كان الرئيس بايدن يتأهب لمغادرة البيت الأبيض للقيام برحلة جريئة إلى إسرائيل إظهارا للتضامن معها بعد هجوم السابع من أكتوبر، عندما بدا فجأة أن الرحلة تنهار قبل أن تبدأ.

فقد تردد أن انفجارا وقع في مستشفى بغزة مسفرا عن مقتل المئات أو إصابتهم، وألقى الفلسطينيون اللوم على إسرائيل، ورفض قادة عرب مقابلة الرئيس بايدن عندما يصل إلى المنطقة.

فاستدعى الرئيس مستشاريه إلى غرفة (المعاهدة) في الطابق الثاني من المقر العائلي بالبيت الأبيض لإجابة هذا السؤال: هل لا يزال عليه أن يذهب؟

اندلع نقاش محتدم بين مستشاريه للأمن القومي ومستشاريه السياسيين. فحث بعض الحاضرين الرئيس بايدن على إلغاء الرحلة. فلم يكن واضحا ما الذي يمكن تحقيقه منها. بل إنها قد لا تكون رحلة آمنة. فماذا لو أطلقت حماس صواريخ على مطار بن جوريون الدولي عند اقتراب الطائرة الرئاسية؟ أين سيهبط الرئيس حينئذ؟

وذهب آخرون إلى أنه يجب أن يذهب على أي حال. فقد أعلن الزيارة بالفعل. ولا ينبغي أن يتردد [الأمريكيون] من قرار إلى آخر. كما أن تقارير استخبارية أمريكية أولية قد أشارت إلى أن إسرائيل ليست المسؤولة عن انفجار المستشفى.

وأخيرا، تدخل الرئيس بايدن قائلا: «يجب أن أذهب. يجب أن أرى هؤلاء الناس وجها لوجه».

ذلك هو القرار الذي سوف يحدد ـ ربما على نحو يفوق أي قرار آخر ـ نهج الرئيس بايدن تجاه ما أصبح أزمة السياسة الخارجية الأكثر إثارة للخلاف في رئاسته. كان يجب أن يذهب، وكان يجب أن يرى هؤلاء الناس وجها لوجه. وبذلك، تولى فعليا مسؤولية الحرب التي ستلي ذلك بكل وحشيتها الطاغية، وأدارها بصفة شخصية في ظل مخاطرة سياسية كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي.

لم يضاه هذا الحدث حدث آخر خلال نصف القرن الماضي في اختباره العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل على هذا النحو المكثف والمؤثر. فقد برزت لدى الحكومتين الدبلوماسية المعقدة بين واشنطن والقدس منذ أن قتلت حماس ألفا ومائتي شخص واحتجزت مائتين وأربعين رهينة، وذلك من خلال تفاعلات مباشرة بين القادة ومداولات مكثفة بين الأجهزة العسكرية والاستخباراتية.

أفسح التصميم على تلك الرحلة الرئاسية الدراماتيكية إلى إسرائيل مجالا لمكالمات هاتفية محبِطة وتعليقات علنية حادة واجتماعات ماراثونية منهكة. وازدادت العلاقة توترا بانخراط الرئيس بايدن في الصراع بشكل مكثف لم تشهد مثله قضية أخرى تقريبا على مدى سنواته الثلاث في الرئاسة. إذ تدخل الرئيس وفريقه مرارا لإبعاد إسرائيل عما رأوا فيه تجاوزات في ردها الانتقامي، ليتحداهم الإسرائيليون في لحظات حرجة.

شهد الرئيس بايدن مقاومة داخلية متزايدة لدعمه لإسرائيل، ومن ذلك العديد من البرقيات المعارضة من دبلوماسيين في وزارة الخارجية. في نوفمبر، أرسل أكثر من خمسمائة من المعينين السياسيين والموظفين الذين يمثلون حوالي أربعين وكالة حكومية برسالة إلى الرئيس بايدن احتجاجا على دعمه للحرب الإسرائيلية في غزة. وأخذ الديمقراطيون في الكونجرس يضغطون عليه للحد من الهجوم الإسرائيلي، ووجدت الولايات المتحدة نفسها على خلاف مع بلاد أخرى في الأمم المتحدة.

