لجريدة عمان:
2025-01-21@08:39:37 GMT

ما بين هجمات 11 سبتمبر وطوفان 7 أكتوبر

تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT

اثنان وعشرون عاماً.. بين هجمات القاعدة على أمريكا عام 2001م، وطوفان الأقصى الذي اجتاحت به حماس غلاف غزة عام 2023م. يحاول المتشككون في الطوفان من العرب، والمغرضون من الصهاينة، الربط بين الحدثين على أنهما نتاج الإسلام السياسي «المتهم بالإرهاب»، وهذا خلط لا ينطلق من الواقع، كما أنه يعطي مبررات لحرب إسرائيل على غزة.

المقال.. يقارن بين أوجه الشبه والاختلاف بين هاتين العمليتين والجهتين اللتين قامت بهما، عسى أن ينكشف وَهْمُ المتشككين ويبطل ادعاء المغرضين.

11 سبتمبر 2001م.. تسمّر العالم أمام شاشات التلفزة على حدث صادم، وهو قيام 19 شخصاً باختطاف أربع طائرات مدنية، هجموا بطائرتين منهما برجَي التجارة في نيويورك، وبطائرة ثالثة البنتاجون في واشنطن، وسقطت الرابعة في حقل بولاية بنسلفانيا، راح ضحية الهجوم حوالي 3000 شخص. أعلن أسامة ابن لادن (ت:2011م) زعيم القاعدة مسؤولية حركته عن الهجوم. وقد أصاب أمريكا جرحٌ عميق، حط من هيبتها، فانتفضت كالسبُع الجريح، وحركت قواتها وحاملات طائراتها، وغزت عام 2001م أفغانستان بحجة أنها حاضنة القاعدة، ثم غزت العراق عام 2003م بتهمة امتلاكها أسلحة دمار شامل وعلاقتها بالقاعدة.

أما طوفان الأقصى.. فقد انطلق فجر 7 أكتوبر 2023م، وفاجأ إسرائيل مكتسحا مستوطنات غلاف غزة بسرعة خاطفة، حتى وقفت مذهولة حياله، ولم تفق من صدمتها إلا في اليوم التالي، وقد راح ضحيته في الأيام الأولى حوالي 1400 إسرائيلي. ثم إن إسرائيل مدعومة عسكرياً بالقوات الأمريكية، ولوجستياً من أوروبا، شنت حرب إبادة تدميرية، قتلت أكثر من 20 ألف مدني حتى نهاية عام 2023م. وقد وقف الفلسطينيون مع مقاومتهم بصلابة، ورغم مرور ثلاثة أشهر إلا أنه لا تزال إسرائيل ومعها قوات أمريكية ومرتزقة العالم يعيثون فساداً في غزة بارتكاب جرائم إبادة مدنية وتدمير شامل للبنية التحتية.

العالم.. تغيّر كثيراً خلال العقدين الفاصلين بن الحدثين، ومن التحولات العالمية التي أثرت على مسار الأحداث في المنطقة؛ ومنها المقاومة الفلسطينية:

- قبل هجمات 11 سبتمبر كان الإعلام التقليدي هو السائد، مع بعض القنوات الفضائية. أما بعدها فقد انتشرت الإنترنت، وأحدثت قفزة هائلة في البث الرقمي، أصبح الإنسان يستقبل ما يرغب، ويبث ما يشاء، بتواصل فوري؛ عبر الصوت والصورة، وقد استفادت المقاومة الفلسطينية من هذه التحولات الرقمية.

- نشأ جيل جديد؛ عرف بـ «جيل الألفية»، مختلف عن الأجيال السابقة، على مستوى المعرفة واكتساب المهارات، وحرية التعامل مع المعلومات والأفكار والنقد، وعلى مستوى التواصل الاجتماعي والمزاج النفسي، كما أنه تحرر من هياكل الأيديولوجيا التي سادت القرن العشرين الميلادي، فلم تعد الثورات الاشتراكية، والعواطف القومية، والمعتقدات الدينية، والمنظومة الليبرالية، تحتجزه في شرانقها، أو تبرمجه على ممارساتها، وهذا ما نرى ثمرته الآن بالوقوف الشعبي عالمياً مع القضية الفلسطينية.

