نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا تحدثت فيه عن تأثير الحروب السابقة في غزة على اقتصاد دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه قد يبدو من الفاضح تقييم التكلفة المالية المتزايدة للحرب الإسرائيلية في غزة في حين أن القنابل لا تزال تتهاطل على القطاع المحاصر ويموت مئات الفلسطينيين كل يوم.

لكن العوامل الاقتصادية التي تقف وراء الهجوم المستمر منذ أسابيع لها آثار قويّة على إسرائيل والفلسطينيين والشرق الأوسط.

وأضافت أنه على الرغم من أن التكلفة التي ستتكبدها غزة مدمرة بشكل واضح، إلا أنها لم تبدأ بعد في حسابها. فقد تضررت أو دُمرت حوالي نصف المباني وثلثي المنازل في القطاع، وتم تهجير 1.8 مليون شخص ومقتل أكثر من 21 ألف شخص، حسب وزارة الصحة في غزة.

كما تضرّر الاقتصاد الإسرائيلي، ويقارن بعض الاقتصاديين الصدمة التي تعرّض لها الاقتصاد الإسرائيلي بجائحة فيروس كورونا في سنة 2020. ويقول آخرون إن الأمر قد يكون أسوأ، وفقا للتقرير.

وتابعت أنه منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ارتفع الإنفاق الحكومي والاقتراض، وانخفضت عائدات الضرائب، ويبدو أن التصنيف الائتماني قد يتضرر. ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي من ثلاثة بالمئة في سنة 2023 إلى واحد بالمئة في سنة 2024، وذلك وفقا لبنك إسرائيل. كما يتوقع بعض الاقتصاديين انكماش الاقتصاد.

وأشارت الصحيفة إلى أن التأثير على قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل مثير للقلق. ويعمل العديد من جنود الاحتياط في جيش الدفاع الإسرائيلي في قطاع التكنولوجيا. وفي كل يوم حرب في غزة، يكافح أصحاب العمل لمواصلة الاستثمار في البحث والتطوير والحفاظ على حصتهم في السوق.


من جانبه، قال دانيال هاغاري، المتحدث باسم جيش الاحتلال، إن بعض جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للقتال في غزة سيعودون إلى ديارهم "إلى عائلاتهم ووظائفهم"، على الأقل مؤقتا، مشيرا إلى أن هذا سيسمح بدعم الاقتصاد بشكل كبير".

ولفتت الصحيفة إلى أنه في الوقت الراهن، يتساءل صناع القرار وقادة الرأي حول الكيفية التي ستؤثر من خلالها تكلفة الحرب على مدتها؟ ومتى ستقرر الحكومة (حكومة الاحتلال) إعلان النصر ووقف النزيف المالي واستئناف جهود تنمية الاقتصاد؟.

ما هي تكلفة الحرب؟
قالت الصحيفة إن إسرائيل تنفق أموالا طائلة على نشر ما متوسطه أكثر من 220 ألف جندي احتياطي في المعركة خلال الأشهر الثلاثة الماضية ودعم رواتبهم. والعديد من هؤلاء هم عمال في مجال التكنولوجيا الفائقة في مجالات الإنترنت والزراعة والتمويل والملاحة والذكاء الاصطناعي والأدوية والحلول المناخية.

وحسب الصحيفة، فإن قطاع التكنولوجيا في إسرائيل يعتمد على الاستثمار الأجنبي ولكن كان يتضاءل حتى قبل الحرب، ويعود ذلك جزئيا إلى القلق بشأن عدم الاستقرار الذي يعتقد المستثمرون أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية جلبته إلى إسرائيل - على الرغم من إعلان شركة "إنتل" الأخير المضي قدما في إنشاء مصنع للرقائق بقيمة 25 مليار دولار في جنوب إسرائيل، وهو أكبر استثمار في البلاد على الإطلاق من قبل شركة.

وذكر التقرير أن إسرائيل لا تحتاج إلى دفع تكاليف قوات الاحتياط والقنابل والرصاص فحسب، بل تدعم أيضا 200 ألف شخص من الذين تم إجلاؤهم من القرى الإسرائيلية على طول حدود غزة والحدود الشمالية مع لبنان، والتي يقصفها حزب الله يوميا. ويتم إيواء العديد من هؤلاء الأشخاص الذين تم إجلاؤهم وإطعامهم في فنادق في الشمال والجنوب على نفقة الحكومة، وأغلبهم مصابون بصدمات نفسية وعاطلون عن العمل.

