القاهرة- في إحدى المجموعات الخاصة بالنساء على موقع التواصل الاجتماعي، كتبت سيدة تبحث عن عمل لابنها الذي يبلغ من العمر 14 عاما، ويقضي أغلب وقت الإجازة الصيفية في ألعاب الهاتف والحاسوب، وتنتهي ساعات يومه وهو على السرير لا يفارقه إلا لحظات محدودة.

شكوى الأم الأربعينية لم تكن الوحيدة، بل تبعتها عشرات التعليقات التي تؤكد أن حال ابنها لا يختلف عن حال كثير من المراهقين الذين أنهوا امتحاناتهم وتحولت حياتهم مع أسرتهم إلى علاقة تتلخص في تناول الطعام وقضاء وقت قليل للغاية مع الأسرة مقارنة بأوقات الدراسة.

عمل الأطفال ضد القانون

ومع الضائقة المالية التي تعاني منها أغلب الأسر المصرية، عادت فكرة عمل الأطفال في فصل الصيف تظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعد يقتصر الأمر على فترات التدريب التي كانت تقدمها بعض الشركات والمطاعم، لكن لجأ كثيرون للبحث عن عمل ملائم لهذه المرحلة العمرية، بينما انتاب القلق آخرين خوفا من تعرض الأبناء لمخاطر التعامل مع الغرباء في هذه السن المبكرة، وهم المعتمدون على أهلهم بشكل كامل.

أحمد العمري (45 عاما) محاسب في إحدى الشركات الخاصة، ولديه ابنتان عمرهما 14 و15 عاما، تحاولان منذ بداية الإجازة إقناعه بالموافقة على عملهن في إحدى الحضانات القريبة أو المطاعم أو غيرها من المهن التي لا تحتاج لخبرات خاصة، لكنه يرفض دوما رغم شعوره بأهمية العمل في هذه السن لبناء الشخصية.

يقول العمري للجزيرة نت إن "أجواء العمل في مصر سيئة للكبار بشكل عام، فما بالنا بأطفال يخوضون أولى تجارب حياتهم في هذه السن، وبالأخص لفتيات لا يوجد أي قانون يحميهن، بل على العكس، القانون يعرضني معهم للمساءلة القانونية في حالة تعرضهن لأي خطر. فإذا تعرضن لشيء لن أستطيع أن أقتص قانونيا، لأن القانون يجرّمني أنا بعمالة أطفالي".

استغلال أصحاب الأعمال ورفض الآباء

في مجموعة خاصة أنشئت للبحث عن فرص تدريب وعمل للطلبة في الإجازة الصيفية، تم تصنيف الأطفال إلى ما تحت 14 سنة و ما فوقها، لتكون الورشات التدريبية خاصة بالأطفال ذوي العمر الأقل، بينما تقتصر طلبات العمل على الأطفال الأكبر من 14 عاما.

لكن هل تتوافق فرص العمل المتاحة مع قوانين عمالة الأطفال، خاصة في ظل ظروف العمل القاسية التي تتطلب التزاما بعدد معين من الساعات، وإجازة أسبوعية ليوم واحد فقط، ورواتب هزيلة لا تتناسب مع الحد الأدنى الأجور. ذلك لأن بعض أصحاب الأعمال يعتبرون تلك الوظائف تدريبا عمليا للطلاب، لا يستلزم منح أجر عادل.

الشائع أن الأطفال ينخرطون في أعمال منخفضة الأجر (غيتي)

يقول محمود البنا (42 عاما) -وهو أحد أولياء الأمور المشاركين في مجموعة "مبادرة تدريب وعمل الطلبة بالإجازة"- إن المبادرة لإيجاد فرص تدريبية للشباب المراهقين محاولة جيدة بالطبع، لكن البعض يحاول استغلالها في الحصول على أيدٍ عاملة رخيصة الثمن، تقبل العمل دون اشتراطات.

ويؤكد البنا أنه فوجئ أثناء محاولته العثور لابنه (15 عاما) على فرصة لصقل شخصيته وزيادة احتكاكه بالمجتمع، بأن هناك الكثير من محاولات الاستغلال، إذ قد يمتد العمل إلى ساعات مبالغ فيها بالنسبة لتدريب تصل إلى 10 ساعات يوميا، مع مرتب شهري يبلغ ألفي جنيه (الجنيه يساوي نحو 31 دولارا) وإجازة يوم واحد في الأسبوع، وذلك لعامل التغليف في أحد المصانع، وهو ما رفضه الأب وكثير من أولياء الأمور لأنه استغلال لعمالة رخيصة تحت دعوى التدريب.