ويبدو أن الاحتكاك يصل إلى ذروته مع حلول العام الجديد. إذ يدرك فريق بايدن أن التحدي الذي يواجهه لا يقتصر على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو فحسب، لأن إسرائيليين من جميع الأطياف يدعمون العملية العسكرية التي أدت، بحسب وزارة الصحة في غزة، إلى مقتل أكثر من عشرين ألف شخص. لكن ما من نقاش جدي داخل الإدارة حول تغيير حقيقي في السياسة، من قبيل قطع إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل. وبدلا من ذلك، يظل الرئيس بايدن مصمما على اجتياز الأزمة الكامنة داخل الأزمة مستغلا المصداقية التي اكتسبها من خلال دعمه الراسخ لإسرائيل لصياغة الفصل التالي فيها، وإن لم يكن واضحا حجم ما يكسبه ذلك التصميم من نفوذ.

خلال محادثة متوترة قبل أسبوع، ضغط الرئيس بايدن على رئيس الوزراء نتانياهو لتقليص الحرب الجارية إلى عملية جراحية تكون أكثر اعتمادا على غارات من القوات الخاصة لاستهداف قادة حماس والأنفاق بدلا من القصف واسع النطاق. فبعث رئيس الوزراء الإسرائيلي مستشاره الأهم، رون ديرمر، إلى واشنطن لحضور اجتماع امتد إلى ما يقارب أربع ساعات في البيت الأبيض في اليوم التالي لعيد الميلاد، وأكد فيه لوزير الخارجية أنطوني بلينكن ولمستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أن إسرائيل سوف تنتقل عما قريب إلى مرحلة الاستهداف التي يحث عليها الرئيس بايدن. وقال لهم ديرمر إن أولى علامات هذا التحول يمكن أن تتضح في الأسابيع المقبلة عندما تنهي القوات الإسرائيلية عملياتها في شمال غزة وتبدأ في سحب العديد من القوات من تلك المنطقة. لكنه لم يطرح جدولا زمنيا ثابتا، وضغط عليه الأمريكيون لبدء المرحلة الانتقالية عاجلا لا آجلا. ويخطط بلينكن للعودة إلى إسرائيل في أوائل شهر يناير راجيا أن يعطيه المسؤولون الإسرائيليون قرارا بشأن الخطوات التالية.

في الوقت نفسه، يعمل فريق الرئيس بايدن في هدوء للتفاوض على صفقة رهائن جديدة. فقد التقى ويليام بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية بنظيره الإسرائيلي ورئيس الوزراء القطري في وارسو في وقت سابق من شهر ديسمبر لتقديم اقتراح بوقف القتال لمدة سبعة أيام مقابل إطلاق سراح ما بين 35 إلى 40 شخصا آخرين ممن احتجزوا في السابع من أكتوبر، ومنهم نساء مدنيات ورجال مصابون إصابات بالغة ورجال آخرون تزيد أعمارهم عن ستين عاما.

بل إن جهودا أشد هدوءا تجري للتفاوض من خلال وسطاء لترتيب مع حزب الله من أجل الانسحاب من المنطقة القريبة من حدود لبنان مع إسرائيل، بما يمنع اندلاع حرب أوسع نطاقا في المنطقة ويسمح لعشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين فروا من منازلهم بأن يرجعوا إليها.

يستند هذا السرد للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على مدى الأسابيع الإثني عشر الماضية إلى العديد من الرحلات إلى المنطقة والمقابلات مع مسؤولين كبار أمريكيين وإسرائيليين، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لإطلاعنا على تفاصيل المحادثات والمداولات الداخلية. وهي قصة معقدة حيث يقول المسؤولون من كلا الجانبين إن التصورات العامة لا تتطابق دائما مع الواقع الخاص.

