اليوم التالي في إسرائيل بعد الحرب
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
الجميع يتحدث عن اليوم التالي في غزة بعد الحرب، وتُطرح الأفكار التي تناسب تل أبيب، لكن لا أحد يتحدث عن اليوم التالي في إسرائيل بعد الحرب، وهو السؤال المهم الذي لابد من طرحه في هذه المرحلة، لأن مآلات “طوفان الاقصى” سيكون له الكثير من التبعات التي يجب أن تُؤخذ بالاعتبار والبناء عليها مستقبلا.
انطلاقا من هذا علينا أن ننظر إلى الوقائع المسجلة طوال الثلاثة أشهر الماضية من عمر المواجهات في قطاع غزة والحدود اللبنانية – الفلسطينية، وأيضا باب المندب، وماذا تعني على مستقبل الكيان الصهيوني، وهل هناك تغييرات عميقة ستحدث فيه، وما هي النتائج الطويلة المدى على مستقبله، مستقبل المنطقة؟
أولا، إن تكاليف الحرب المباشرة هي عنوان ممكن البناء عليه، فالعجز الحالي سيزيد من الأعباء على المالية الإسرائيلية، حتى لو عُوِضت من خلال المساعدات الأمريكية المباشرة، فرصد واشنطن 14 مليار دولار فورا لإسرائيل، عند بدء المواجهات يمكن القول إنها تبخرت في خلال الشهرين الماضيين، وبالتالي هناك حاجة استراتيجية أمريكية لمزيد من الدعم، إلا أنها لا تكفي مهما بلغت، لأن ما يعيشه الكيان من أزمة حاليا كأنه أشبه بدلو مثقوب.
الخسائر المالية والاقتصادية
وفقا لتقارير البنك المركزي الإسرائيلي فإن تكلفة الحرب اليومية هي 270 مليون دولار، ومع استمراريتها فإن التكلفة ستزيد، لأن المواجهات أصبحت أكثر تعقيدا مما كان يعتقده قادة العدو، بالتالي باتوا هم أقرب إلى فخ متعدد الشراك، لهذا فإن الخسائر المعلن عنها حاليا، وهي 52 مليار دولار، ستكون عند انتهاء الحرب أكثر، ما يعني زيادة العجز، وصعوبة تعويضه، بسبب التغيرات الاقتصادية المحلية أولا، وثانيا: عدم القدرة على تعويض الفاقد مما كان متوقعا من استثمارات متفق عليها في قبل السابع من أكتوبر الماضي.
لهذا المتوقع وفقا لتقديرات واقعية أن يدخل الاقتصاد الإسرائيلي انكماشا في السنوات الأربع المقبلة، وأن يكون النمو بحدود واحدة في المئة، وأن ينخفض الناتج القومي من 520 مليارا العام الماضي إلى ما دون 450 مليارا، وأن يستمر بالانخفاض طوال تلك السنوات حتى يصل إلى ما دون الأربعمئة مليار.
الهجرة العكسية
هذا العجز بدأت تضغط عليه الهجرة العكسية، فمنذ السابع من أكتوبر الماضي وصل عدد المهاجرين إلى الخارج للإقامة الدائمة في الخارج ما يزيد من 600 ألف مستعمر، ومنذ بدء المناوشات السياسية في الكيان، بعد الاحتجاجات على ما يسمى الإصلاحات القضائية، كان هناك نحو 1600 يهودي يغادر الكيان أسبوعيا، وهو من أبناء أو أحفاد ما يسمى “المؤسسون”، فيما أيضا غادر المهاجرون الجدد بنسبة أكبر، حتى بلغت الحصيلة 1800 يهوديا أسبوعيا.
اليوم ووفقا للتقارير فقد ارتفعت نسبة طالبي اللجوء من إسرائيل إلى البرتغال نحو68 في المئة، فيما ارتفعت نسبة طالبي الجنسية الفرنسية نحو 13 في المئة، بينما بلغت في ألمانيا وبولندا عشرة في المئة.
