رشيد الضعيف يستنطق «الوجه الآخر للظل»
تاريخ النشر: 2nd, January 2024 GMT
عبدالله أبو ضيف (القاهرة)
أخبار ذات صلةمن خلال تجربته في استحضار واستلهام التراث العربي، بحكم كونه من المداومين على قراءة الأعمال القديمة، ومن المأخوذين بها، يستمد الروائي اللبناني رشيد الضعيف منه إلهام بعض أعماله، حيث يعتبر أن الخَبَر الذي دُوِّن فيها منذ أكثر من ألف سنة ما زال يحوي بذور الخلود.
ولعل هذا ينطبق تحديداً على أحدث رواياته «الوجه الآخر للظل» المرشحة ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2024، كما قدم أعمالاً أدبية ثرية متنوعة أخرى على مدار أربعة عقود جعلته واحداً من أهم الروائيين على الساحة العربية، وتوجت جهوده بالعديد من الجوائز كان آخرها جائزة محمد زفزاف للرواية العربية.
ويقول رشيد الضعيف إن اللغة والثقافة العربية تحمل هذا البعدَ الإنسانيّ الذي لا يذبل، وقد استوحيت لغة هذه الرواية من تلك اللغة التي صيغ بها كل هذا التراث، ويحوي العمل تصوّر الثقافة العربيّة بجانبها الميثولوجي للعالم، ونظرة العربي لذاته وللوجود عامّةً، وخاصة أنّ كل ما هو إنساني يمكن اعتباره معاصراً بمعنى ما.
وإن كانت هناك عناصر قد تبدو للقارئ كرموز لأشياء معاصرة إلا أن الكاتب يفسر ذلك قائلاً: «عندما أكتب روايةً لا أفكّر في أمور خارجَها، لم أُرد أن أرمز إلى شيء وأَبني روايتي لبنةً لبنة بهدف أن تستقيم كعمل ناجز، لا أريد أن أملي على القارئ شيئاً وأنا أكتب».
وأوضح رشيد الضعيف في حديث لـ«الاتحاد» أنه لا يسعى لكي تكون الرواية مرآةً للواقع، قائلاً: إنّ مبدئي في العمل الروائي كتأليف، أن يكون الواقع في خدمة الرواية لا أن تكون الرواية في خدمة الواقع، فمبدئي في الرواية أنّها فنّ وصولي، بمعنى ما، يسخّر كلّ شيء من أجل أن يكتمل! ألم يقل العرب القدماء إن أعذب الشعر أكذبه؟ وهذا يعني أنّك بقدر ما تترك الحرّية للمخيّلة يحسن عملك ويمتع ويُقنع ويُثير في نفسك إلهامات الشكّ والسؤال. ولكن، مع ذلك، عندما يترك الإنسان الحرّيّة لمخيّلته يقترب أكثر ممّا يسمّى الواقع.
وأضاف الكاتب: «بإمكاني كقارئ أو كناقد أو كأستاذ جامعي، وليس كمُنشئ للنصّ وكمؤلّف للرواية، أن أقول إنّ هذه الرواية الغرائبيّة الميتولوجيّة هي صناعة اليوم، ومشارِكة في ما يُطرح الآن من مواضيع. وكقارئ أقول إنّها ربّما تطرح، في ما تطرح، مسألة العقلانيّة التي هي سمة من سمات الحداثة. ويعتمد الضعيف في «الوجه الآخر للظلّ» لغةً فصحى مشبَعة بالإحالات الثقافيّة التراثيّة، وبالموقف منها في الوقت ذاته، وجعل اللغة، في حد ذاتها، شخصيّةً من شخصيّاتها، وموضوعاً من موضوعاتها، ولذا فهو يعتمد لغةً لا تتوارى خلف القصّة بل هي جزء أساسيّ منها.
واختتم رشيد الضعيف حديثه قائلاً: أردتُ هذه الرواية كما سابقتها الأميرة والخاتم احتفاءً باللغة العربيّة وبقدرتها على السحر الإبداعي والإيحاء والتضمين والاختصار والمفاجأة، وهذه جميعها من صفات الشعر.
المصدر: صحيفة الاتحاد
إقرأ أيضاً:
الاستماع أو الإنصات ومنصة "تجاوب"
د. إبراهيم بن سالم السيابي
في عالمنا اليوم، نجد أن العديد من الأشخاص يغفلون عن أهمية الاستماع والإنصات الجيِّد، فقد يعتقد البعض أن مهارة الحوار والحديث هي الأساس في بناء العلاقات، ولكن الحقيقة أن الاستماع يشكل الجزء الأكبر من ذلك، فإنك عندما تُظهر اهتمامًا بكلام الآخرين، عندما تمنحهم الفرصة للتعبير بحرية، تشعرهم أنك تقدّرهم وتُعطيهم مكانتهم ليس في حياتك فحسب وربما في هذا العالم كله، وهذا ما يجعل الشخص الذي يمتلك هذه الصفة يشعر بنجاحه في تواصله مع الآخرين.