ماذا أيضا؟
وأضافت أن قطاع السياحة شُل، وأصبحت شواطئ "تل أبيب" والبلدة القديمة في القدس خالية من الأجانب، وألغيت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة. وتوقفت أعمال البناء التي تعتمد عادة على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية. ومنذ أن شنت "إسرائيل" هجومها للقضاء على حماس، قامت بتعليق تصاريح العمل لأكثر من 100 ألف فلسطيني. كما انخفضت الصادرات في جميع المجالات. وتم إغلاق حقول الغاز الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط في وقت مبكر من الحرب ولكنها الآن تعمل جزئيا.

ما هي تكلفة الحرب على إسرائيل حتى الآن؟
أوضح التقرير أن الاقتصاديين الذين أجرت صحيفة "واشنطن بوست" مقابلات معهم، يقدّرون أن الحرب كلفت الحكومة حوالي 18 مليار دولار – أو 220 مليون دولار في اليوم. وأفاد زفي إيكشتاين، نائب محافظ بنك إسرائيل السابق والخبير الاقتصادي في جامعة رايخمان، بأن التأثير على ميزانية الحكومة – بما في ذلك انخفاض عائدات الضرائب – للربع الرابع من سنة 2023 بلغ 19 مليار دولار و من المحتمل أن تصل إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من سنة 2024. وذلك على افتراض أن الحرب لن تمتد إلى لبنان، بحسب حديثه للصحيفة.

ماذا سيحدث إذا اندلعت حرب أوسع مع حزب الله؟
في هذه الحالة، أوضحت الصحيفة أن التكاليف سوف ترتفع بشكل كبير.

ما هي التكلفة الإجمالية؟
قالت الصحيفة، إن الحرب التي تستمر من خمسة إلى عشرة أشهر أخرى يمكن أن تكلف إسرائيل ما يصل إلى 50 مليار دولار، وذلك وفقا لصحيفة "كالكاليست" المالية. وهذا يعادل 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد تنتهي الحرب عاجلا أم آجلا. وتتوقع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تتحول "إسرائيل" في العام الجديد من القصف المكثف والقتال الشرس في الشوارع إلى هجمات أكثر استهدافا. ولكن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حذر من أن الحرب "ليست قريبة من الانتهاء"، حيث صرح بأن "الحرب ستستمر لعدة أشهر أخرى".

كيف يتم قياس هذه التكاليف؟
قال يارون زليخة، الأستاذ في كلية أونو الأكاديمية، وهو خبير اقتصادي سابق في وزارة المالية الإسرائيلية، إنه من المهم فهم الآثار المترتبة على الحرب. وهناك تكلفة شن الحرب، والانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي وما نتج عنه من انخفاض في الإيرادات. وينتج عن العجز في الإنفاق تكاليف الاقتراض، التي ستؤثر على الميزانية لفترة طويلة بعد انتهاء القتال، وفقا لـ"واشنطن بوست".

ما هو رأي الإسرائيليين؟
أشار التقرير إلى أن استطلاع للرأي أجرته مجموعة "لاتيت" الخيرية، أظهر أن 45 بالمئة من الإسرائيليين أعربوا عن قلقهم من أن الحرب ستجلب لهم صعوبات اقتصادية. وقال خبراء اقتصاديون للصحيفة إن هجمات حماس كانت كارثية، حيث أدت إلى تآكل ثقة المواطنين والشركات والمستثمرين في الحكومة والجيش. وسوف يستغرق استعادة هذه الثقة وقتا.

كيف يمكن مقارنة حرب غزة الحالية بالصراعات الماضية؟
يتحدث الخبراء الاقتصاديون عن الاقتصاد الإسرائيلي الحديث باعتباره مرنا بشكل ملحوظ. فقد خاضت حروبا إقليمية على أراضيها في سنتي 1967 و1973، وفي لبنان وعلى طول حدودها الشمالية في سنتي 1982 و2006، ومعركة استمرت 50 يوما في غزة سنة 2014؛ وانتفاضتين في الضفة الغربية المحتلة شهدتا قتالا متواصلا بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، حسب التقرير.


