واشنطن " د ب أ ": بعد أن تلاشت الآمال في تعافي الاقتصادات المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة في العام الذي انطوى أمس يبدو أن تحقيق هذا التعافي خلال العام الجديد لن يكون مضمونا في ضوء التوترات الجيوسياسية التي يعاني منها العالم.

وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء يقول المحلل الاقتصادي كريس أنستي إن الأمور في اللحظة الراهنة تبدو مبشرة، حيث يسيطر الجمود على الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ومازالت الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين محلية بدرجة كييرة (رغم أن الموقف يمكن أن يتغير في أي لحظة)، كما أن حدة الصراع بين الولايات المتحدة والصين تراجعت بعد القمة التي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج.

لكن كل هذه الأوضاع الجيوسياسية يمكن أن تتغير إلى الأسوأ في العام الجديد مما سيؤثر سلبا على العديد من قطاعات الاقتصاد العالمي.

وحتى على الصعيد الاقتصادي، ينطوي 2024 على مخاطر جديدة. فرغم النجاح واسع النطاق لجهود السيطرة على موجة التضخم المرتبطة بجائحة فيروس كورونا المستجد، فإن التأثير الكامل لحملة تشديد السياسات النقدية الصارمة لم تتبلور بصورة كاملة حتى الآن. ويمكن القول إنه إذا لم تتحرك البنوك المركزية الكبرى لتخفيف السياسات النقدية وخفض أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة ، قد يتعثر التحسن الاقتصادي الذي طال انتظاره .

ومما يزيد درجة الغموض التي تحيط بآفاق الاقتصاد العالمي في العام الجديد موجة الانتخابات التي ستشهدها أكثر من 50 دولة، وتمثل حوافز لكل من صناع السياسات ومنافسيهم السياسيين. وهناك انتخابات واحدة يمكن أن تؤثر بشكل جذري على الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية العالمية وهي انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل.

ويقول أنستي المتخصص في الشؤون الاقتصادية والذي عمل في واشنطن ولندن وطوكيو إنه مع دخول العام الجديد اقتربت أسعار الأسهم في العالم من أعلى مستوياتها على الإطلاق، كما تم الفوز في المعركة ضد التضخم تقريبا، ومع ذلك يحتاج الأمر للنظر إلى المشكلات المحتملة التي يمكن أن يحملها .2024

والحقيقة أن انهيار الأوضاع العالمية خلال يناير الحالي ليس مستحيلا. فمخصصات المساعدات الأمريكية لأوكرانيا تتلاشى بسبب رفض الأغلبية الجمهورية في الكونجرس الموافقة على حزمة المساعدات الجديدة، دون موافقة إدارة الرئيس بايدن على تشديد القيود على طالبي اللجوء والمهاجرين إلى الولايات المتحدة. كما أن الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبة في مواصلة تقديم المساعدات لكييف بسبب الرئيس المجري فيكتور أوربان الذي يؤكد علاقته الحميمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وإذا انهارت الجبهة الأوكرانية، يمكن أن تنهار الثقة في العالم. كما أن الثقة التي ستجنيها روسيا من مثل هذا الانتصار سيكون له تداعيات لا يمكن توقعها، وربما تغري بوتين بشن حرب جديدة في أوروبا، مستغلا انشغال أمريكا بمساعدة إسرائيل في حربها ضد الفلسطينيين.

ورغم استمرار الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة منذ 3 شهور ، مما أسفر عن مقتل أكثر من 21 ألف فلسطيني، مازالت الحرب تدور دخل نطاق غزة وإسرائيل ولم تتحول إلى حرب إقليمية أوسع نطاقا. ولكن الأمور قد تتغير خلال العام الجديد. فبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية يطالبون بتوسيع نطاق الحرب ضد لبنان وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران، والذي يتبادل القصف مع إسرائيل منذ بدء حرب غزة. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تشعل حربا أوسع نطاقا مع حزب الله جيد التسليح، وربما تشترك فيها إيران بشكل مباشر، بحسب تحليل نشره مركز أبحاث جافيكال يوم 18 ديسمبر الماضي.

