لجريدة عمان:
2024-11-21@11:47:05 GMT

ما بين هجمات 11 سبتمبر وطوفان 7 أكتوبر

تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT

اثنان وعشرون عاماً.. بين هجمات القاعدة على أمريكا عام 2001م، وطوفان الأقصى الذي اجتاحت به حماس غلاف غزة عام 2023م. يحاول المتشككون في الطوفان من العرب، والمغرضون من الصهاينة، الربط بين الحدثين على أنهما نتاج الإسلام السياسي «المتهم بالإرهاب»، وهذا خلط لا ينطلق من الواقع، كما أنه يعطي مبررات لحرب إسرائيل على غزة.

المقال.. يقارن بين أوجه الشبه والاختلاف بين هاتين العمليتين والجهتين اللتين قامت بهما، عسى أن ينكشف وَهْمُ المتشككين ويبطل ادعاء المغرضين.

11 سبتمبر 2001م.. تسمّر العالم أمام شاشات التلفزة على حدث صادم، وهو قيام 19 شخصاً باختطاف أربع طائرات مدنية، هجموا بطائرتين منهما برجَي التجارة في نيويورك، وبطائرة ثالثة البنتاجون في واشنطن، وسقطت الرابعة في حقل بولاية بنسلفانيا، راح ضحية الهجوم حوالي 3000 شخص. أعلن أسامة ابن لادن (ت:2011م) زعيم القاعدة مسؤولية حركته عن الهجوم. وقد أصاب أمريكا جرحٌ عميق، حط من هيبتها، فانتفضت كالسبُع الجريح، وحركت قواتها وحاملات طائراتها، وغزت عام 2001م أفغانستان بحجة أنها حاضنة القاعدة، ثم غزت العراق عام 2003م بتهمة امتلاكها أسلحة دمار شامل وعلاقتها بالقاعدة.

أما طوفان الأقصى.. فقد انطلق فجر 7 أكتوبر 2023م، وفاجأ إسرائيل مكتسحا مستوطنات غلاف غزة بسرعة خاطفة، حتى وقفت مذهولة حياله، ولم تفق من صدمتها إلا في اليوم التالي، وقد راح ضحيته في الأيام الأولى حوالي 1400 إسرائيلي. ثم إن إسرائيل مدعومة عسكرياً بالقوات الأمريكية، ولوجستياً من أوروبا، شنت حرب إبادة تدميرية، قتلت أكثر من 20 ألف مدني حتى نهاية عام 2023م. وقد وقف الفلسطينيون مع مقاومتهم بصلابة، ورغم مرور ثلاثة أشهر إلا أنه لا تزال إسرائيل ومعها قوات أمريكية ومرتزقة العالم يعيثون فساداً في غزة بارتكاب جرائم إبادة مدنية وتدمير شامل للبنية التحتية.

العالم.. تغيّر كثيراً خلال العقدين الفاصلين بن الحدثين، ومن التحولات العالمية التي أثرت على مسار الأحداث في المنطقة؛ ومنها المقاومة الفلسطينية:

- قبل هجمات 11 سبتمبر كان الإعلام التقليدي هو السائد، مع بعض القنوات الفضائية. أما بعدها فقد انتشرت الإنترنت، وأحدثت قفزة هائلة في البث الرقمي، أصبح الإنسان يستقبل ما يرغب، ويبث ما يشاء، بتواصل فوري؛ عبر الصوت والصورة، وقد استفادت المقاومة الفلسطينية من هذه التحولات الرقمية.

- نشأ جيل جديد؛ عرف بـ «جيل الألفية»، مختلف عن الأجيال السابقة، على مستوى المعرفة واكتساب المهارات، وحرية التعامل مع المعلومات والأفكار والنقد، وعلى مستوى التواصل الاجتماعي والمزاج النفسي، كما أنه تحرر من هياكل الأيديولوجيا التي سادت القرن العشرين الميلادي، فلم تعد الثورات الاشتراكية، والعواطف القومية، والمعتقدات الدينية، والمنظومة الليبرالية، تحتجزه في شرانقها، أو تبرمجه على ممارساتها، وهذا ما نرى ثمرته الآن بالوقوف الشعبي عالمياً مع القضية الفلسطينية.