وقال زليخة، إن "جزءا كبيرا من الضرر في الانتفاضة الثانية كان ناجما عن الإدارة الاقتصادية المضللة. وكان هناك إسراف حكومي كبير في الإنفاق وزيادة ضريبية متزامنة. ولكن الفرق الرئيسي بين ذلك الوقت واليوم هو أنه في ذلك الوقت، بلغ الدين الحكومي 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وليس 60 بالمئة كما هو الحال اليوم".

ما هي التكلفة التي يتحملها العمال؟
قالت الصحيفة إن واجبات الاحتياط والتهجير والآثار غير المباشرة للحرب، أدت إلى تعطيل ما يصل إلى 20 بالمئة من العمال الإسرائيليين.

ونقلت عن ميشال دان هاريل، المدير الإداري لشركة "مان باور إسرائيل"، أكبر وكالة توظيف في البلاد، قوله إن "الاقتصاد الإسرائيلي شهد موجة صدمة مماثلة لذروة جائحة كوفيد-19. لقد توقفت أجزاء كبيرة من الاقتصاد لمدة أسبوعين تقريبا. وكان الناس في حالة صدمة. وكان حجم الأزمة ينكشف كل يوم، وأصبحت المناقشات حول الحياة الطبيعية، مثل العمل أو كسب العيش، غير شرعية تقريبًا".

وأضاف دان هاريل، أن تأثير عمليات نشر جنود الاحتياط كان دراماتيكيا بشكل خاص، لأنه "يتم استدعاء الأفراد دون معرفة متى سيعودون إلى العمل، ولم يتوقع أحد أن يتم تجنيد الأشخاص لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر".

هل يتمتع الاقتصاد بالمرونة الكافية لتحمل الحرب؟
قال إيريل مارغاليت، رجل الأعمال في مجال التكنولوجيا الفائقة وصاحب رأس مال مغامر، إنه "على امتداد السنوات الخمس والعشرين الماضية، واجهت إسرائيل العديد من التحديات" مضيفا أن محاولة حكومة نتنياهو قبل الحرب للحد من سلطة القضاء أضرت بالاستثمار الدولي وتشكل "الحرب ضربة إضافية"، وفقا للتقرير.


ما مدى أهمية المساعدات الأمريكية للاقتصاد الإسرائيلي؟
أوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة تقدّم لـ "إسرائيل" دعما عسكريا بقيمة 3.8 مليار دولار سنويا. وتتقاسم الدولتان التكنولوجيا الدفاعية لمنح "إسرائيل" ميزة استراتيجية على خصومها. كما تبيع الولايات المتحدة لإسرائيل قنابل وصواريخ وقذائف بمئات الملايين من الدولارات. ويسعى البيت الأبيض لمشروع قانون تمويل إضافي يتضمن 14 مليار دولار كمساعدة لإسرائيل في مطلع سنة 2024. وقد توقف مشروع القانون في الكونغرس حيث يناقش الجمهوريون والديمقراطيون تمويل الحدود الأمريكية.

ونقلت الصحيفة عن إيتاي أتير، الخبير الاقتصادي في جامعة "تل أبيب" وزميل كبير في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، أن التمويل الأمريكي "حاسم"، مضيفا "نحن نتحدث عن حوالي 50 مليار شيكل. وإذا وصل الإنفاق على الحرب إلى نحو 150 إلى 200 مليار شيكل، فإنه سيشكل ربع تكاليف الحرب. وهذا مبلغ كبير للغاية ويوفر أيضًا للحكومة الأمريكية خيار ممارسة الضغط الدبلوماسي علينا، وهو أمر جيد بالنظر إلى حكومتنا".