مجتمع مرتزقة
لا شك أن الهجرة العكسية تُؤثر على المجتمع بعامة، خصوصا أنه متعدد الثقافات، وينقل عن الروائي الإسرائيلي، من أصل عراقي، سامي ميخائيل قوله في إحدى المقابلات الصحافية: “عندما أكون في المنزل اتحدث مع أمي، وأولادي وعائلتي بالعربية، واللهجة العراقية، وليس باليدشية (العبرية العامية)”، وهو ما ينطبق على جميع المهاجرين اليهود، فالروس يتحدثون لغتهم، والبولنديون، الألمان وغيرهم أيضا، هذا يعني أن المجتمع ليس متعدد الثقافات فقط، بل أيضا لا يجمعه إلا الإيمان بـ”الدولة الآمنة التي توفر الرعاية لكل مواطنيها”، وإذا لم تتوفر أي من الشروط تلك، يفقد “المواطن” شعوره بالانتماء.
لهذا اعتبر المجتمع الإسرائيلي عبارة عن “تجمع مرتزقة”، ولقد ظهر ذلك جليا في الأسرى المدنيين الذين أسرتهم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي، وكيف طالبت الدول بمواطنيها مزدوجي الجنسية، وبالتالي فإن مصطلح “وحدة المجتمع الوطنية” أصيبت بعطب لا يمكن معالجته في المدى البعيد، لهذا فإن الهجرة العكسية ستترك آثارها الاقتصادية والديموغرافية والعسكرية على إسرائيل في السنوات المقبلة، وهذا أيضا مسمار في نعشها.
التغير الديموغرافي بعد أكتوبر
في جانب آخر، حين يتحدث سكان المستعمرات في شمال فلسطين، وحدود غزة إنهم لن يعودوا إلا بعد القضاء على المقاومة في لبنان وقطاع غزة، بل الكثير منهم أعلنوا أنهم بدأوا حياة جديدة في أماكن إقامتهم حاليا، أي عدم العودة، فإن ذلك يعني وفق الحسابات الواقعية لموازين العسكر إبادة سكان جنوب لبنان، وليست المطالبة بتنفيذ القرار 1701 إلا عنوان مخادع، لأن المقاومة هي من أهل المنطقة، وليست جيشا يمكن سحبه بعيدا عن الحدود، وكذلك الأمر بالنسبة لسكان قطاع غزة، ولهذا فإن تصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين، والحديث عن الهجرة الطوعية للفلسطينيين من القطاع تنم عن عجز إسرئيلي في معالجة المطلب الذي وجد من أجله هذا الكيان، وهو القوة العسكرية التي توفر الأمن، وبهذا صدقت المقولة التاريخية “إن إسرائيل وجدت من جيش، وليس جيشا لحمايتها”.
الحرب الأهلية
يضاف إلى هذا أن الحديث عن حرب أهلية داخلية تصاعد في الآونة الأخيرة، ومع عسكرة المجتمع أكثر وأكثر، لا سيما إن طلبات الحصول على الأسلحة الفردية من مستعمري الضفة الغربية وصل إلى ربع مليون، وإن هناك مليون و600 ألف يهودي مسلح في عموم إسرائيل، ومع المشكلات الاجتماعية الضاغطة على السكان، وصراع عصابات ومافيات الجنائي، فإن التفكك الاجتماعي أصبح أكثر مما كان، وهذا يعني أن ما جرى في السابع من أكتوبر الماضي، ومع استمرار العجز العسكري الإسرائيلي عن تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعتها حكومة الحرب، ستكون له عواقب وخيمة على المدى القريب، أقلها رحيل حكومة نتنياهو، فيما سيتغير المشهد الإسرائيلي إلى الأبد.
في 28 أكتوبر قال المتحدث العسكري باسم كتائب “القسام” إن: “زمن انكسار الصهيونية قد بدأ”، فهل صدق بقوله هذا؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: السابع من أکتوبر الماضی الهجرة العکسیة فی المئة
إقرأ أيضاً:
كيف سيخرج لبنان من الحرب مع إسرائيل؟
واقع قاتم يعيشه لبنان مع تحوله إلى نقطة محورية لحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران، يلعب فيها حزب الله دوراً مركزياً. وتعكس الدعوة العلنية التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، للمواطنين اللبنانيين لتحدي حزب الله المخاطر العالية المترتبة على هذا الصراع المتصاعد، وفق مديرة مركز مالكولم كير في كارنيغي الشرق الأوسط، مهى يحيى.