- لم تتمكن أمريكا من القضاء على الجماعات المناوئة لها في المنطقة بانحسار القاعدة، بل ظهرت جماعات مقاتلة عديدة، في سوريا وليبيا واليمن والعراق، ومنطقة الساحل بإفريقيا، مع تعاظم قوة حزب الله بلبنان، وهو ما استفادت منه المقاومة الفلسطينية.

- تمددت الصين اقتصادياً وانتشرت روسيا سياسياً وعسكرياً في العالم؛ على حساب أمريكا حاضنة إسرائيل.

أما أوجه الشبه بين الجهتين فهي:

- القاعدة وحماس.. نشأتا في الثمانينات الميلادية، حيث لا يزال الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي في ذروته، ولم تكن تنظر أمريكا إليهما إلا في ظل الموازنات القائمة حينها، وكانت تقيّمهما على أنهما ضرورة للقضاء على اليسار الثوري والتيار القومي بالمنطقة، وكان من المتوقع أن يشتغلا بالصراع ضدهما، تاركين جميعاً لأمريكا فرصة إقرار نظامها العالمي الجديد بالمنطقة.

- القاعدة وحماس.. وليدا الإسلام السياسي، وهذا التيار نشأ منذ بداية القرن العشرين، وقد عملت الرأسمالية الغربية على استغلاله في صراعها مع الشيوعية، لكن ما لم تدركه أمريكا أن تتطور هاتين الحركتين خارج حساباتها، حيث خرجتا من ديالكتيك الصراع الذي ترسمه أمريكا إلى ديالكتيك الصراع الوجودي، فأصبح ما تقوم به القاعدة وحماس خطراً عليها.

- هجمات 11 سبتمبر وطوفان 7 أكتوبر.. حصلا فجأة، وبطريقة غير متوقعة، ورغم أن أمريكا كانت خلال التسعينات في مصاولة مع القاعدة، إلا أنها لم تكن تتوقع أن تنفذ هجومها بهذه الطريقة، وفي العمق الأمريكي، وبالخسائر التي أسفرت عنها. وكذلك بالنسبة لطوفان الأقصى، فرغم أن الصراع بين إسرائيل وحماس كان يومياً، إلا أنها لم تتوقع أن تقوم حماس بهذا الهجوم النوعي.

وأما أوجه الاختلاف فهي:

- تطورت فكرة القاعدة إلى «نظرية شمولية».. فاعتنقها شباب من دول عديدة، ونفذوا عملياتهم في أماكن مختلفة من العالم. أما حماس فهي حركة فلسطينية خالصة، لم تقم بأي عمل عسكري خارج فلسطين، ولا ضد أية جهة إلا الصهاينة.

- القاعدة.. تنظيم فكري أكثر من كونها حركة منظمة، فمنتسبوها ليس من الشرط أن يتصلوا بها تنظيمياً، بل يكفي أن يعلنوا انتسابهم لها ومبايعتهم لقيادتها. أما حماس.. فهي حركة منظمة، صارمة في انضمام الأعضاء إليها، والذين يقتصرون على الفلسطينيين؛ إلا في حالات نادرة، والمنتسبون يخضعون لاختبارات دقيقة، حتى لا يخترق أحدهم الحركة لصالح العدو.

- هدف القاعدة المعلن مواجهة الغرب -خاصة أمريكا- بكونه يهيمن على المنطقة، ويستعمرها، وينهب ثرواتها، ويبث ثقافة التغريب فيها على حساب الثقافة الإسلامية، ولذلك؛ كل من يخضع للمنظومة الغربية ويؤيدها؛ من حكومات العرب والمسلمين، هو عدو مستهدَف من القاعدة. أما حماس فعدوها الاحتلال الإسرائيلي، وهدفها تحرير فلسطين منه.