- لم تتمكن أمريكا من القضاء على الجماعات المناوئة لها في المنطقة بانحسار القاعدة، بل ظهرت جماعات مقاتلة عديدة، في سوريا وليبيا واليمن والعراق، ومنطقة الساحل بإفريقيا، مع تعاظم قوة حزب الله بلبنان، وهو ما استفادت منه المقاومة الفلسطينية.

- تمددت الصين اقتصادياً وانتشرت روسيا سياسياً وعسكرياً في العالم؛ على حساب أمريكا حاضنة إسرائيل.

أما أوجه الشبه بين الجهتين فهي:

- القاعدة وحماس.. نشأتا في الثمانينات الميلادية، حيث لا يزال الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي في ذروته، ولم تكن تنظر أمريكا إليهما إلا في ظل الموازنات القائمة حينها، وكانت تقيّمهما على أنهما ضرورة للقضاء على اليسار الثوري والتيار القومي بالمنطقة، وكان من المتوقع أن يشتغلا بالصراع ضدهما، تاركين جميعاً لأمريكا فرصة إقرار نظامها العالمي الجديد بالمنطقة.

- القاعدة وحماس.. وليدا الإسلام السياسي، وهذا التيار نشأ منذ بداية القرن العشرين، وقد عملت الرأسمالية الغربية على استغلاله في صراعها مع الشيوعية، لكن ما لم تدركه أمريكا أن تتطور هاتين الحركتين خارج حساباتها، حيث خرجتا من ديالكتيك الصراع الذي ترسمه أمريكا إلى ديالكتيك الصراع الوجودي، فأصبح ما تقوم به القاعدة وحماس خطراً عليها.

- هجمات 11 سبتمبر وطوفان 7 أكتوبر.. حصلا فجأة، وبطريقة غير متوقعة، ورغم أن أمريكا كانت خلال التسعينات في مصاولة مع القاعدة، إلا أنها لم تكن تتوقع أن تنفذ هجومها بهذه الطريقة، وفي العمق الأمريكي، وبالخسائر التي أسفرت عنها. وكذلك بالنسبة لطوفان الأقصى، فرغم أن الصراع بين إسرائيل وحماس كان يومياً، إلا أنها لم تتوقع أن تقوم حماس بهذا الهجوم النوعي.

وأما أوجه الاختلاف فهي:

- تطورت فكرة القاعدة إلى «نظرية شمولية».. فاعتنقها شباب من دول عديدة، ونفذوا عملياتهم في أماكن مختلفة من العالم. أما حماس فهي حركة فلسطينية خالصة، لم تقم بأي عمل عسكري خارج فلسطين، ولا ضد أية جهة إلا الصهاينة.

- القاعدة.. تنظيم فكري أكثر من كونها حركة منظمة، فمنتسبوها ليس من الشرط أن يتصلوا بها تنظيمياً، بل يكفي أن يعلنوا انتسابهم لها ومبايعتهم لقيادتها. أما حماس.. فهي حركة منظمة، صارمة في انضمام الأعضاء إليها، والذين يقتصرون على الفلسطينيين؛ إلا في حالات نادرة، والمنتسبون يخضعون لاختبارات دقيقة، حتى لا يخترق أحدهم الحركة لصالح العدو.

- هدف القاعدة المعلن مواجهة الغرب -خاصة أمريكا- بكونه يهيمن على المنطقة، ويستعمرها، وينهب ثرواتها، ويبث ثقافة التغريب فيها على حساب الثقافة الإسلامية، ولذلك؛ كل من يخضع للمنظومة الغربية ويؤيدها؛ من حكومات العرب والمسلمين، هو عدو مستهدَف من القاعدة. أما حماس فعدوها الاحتلال الإسرائيلي، وهدفها تحرير فلسطين منه.

- نشأة القاعدة يلفها الغموض، وحلفاؤها وداعموها لم يكونوا معروفين أثناء نشاطها. وما هو مطروح للدراسة قائم على التحليل أكثر من كونه معلومات موثقة. أما حماس فقد نشأت تحت الضوء، فهي حركة معروفة النشأة والأهداف والقيادات؛ السياسية والعسكرية والاجتماعية، وتفصح عن مؤيديها وداعميها من العالم الإسلامي.