وقال زليخة "إذا اضطررنا إلى تمويل الحرب بأنفسنا، فسيشكل ذلك مشكلة أكبر. ثانيا، مجرد تلقي المساعدات يشير إلى الأسواق المالية بأن لدينا دعما اقتصاديا، وهو ما يطمئن الأسواق. نحن بحاجة إلى شكر الرئيس بايدن على هذه المساعدة"، وفقا لما نقلته الصحيفة الأمريكية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة اقتصاد الاحتلال الفلسطينيين اقتصاد فلسطين غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاقتصاد الإسرائیلی واشنطن بوست ملیار دولار بالمئة من أن الحرب فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

رسائل تكشف مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية بغزة

بينما كانت إسرائيل تقصف شمال قطاع غزة بغارات جوية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وتأمر بإجلاء أكثر من مليون فلسطيني من المنطقة، وجهت مسؤولة كبيرة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحذيرا صريحا للبيت الأبيض.

وكتبت دانا سترول نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط آنذاك في رسالة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023  إلى كبار مساعدي الرئيس جو بايدن تقول إن النزوح الجماعي سيشكل كارثة إنسانية وقد يمثل انتهاكا للقانون الدولي، مما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات إلى إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وذكرت سترول في الرسالة أنها كانت تنقل تقييما للجنة الدولية للصليب الأحمر "جمدت الدماء في عروقها".

وراجعت "وكالة رويترز" 3 مجموعات من الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، يرجع تاريخها إلى الفترة من 11 إلى 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الأزمة.

وتكشف رسائل البريد الإلكتروني، التي لم ترد تقارير عنها من قبل، عن قلق مبكر في وزارة الخارجية والبنتاغون من أن ارتفاع عدد القتلى في غزة قد ينتهك القانون الدولي ويعرّض العلاقات الأميركية مع العالم العربي للخطر.

وتُظهر الرسائل أيضا ضغوطا داخلية في إدارة بايدن لتغيير رسالتها من إظهار التضامن مع إسرائيل إلى الحديث عن التعاطف مع الفلسطينيين وضرورة السماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

و قال 3 مسؤولين أمريكيين كبار شاركوا في عملية صنع القرار إن واشنطن كانت بطيئة في التعامل مع معاناة الفلسطينيين. ورغم أن الغزو البري تأخر في نهاية المطاف حوالي 10 أيام، عزا المسؤولون الثلاثة ذلك التأخير إلى الاستعدادات العملياتية للجيش الإسرائيلي أكثر من الضغوط الأميركية.

وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني التي راجعتها رويترز محاولات حثيثة داخل إدارة بايدن لتحذير البيت الأبيض من الأزمة الوشيكة، ومقاومة مبدئية من البيت الأبيض لوقف إطلاق النار خلال الأيام الأولى الفوضوية من الحرب. وبدأ تبادل المجموعات الثلاث من رسائل البريد الإلكتروني في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي في اليوم الخامس من الغارات الجوية الإسرائيلية بعد هجوم حماس.

 فقدان المصداقية

في مرحلة مبكرة، تزايدت المخاوف داخل الإدارة بشأن صورة الولايات المتحدة في نظر حلفائها العرب. وبعد أن استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مستشفيات ومدارس ومساجد غزة.

أبلغ كبير مسؤولي شؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية، بيل روسو، كبار المسؤولين في الوزارة بأن واشنطن "تفقد مصداقيتها بين الجماهير الناطقة بالعربية" بعدم تعاملها مع الأزمة الإنسانية مباشرة، وذلك وفقا لرسالة بالبريد الإلكتروني أرسلت يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وذكرت السلطات الصحية في غزة في ذلك اليوم أن عدد القتلى بلغ نحو 1200 شخص.

وبينما دافعت إسرائيل عن الضربات، قائلة إن حماس تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية، كتب روسو أن الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط يراقبون التقارير الإعلامية العربية التي تتهم إسرائيل بشن "إبادة جماعية" وواشنطن بالتواطؤ في جرائم حرب.

كما كتب روسو أن "عدم استجابة الولايات المتحدة للأوضاع الإنسانية للفلسطينيين ليس فقط غير فعال وله نتائج عكسية، بل إننا متهمون أيضا بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة من خلال التزام الصمت حيال أفعال إسرائيل بحق المدنيين".

وفي ذلك الحين، كانت فرق الطوارئ تكافح لإنقاذ السكان المدفونين تحت الأنقاض بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، وبدأ تعاطف الدول يتحول من الإسرائيليين القتلى إلى المدنيين الفلسطينيين المحاصرين.