دراسة: عمل المراهقين مرتبط بمخاطر

وفي دراسة أجريت على 800 مدرسة متوسطة وثانوية من قبل الحكومة الكورية وتم نشرها في سبتمبر/أيلول 2020، بشأن توظيف المراهقين والصحة العقلية، خلصت النتائج إلى أن المراهقين ذوي الخبرة في العمل بدوام جزئي لديهم مستويات إجهاد إجمالية بنسبة أكبر ومشاكل في الثقة.

وأكدت الدراسة أن هناك آراء متضاربة حول تأثير تشغيل المراهقين في هذه المرحلة العمرية. فمن ناحية يمكن أن تكون فرصة لتعلم دروس الحياة ومحو الأمية المالية وكيفية إدارة الوقت. لكن من ناحية أخرى، ارتبط توظيف الشباب في هذه السن بانخفاض التحصيل الدراسي وسوء السلوك وارتفاع التعرض لمشاكل التدخين والمخدرات في سن مبكرة.

وقارنت الدراسة بين أنماط التوظيف لدى البالغين، وبين مثيلتها لدى المراهقين الذين من الشائع أن ينخرطوا في أعمال منخفضة الأجر، ويصعب فيها توافر بيئة عمل صحية. واعتبرت الدراسة أن الطلاب الذين يعملون في هذه السن المبكرة أكثر عرضة لخطر التعرض للعنف والصدمات الجسدية، مما يمتد أثره إلى الصحة العقلية.

يمكن استغلال الإجازة الصيفية بشكل جيد من خلال تنمية مهارات الأطفال بدل إرسالهم إلى العمل (بيكسلز) تنمية المهارات و الرياضة أهم

وبالرغم من اهتمام وزارة التضامن المصرية بفكرة الطفل العامل، وإنشائها 17 مركزا لرعاية الطفل العامل في 14 محافظة، لتقديم الخدمات الطبية والنفسية للطفل وعائلته، بالإضافة لتقديم وسائل للترفيه وأنشطة داعمة لمهارات الطفل العامل من دون تقييد حريته؛ فإن مفهوم العمل في المراحل المبكرة لا يزال يسيطر على العديد من أولياء الأمور، وهو ما يرفضه الدكتور مدحت جاد الرب أستاذ الطب النفسي بجامعة بنها، مؤكدا أن عمالة الأطفال في هذه السن تنعكس بشكل سيئ على شخصياتهم بعكس ما يعتقده الآباء، خاصة في ظل أوضاع صعبة في سوق العمل، وهي في الأغلب أوضاع لا يتحملها الكبار، فما بالنا بهؤلاء الصغار.

ويقول جاد الرب للجزيرة نت إن عمل الطفل "قد يعرضه لانتهاكات جسدية او نفسية أو جنسية، ولا يستطيع مصارحة أهله بها، كي لا يصبح شخصا غير مسؤول في نظرهم، بالإضافة لأنه يتحمل في كثير من الأحيان سوء المعاملة في أماكن العمل، كي لا يصفه أهله بأنه مدلل أو لا يتحمل المسؤولية، فيخرج الطفل من هذه التجربة محملا بكراهية فكرة العمل وكراهية أهله الذين تركوه يتعرض لتلك الإساءات دون محاولة لمد يد النجدة له".

ويؤكد الطبيب النفسي أن استغلال إجازة المراهقين الصيفية من الممكن أن يتم بشكل جيد من خلال تنمية مهاراتهم وممارسة الرياضة، والزيارات العائلية اللطيفة، وقضاء وقت جيد مع الأصدقاء، وتشجيعه على العودة للدراسة بنفسية سعيدة متأهبة للنجاح و التفوق، لا بنفسية تسعى للتخلص من قيود العمل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الإجازة الصیفیة

إقرأ أيضاً:

دعم توظيف الشباب وتمكين المرأة والاستثمار في تنمية المهارات.. المملكة تعزز دورها في قيادة مستقبل العمل على مستوى العالم

البلاد- الرياض

شهدت العاصمة الرياض تجمعًا عالميًا فريدًا خلال انعقاد المؤتمر الدولي لسوق العمل 2025، الذي أقيم تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله- بشعار” مستقبل العمل”، واحتضن نخبة من الخبراء والمتخصصين من أكثر من 100 دولة، بحضور إجمالي تجاوز 10 آلاف زائر من مختلف القطاعات، وجاء المؤتمر انعكاسًا لالتزام المملكة بتطوير سوق العمل وتعزيز التعاون الدولي، وتأكيدًا لدورها الريادي في قيادة مستقبل العمل على مستوى العالم.