مخاوف من حرب أوسع

كان الأسبوع الأول التالي للهجوم هو الأكثر اضطرابا وخطورة. وكان الخوف الأكبر لدى الرئيس بايدن، بحسب مستشارين، هو أن تتوسع الحرب فتعمل إيران على تمكين وكلاء آخرين، بالإضافة إلى حماس، من مهاجمة إسرائيل، أو أن تشن إسرائيل حربا استباقية ضد مثل هذه القوات.

في الوقت الذي علم فيه بهجوم السابع من أكتوبر، أجرى الرئيس بايدن ثلاث مكالمات جماعية وثلاثة اجتماعات شخصية مع فريق الأمن القومي الخاص به، وألقى بيانا لوسائل الإعلام وأجرى مكالمات منفصلة مع سوليفان، وجون فاينر نائب مستشار الأمن القومي، ورئيس الوزراء نتانياهو، والملك عبد الله الثاني عاهل الأردن، ونائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الدفاع لويد أوستن، واثنين من الديمقراطيين في الكونجرس كانا في إسرائيل وهما السيناتور كوري بوكر من نيوجيرسي والنائب دان جولدمان من نيويورك.

وسيواصل إرسال فيض منتظم من المسؤولين إلى المنطقة. وقد قام بلينكن بثلاث رحلات إلى المنطقة، منها خمس محطات في إسرائيل، بل وانضم في إحداها إلى اجتماع مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي. ومن الآخرين الذين سافروا إلى المنطقة نائبة الرئيس هاريس، وأوستن، وبيرنز، وسوليفان، وبريت ماكجورك منسق الرئيس لشؤون الشرق الأوسط، وأفريل دي هينز مدير المخابرات الوطنية، والجنرال مايكل كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، والفريق جيمس جلين الذي قاد القوات الخاصة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

تحدث الرئيس بايدن مباشرة مع رئيس الوزراء نتانياهو أربع عشرة مرة، بالإضافة إلى الاتصال بقادة سلطنة عمان ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، وكذلك البابا فرانسيس. وفي العادة تقتضي كل مكالمة رئاسية مع نتانياهو اجتماعا أوليا مع مستشاري الرئيس بايدن وعرضا للمعلومات بعدها. وغالبا ما يتصل ديرمر بسوليفان لإجراء مناقشة أخرى لمدة ساعة.

في الحادي عشر من أكتوبر، أجرى الرئيس بايدن مكالمة عاجلة مع نتانياهو. كان الإسرائيليون قد حصلوا على معلومات استخباراتية غامضة مفادها أن حزب الله يوشك أن يشن ضربة كبيرة على إسرائيل، وكان الإسرائيليون، بدفع من وزير الدفاع يوآف جالانت، يستعدون للمبادرة بالضرب. وعلم الأمريكيون بالموقف لكنهم اعتقدوا أن المعلومات الاستخبارية غير تامة الوضوح. في حضور بلينكن وسوليفان، تحدث الرئيس بايدن مع نتانياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين للضغط عليهم من أجل عدم الهجوم. وذهب الأمريكيون إلى قولهم إن الإسرائيليين إذا ما قاموا بذلك، فهم يضمنون على وجه التحديد ما يمكن أن يمنعه الأمريكيون ويردعونه. ووافق الإسرائيليون على التراجع. أما الرئيس بايدن، الذي كان قد أرسل بالفعل مجموعة حاملة طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لردع حزب الله من الانضمام إلى المعركة، فقد أرسل الثانية. بدأ المسؤولون الأمريكيون يتسابقون إلى إسرائيل، فأولا بلينكن، ثم أوستن. وفي الثالث عشر من أكتوبر، وجه أوستن تحذيرا خاصا لجالانت مفاده أن الإسرائيليين يجب أن يقيموا ممرات إنسانية ويضعوا مجموعة قواعد محددة لحماية المدن الفلسطينية، مشيرا إلى تجارب أمريكا في حرب المدن بالعراق.