- نشأة القاعدة يلفها الغموض، وحلفاؤها وداعموها لم يكونوا معروفين أثناء نشاطها. وما هو مطروح للدراسة قائم على التحليل أكثر من كونه معلومات موثقة. أما حماس فقد نشأت تحت الضوء، فهي حركة معروفة النشأة والأهداف والقيادات؛ السياسية والعسكرية والاجتماعية، وتفصح عن مؤيديها وداعميها من العالم الإسلامي.

- هذا الاختلاف البيّن بينهما؛ أدى بالقاعدة إلى الانحسار، بعد أن تمت تصفية قياداتها ومطاردة منتسبيها. أما حماس فهي في تطور مستمر، وازدياد في القوة، وتجذّر في أرضها الفلسطينية، ولها امتداد في نفوس المسلمين، لأنها تقاوم عدواً غاصباً، وتدافع عن حق معلوم، وتعمل على تخليص المسجد الأقصى من يد الغاصبين.

- أما الفارق النوعي بين الجهتين.. فإن هجمات 11 سبتمبر أدت إلى سخط عالمي، وشكّلت أمريكا تحالفاً دولياً للقضاء على «الإرهاب»، ورفض عموم المسلمين أعمال القاعدة التي أوقعت ضحايا كثيرين بين المدنيين، لقد خسر العالم الإسلامي كثيراً بسبب تلك الهجمات. ثم أدى ذلك إلى أن تقوم أمريكا بمحاولة تغيير أنظمة الحكم في المنطقة، والتي كانت من نتائجها الربيع العربي. أما طوفان 7 أكتوبر؛ وهو أكبر عملية تقوم بها حماس، فقد أدى إلى نتائج عكس ما أدت إليه الهجمات، حيث شكل وعياً عالمياً بالقضية الفلسطينية، وأصبحت الشعوب تخرج في مظاهرات ضخمة لوقف الحرب على الفلسطينيين، بل أعادت الشعوب تصحيح نظرتها إلى المسلمين، حيث لم يعودوا هم المصدِّر للإرهاب، بل الغرب هو المصدَر والمصدِّر له، وأعيدت قراءة التاريخ الحديث؛ واستحضرت حروب الإبادة التي مارسها الاستعمار الغربي والأمريكي في العالم.

على حكومات العالم؛ خاصة الإسلامية، أن تدرك بأن هناك فرقاً بين ما قامت به القاعدة وما تقوم به حماس، فإن كان لهذه الحكومات ما يبرر وقوفها ضد القاعدة، فإن عليها أن تقف مع الشعب الفلسطيني في مقاومته الكيان الإسرائيلي المحتل، وعليهم ألا يخلطوا بين الجهتين بدعوى أن كليهما انبثقا من الإسلام السياسي.

خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هجمات 11 سبتمبر أما حماس

إقرأ أيضاً:

أمريكا تفرض عقوبات على 6 من قيادات ”حماس” وتحذر تركيا من استضافتهم

أمريكا تفرض عقوبات على 6 من قيادات ”حماس” وتحذر تركيا من استضافتهم

مقالات مشابهة

  • العوادي:السوداني منع إسرائيل من استهداف الحشد الشعبي
  • خبير سياسي: السلوك الإسرائيلي بعد «7 أكتوبر» أدى إلى وفاة منطق حل الدولتين
  • متجاوزاً التوقعات.. التضخم في بريطانيا يرتفع بشكل حاد لـ2.3% في أكتوبر
  • صادرات اليابان تسجل ارتفاعاً أكبر من المتوقع في أكتوبر
  • ‏مصادر: واشنطن طلبت من بغداد منع هجمات الفصائل المسلحة على إسرائيل
  • أمريكا تفرض عقوبات على 6 من قيادات ”حماس” وتحذر تركيا من استضافتهم
  • إسرائيل تطالب الأمم المتحدة بالضغط على العراق لوقف هجمات الفصائل المسلحة
  • واشنطن تحذر من انجراف العراق لصراع إقليمي بسبب الهجمات على إسرائيل
  • وزير خارجية إسرائيل يدعو الأمم المتحدة للضغط على العراق بعد هجمات من جماعات مسلحة
  • نتنياهو يزعم إصابة "جزء" من البرنامج النووي الإيراني خلال "هجمات أكتوبر"