وعلى مدار أيام المؤتمر، اجتمع القادة وصناع القرار وأصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص لمناقشة أبرز القضايا والموضوعات، التي تواجه سوق العمل العالمي، وقد كانت الجلسات حافلة بالحوار حول التحديات، التي تفرضها التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، وسبل التكيف معها عبر إستراتيجيات فعّالة تضمن بيئات عمل عادلة ومستدامة؛ من خلال النقاشات العميقة والحوارات المتبادلة، سلط المشاركون الضوء على ضرورة تحسين القوانين العمالية، وتعزيز معايير السلامة والصحة المهنية، إلى جانب دعم توظيف الشباب، وتمكين المرأة، والاستثمار في تنمية المهارات لضمان جاهزية القوى العاملة لمتطلبات المستقبل.

لم يكن المؤتمر مجرد لقاء تقليدي، بل كان منصة ديناميكية تفاعلية استعرضت خلالها المملكة جهودها المستمرة في تطوير بيئة العمل من خلال تبنّي أحدث السياسات والمبادرات، وقد ظهر ذلك جليًا في استعراض السياسات الوطنية، التي تبنّتها المملكة للقضاء على العمل الجبري، ما وضعها في مصاف الدول الرائدة عالميًا في تحقيق بيئات عمل منصفة، كما ناقش المشاركون أهمية مواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل، وهو ما كان للمملكة دور بارز فيه عبر تطوير برامج تدريب وتأهيل تواكب التحولات الرقمية، ما يسهم في تمكين القوى العاملة المحلية لمنافسة الأسواق العالمية بقدرات حديثة وكفاءات متطورة.

وكانت التكنولوجيا والتحول الرقمي من أبرز المحاور التي شغلت حيزًا واسعًا في المناقشات؛ إذ ركز المؤتمر على التغيرات التي أحدثها الذكاء الاصطناعي وأثرها في مستقبل الوظائف، ومدى قدرة الدول على التكيف مع هذا الواقع الجديد.
وفي سياق متصل، استعرضت المملكة استثماراتها في الرقمنة ودعم القطاعات الناشئة، لتوفير بيئة عمل مرنة تواكب التطورات السريعة وتتيح المزيد من الفرص الاقتصادية المستدامة.
من جانب آخر، لم تغفل أعمال المؤتمر أهمية السلامة والصحة المهنية، حيث جرى استعراض الجهود، التي بذلتها المملكة في هذا الجانب، التي شملت اعتماد إستراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية، وإنشاء مجلس وطني مختص، وتطوير أنظمة متقدمة للإبلاغ عن إصابات وأمراض العمل.

وأكد المشاركون أن بيئات العمل الآمنة ليست مجرد مطلب تنظيمي، بل هي عنصر أساسي في بناء سوق عمل أكثر إنتاجية وتحفيزًا للاستثمار في رأس المال البشري.
وفي خضم هذا الزخم الفكري والنقاشات المثمرة، برزت المملكة بصفتها رائدة في تنظيم المنتديات الدولية، حيث أتاح المؤتمر منصة استثنائية للحوار وتبادل الخبرات حول مستقبل العمل وفق أحدث المعايير العالمية، ولم يكن الحدث مجرد لقاء بين المختصين، بل كان نقطة انطلاق لخطط وإستراتيجيات جديدة تهدف إلى بناء سوق عمل أكثر عدالة واستدامة على مستوى العالم.

ومع إسدال الستار على المؤتمر الدولي لسوق العمل 2025، خرج المشاركون برؤية أكثر وضوحًا تستشرف مستقبل سوق العمل، مدركين أن التحديات القائمة تستلزم تكاتف الجهود الدولية لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، وبفضل استضافتها لهذا الحدث العالمي، عززت المملكة مكانتها؛ بصفتها قوة مؤثرة في تطوير السياسات العمالية العالمية، مؤكدةً التزامها الدائم بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة؛ وفق رؤية المملكة 2030، التي تمضي بخطى ثابتة نحو بناء مستقبل مزدهر للجميع.

مقالات مشابهة

  • كل ما تحتاج معرفته عن الإجازات الرسمية السنوية بالقطاع الخاص في 2025
  • موعد استئناف عمل البنوك بعد الأجازة الأسبوعية
  • إجازات العاملين بالقطاع الخاص وفقًا لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003: تفاصيل حقوق الإجازة الاعتيادية والمرضية
  • دعم توظيف الشباب وتمكين المرأة والاستثمار في تنمية المهارات.. المملكة تعزز دورها في قيادة مستقبل العمل على مستوى العالم
  • الإجازات السنوية المستحقة للعاملين بالقطاع الخاص في 2025
  • دراسة توضح فوائد الإجازات على الصحة النفسية
  • دراسة تكشف فوائد الإجازات على الصحة النفسية
  • بنك ناصر في رسالة للعملاء: فتح جميع الفروع غدا رغم الإجازة لصرف معاشات فبراير
  • تحت السن.. حقيقة مفاوضات الزمالك لضم المغربي معاذ الضحاك
  • حديقة الحيوانات بالعين تستقبل كبار السن مجاناً