قضى بلينكن أسبوعا يتنقل في المنطقة، محيطا الرئيس يوميا بالمستجدات من خلال خط اتصال آمن. وفي يوم واحد فقط، أجرى تسع ساعات من المحادثات مع الإسرائيليين، وفي وقت ما اضطر للفرار إلى مخبأ يقع على بعد ستة طوابق تحت سطح الأرض خلال هجوم صاروخي. كان بلينكن ومساعدوه يجلسون في غرفة بينما يجلس نتانياهو ومجلس الوزراء الحربي في غرفة أخرى. وظل نتانياهو يتنقل بين الغرفتين، مستمعا إلى المقترحات الأمريكية وناقلا إياها إلى فريقه. ووافق على السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة كشرط لزيارة الرئيس بايدن.

قال مستشارون وحلفاء لبايدن إن مشاركته الشخصية حالت دون توسع نطاق الحرب وكان لها أثر على نهج إسرائيل، حتى لو لم يبلغ القدر الذي كان يرجوه.

قال السيناتور كريس كونز ـ الديمقراطي عن ولاية ديلاوير وعضو لجنة العلاقات الخارجية: «لقد كان له بعض التأثير. فقد استطاع تحريك قراراتهم. لكنه احتضن إسرائيل في لحظة الضغط الشديد التالية للهجوم لأنه يرى هذه اللحظة في سياق إقليمي ويحاول تحقيق السلام بطريقة إقليمية».

وفي حين يشعر المسؤولون الإسرائيليون بالغضب من القيود التي حاول الرئيس بايدن فرضها عليهم، فهم يدركون أنه أهم حليف لهم وسط انتقادات عالمية متزايدة ويفهمون أنه المانع الوحيد للأمم المتحدة من فرض عقوبات.

قال السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هرتسوج «إننا نقدر بشدة دعم إدارة بايدن لإسرائيل في هذه الحرب وفي هذه الأيام الصعبة. وبين حكومتينا حوار وثيق ومثمر للغاية في ما يتعلق بهذه الحرب».

«أسابيع لا أشهر»

لم يرض الأمريكيون عن الخطة الإسرائيلية الأصلية لغزو غزة برا، وسعوا إلى تخفيفها. لكن الإسرائيليين أطلقوا في نهاية المطاف العنان لقوة نيران على غزة تفوق ما توقعه فريق بايدن، وأسفر ذلك عن نتائج مميتة. وأثارت صور القتلى الفلسطينيين غضب الكثيرين لا في حزب الرئيس بايدن وحده، ولكن أيضا في إدارته وحتى في البيت الأبيض. واصل الرئيس بايدن تيار المكالمات الهاتفية المستمر مع نتانياهو، ضاغطا من أجل تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. وأسرَّت إمارة قطر الخليجية الصديقة لكل من الولايات المتحدة وحماس، لبلينكن عندما زارها في 13 أكتوبر بأن حماس مستعدة لعرض إطلاق سراح الرهائن مقابل نوع من وقف إطلاق النار أو الهدنة. وكلف بايدن دائرة صغيرة من المسؤولين بالتفاوض سرا على ما أصبح في نهاية المطاف أسبوعا من وقف القتال مقابل إطلاق سراح أكثر من مائة أسير.

واستمر الرئيس بايدن في الاتصال. فعندما كان يوجد في سيارته الليموزين، المعروفة باسم «الوحش»، متوجها إلى حدث غير ذي صلة، كان الرئيس يرفع سماعة الهاتف للاطمئنان على آخر الأخبار. وعندما توقف اجتماعه في نوفمبر مع الرئيس الصيني شي جين بينج في كاليفورنيا لتناول طعام الغداء، اجتمع بسوليفان طالبا معرفة مستجدات محادثات الرهائن. وكانت الساعات الأربع التي قضاها مع الرئيس شي في ذلك اليوم هي أطول مدة قضاها بايدن في صحوه حتى تلك اللحظة بعيدا عن الشرق الأوسط.