ويقول توم هولاند ويانمي شي الباحثان في مركز جافيكال "في حال أي هجوم إسرائيلي، ستكون طهران ملزمة بتقديم الدعم لحزب الله بصورة أكبر وأوضح مما تفعل مع حركة حماس الفلسطينية حاليا، وإلا فإنها ستفقد مصداقيتها لدى حلفائها الآخرين في المنطقة" مثل الفصائل الشيعية المسلحة في العراق وجماعة الحوثي في اليمن وغيرها.

كما يمكن أن تصب هجمات الحوثيين على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل التي تمر عبر باب المندب، ورد البحرية الأمريكية عليها، بالإضافة إلى اغتيال القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في سوريا قبل أيام المزيد من الزيت على النار في الشرق الأوسط. ويمكن لهجمات الحوثيين من الناحية النظرية، أن تغلق مضيق باب المندب وهو ممر بحري استراتيجي للاقتصاد العالمي، مما يمكن أن يكبد العالم خسائر اقتصادية كبيرة.

يأتي هذا التهديد في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة الرد "بقوة" على أنصار الله. وتحاول وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" طمأنة شركات الملاحة البحرية إلى سلامة المرور في البحر الأحمر بفضل القوة البحرية متعددة الجنسيات التي تقودها واشنطن تحت اسم "حارس الازدهار" في المنطقة لتأمين الملاحة فيها. لكن مازال أغلب الشركات ترفض المرور في البحر الأحمر. كما أن شركة ميرسك الدنماركية العملاقة التي أعلنت قبل أيام استئناف عبور سفنها في مضيق باب المندب، عادت اليوم وأعلنت تعليق مرور السفن فيه لمدة 48 ساعة بعد تعرض إحدى سفنها لهجوم بصاروخ.

وفي تحليل مركز جافيكال يقول هولاند وشي إن "الغرب سيتحمل تكلفة اضطراب 10% من تجارة العالم التي تمر عبر باب المندب، في طريقها من وإلى قناة السويس ... الخطر هو أن وضع عدد كبير من العقبات أمام عجلات التجارة العالمية يمكن أن يكون نبأ سيئا بالنسبة للنمو الاقتصادي وللكثير من الأسواق العالمية".

ومع الانتقال إلى أقصى الشرق على خريطة العالم، سنجد تايوان على موعد من انتخابات رئاسية يوم 13 يناير الحالي، وهي انتخابات تتابعها الصين باهتمام كبير. وقد أعلنت بكين بوضوح معارضتها لنائب الرئيس التايواني لاي تشينج تي الذي يؤيد حزبه استمرار استقلال تايوان عن الصين. ويمكن أن يؤدي إلى تحرك استفزازي من أي من الجانبين الصيني أو التايواني في حال فوز لاي تشينج بالرئاسة إلى تصاعد التوتر في منطقة أخرى حيوية للتجارة العالمية.

وأخيرا يمكن القول إنه مما يزيد الطين بلة، هو أن بؤر التوترات الجيوسياسية الثلاثة الرئيسية في العالم من حرب أوكرانيا إلى انتخابات تايوان مرورا بحرب إسرائيل ضد الفلسطينيين يمكن أن تغذي كل منها الأخرى. فأي انتصار روسي في أوكرانيا مع قيام عملاء إيران بغلق طريق التجارة الحيوي بين أوروبا وآسيا عبر البحر الأحمر، يمكن أن يشجع الرئيس الصيني شي جين بينج على التحرك ضد تايوان بعد انتخاباتها الرئاسية، ليجد العالم نفسه في مستنقع فوضى سياسية واقتصادية غير مسبوقة في العام الجديد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی العام الجدید باب المندب یمکن أن کما أن

إقرأ أيضاً:

الطيران العماني يُعلن عن تسيير رحلاته إلى موسكو على مدار العام مع إطلاق جدول الصيف الجديد

