ما بين هجمات 11 سبتمبر وطوفان 7 أكتوبر
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
اثنان وعشرون عاماً.. بين هجمات القاعدة على أمريكا عام 2001م، وطوفان الأقصى الذي اجتاحت به حماس غلاف غزة عام 2023م. يحاول المتشككون في الطوفان من العرب، والمغرضون من الصهاينة، الربط بين الحدثين على أنهما نتاج الإسلام السياسي «المتهم بالإرهاب»، وهذا خلط لا ينطلق من الواقع، كما أنه يعطي مبررات لحرب إسرائيل على غزة.
11 سبتمبر 2001م.. تسمّر العالم أمام شاشات التلفزة على حدث صادم، وهو قيام 19 شخصاً باختطاف أربع طائرات مدنية، هجموا بطائرتين منهما برجَي التجارة في نيويورك، وبطائرة ثالثة البنتاجون في واشنطن، وسقطت الرابعة في حقل بولاية بنسلفانيا، راح ضحية الهجوم حوالي 3000 شخص. أعلن أسامة ابن لادن (ت:2011م) زعيم القاعدة مسؤولية حركته عن الهجوم. وقد أصاب أمريكا جرحٌ عميق، حط من هيبتها، فانتفضت كالسبُع الجريح، وحركت قواتها وحاملات طائراتها، وغزت عام 2001م أفغانستان بحجة أنها حاضنة القاعدة، ثم غزت العراق عام 2003م بتهمة امتلاكها أسلحة دمار شامل وعلاقتها بالقاعدة.
أما طوفان الأقصى.. فقد انطلق فجر 7 أكتوبر 2023م، وفاجأ إسرائيل مكتسحا مستوطنات غلاف غزة بسرعة خاطفة، حتى وقفت مذهولة حياله، ولم تفق من صدمتها إلا في اليوم التالي، وقد راح ضحيته في الأيام الأولى حوالي 1400 إسرائيلي. ثم إن إسرائيل مدعومة عسكرياً بالقوات الأمريكية، ولوجستياً من أوروبا، شنت حرب إبادة تدميرية، قتلت أكثر من 20 ألف مدني حتى نهاية عام 2023م. وقد وقف الفلسطينيون مع مقاومتهم بصلابة، ورغم مرور ثلاثة أشهر إلا أنه لا تزال إسرائيل ومعها قوات أمريكية ومرتزقة العالم يعيثون فساداً في غزة بارتكاب جرائم إبادة مدنية وتدمير شامل للبنية التحتية.
العالم.. تغيّر كثيراً خلال العقدين الفاصلين بن الحدثين، ومن التحولات العالمية التي أثرت على مسار الأحداث في المنطقة؛ ومنها المقاومة الفلسطينية:
- قبل هجمات 11 سبتمبر كان الإعلام التقليدي هو السائد، مع بعض القنوات الفضائية. أما بعدها فقد انتشرت الإنترنت، وأحدثت قفزة هائلة في البث الرقمي، أصبح الإنسان يستقبل ما يرغب، ويبث ما يشاء، بتواصل فوري؛ عبر الصوت والصورة، وقد استفادت المقاومة الفلسطينية من هذه التحولات الرقمية.
- نشأ جيل جديد؛ عرف بـ «جيل الألفية»، مختلف عن الأجيال السابقة، على مستوى المعرفة واكتساب المهارات، وحرية التعامل مع المعلومات والأفكار والنقد، وعلى مستوى التواصل الاجتماعي والمزاج النفسي، كما أنه تحرر من هياكل الأيديولوجيا التي سادت القرن العشرين الميلادي، فلم تعد الثورات الاشتراكية، والعواطف القومية، والمعتقدات الدينية، والمنظومة الليبرالية، تحتجزه في شرانقها، أو تبرمجه على ممارساتها، وهذا ما نرى ثمرته الآن بالوقوف الشعبي عالمياً مع القضية الفلسطينية.
- لم تتمكن أمريكا من القضاء على الجماعات المناوئة لها في المنطقة بانحسار القاعدة، بل ظهرت جماعات مقاتلة عديدة، في سوريا وليبيا واليمن والعراق، ومنطقة الساحل بإفريقيا، مع تعاظم قوة حزب الله بلبنان، وهو ما استفادت منه المقاومة الفلسطينية.
- تمددت الصين اقتصادياً وانتشرت روسيا سياسياً وعسكرياً في العالم؛ على حساب أمريكا حاضنة إسرائيل.
أما أوجه الشبه بين الجهتين فهي:
- القاعدة وحماس.. نشأتا في الثمانينات الميلادية، حيث لا يزال الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي في ذروته، ولم تكن تنظر أمريكا إليهما إلا في ظل الموازنات القائمة حينها، وكانت تقيّمهما على أنهما ضرورة للقضاء على اليسار الثوري والتيار القومي بالمنطقة، وكان من المتوقع أن يشتغلا بالصراع ضدهما، تاركين جميعاً لأمريكا فرصة إقرار نظامها العالمي الجديد بالمنطقة.