احتدم إناء الضغط فثقل عبئه حتى على الفريق الذي تعرض من قبل بالفعل للاختبار خلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والغزو الروسي لأوكرانيا. فتحدث سوليفان عن تركيزه ساعة بساعة على الحرب وفقدانه القدرة على الانشغال عن الأحداث غير المتوقعة التي قد تقع لاحقا. وأجاب فاينر الإجابة المكررة حينما سئل عما لو أنه يحصل على أي قسط من النوم إذ قال «نعم، كل يوم تقريبا».

بنهاية فترة التوقف التي دامت أسبوعا، بدأت القنابل الإسرائيلية تتساقط مرة أخرى، وحث الأمريكيون مرة أخرى على ضبط النفس. لكن مستشاري الرئيس بايدن أبدوا تعاطفا مع الإسرائيليين، الذين كانوا يكتشفون أن شبكة الأنفاق التي بنتها حماس أوسع مما كانوا يتصورون ـ وهي في جوهرها مبانٍ متعددة الطوابق على عمق مئات الأقدام تحت الأرض، وتتطلب قصفا مكثفا لإتلافها أو تدميرها. وبات الإسرائيليون يطلقون على سراديب الأنفاق اسم «المملكة»

تركز أكثر الخلافات حدة بين واشنطن والقدس (المحتلة) على مسألة «اليوم التالي» ـ أي ما يجب القيام به في غزة بعد انتهاء الحرب. إذ قاوم نتانياهو اقتراحات الرئيس بايدن بأن تتولى السلطة الفلسطينية من مقرها في الضفة الغربية، إدارة قطاع غزة في ما بعد حماس، على أن يلي ذلك في نهاية المطاف إنشاء دولة فلسطينية.

ركز نتانياهو بشكل خاص على عدم إدانة قادة السلطة الفلسطينية هجوم السابع من أكتوبر، وأبدى تخوفا من أن يعد منحهم دورا مستقبليا بمثابة ضعف في ائتلافه اليميني. وقبل وقت قصير من وصول الرئيس بلينكن في زيارته الخامسة، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتانياهو أبلغ حلفاءه بأنه العائق الوحيد الذي يحول دون حل الدولتين الذي يدعو إليه الرئيس بايدن.

خلال اجتماعات عقدت في القدس في 30 نوفمبر، أسرَّ الرئيس بلينكين لمجلس الحرب الوزاري الإسرائيلي بأن أمامه «أسابيع، لا أشهرا»، لإنهاء العمليات القتالية بمستوى الشدة الحالي، وتسرب هذا القول لاحقا لوسائل الإعلام الإسرائيلية وأكده في الأيام التالية مسؤولون أمريكيون. وقال نتانياهو في تحد علني بعد مغادرة بلينكن: «سنواصل الحرب حتى نحقق جميع أهدافها». وحذر أوستن في اليوم نفسه خلال خطاب ألقاه في كاليفورنيا من أن إسرائيل يمكن أن «تنتهي إلى هزيمة استراتيجية بدلا من نصر تكتيكي» إذا دفعت المدنيين الفلسطينيين إلى أحضان حماس.

وظل الرئيس بايدن على التزامه تجاه إسرائيل. فحينما وجه المسؤولون الإسرائيليون نداء عاجلا للحصول على المزيد من ذخيرة الدبابات، بما دفع الحكومة الأمريكية إلى عملية تستغرق أشهر في العادة، وافقت إدارة بايدن على ذلك بصورة شبه فورية. ففي الحادية عشرة من مساء الثامن من ديسمبر، أخطرت وزارة الخارجية الكونجرس بأنها ستتجاوز إجراءات الكونجرس لإرسال 13 ألف طلقة إلى إسرائيل، الأمر الذي أثار غضب بعض المشرعين الديمقراطيين. وحتى منتصف ديسمبر، شحنت الولايات المتحدة أيضا قرابة عشرين ألف من الذخائر جو-أرض إلى إسرائيل، وفقا لتقارير داخلية للحكومة الأمريكية.