يواصل جيل أصغر من القادة، مدفوعاً بالحماسة الإيديولوجية، دعم طموحات حزب الله الإقليمية
وتضيف في مقالها المطول بموقع مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية: على النقيض من ذلك، فإن تورط إيران المتزايد من خلال حزب الله يؤكد طموحاتها الإقليمية الأوسع نطاقاً. وفي خضم هذا الشد والجذب، يعاني لبنان بشكل كبير، سواء كساحة معركة أو كرمز لمنافسات أيديولوجية واستراتيجية أكبر في الشرق الأوسط. الأزمات التي تشل الحياة في لبنانويذكر أنه قبل وقت طويل من اندلاع أعمال العنف الأخيرة، كان لبنان يعاني بالفعل من أزمات متشابكة، على رأسها الانهيار الاقتصادي، حيث أدى الانهيار المالي في لبنان إلى تقليص الطبقة المتوسطة، مما دفع معدلات الفقر من 12% في عام 2012 إلى ما يقدر بنحو 44% بحلول عام 2022.
ويواجه لبنان، الذي يعد بالفعل أحد أكثر بلدان العالم مديونية، دماراً اقتصادياً جديداً، حيث يتنبأ البنك الدولي بأن يؤدي الصراع المستمر إلى خسائر اقتصادية مباشرة تبلغ 8.5 مليار دولار. كما حدث عجز في القطاع الزراعي، الذي يساهم بشكل كبير في الدخول الريفية، بسبب العنف الدائر.
Israeli strikes pounded parts of Beirut's southern suburbs on Tuesday, a day after eight people were killed, according to the authorities. Strikes from Lebanon killed two people in northern Israel on Tuesday, the Israeli authorities said. https://t.co/0Wbhye436Z pic.twitter.com/UGwZzoDzN4
— The New York Times (@nytimes) November 12, 2024ويعاني لبنان أيضاً من جمود سياسي؛ فقد أدى فشل لبنان الطويل الأمد في انتخاب رئيس إلى جعل حكومته غير قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة، كما تعمل الانقسامات الطائفية العميقة بين النخبة الحاكمة على إدامة الخلل الوظيفي.
كما يعاني النسيج الاجتماعي في لبنان من انقسام شديد، وتفاقمت الانقسامات الطائفية بعد استهداف القوات الإسرائيلية معاقل حزب الله في المناطق ذات الأغلبية الشيعية؛ فالبعض يرى أن حزب الله يدافع عن لبنان والبعض الآخر يتشكك في ذلك ويطالب بنزع سلاحه والانخراط في العملية السياسية فحسب؛ ويؤدي هذا التفاوت في الآراء إلى تعميق الاستياء وتأجيج المظالم القائمة بين الطوائف الدينية في لبنان.
وتناولت الكاتبة الخسائر البشرية الناجمة عن الحرب جنوب لبنان ووصفتها بالصادمة. على صعيد الخسائر البشرية، فقد أكثر من 3481 شخصاً حياتهم، وأصيب 14786 شخصاً، وتشرد 1.2 مليون شخص، وهو ما يرسم صورة قاتمة للدمار الذي حل بلبنان. ويعيش أغلب النازحين في ظروف مزرية، مع مأوى غير ملائم ومساعدات إنسانية غير كافية.
وبالنسبة للبنية الأساسية، دمرت الحملة العسكرية الإسرائيلية المكثفة البلدات والمدن في جنوب لبنان، حيث أفادت تقارير باستخدام قذائف الفوسفور الأبيض التي لا تدمر الأرواح والمنازل فحسب، بل تخلق أيضاً مخاطر بيئية تهدد جهود التعافي على المدى الطويل.