- القاعدة وحماس.. وليدا الإسلام السياسي، وهذا التيار نشأ منذ بداية القرن العشرين، وقد عملت الرأسمالية الغربية على استغلاله في صراعها مع الشيوعية، لكن ما لم تدركه أمريكا أن تتطور هاتين الحركتين خارج حساباتها، حيث خرجتا من ديالكتيك الصراع الذي ترسمه أمريكا إلى ديالكتيك الصراع الوجودي، فأصبح ما تقوم به القاعدة وحماس خطراً عليها.
- هجمات 11 سبتمبر وطوفان 7 أكتوبر.. حصلا فجأة، وبطريقة غير متوقعة، ورغم أن أمريكا كانت خلال التسعينات في مصاولة مع القاعدة، إلا أنها لم تكن تتوقع أن تنفذ هجومها بهذه الطريقة، وفي العمق الأمريكي، وبالخسائر التي أسفرت عنها. وكذلك بالنسبة لطوفان الأقصى، فرغم أن الصراع بين إسرائيل وحماس كان يومياً، إلا أنها لم تتوقع أن تقوم حماس بهذا الهجوم النوعي.
وأما أوجه الاختلاف فهي:
- تطورت فكرة القاعدة إلى «نظرية شمولية».. فاعتنقها شباب من دول عديدة، ونفذوا عملياتهم في أماكن مختلفة من العالم. أما حماس فهي حركة فلسطينية خالصة، لم تقم بأي عمل عسكري خارج فلسطين، ولا ضد أية جهة إلا الصهاينة.
- القاعدة.. تنظيم فكري أكثر من كونها حركة منظمة، فمنتسبوها ليس من الشرط أن يتصلوا بها تنظيمياً، بل يكفي أن يعلنوا انتسابهم لها ومبايعتهم لقيادتها. أما حماس.. فهي حركة منظمة، صارمة في انضمام الأعضاء إليها، والذين يقتصرون على الفلسطينيين؛ إلا في حالات نادرة، والمنتسبون يخضعون لاختبارات دقيقة، حتى لا يخترق أحدهم الحركة لصالح العدو.
- هدف القاعدة المعلن مواجهة الغرب -خاصة أمريكا- بكونه يهيمن على المنطقة، ويستعمرها، وينهب ثرواتها، ويبث ثقافة التغريب فيها على حساب الثقافة الإسلامية، ولذلك؛ كل من يخضع للمنظومة الغربية ويؤيدها؛ من حكومات العرب والمسلمين، هو عدو مستهدَف من القاعدة. أما حماس فعدوها الاحتلال الإسرائيلي، وهدفها تحرير فلسطين منه.
- نشأة القاعدة يلفها الغموض، وحلفاؤها وداعموها لم يكونوا معروفين أثناء نشاطها. وما هو مطروح للدراسة قائم على التحليل أكثر من كونه معلومات موثقة. أما حماس فقد نشأت تحت الضوء، فهي حركة معروفة النشأة والأهداف والقيادات؛ السياسية والعسكرية والاجتماعية، وتفصح عن مؤيديها وداعميها من العالم الإسلامي.
- هذا الاختلاف البيّن بينهما؛ أدى بالقاعدة إلى الانحسار، بعد أن تمت تصفية قياداتها ومطاردة منتسبيها. أما حماس فهي في تطور مستمر، وازدياد في القوة، وتجذّر في أرضها الفلسطينية، ولها امتداد في نفوس المسلمين، لأنها تقاوم عدواً غاصباً، وتدافع عن حق معلوم، وتعمل على تخليص المسجد الأقصى من يد الغاصبين.
- أما الفارق النوعي بين الجهتين.. فإن هجمات 11 سبتمبر أدت إلى سخط عالمي، وشكّلت أمريكا تحالفاً دولياً للقضاء على «الإرهاب»، ورفض عموم المسلمين أعمال القاعدة التي أوقعت ضحايا كثيرين بين المدنيين، لقد خسر العالم الإسلامي كثيراً بسبب تلك الهجمات. ثم أدى ذلك إلى أن تقوم أمريكا بمحاولة تغيير أنظمة الحكم في المنطقة، والتي كانت من نتائجها الربيع العربي. أما طوفان 7 أكتوبر؛ وهو أكبر عملية تقوم بها حماس، فقد أدى إلى نتائج عكس ما أدت إليه الهجمات، حيث شكل وعياً عالمياً بالقضية الفلسطينية، وأصبحت الشعوب تخرج في مظاهرات ضخمة لوقف الحرب على الفلسطينيين، بل أعادت الشعوب تصحيح نظرتها إلى المسلمين، حيث لم يعودوا هم المصدِّر للإرهاب، بل الغرب هو المصدَر والمصدِّر له، وأعيدت قراءة التاريخ الحديث؛ واستحضرت حروب الإبادة التي مارسها الاستعمار الغربي والأمريكي في العالم.