لكن الرئيس كان قد أخذ يشعر أيضا بالإحباط. وخلال حملة لجمع التبرعات في 12 ديسمبر، نبه إلى أن إسرائيل تخاطر بفقدان الدعم الدولي «بسبب القصف العشوائي الجاري». لم يكن هذا تصريحا مكتوبا، الأمر الذي دفع مساعدين إلى التسابق للتفسير، لكنه أسعد بعض مسؤولي الإدارة الذين رأوا أن بايدن عازف تماما عن انتقاد إسرائيل علنا.

وبتوجيه من الرئيس، قام مدير وكالة المخابرات المركزية بيرنز بمهمة توسط لإطلاق سراح المزيد من الرهائن، ومنهم حفنة من الأمريكيين الذين ما زالوا محتجزين. وكان اجتماعه في وارسو يوم 18 ديسمبر في طريق عودته من رحلة إلى أوكرانيا، هو نتاج أسابيع من المكالمات المكثفة مع ديفيد برنياع، مدير المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني. وقد تحدث بيرنز في بعض الأحيان مع ديفيد برنياع ثلاث مرات يوميا، ومثل ذلك مع المسؤولين القطريين في كثير من الأحيان.

لكن الاقتراح الذي قدمه بيرنز وبرنياع للقطريين في وارسو لم يؤد بعد إلى اتفاق. فبالنسبة لحماس، يبدو أن الثمن قد ارتفع. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن حماس لا تريد إطلاق سراح المزيد من الرهائن في مقابل فترة توقف مؤقتة، وتتمسك بدلا من ذلك بوقف دائم لإطلاق النار. وقد أخبر المسؤولون الإسرائيليون نظراءهم الأمريكيين بأن أحد أسباب مقاومتهم العلنية للضغوط لتخفيف حملتهم العسكرية هو استمرارهم في الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن.

«حلم بعيد المنال»

ازدادت المحادثات الأخيرة بين بايدن ونتانياهو توترا. يقول مسؤولون إن كل مكالمة تشهد توترا وحدة في بعض الأحيان، لكنها في الوقت نفسه تشهد واقعية. والصيغة كثيرة الاستعمال هي أنها «صعبة ولكنها بناءة». والنبرة التي وصفها العالمون ببواطن الأمور أشبه بـ«انظر يا رجل، عليك أن تفعل المزيد بشأن كذا، أو تأخذ كذا على محمل الجد». يعرف الرجلان أحدهما الآخر منذ عقود وليسا صديقين حقيقيين، لكنهما يفهمان سياسات أحدهما الآخر وتبادلهما الاعتماد على أحدهما الآخر في هذه المرحلة.

يدرك الأمريكيون أن الإسرائيليين ما زالوا يعانون من صدمة السابع من أكتوبر، ومن هنا التأييد المطلق تقريبا من الطيف السياسي كله لاتخاذ إجراء أكثر صرامة ضد حماس، مع قليل من القلق بشأن العواقب المحتملة. ومن الناحية الاستراتيجية، لا تمانع إسرائيل كثيرا إذا اعتقدت بقية دول العالم أنها على استعداد للمضي قدما واستعمال القوة الساحقة. فقد تمكنت إسرائيل من البقاء طوال نصف قرن المنصرم منذ حربها مع جيرانها العرب في عام 1973 من خلال تعزيز صورة الدولة التي لا تقهر، وهي صورة تحطمت في السابع من أكتوبر. ويريد القادة الإسرائيليون إعادة ترسيخ قوة الردع التي ضاعت.

