شون إلياستام من سيدني إنه صوت لنوكس. وأضاف أن سبندر كان عليها أن تتبرأ من الأونروا بدلا من "محاولة اللعب على الجانبين".
وقال "لا يمكن إرضاء شخصين إذا كان واحد منهما جيد والآخر سيء. عليك أن تنحاز لأحد الجانبين".
ويدير تيم ويلسون، مرشح حزب المحافظين عن ملبورن، حملته الانتخابية تحت شعار "صهيوني وافتخر" على الرغم من أنه ليس يهوديا، لينافس بذلك المرشحة المستقلة زوي دانيال على مقعدها. ورفض نوكس وويلسون إجراء مقابلة.
وقال أليكس ريفتشين، الرئيس التنفيذي المشارك للمجلس التنفيذي لليهود الأستراليين، وهي المؤسسة اليهودية الأبرز "أرى أن لأول مرة في تاريخ مجتمعنا، سيصوت الناس في المقام الأول على قضية إسرائيل ومعاداة السامية".
ورغم أن دائرة ميندل الانتخابية في برزبين تضم عددا قليلا من السكان اليهود، إلا أنها قالت إن مجموعتها ستستهدف نحو 10 مقاعد في جميع أنحاء الولايات الشرقية لأستراليا بحملة تشمل وسائل التواصل الاجتماعي واللوحات الإعلانية، وذلك لتعزيز موقف المحافظين.
وقالت آز فهمي إنها تشارك في حملة ضد حزب العمال، لكنها تريد حكومة أقلية يقودها الحزب ويُمكن للمستقلين مثل بسيوني تولي السلطة فيها.
وأضافت "ما حدث في غزة حشد الناس حقا... لا أرى أن ممثلينا المحليين يدركون مدى أهمية تلك القضية بالنسبة لكثير من الناس".