على حكومات العالم؛ خاصة الإسلامية، أن تدرك بأن هناك فرقاً بين ما قامت به القاعدة وما تقوم به حماس، فإن كان لهذه الحكومات ما يبرر وقوفها ضد القاعدة، فإن عليها أن تقف مع الشعب الفلسطيني في مقاومته الكيان الإسرائيلي المحتل، وعليهم ألا يخلطوا بين الجهتين بدعوى أن كليهما انبثقا من الإسلام السياسي.
خميس بن راشد العدوي كاتب عماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هجمات 11 سبتمبر أما حماس
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تخشى ضغط واشنطن للمرحلة الثانية في غزة
حذرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن الإدارة الأمريكية عازمة على الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة ، والدخول في عملية مع حركة حماس ، وذلك قبل إعادة آخر ثلاثة جثث للأسرى الإسرائيليين ، وفق ما ذكره موقع واللا الإسرائيلي.
وبحسب الموقع ، فإن الجانب الأمريكي مهتم ببدء عملية إعادة الإعمار وتوزيع المساعدات الغذائية المباشرة ونشر قوة متعددة الجنسيات.
وقال الموقع :" يُعرب كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي عن قلقهم البالغ إزاء السلوك الأمريكي، الذي يصفونه بالعدواني، في كل ما يتعلق بالانتقال إلى المرحلة الثانية في قطاع غزة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
تقول مصادر أمنية مشاركة في العمليات التي يروج لها الأمريكيون في مقر "الآلية" في كريات غات، والذي يضم آلاف الأشخاص، إنه "على الرغم من إدراك الأمريكيين أن الحل الذي طرحوه لا يرقى إلى مستوى الواقع في هذه المرحلة (إعادة جميع الرهائن، وإسقاط حكومة حماس، ونزع سلاح قطاع غزة)، إلا أنهم يصرون على الانتقال إلى المرحلة الثانية".
وأضافت المصادر أن "الأمريكيين يتعاملون مع التكتيكات، بينما نُصرّ نحن على استغلال إنجازات الحرب التي دفعنا ثمنها غاليًا لتشكيل مستقبل بعيد، أي الاستراتيجية الأمنية لدولة إسرائيل".
وأضافت المصادر: "في هذه الأثناء، حماس تزداد قوة، وتستعيد سيطرتها تدريجيًا، وتجمع الضرائب من التجار، وتجند النشطاء، وهي تُنشئ بالفعل مواقع جديدة داخل الأراضي الخاضعة لسيطرتها،ولديهم أيضًا أسلوب مُتطور للغاية للسيطرة على المساعدات الإنسانية".
تزعم المصادر المطلعة على العملية الأمريكية الإسرائيلية أنه، خلافًا للتقارير، "لا توجد حاليًا أي قوة دولية مستعدة لإرسال قوات عسكرية إلى هنا، لكل دولة أسبابها الخاصة، أهمها الخوف من مقتل جنودها، وإسرائيل تعارض بشدة دخول قوات قطرية أو تركية إلى القطاع".
أشارت المصادر إلى ما يحدث بشكل روتيني في مقر "الآلية": "يُكثّف الأمريكيون يوميًا قبضتهم وبحثهم حول ما يحدث في قطاع غزة، سواءً على الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي. في هذه المرحلة، لا يتدخلون. إلى جانب ذلك، يُقيمون "طاولات مستديرة" للتفكير فيما سيحدث في اليوم التالي".
وتابعت المصادر قائلةً إن "كل ما يقولونه لا يُطبّق من منظور الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية وإسرائيل، دون عودة جميع المختطفين، وانهيار نظام حماس، ونزع سلاح القطاع".
وقال الموقع :" هناك قلق في المؤسسة الأمنية من أن يوافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الترويج لإعادة تأهيل رفح كـ"نموذج" أولي حتى دون عودة المختطفين الثلاثة المتبقين في غزة، وكذلك دون نزع سلاح نظام حماس وانهياره. الرأي السائد في الجيش هو أن الدخول إلى غزة محظور طالما أن حماس لا تلتزم بالاتفاق: إعادة جميع المختطفين، ونظام بديل، ونزع السلاح.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية نتنياهو : سننزع السلاح في المناطق التي تسيطر عليها حماس بغزة ساعر يجدد رفضه إقامة دولة فلسطينية ويصفها بـ"الإرهابية" محدث: كاتس: لا دولة فلسطينية والجيش سيبقى في المواقع الأمنية - حماس تعقب الأكثر قراءة اتفاق مصري - قطري على تحديد صلاحيات قوة الاستقرار الدولية في غزة العليا الإسرائيلية تنظر في التماس للسماح لأعضاء الكنيست بزيارة الأسرى الجيش الإسرائيلي يوسع منظومة الاحتياط باستدعاء 9 آلاف عنصر جديد غزة تسجّل أعلى معدل لبتر الأطراف لدى الأطفال نسبةً لعدد السكان عالمياً عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025