أما بالنسبة لفريق بايدن، فالنقاش الحقيقي يدور حول اللغة التي يجب استخدامها ومدى صعوبة الدفع، لكن ما من أحد في الداخل يضغط حقا من أجل تحول جذري في السياسة من قبيل تعليق إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل ـ حتى لو أن السبب الوحيد لذلك هو أنهم يدركون أن الرئيس ليس على استعداد لذلك.

تتألف رسالة الإدارة من أربعة أجزاء: لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس، ولا بد من إزالة حماس باعتبارها تهديدا، ولابد من زيادة المساعدات الإنسانية، وتقليص الخسائر في صفوف المدنيين إلى أدنى حد ممكن. وفي حين أن بعض المسؤولين يؤكدون النقاط الأخيرة، فإن الرئيس في العلن عادة ما يركز على النقاط الأولى.

أجرى الرئيس بايدن اتصالا هاتفيا مع نتانياهو يوم السبت، 23 ديسمبر، لحث إسرائيل على الابتعاد عن العمل العسكري المكثف والمضي نحو نهج الغارات المستهدفة لمواقع محددة. لكن نتانياهو وغيره من القادة الإسرائيليين استمروا في الرد علنا، فبعد يومين، نشر نتانياهو مقال رأي في صحيفة وول ستريت جورنال رافضا فيه فكرة قدرة السلطة الفلسطينية على تجريد غزة من السلاح ووصفها بأنها «حلم بعيد المنال».

بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين، هناك ضغط لطمأنة شعبهم بأنهم لا يتراجعون. لكن هناك تلميحات إلى أن نتانياهو يمكن أن يقبل في نهاية المطاف دورا للسلطة الفلسطينية ـ بعد إصلاحها ـ في غزة، مع الاعتراف بالحاجة إلى وجود إدارة فلسطينية من نوع ما، حتى مع أملهم في إقناع دول الخليج العربية بدفع تكاليف إعادة الإعمار.

وبرغم كل الخلاف، ما من نقاش جدي داخل إدارة بايدن حول منع المساعدات الأمنية لإسرائيل أو فرض شروط عليها. ففي يوم الجمعة، بعد ثلاثة أيام من اجتماع ديرمر، وافقت وزارة الخارجية على إرسال 147.5 مليون دولار في شكل قذائف مدفعية من عيار 155 ملم ومعدات ذات صلة، مستعينة بقواعد الطوارئ لتجاوز مراجعة الكونجرس للمرة الثانية، مما أثار مرة أخرى غضب المشرعين الديمقراطيين.

وبقدر ما تكون مقاومة نتانياهو للتوسلات الأمريكية بمثابة سياسة استعراضية أمام الجمهور المحلي، فإن لها أيضا حدا زمنيا، وفقا لمارتن إنديك، الذي عمل لمرتين سفيرا أمريكيا لدى إسرائيل.

قال: «إنها حالة إصرار مستمر من بيبي»، في إشارة إلى الرئيس نتانياهو باسم التدليل الشائع له. «هذا ما نشهده الآن. أنا واثق تماما من توقعي بأن بيبي سيفعل ذلك في العام الجديد. كل ما عليه فعله هو إيجاد طريقة يشرح بها لشركائه في الائتلاف أنه على الرغم من أنه قد يبدو وكأنه يستسلم لبايدن، إلا أنه لا يفعل ذلك. سيكون هناك الكثير من الغمزات».

أشار مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، إلى أنه برغم التوتر، لم يستخدم بايدن الأداتين الأكثر وضوحا من أدوات الضغط المتاحة له على إسرائيل، وهما تدفق الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل والفيتو الأمريكي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يحمي إسرائيل من العقوبات الدولية ـ وذلك حتى الآن على الأقل.

قال أورين: إن إسرائيل ـ في ضوء ذلك ـ تقدِّر دعم الرئيس بايدن ولا تريد إغضابه. لقد قوض هجوم السابع من أكتوبر شعار إسرائيل القديم القائل بأنها ستدافع عن نفسها بنفسها. وأضاف قائلا: إن «هذا يعني، سواء أحببنا أم لا، أننا اعتمدنا على الولايات المتحدة. وهذا يعني أن لهم كلمة في الأمور».

