أحمد العكيدي يعود أصل مفهوم صناعة الثقافة إلى كل من الفيلسوف النقدي الألماني تيودور أدورنو والفيلسوف ماكس هوركهايمر خلال القرن الماضي في كتاب معنون ب” جدل التنوير”. وكان يقصد به حينها الثقافات الشعبية التي تذر أرباحا على أصحابها من خلال تسويقها مثل: الأغاني والأفلام و الفلكلور وغيرها. هذه الثقافة المصنوعة يتم عادة إنتاجها وتسويقها بهدف التلاعب بالمجتمع وإغراقه في السلبية، وقد لا تبدع بالضرورة من طرف الجماهير.
كما أنها لا تسمو بالذوق العام وبالفكر وبالأخلاق أو تعزز استقلالية الفرد، بل على عكس ذلك تجعله يسعى وراء متعة لحظية غايتها تحقيق الربح على حساب الثقافة الحقيقية والإبداع. في حين تعتبر اليونسكو الصناعات الثقافية كل إنتاج أو سلع أو خدمات أو غيرها يصطبغ بألوان الثقافة، وتشمل عموما النصوص الأدبية والموسيقى والتلفزيون والأفلام والنشر والحرف اليدوية والتصاميم، وأحيانا يندرج في لائحتها الطويلة كل ما يتعلق بالعمارة والرياضة والسياحة الثقافية وما إلى ذلك. عموما هذا المفهوم حظي باهتمام الكثير من الباحثين والدارسين، لكل منهم أدلته ومصوغاته ومذاهبه وإيديولوجياته المتخندق بها، مما جعله يبدوا مطاطيا وملتبسا. لكنه في المجمل يتخذ من الثقافة غطاء له، يتسع باتساعها وقد لا يضيق بضيقها. المشترك بين كل عناصره الثقافة والاقتصاد أو بتعبير أدق كل منتج يدخل في خانة الثقافة يدر ثروة مادية. بيد أن السؤال الملح: ألا يؤثر التسليع سلبا في الثقافة؟ من المؤكد أن المنجز الثقافي، كتابا كان أو نصا أدبيا أو فلما سينمائيا أو غيره، لا بد له من موارد مالية تدعم انتشاره وبقائه وبدونها لن يكتب له وجود، وهذا من مسلمات الحياة. غير أن ربط الثقافة تعسفا بالربح قد يضر بأهدافها النبيلة في شقيها المادي و اللامادي. ويجعلها
مجرد بضاعة، وفق التصور الرأسمالي، خاضعة لقوانين الاقتصاد التي تهتم بالكم، وتقايس قيمة المنتج بالنقود أساسا، وما نراه مثلا من أغاني سريعة تنبعث فجأة كموجة متدفقة على الشاطئ، تبهر الناظرين وتشغل الناس لحظة ثم تعود لتخبو كأنها لم تكن، قد تحقق عائدا ماديا هائلا لكن قيمتها الفنية تنحدر غالبا نحو الصفر. في حين تبقى الأغاني الخالدة ذات الرسالة الهادفة والذوق الرفيع، حبيسة الخزانات أو مجرد أفكار قد لا ترى النور أبدا. في المقابل ورغم ما أتينا على ذكره من سلبيات، لا يمكننا أن نجحد لهذا النمط ايجابياته، فهو يساهم في دمقرطة المنتجات الثقافية ويسهل وصولها إلى عامة الشعب حسب إمكاناتهم المالية وأذواقهم الفنية، ويقلص الهوة بينهم وبين ثقافة النخبة والطبقات المقتدرة. لنضرب مثلا باللوحات المستنسخة الزهيدة الثمن التي أصبحت بديلا من اللوحات الأصلية، والأمر نفسه بالنسبة للمنحوتات، وأضحت تؤثث معظم المنازل والمكاتب، مستندة في ذلك إلى الوسائل التكنولوجية الحديثة التي ساعدت في تسريع هذا التحول. كما أن الصناعات الثقافية تساهم بنسب مهمة في الناتج الوطني الخام للعديد من الدول وتعتبر من القطاعات الأسرع نموا اقتصاديا، إضافة إلى مساهمتها في فرص الشغل وخفض معدل الفقر… في المحصلة وبعيدا عن مناصري تيارات التسليع والتيارات المضادة، للثقافة خصوصية تقتضي صياغة نموذج خاص يطوع مفاهيم الاقتصاد ليحافظ لها على قيمها الأصيلة، ويصون للمبدع حقه في حرية الإبداع والخيال دون ضغوط، يضع بينه وبين السوق حاجز أمان يجعل من الإبداع والجمال الفني والجودة والذوق الرفيع، وغيرها من المعاير الفنية أساسا لإنتاج أي عمل ثقافي. ليصبح بذلك الثقافي في خدمة التنمية من غير أن ينساق وراء قواعد التسليع بسلبياته، ولا يكون هاجس الربح المادي أكبر، وكأن الثقافة مجرد سلعة استهلاكية خاضعة لخطوط إنتاج نمطية. المغرب
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
«الثقافة» تفتتح ملتقى الأراجوز والعرائس التقليدية السادس الخميس المقبل
تفتتح وزارة الثقافة بإشراف الدكتور أسامة طلعت أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، ملتقى الأراجوز والعرائس التقليدية في دورته السادسة، الذي يقيمه المركز القومي لثقافة الطفل برئاسة الباحث أحمد عبد العليم، يوم الخميس المقبل بالحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب، الساعة الخامسة مساء.
وملتقى الأراجوز والعرائس التقليدية والذي بدأت فكرته عام 2019 بعد إدراج فن الأراجوز على قائمة الصون العاجل باليونيسكو، يهدف إلى الحفاظ على الأراجوز كفن غير مادي قابل للإندثار، وذلك من خلال تدريب لاعبين جدد على استخدام «الأمانة» أداة الأراجوز في التحدث، ومن خلال تأصيل علمي لفن الأراجوز، وكذلك كتابة مجموعة من النمر الأراجوزية التي تواكب الجيل الجديد من الأطفال.
برنامج افتتاح الملتقى
وقال السيناريست وليد كمال مدير الإعلام بالمركز، في بيان، اليوم الثلاثاء، إن برنامج افتتاح الملتقى يتضمن تكريم الكاتب محمد ناصف الرئيس الشرفي للملتقى ورئيس المركز القومي لثقافة الطفل الأسبق، كما يتضمن تكريم الجهات التي ساهمت مع المركز في إنجاح ملتقى الأراجوز وهما المعهد العالي لفنون الطفل، والمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون.
وأضاف المسئول الإعلامي للملتقى، أن الفعاليات تبدأ على المسرح الكبير بالسلام الوطني، يليه كلمة الباحث أحمد عبد العليم مدير المركز، لتبدأ العروض الفنية بعرض غنائي لفريق كورال «سلام» بقيادة المايسترو وائل عوض والذي يتغنى بأغنية جديدة تم إنتاجها خصيصا للدورة السادسة من ملتقى الأراجوز، وهي أغنية «تع تع» وهي كلمة شعبية بمعنى تعالى، كلمات الشاعر أحمد زيدان، وألحان وتوزيع وائل عوض، ثم عرض استعراضي لفرقة «بنات وبس» على أنغام أغنية «أراجوز المدارس» بقيادة الفنان عبد الرحمن أوسكار.