ولكن، الاستماع الجيِّد ليس مجرد شيء فطري أو سهل إذ لا يكفي أن تُظهر لباقة الحديث والقدرة على الحوار؛ بل لا بُد من أن يكون لديك أيضًا مهارة الانصات الواعي، هذا النوع من الاستماع يتطلب منك تركيزًا عميقًا واهتمامًا متواصلًا بكل كلمة يتفوه بها الشخص الآخر، ومن هنا يأتي الاستماع الجيد كعملية تتجاوز مجرد سماع الأصوات المحيطة بنا، ليصبح وسيلة معبّرة عن فتح القلب والعقل لفهم أفكار الآخرين ومشاعرهم.
وهناك شروط لا بُد من توافرها في الاستماع، فإنَّ أحد أهم عناصر الاستماع الفعّال هو القدرة على البقاء مركزًا أثناء الحديث، متجنبًا أي عامل قد يشتت انتباهك، فبعض الأحيان من جاء لتستمع إليه ربما ترك من في العالم أجمع وجاء إليك أنت دونهم لتستمع إليه، هنا عليك احترام المتحدث عن طريق عدم مقاطعته وتمنحه الفرصة ليُعبر عن نفسه بحرية، فإنِّه يشعر بالراحة والاطمئنان، وهو ما قد يُعزز العلاقة بينكما.
كما ينبغي عليك عند الاستماع في بعض الأحيان المشاركة الفعّالة أثناء المحادثة؛ فالاستماع ليس فقط الصمت أثناء حديث الآخر؛ بل هو التواصل عبر ردود بسيطة أو تعبيرات وجه تظهر اهتمامك بكل ما يُقال حتى ولو بالإيماءات البسيطة التي يمكن أن تساهم في جعل الشخص الآخر يشعر أنك تهتم لما يقوله، كما إن الصبر يعد من أهم سمات الاستماع الجيد؛ فليس هناك شيء يزعج المتحدث أكثر من الشعور بأن هناك استعجالًا لإنهاء الحديث، لذلك من الضروري أن تتحلى بالصبر وأن تعطي الشخص الآخر الوقت الكافي للتعبير عن ما يدور في خاطره.
والاستماع فن- وأي فن- فهو ليس مهارة محصورة في محيط العمل أو في الأوساط الاجتماعية فحسب، بل له دور بالغ الأهمية في الأسرة، فعلى سبيل المثال عندما يستمع الأب أو الأم إلى أبنائهم، يشعر الأطفال بقيمتهم، مما يعزز من قوة الروابط العاطفية داخل الأسرة، ويعتقد البعض خطأً أن الاستماع فقط لقضاء أو طلب حاجة أو مصلحة أو الاستماع مجرد وسيلة لحل المشكلات، ولكن هو في الحقيقة وسيلة لبناء بيئة صحية تفيض بالحب والثقة والاحترام، وفي الوقت نفسه، يُعتبر الاستماع أيضًا أساسيًا في علاقاتنا مع الأصدقاء والزملاء في العمل بين الموظف والمسؤول؛ حيث يُساعد في بناء الثقة بين الأفراد ففي اللحظة التي يشعر فيها الآخرون أنهم يُستمع إليهم بصدق، تصبح العلاقات أكثر قوة، بعيدًا عن الفتور أو السطحية.
أما في المجتمع والحياة العامة، فإنَّ الاستماع الجيد يلعب دورًا بارزًا أيضًا، فالحكومات التي تستمع إلى مشاكل واحتياجات مواطنيها، هي تلك التي تتمكن من اتخاذ قرارات أكثر حكمة، تُلبي حاجات الناس وتُحسن من حياتهم ورفاهيتهم، هذا النوع من الاستماع يُعزز من الثقة بين المواطنين وحكوماتهم، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك وقوي.
وحريٌ بنا إبراز ما أعلنت عنه الحكومة خلال ملتقى "معًا نتقدم" أو من خلال ما تم من تدشين المنصة الالكترونية "تجاوب"، وهو ما يعكس حرص الحكومة على الاستماع للمواطن حتى يتمكن بنفسه من الاطلاع على السياسات والخطط والبرامج التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة في كافة المجالات، ومتابعة وإبداء الرأي فيما تحقق من هذه الخطط والبرامج، وكذلك تقديم أي شكوى عن الموضوعات التي تخص المواطن في كافة المؤسسات الحكومية.
ختامًا.. إنَّ الاستماع ليس مجرد مهارة نمارسها أحيانًا، بل هو فن وأسلوب حياة يجب أن نتبناه وهو الأساس الذي نبني عليه تواصلنا مع من حولنا؛ سواء في الأسرة أو العلاقات الاجتماعية أو الحياة العامة. ومن خلال الاستماع الجيد، نتمكن من حل المشكلات، وبناء الثقة، وتعزيز التعاون بين الجميع. لذلك، يجب علينا أن نتعلم كيف نصبح مستمعين جيدين، لأن هذا يفتح لنا أبوابًا جديدة من الفهم والتفاعل الإيجابي مع الآخرين.
ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.