"عمان": أعلن الطيران العُماني عن تمديد تشغيل رحلاته الجوية بين مسقط وموسكو على مدار العام، ويأتي هذا القرار استجابةً للنجاح الذي حققته الوجهة والطلب المتزايد على السفر بين سلطنة عُمان وروسيا، وسيُسيّر الناقل الوطني رحلاته في موسم الصيف لتصل إلى ثلاث رحلات أسبوعيًا بين مسقط والعاصمة الروسية، خلال الفترة من مايو حتى نهاية سبتمبر، وتُضاف هذه الرحلات إلى جدول الشتاء الذي يشمل ما يصل إلى ست رحلات أسبوعيًا يتم تشغيلها من أكتوبر إلى أبريل.

وقال معالي المهندس سعيد بن حمود المعولي، وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، ورئيس مجلس إدارة الطيران العُماني: "يمثل إطلاق رحلات الصيف عودة التشغيل على مدار العام لخط موسكو، مما يعزز مكانة الطيران العُماني في هذا السوق المهم استراتيجيًا، ويؤكد الدور المحوري الذي يلعبه الخط الجوي بين روسيا وسلطنة عُمان في دعم السياحة والتجارة والتبادل الثقافي، ومع مواصلة الشركة جهودها للاستثمار في الأسواق ذات الأهمية الاستراتيجية، يسعدنا المساهمة في الأهداف الوطنية الرامية إلى تعزيز الانفتاح العالمي والتنويع الاقتصادي".

وأضاف كون كورفياتيس، الرئيس التنفيذي للطيران العُماني: "تُعد موسكو إحدى الوجهات ذات الأداء المتميز ضمن شبكة وجهاتنا، كما أن تشغيلها على مدار العام يُمكّننا من تلبية الطلب المتزايد في مختلف المواسم والوصول إلى شريحة أوسع من المسافرين، هذا التوسع يعزز خيارات الربط لضيوفنا، ويدعم استراتيجيتنا الشاملة لشبكة الوجهات من خلال ربط روسيا بمختلف مناطق الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا عبر مركزنا التشغيلي في مسقط، بالإضافة إلى المساهمة الإيجابية في تحقيق أهداف سلطنة عُمان السياحية".

وخلال جدول الصيف، ستكون الرحلات بين مسقط وموسكو أيام الثلاثاء والسبت خلال شهري مايو ويونيو، على أن تُضاف رحلة ثالثة يوم الخميس اعتبارًا من شهر يوليو وحتى نهاية سبتمبر. وسيتم تشغيل هذه الرحلات باستخدام طائرات بوينج 737 ذات البدن الضيق، والتي تضم درجة رجال الأعمال والدرجة السياحية.

وسيتمكن الضيوف من الاستمتاع بكرم الضيافة العُمانية الأصيلة، وخدمة الطيران العُماني المتميزة الحائزة على جوائز، مما يضمن لهم تجربة سفر سلسة ومريحة على مدار العام.

مقالات مشابهة

  • عمليات بيع مكثفة لسندات الأسواق الواعدة
  • متحدث الوزراء: الانتهاء من المرحلة الأولى بـ"حياة كريمة" مع العام المالى الجديد
  • تحليل أمريكي: ما أبرز التحديات التي ستواجه ترامب بشأن القضاء على الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • تحذير إسرائيلي: الرسوم الجمركية الأمريكية تهدد مستقبل اقتصادنا
  • تحليل: "ديربي كازا" هذا العام دون حماسة كبيرة بعد تدني مستوى الفريقين
  • الطيران العماني يُعلن عن تسيير رحلاته إلى موسكو على مدار العام مع إطلاق جدول الصيف الجديد
  • هل يمكن أن تتحول المظاهرات إلى قوة ضغط حقيقية تجبر الحكومات على كسر الصمت؟
  • القضية الكردية في خضم الصراعات الإقليمية
  • النفط العالمي تحت ضغط التوترات الجيوسياسية وتباطؤ الاقتصاد
  • المسافرون واحتياطيات العراق.. تحليل لقرار المركزي في ظل أزمة مالية مقلقة