- هذا الاختلاف البيّن بينهما؛ أدى بالقاعدة إلى الانحسار، بعد أن تمت تصفية قياداتها ومطاردة منتسبيها. أما حماس فهي في تطور مستمر، وازدياد في القوة، وتجذّر في أرضها الفلسطينية، ولها امتداد في نفوس المسلمين، لأنها تقاوم عدواً غاصباً، وتدافع عن حق معلوم، وتعمل على تخليص المسجد الأقصى من يد الغاصبين.

- أما الفارق النوعي بين الجهتين.. فإن هجمات 11 سبتمبر أدت إلى سخط عالمي، وشكّلت أمريكا تحالفاً دولياً للقضاء على «الإرهاب»، ورفض عموم المسلمين أعمال القاعدة التي أوقعت ضحايا كثيرين بين المدنيين، لقد خسر العالم الإسلامي كثيراً بسبب تلك الهجمات. ثم أدى ذلك إلى أن تقوم أمريكا بمحاولة تغيير أنظمة الحكم في المنطقة، والتي كانت من نتائجها الربيع العربي. أما طوفان 7 أكتوبر؛ وهو أكبر عملية تقوم بها حماس، فقد أدى إلى نتائج عكس ما أدت إليه الهجمات، حيث شكل وعياً عالمياً بالقضية الفلسطينية، وأصبحت الشعوب تخرج في مظاهرات ضخمة لوقف الحرب على الفلسطينيين، بل أعادت الشعوب تصحيح نظرتها إلى المسلمين، حيث لم يعودوا هم المصدِّر للإرهاب، بل الغرب هو المصدَر والمصدِّر له، وأعيدت قراءة التاريخ الحديث؛ واستحضرت حروب الإبادة التي مارسها الاستعمار الغربي والأمريكي في العالم.

على حكومات العالم؛ خاصة الإسلامية، أن تدرك بأن هناك فرقاً بين ما قامت به القاعدة وما تقوم به حماس، فإن كان لهذه الحكومات ما يبرر وقوفها ضد القاعدة، فإن عليها أن تقف مع الشعب الفلسطيني في مقاومته الكيان الإسرائيلي المحتل، وعليهم ألا يخلطوا بين الجهتين بدعوى أن كليهما انبثقا من الإسلام السياسي.

خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هجمات 11 سبتمبر أما حماس

إقرأ أيضاً:

رئيس يشغل العالم.. "ترامب 2025" عاصفة التغيير ومستقبل أمريكا.. عصر جديد من التحالفات والصراعات في الشرق الأوسط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق تحولات جذرية.. الرئيس الجديد يقلب 80 عامًا من السياسة الخارجية الأمريكية رأسًا على عقب

بينما يستعد دونالد ترامب لولايته الثانية، يبدو أن السياسة الخارجية الأمريكية على وشك أن تشهد تحولًا جذريًا قد يعيد رسم ملامح النظام العالمي. من وصفه بالانعزالي إلى صانع تحولات كبرى، قد يعيد نهجه قلب عقيدة السياسة الخارجية الأمريكية الممتدة منذ الحرب العالمية الثانية. سيحكم نهجه ثلاث ساحات رئيسية: الشرق الأوسط، أوكرانيا، والمنافسة مع الصين.