The proxy war between Iran and Israel has come to Lebanon “at perhaps the worst possible moment,” writes @mahamyahya. To prevent a new era of conflict and unrest, Lebanon’s political parties must act quickly to stabilize their country’s institutions. https://t.co/Ti1LyE5FG8
— Foreign Affairs (@ForeignAffairs) November 21, 2024أما من ناحية التأثير الاقتصادي على العمالة والناتج المحلي الإجمالي، فَقَدَ أكثر من 166 ألف شخص وظائفهم، ومن المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بنسبة 9%. وتواجه البلاد مستقبلاً اقتصادياً قاتماً مع شلل السياحة والزراعة والصناعات المصرفية.
حالة حزب الله وخلّفت الحرب خسائر فادحة في حزب الله، سواء على المستوى المادي أو السياسي. ودمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية 80% من ترسانة حزب الله بالقرب من الحدود الجنوبية، في حين قُتل كبار القادة، بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله.وعدّت الكاتبة هذه التطورات تحولاً حاسماً في القدرات العملياتية لحزب الله. ومع ذلك، ورغم هذه الخسائر، ما يزال حزب الله يتمتع بنفوذه، مع تدخل إيران لإعادة تنظيم صفوفه. ويواصل جيل أصغر من القادة، مدفوعاً بالحماسة الإيديولوجية، دعم طموحات حزب الله الإقليمية.
خطوات نحو الاستقرار: الحوار والإصلاح
وقالت الكاتبة إن تعافي لبنان يتوقف على تضافر الجهود لمعالجة قضاياه العميقة الجذور؛ فالحوار الوطني، الذي يشمل جميع الفصائل، أمر ضروري. وتشمل الأولويات الرئيسية: أولاً: استراتيجية الدفاع الوطني؛ فتنفيذ اتفاق الطائف وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بدمج قوات حزب الله في القوات المسلحة اللبنانية أمر بالغ الأهمية لتعزيز سيطرة الدولة.
ثانياً: القيادة السياسية؛ فانتخاب رئيس وتشكيل حكومة طوارئ سيمهد الطريق للإصلاحات المؤسسية والتعافي الاقتصادي.
ثالثاً: التماسك الاجتماعي؛ فإعادة بناء الثقة بين المجتمعات اللبنانية؛ أمر حيوي لتجنب المزيد من الصراعات الطائفية واستعادة الاستقرار.
دور المجتمع الدوليوأضافت الكاتبة أن الدعم الخارجي أمر بالغ الأهمية لبقاء لبنان، وأكدت الكاتبة ضرورة توسط المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار بالضغط على إسرائيل لوقف حملتها العسكرية في لبنان مع إشراك إيران دبلوماسياً للحد من عمليات حزب الله؛ وتعزيز مؤسسات الدولة عن طريق تمكين الجيش اللبناني عبر المساعدات العسكرية للعمل كقوة موحدة، والحد من نفوذ حزب الله؛ والمساهمة في جهود إعادة الإعمار لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة في لبنان بالشفافية والمساءلة لضمان الاستخدام الفعال.
مخاطر عدم الاستقرار ومضت الكاتبة بالقول: إذا استمر الصراع، فإن لبنان يخاطر بالانزلاق إلى مزيد من الفوضى. وقد ينهار التوازن الدقيق بين مجموعاته الطائفية، مما يؤدي إلى إبطال عقود من التعايش الهش. وقد تستغل القوى الإقليمية، بما في ذلك إيران وإسرائيل، عدم استقرار لبنان لتحقيق أجنداتها، وتحويل البلاد إلى ساحة معركة طويلة الأمد.من هنا، تؤكد الكاتبة الحاجة الملحة للإصلاح والمصالحة في لبنان. فبدون اتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الصدد، ستواجه البلاد مستقبلاً غير مؤكد، مشوهاً بالدمار الاقتصادي والخلل السياسي، مع احتمال تجدد الاضطرابات المدنية.
وشددت الكاتبة على أن الجهد التعاوني الذي يشمل القادة اللبنانيين والمجتمع الدولي هو السبيل الوحيد للبنان نحو الاستقرار والتعافي.