وبينما خاطب روسو كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، حث على التحرك سريعا لتغيير موقف الإدارة المعلن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل وعمليتها العسكرية في غزة. وكتب "إذا لم يتم عكس هذا المسار بسرعة، ليس فقط عبر الرسائل وإنما بالأفعال، فإن هناك مخاطرة بالإضرار بموقفنا في المنطقة لسنوات قادمة".

واستقال روسو في مارس/آذار الماضي، عازيا ذلك لأسباب شخصية، وأحجم عن التعليق. وأعادت باربرا ليف كبيرة الدبلوماسيين المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية إرسال رسالة روسو عبر البريد الإلكتروني إلى مسؤولي البيت الأبيض، بمن فيهم بريت ماكجورك كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط.

وحذرت من أن العلاقة مع شركاء واشنطن العرب "الذين كانوا سيكونون أنصارا مخلصين في ظروف أخرى" معرضة للخطر بسبب المخاوف التي أثارها روسو.

ورد ماكجورك بأنه إذا كان السؤال المطروح هو ما إذا كان ينبغي للإدارة أن تدعو لوقف إطلاق النار، فإن الإجابة هي "لا". لكنه استطرد قائلا إن واشنطن "تؤيد بنسبة 100 بالمئة" دعم الممرات الإنسانية وحماية المدنيين.

وأحجم ماكجورك وليف عن التعليق من أجل هذا التقرير ولكن بعد رسالة روسو عبر البريد الإلكتروني، لم يشهد الموقف الأميركي المعلن تغييرا يذكر على مدى اليومين التاليين، حسبما يُظهر استعراض التصريحات العامة. وواصل المسؤولون الأميركيون التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وخطط تزويدها بالمساعدات العسكرية.

تخفيف السرعة

في يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بعد يومين من رسالة روسو، ألقت طائرات إسرائيلية منشورات على شمال غزة تأمر مليون شخص من سكان القطاع بمغادرة منازلهم. وأعطى نتنياهو السكان مهلة 24 ساعة للفرار، في حين بدأت القوات الإسرائيلية مدعومة بالدبابات هجوما بريا داخل القطاع الذي تديره حماس والذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة. وتعهد نتنياهو بالقضاء على حماس بسبب هجومها.

وأثارت أوامر الإخلاء قلق وكالات الإغاثة والأمم المتحدة. وبحلول ذلك الوقت، كانت الغارات الجوية الإسرائيلية قد محت أحياء بأكملها.

وأصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف بيانا قالت فيه إن الأمر الإسرائيلي "لا يتوافق مع القانون الدولي الإنساني" لأن من شأنه أن يقطع الغذاء والمياه والاحتياجات الأساسية الأخرى عن غزة.

وفي محادثة هاتفية في ذلك اليوم مع سترول، كان فابريزيو كاربوني المدير الإقليمي للشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر وضوحا، كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني.

و قالت سترول في رسالتها يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول، التي وصفت فيها المحادثة بينهما، إن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليست مستعدة لقول ذلك علنا، لكنها تدق ناقوس الخطر في أحاديث خاصة من أن إسرائيل تقترب من ارتكاب جرائم حرب".

وكانت رسالتها عبر البريد الإلكتروني موجهة إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض، بما في ذلك ماكجورك، إلى جانب كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع (البنتاغون). وكتبت سترول "هاجسهم الرئيسي هو أنه من المستحيل أن يتحرك مليون مدني بهذه السرعة".

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين في سلسلة رسائل البريد الإلكتروني إنه سيكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا الإخلاء دون التسبب في "كارثة إنسانية".

وعلى المستوى العلني، كان البيت الأبيض يعبر عن دعم محسوب لخطط إسرائيل. فقد قال متحدث باسم البيت الأبيض للصحفيين إن مثل هذا الإخلاء الهائل يمثل "مهمة صعبة"، لكن واشنطن لن تنتقد إسرائيل. كما أكد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن المساعدات العسكرية الأميركية ستواصل التدفق إلى إسرائيل.