بيتر بيكر كبير مراسلي البيت الأبيض لصحيفة نيويورك تايمز ويغطي أخبار الرئيس بايدن وإدارته.

إدوارد وونج مراسل دبلوماسي لصحيفة نيويورك تايمز ويغطي السياسة الخارجية من واشنطن.

جوليان إي. بارنز مراسلة تغطي وكالات الاستخبارات الأمريكية ومسائل الأمن الدولي لصحيفة نيويورك تايمز.

إيزابيل كيرشنر مراسلة لصحيفة نيويورك تايمز في القدس المحتلة وتغطي السياسة والمجتمع الإسرائيلي والفلسطيني، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني والجهود الدبلوماسية لحله.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هجوم السابع من أکتوبر لصحیفة نیویورک تایمز الولایات المتحدة فی نهایة المطاف البیت الأبیض الرئیس بایدن رئیس الوزراء مع نتانیاهو إلى المنطقة إلى إسرائیل أن إسرائیل إطلاق سراح بایدن على بایدن فی من خلال یمکن أن من أجل فی غزة إلى أن یجب أن

إقرأ أيضاً:

أستاذ علاقات دولية: بعض المؤشرات تشير لقرب تحقيق الصفقة بين حماس وإسرائيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قالت الدكتورة تمارا حداد، أستاذة العلاقات الدولية، إن هناك بعض المؤشرات التي تشير إلى قرب تحقيق الصفقة بين إسرائيل وحماس، حيث إن حركة حماس أبدت الكثير من المرونة وتحديدا في البندين المتعلقين بوقف إطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من أرض قطاع غزة.

وأضافت تمارا في مداخلة هاتفية لفضائية "القاهرة الإخبارية" اليوم الثلاثاء، أن هناك ضغوطات إقليمية ودولية وتصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب التي تشير إلى ضرورة تعزيز إخراج جميع الرهائن قبيل تسلمه، موضحًا أنه قال إنه سيحول منطقة الشرق الأوسط إلى جحيم.

وتابعت، أن تصريح ترامب كان شديد اللهجة، إذ إنه يريد الضغط على الوسطاء الذين لديهم علاقة مع حماس، موضحًا أن المحور الإيراني أصبح اليوم ضعيفا ولا يستطيع الدفاع عن أرض قطاع غزة كما كان سابقا، بالتالي قبول حركة حماس الاتفاق بهذه المرونة جاء نتيجة للضغوطات الكبيرة والضغط الأكبر في داخل قطاع غزة جراء القصف الجوي الإسرائيلي والحالة الصعبة التي يعانيها المواطن الفلسطيني.

مقالات مشابهة

  • نتانياهو وكاتس يزوران قمة جبل الشيخ السوري: عين إسرائيل على دمشق وحكامها الجُدد
  • أستاذ علاقات دولية: بعض المؤشرات تشير لقرب تحقيق الصفقة بين حماس وإسرائيل
  • روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
  • البيت الأبيض يكشف ماهية الأجسام الغامضة التي ظهرت في سماء الولايات المتحدة
  • محمد فراج: ترامب وإدارة بايدن نهج متشابه تجاه القضية الفلسطينية
  • نيويورك تايمز: الشرع طالب الولايات المتحدة برفع العقوبات التي فرضت على سوريا
  • الولايات المتحدة تطلب من إسرائيل السماح لها بتقديم مساعدات عسكرية للفلسطينيين
  • إسرائيل تستأنف على مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
  • إقامة 14 بؤرة استيطانية إسرائيلية جنوبي الخليل منذ السابع من أكتوبر
  • داخلياً وخارجياً.. تعرّف على مظاهر الفوضى السياسية التي يشهدها الاحتلال