الشرق الأوسط
في ولايته الأولى، أظهر ترامب استعداده للتخلي عن التقاليد الدبلوماسية لصالح صفقات مباشرة وقرارات جريئة، مثل اتفاقيات إبراهيم. ومع ولايته الثانية، يبدو أنه سيستغل وقف إطلاق النار الأخير في غزة لدفع اتفاقيات تطبيع إقليمية أوسع، مستهدفًا صفقة بين إسرائيل والسعودية.
رغم ذلك، يبقى الشرق الأوسط ساحة معقدة، حيث تسعى إيران لاستعادة نفوذها في المنطقة بينما يضغط المتشددون الإسرائيليون لضم الأراضي. قد يرد ترامب على أي عرقلة لأهدافه بمزيج من العقوبات والتهديدات وربما الانسحاب.
أوكرانيا بين القوة والتنازلات
تعهد ترامب بإنهاء الحرب الأوكرانية بسرعة، لكن سياسته تثير الجدل حول ميله للتعامل مع بوتن بأسلوب أكثر براغماتية. يراه منتقدوه مستعدًا للضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات، مما قد يقوي نفوذ روسيا.
لكن ترامب يدرك أن أي انسحاب مشابه لأفغانستان قد يضر بصورته، لذلك قد يعتمد على سياسة مزدوجة: إظهار القوة أمام بوتين مع الضغط على حلفاء الناتو لزيادة مساهماتهم الدفاعية.
الصين. مواجهة أم تفاوض؟
ترامب يخطط لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد من خلال سياسات صارمة تستهدف ردع بكين عن أي مغامرات عسكرية تجاه تايوان. مستشاروه يروّجون لنهج يجمع بين القوة الاقتصادية والهيمنة العسكرية والدبلوماسية غير التقليدية.
مع ذلك، قد تقوده براغماتيته إلى استخدام تايوان كورقة مساومة، مما يثير قلق الحلفاء ويفضح ضعفًا استراتيجيًا في عقيدته: عندما تُفصل القوة عن القيم، تصبح التحالفات مهددة.
التكاليف الاستراتيجية لدبلوماسية القوة
نهج ترامب الذي يضع القوة أولًا قد يحقق مكاسب سريعة، لكنه يهدد التحالفات طويلة الأجل. تهديداته بالانسحاب من الناتو والنزاعات التجارية قد تقوض الثقة بين الحلفاء وتعمق الانقسامات داخل التحالفات القائمة. في الوقت نفسه، تحالفه مع الحركات القومية قد يضعف الوحدة الغربية، مما يجعل أمريكا تبدو كقوة عدائية بدلًا من حليف استراتيجي.
صعود سياسة "سلام ترامبيانا"
تعتمد رؤية ترامب على الولاء الشخصي أكثر من القيم الديمقراطية، مما يهدد بفقدان أمريكا لسلطتها الأخلاقية التي ميزتها عن منافسيها الاستبداديين مثل الصين وروسيا. مع تركيزه على القوة المجردة، قد يصبح العالم أكثر فوضوية، حيث تحل المنافسة الشرسة محل النظام المستقر. بينما قد تثمر سياسة ترامب عن مكاسب قصيرة الأمد، فإن التخلي عن القيم التي حكمت السياسة الأمريكية لعقود يهدد بنقل العالم إلى مرحلة من التنافس الفوضوي. هل يصبح ترامب رمزًا للتحول الأمريكي الكبير أم نقطة انطلاق لفقدان الهيمنة العالمية؟
 

صفقات وتوازنات|الشرق الأوسط.. عصر جديد من التحالفات والصراعات


مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تستعد منطقة الشرق الأوسط لتحولات جيوسياسية كبيرة تحت قيادة قد تُحدث تغييرات جذرية في التوازن الإقليمي. من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس إلى الدفع نحو صفقة تاريخية بين السعودية وإسرائيل، يعكس نهج ترامب سياسة ألعاب القوة وعدم اليقين، مع تأثيرات تمتد إلى أطراف المنطقة.
صفقة التطبيع الكبرى
يمثل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل أحد أبرز طموحات ترامب في الشرق الأوسط. الصفقة، التي تُعد هدفًا رئيسيًا لإدارته الجديدة، تحمل إمكانيات لإعادة تشكيل التوازن الإقليمي، خاصة في مواجهة إيران.
مستشار الأمن القومي مايك والتز أكد أن هذا الهدف يشكل أولوية قصوى، بينما يرى ترامب أن تحقيقه قد يكون طريقه إلى جائزة نوبل للسلام. الصفقة لن تعزز فقط كتلة مناهضة لإيران، لكنها قد تضيف ضغوطًا إضافية على طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي.
نتنياهو ومناورات الضم: أداة ضغط أم مقامرة؟
تدور تكهنات بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يستخدم تهديد ضم الضفة الغربية كورقة ضغط لدفع السعودية نحو التطبيع. هذه المناورة قد تمنح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحجة السياسية اللازمة للمضي قدمًا في الصفقة، لكنها تحمل في طياتها خطر إشعال التوترات في المنطقة.
أي تصعيد في مساعي الضم قد يؤدي إلى تفجير الوضع الفلسطيني، مما يضعف المكتسبات الإقليمية ويهدد استقرار المنطقة.
غزة
بعد جولة من الصراع المدمر، تجد غزة نفسها في مواجهة تحديات غير مسبوقة. مع دمار يقدر بـ٤٠ مليون طن من الحطام وانهيار اقتصادي شبه كامل، ستحتاج المنطقة عقودًا لإعادة البناء.
رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها حماس، أظهرت تقارير أنها تمكنت من استعادة قوتها العسكرية، مما يبرز دورة العنف المستمرة في القطاع. السؤال الأبرز الآن: من سيحكم غزة في المستقبل؟ وهل ستظل المساعدات الدولية وسيلة لتثبيت الوضع الراهن أم لتغيير المعادلة؟
إيران
تعهد ترامب بإعادة حملة "الضغط الأقصى" على إيران لإجبارها على التفاوض بشأن برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي. ورغم التحديات التي تواجهها الميليشيات المدعومة من إيران مثل حزب الله ونظام الأسد، فإن أي تصعيد في الضفة الغربية قد يعيد الزخم إلى القضية الفلسطينية، مما يضعف الجهود الأمريكية والإسرائيلية لكبح نفوذ طهران.
عقبات 
بينما يسعى ترامب إلى تحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية في المنطقة، تظل النتائج غير مضمونة. التحالفات الإقليمية الجديدة قد تواجه عقبات كبرى، والتوترات المتصاعدة قد تعرقل تحقيق الاستقرار طويل الأمد. مع هذه الرؤية الطموحة، هل يمكن لترامب تحقيق توازن جديد في الشرق الأوسط، أم أن سياسته ستؤدي إلى المزيد من عدم اليقين والاضطرابات؟