ولم تفتح مصر حدودها مع القطاع وذلك في إطار سياستها طويلة الأمد التي تقضي بمنع إعادة توطين الفلسطينيين بأعداد كبيرة. وقتل بعض الفلسطينيين الفارين من شمال غزة عندما قصفت إسرائيل السيارات والشاحنات.

وفي رسالة بالبريد الإلكتروني ردا على سترول، قال ماكجورك إن واشنطن ربما تكون قادرة على إقناع إسرائيل بتمديد مهلة إجلاء الفلسطينيين لأكثر من 24 ساعة، قائلا إن الإدارة "يمكنها شراء بعض الوقت". لكنه كتب أنه يتعين على الصليب الأحمر والأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أن تعمل مع مصر وإسرائيل للتحضير للإجلاء.

وشبه ماكجورك، الخبير في الشأن العراقي لفترة طويلة، الوضع بالعملية العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل من عام 2016 إلى عام 2017، وهو الهجوم الذي ترك المدينة العراقية في حالة خراب.

وقال إن الإستراتيجية العسكرية والإنسانية في هجوم الموصل تم التخطيط لهما جنبا إلى جنب. ورد مسؤولان في سلسلة رسائل البريد الإلكتروني بأنه سيكون من المستحيل تهيئة البنية التحتية اللازمة خلال هذا الوقت القصير.

وذكّر أحدهما ماكجورك بأن عملية الموصل نتجت عن تخطيط استمر لوقت أطول بكثير. فقد أتيحت للمنظمات الإنسانية شهور لتجهيز وتقديم الدعم للمدنيين النازحين.

وكتبت بولا توفرو المسؤولة الكبيرة في البيت الأبيض المعنية بالاستجابة الإنسانية في البريد الإلكتروني "تقييمنا هو أنه ببساطة لا توجد طريقة لحدوث هذا النطاق من النزوح دون التسبب في كارثة إنسانية"، وسوف يستغرق الأمر "شهورا" لتهيئة الهياكل اللازمة لتوفير "الخدمات الأساسية" لأكثر من مليون شخص.

وطلبت من البيت الأبيض أن يطلب من إسرائيل إبطاء هجومها. وكتبت توفرو "نحتاج من حكومة إسرائيل التخفيف من سرعة دفع الناس إلى الجنوب".

وحث أندرو ميلر، الذي كان نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية آنذاك، زملاءه على التحرك بسرعة. وكتب ميلر "إذا كنا نميل إلى التدخل لدى الإسرائيليين لثنيهم عن السعي إلى عمليات إخلاء جماعية، فسوف يتعين علينا فعل ذلك قريبا، وعلى مستوى رفيع وعبر نقاط اتصال متعددة". واستقال ميلر في يونيو حزيران، عازيا ذلك إلى أسباب عائلية.

تسريع التسليح

بينما كان المسؤولون الأميركيون يقيّمون الأزمة الإنسانية، ضغطت إسرائيل على واشنطن للحصول على مزيد من الأسلحة. ووفقا لرسائل البريد الإلكتروني، حث مسؤول كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن وزارة الخارجية الأميركية في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على تسريع شحن 20 ألف بندقية آلية للشرطة الإسرائيلية.

وفي ذلك اليوم اعتذر المستشار الدفاعي الإسرائيلي أوري كتساف في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى نظيرته في وزارة الخارجية الأميركية عن إزعاجها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنه قال إن شحنة البنادق "عاجلة جدا" ويجب أن توافق عليها الولايات المتحدة.

وقالت كريستين ميناريتش وهي مسؤولة في إدارة ضوابط التجارة في الأصناف الدفاعية، القسم المعني بالموافقة على مبيعات الأسلحة في وزارة الخارجية، لكتساف إن البنادق لن تتم الموافقة عليها خلال الساعات الـ24 أو الـ48 المقبلة. وقد تستغرق مثل هذه الشحنات الضخمة من الأسلحة وقتا طويلا، إذ تتطلب موافقة وزارة الخارجية وإخطار الكونغرس.

وأعادت جيسيكا لويس، التي كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية آنذاك، إرسال رسالة ميناريتش وطلب إسرائيل الحصول على البنادق إلى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية. ويتولى المكتب مراجعة مبيعات الأسلحة الأميركية المحتملة لضمان عدم إرسالها إلى الجيوش الضالعة في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب رسائل البريد الإلكتروني، طلبت لويس من المكتب تسريع مراجعته وأن يشرح "بشكل عاجل" أي معارضة منه لصفقات أسلحة محددة لإسرائيل. واستقالت لويس في يوليو/تموز.

وأوصى كريستوفر لومون نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان برفض أكثر من 12 صفقة أسلحة، بما في ذلك قاذفات قنابل، وقطع غيار، وبنادق. وفي رده على لويس، أشار إلى مخاوف بشأن "سلوك" وحدات معينة من الشرطة الإسرائيلية، مثل وحدة دوريات الحدود (يمام) وهي وحدة من القوات الخاصة.

وكتب لومون أن هناك "تقارير عديدة" عن تورط وحدة يمام في "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". وأبدى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان اعتراضا على 16 صفقة أسلحة منفصلة لإسرائيل، وفقا لرسالة البريد الإلكتروني ومصدر مطلع.

وقال المصدر إنه تم المضي في جميع الصفقات تقريبا على الرغم من اعتراضات المكتب. وشملت مهام وحدة يمام إنقاذ 4 رهائن إسرائيليين في الثامن من يونيو/حزيران الماضي وهي مهمة يقول مسؤولو الصحة في غزة إنها أسفرت عن مقتل أكثر من 200 فلسطيني.

وقال مسؤولان أميركيان اطلعا على قائمة محدثة بشحنات الأسلحة إن واشنطن ترسل إلى إسرائيل ذخائر بأعداد كبيرة منذ بدء الحرب في غزة، بما في ذلك أكثر من 10 آلاف قنبلة شديدة التدمير تزن 907 كيلوغرامات تقريبا والآلاف من صواريخ هيلفاير.

كما قال عدة مسؤولين أميركيين مطلعين على الأمر إن واشنطن ترسل إلى إسرائيل أعدادا كبيرة من الذخائر منذ اندلاع حرب غزة تشمل آلاف الصواريخ دقيقة التوجيه والقنابل التي تزن 907 كيلوغرامات والتي يمكنها تدمير المناطق المأهولة بكثافة واستخدمت في تدمير الأنفاق والمخابئ.

وتقول بعض جماعات حقوق الإنسان إن استخدام هذه الأسلحة هو السبب في مقتل المدنيين. وذكرت منظمة العفو الدولية 3 وقائع على الأقل في الفترة من العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى يناير/كانون الثاني 2024 تضمنت أسلحة قدمتها الولايات المتحدة وقالت المنظمة إنها قتلت مدنيين، بينهم نساء وأطفال، في "انتهاكات خطيرة" للقانون الدولي الإنساني.

وفي يوليو/تموز الماضي، حذرت المنظمة من تواطؤ الولايات المتحدة فيما قالت إنه استخدام إسرائيل غير القانوني للأسلحة الأميركية لارتكاب جرائم حرب.

مقالات مشابهة

  • واشنطن بوست: مراقبات بالجيش الإسرائيلي يخشين على حياتهن
  • حرب تحت الأرض.. كيف طورت الفصائل الفلسطينية قدراتها بعد عام من عدوان إسرائيل؟
  • رسائل تكشف مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية بغزة
  • “واشنطن بوست”: 20 صاروخا باليستيا سقطت في قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية
  • صحيفة “واشنطن بوست”: صواريخ إيران اخترقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضربت منشآت عسكرية واستخبارية
  • واشنطن بوست: صواريخ إيران تجاوزت الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضربت منشآت عسكرية
  • واشنطن بوست تكشف: إيران نجحت في تجاوز الدفاعات الإسرائيلية وضربت 3 منشآت عسكرية واستخبارية
  • واشنطن بوست ترصد اختراق ايران الدفاعات الإسرائيلية واصابة منشآت عسكرية واستخبارية
  • المشاط: 350 مليار جنيه تكاليف المرحلة الأولى للمبادرة الرئاسية "حياة كريمة"
  • ما هي خسائر فلسطين وإسرائيل الاقتصادية بعد عام على حرب غزة؟