مخططات جديدة .. إعادة تشكيل الخريطة فى بنما والمكسيك هيمنة أم استفزاز؟

بينما يستعد دونالد ترامب لولايته الثانية، يبرز خطاب جديد يحمل طابعًا توسعيًا يعيد رسم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. من جرينلاند إلى بنما والمكسيك، تتردد أصداء تصريحات ترامب المثيرة للجدل في أرجاء الأمريكتين وخارجها، مما يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية تحت قيادته.
قناة بنما
أثار ترامب جدلًا واسعًا بإعلانه أن تسليم قناة بنما في عام ١٩٩٩ كان "هدية لا تُغتفر". مطالبته بإعادة السيطرة على القناة، رغم أنها تحت السيادة البنمية الكاملة، دفعت النائب الجمهوري داستي جونسون لتقديم مشروع قانون لشراء القناة. رغم ذلك، رفضت الحكومة البنمية الفكرة بشكل قاطع، مؤكدة سيادتها المطلقة على القناة. لكن تصريحات ترامب سلطت الضوء على الوجود الصيني المتنامي في بنما، حيث أصبحت الصين شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا منذ قطع العلاقات مع تايوان في ٢٠١٧. هذا النفوذ الصيني أثار قلق واشنطن لكنه كشف أيضًا عن فشل الولايات المتحدة في موازنة هذا الوجود اقتصاديًا.
جرينلاند
لم يخفِ ترامب طموحه في السيطرة على جرينلاند، معتبرًا أن امتلاكها ضرورة أمنية للولايات المتحدة. الجزيرة، التي تُعد مركزًا استراتيجيًا لعمليات الدفاع الأمريكية والناتو ضد روسيا، تجذب اهتمامًا متزايدًا بسبب مواردها الطبيعية وأهميتها العسكرية.
التعاون الأمريكي-الدنماركي يتزايد بالفعل، حيث أعلنت الدنمارك عن استثمارات ضخمة في تعزيز القدرات الدفاعية في القطب الشمالي. ورغم التصريحات العدائية، يبدو أن واشنطن تعتمد بشكل أكبر على التحالفات العسكرية لتحقيق أهدافها.
المكسيك وكندا.. استفزازات عابرة للحدود
امتدت تصريحات ترامب إلى الجارتين الشماليتين، مع اقتراحات مثيرة مثل إعادة تسمية خليج المكسيك إلى "خليج أمريكا" وتصريحاته التي ألمحت إلى إمكانية ضم كندا كولاية أمريكية.
في مواجهة هذه الاستفزازات، كشفت المكسيك عن مبادرة اقتصادية جديدة لتعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة وكندا تحت مظلة اتفاقية USMCA. المبادرة تهدف لتقليل الاعتماد على الصين ومحاولة استباق التحركات الأمريكية العدوانية. 
سياسة الهيمنة بدل الدبلوماسية
خطاب ترامب الأخير يعكس تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأمريكية. فبدلًا من تعزيز التحالفات أو تعزيز القيم الديمقراطية، يعتمد نهجه على فرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية على الدول المجاورة. هذه الاستراتيجية تركز على الحصول على "الاحترام" من الحلفاء والخصوم على حد سواء، لكنها تثير تساؤلات حول مدى استدامتها. سياسات ترامب التوسعية تحمل وعودًا بإعادة تعريف دور أمريكا عالميًا، لكنها تخاطر بإثارة أزمات دبلوماسية غير مسبوقة. 


ازدواجية سياسية|«الحروب الجديدة».. التناقض سيد الموقف
 

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتزايد التساؤلات حول مستقبل التدخل العسكري الأمريكي في عهده الثاني. فرغم شعاره الانتخابي "لا حروب جديدة"، تميزت فترة ولايته الأولى بتناقضات صارخة بين خطابه السياسي وقراراته الميدانية. نهجه الذي مزج بين الانسحاب التكتيكي والتصعيد المفاجئ يثير الجدل حول استراتيجياته المقبلة.
تشكيك في الحروب التقليدية 
عند توليه منصبه في ٢٠١٧، ورث ترامب مشهدًا عسكريًا معقدًا، لا سيما في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من انتقاداته العلنية للوجود العسكري الأمريكي وبناء الدول، أظهرت أفعاله استعدادًا لتصعيد العمل العسكري عند الحاجة. الضربة الصاروخية التي أمر بها ضد قاعدة جوية سورية في أعقاب هجوم بالأسلحة الكيماوية كانت نقطة تحول، حيث أوضحت رغبته في اتخاذ قرارات عسكرية بناءً على قناعات شخصية، وبدون الالتزام بمواقف الإدارة السابقة.
قرارات مثيرة للجدل
أحد أبرز قرارات ترامب كان الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في ٢٠١٨. ورغم أن هذا القرار لاقى انتقادات شديدة، بما في ذلك استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس، فإنه عكس نهج ترامب "المعاملاتي" في السياسة الخارجية. تراجعه عن الانسحاب لاحقًا أظهر تعقيد العلاقة بين طموحاته للانسحاب العسكري والحاجة إلى الحفاظ على النفوذ الأمريكي.
إيران.. المواجهة بلا حرب
مثّل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني عام ٢٠١٨ نقطة تحول في السياسة الأمريكية تجاه طهران، مما أدى إلى زيادة التوترات. ورغم امتناعه عن شن حرب شاملة ضد إيران، فإن قراره باغتيال الجنرال قاسم سليماني في ٢٠٢٠ أبرز الطبيعة غير المتوقعة لإدارته.
الهجوم الإيراني الانتقامي على القوات الأمريكية في العراق كشف هشاشة هذه التكتيكات، رغم محاولات ترامب لتقليل أهمية العواقب.
"لا حروب جديدة": شعار في مواجهة الواقع
رغم وعد ترامب بالابتعاد عن الحروب، فإن ولايته الأولى أظهرت ميلًا للتدخل عند الضرورة. قراراته كانت غالبًا مزيجًا من رغبة في تجنب التورط الطويل الأمد، مع استعداد لتوجيه ضربات عسكرية تحقق نتائج فورية، ولو على حساب تصعيد التوترات.
سياسة مزدوجة
عودة ترامب تثير تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على نهجه المتناقض بين الانسحاب من الصراعات طويلة الأمد واتخاذ قرارات تصعيدية مفاجئة. هل ينجح في تحقيق توازن بين وعوده الانتخابية وواقع السياسة الدولية المعقد، أم أن الشرق الأوسط والعالم سيشهدان المزيد من الفصول غير المتوقعة؟

تهديدات ومخاطر| تصريحات توسعية.. ضم كندا وجرينلاند

في خطاب أثار جدلًا واسعًا، جدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حديثه عن ضم كندا، جرينلاند، وقناة بنما إلى الولايات المتحدة، مما أثار مخاوف دولية بشأن طموحات توسعية تبدو وكأنها تعيد عقارب الساعة إلى عصر الإمبريالية. هذه التصريحات، التي وصفها خبراء بأنها "شيطانية"، تسلط الضوء على نهج ترامب التوسعي الذي يهدد استقرار النظام الدولي.
كندا.. اندماج تحت التهديد؟
وصف ترامب كندا بأنها "كنز استراتيجي"، مقترحًا اندماجها مع الولايات المتحدة لتعزيز الأمن وخفض الضرائب. رد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو كان حازمًا، مؤكدًا أن كندا "لن تخضع لأي تهديد". وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، انتقدت تصريحات ترامب باعتبارها تعكس "عدم إدراك لقوة كندا"، ورفضت أي محاولات لدمج الدولتين. هذا التوتر الدبلوماسي يسلط الضوء على هشاشة العلاقات بين البلدين.


جرينلاند.. الهدف الجغرافي والإستراتيجي


كرر ترامب دعوته لضم جرينلاند، مشيرًا إلى موقعها الاستراتيجي وثرواتها المعدنية. كما لم يستبعد استخدام القوة إذا رفضت الدنمارك التفاوض. ردت السلطات المحلية في جرينلاند والدنمارك برفض قاطع، ووصفت رئيسة الوزراء الدنماركية الاقتراح بأنه "سخيف". أثارت هذه التصريحات قلق الاتحاد الأوروبي، الذي أكد وزير خارجيته أن "تغيير الحدود بالقوة مرفوض تمامًا".
قناة بنما.. عودة السيطرة الأمريكية
اعتبر ترامب قناة بنما "ضرورة للأمن الاقتصادي الأمريكي"، مقترحًا استعادتها بالقوة إذا لم توافق بنما على خفض الرسوم المفروضة على السفن الأمريكية. وزير الخارجية البنمي رد بحزم، مؤكدًا أن سيادة بنما على القناة "غير قابلة للتفاوض". هذه التصريحات أثارت قلقًا واسعًا، خاصة مع احتمالات التصعيد العسكري.


قلق عالمي واسع

صرح وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بأن "الاتحاد الأوروبي لن يسمح بتغيير الحدود بالقوة".
ألمانيا: أكدت التزامها بميثاق الأمم المتحدة واتفاقات هلسنكي، رافضة أي محاولات لتعديل الحدود بالقوة.
إيطاليا: رأت رئيسة الوزراء الإيطالية أن تصريحات ترامب تهدف لتحذير الصين والقوى الدولية الأخرى من التدخل في مصالح الولايات المتحدة.


نهج إمبريالي 


وصف الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تصريحات ترامب بأنها "تمثل نهجًا تاريخيًا للولايات المتحدة في التوسع والسيطرة"، مشيرًا إلى أن هذه السياسات قد تمنح شرعية لتوجهات إسرائيل التوسعية في المنطقة.
وأضاف فهمي أن هذه التصريحات "تعكس فكرًا عدائيًا واستعلائيًا يهدد استقرار النظام الدولي".
بين الطموحات والسياسات الواقعية
تصريحات ترامب التوسعية قد تكون وسيلة للضغط الدبلوماسي أو تعبيرًا عن طموح سياسي شخصي، لكنها بلا شك تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدولية في ولايته الثانية. فهل ستقف الدول المتضررة في وجه هذه الطموحات؟ أم أن العالم مقبل على إعادة تشكيل جديدة للنظام الجيوسياسي؟
 

مقالات مشابهة

  • أمريكا في عهدة ترامب
  • رئيس يشغل العالم.. "ترامب 2025" عاصفة التغيير ومستقبل أمريكا.. عصر جديد من التحالفات والصراعات في الشرق الأوسط
  • رئيس يشغل العالم.. "ترامب 2025" عاصفة التغيير ومستقبل أمريكا
  • دبي تستضيف معرض إكسبو أصحاب الهمم الدولي أكتوبر المقبل
  • المركزي الإماراتي: إجمالي أصول القطاع المصرفي تتخطي 4.45 تريليون درهم بنهاية أكتوبر الماضي
  • حظر تيك توك يثير حزن المستخدمين في أمريكا.. «انقطع اتصالنا مع العالم»
  • هكذا أعادت هجمات 7 أكتوبر تشكيل الشرق الأوسط  
  • الحرس الثوري ينشر أول مشاهد لإحدى قواعده تحت الأرض.. تصل صواريخها أمريكا (صور)
  • الحرس الثوري ينشر لأول مشاهد لإحدى قواعده تحت الأرض.. تصل صواريخها أمريكا (صور)
  • اليونيسف: نحو 35 طفلا قتلوا يوميا جراء هجمات إسرائيل في غزة