البساطة أداة اغتيال شعري أم أسلوب حياة؟
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
أثير – عبدالله العريمي
هل بساطة القصيدة أرض الجريمة الشعرية وأداة اغتيال، وهل الانغلاق التام هو ثبوتية للشعرية العالية، قد تهب البساطة حياة كاملة للقصيدة، وقد يخرج خيط الدم الأول من يد الانغلاق والغموض وعدم القدرة على التفسير، إنها لعبة بين البين تلك المنطقة الفاصلة بين الضوء والعتمة، المساحة الأمثل للقصيدة، لم أرَ دمُ القصيدة يوما يطارد نزار قباني وهو يقول:
تحدثي
عما فعلت اليوم
-أي كتاب- مثلا
قرأت قبل النوم؟
أين قضيت عطلة الأسبوع؟
وما الذي شاهدت من أفلام؟
بأي شط كنت تسبحين؟
هل صرت
بلون التبغ والورد ككل عام؟
القصيدة هذه الحسناء غير القابلة للتعريف والتصنيف تنتقي من خزانة ملابسها ما شاءت من ألوان لحضورها، وما شاءت من موسيقى لمرافقتها، دون أن تعكر صفو حضورها أسئلة ومعادلات كثيرة، تُسقط المعنى في هذا الوعاء اللغوي وفق سياق جمالي متصل يحيل العادي إلى شعري بامتياز، وقد تحتال أحيانا فتصور الأشياء على غير صورتها، المهم لديها هو صناعة الإلذاذ والجمال، وأن تكون قادرة على إقناع البرق وصغار النحل، والسياق الجمالي الواحد هو سيد الإثبات، يقول المتنبي في قصيدته التي يتداولها الناس عن الحمى:
يقول لي الطبيبُ أكلت شيئا وداؤك في شرابك والطعامِ
لولا السياق الذي رفع البيت إلى أعلى مدارج الشعرية، لظل إشارة في ورقة وصف طبية، أو ثرثرة فارغة بين عناصر الكلام، وبقينا نحن نحصي ضحايا القصيدة لدى أبي الطيب، ولولا إخلاصه لشعره واشتغاله الدائم على القصيدة لطال في القصيدة عمر الارتباك وسوء العلاقة بين وعيه وأعضاء جسده نتيجة الارتفاع المؤقت لدرجة حرارة الجسم، كما يقول الشاعر الفرنسي جاك بريفر:
كلنا نموت
الحمار يموت من التعب
والملك يموت من الضجر
وأنا أموت من الحب.
تعددت انشغالات الذهن وتباينت الهموم إلا أن الموت بصفته نتيجة حتمية بقي ثابتا وإن اختلفت هيئته وأسبابه، ضجر وحنين وخوف وحكمة مُتعِبة، واستقراء للعوالم الجوانية كل ذلك طرحه بريفر بهذه البساطة البالغة والوضوح التام، وفي جملة شعرية مفتوحة على التأويل وارتحال المعنى يقول أراغون مجنون الزا:
عيناكِ عميقتان
ولشدة عمقهما أضعت ذاكرتي
إذن لا يمكن أن تكون البساطة الظاهرة فُرْنا معدا للقصيدة، كما أن الانغلاق التام على الذات ليس وقتا زائدا أو ضوءاً مُبشرا بجماليات عالية، بل القدرة على صناعة الدهشة والجمال هو ما يبقي القصيدة على قيد الحياة، أن تكون القصيدة ساحة مكتظة بالورد المطمئن، خير من أن تكون معرضا مكتظا بلوحات الموت ودلالته، وأن تكون معرضا منظما بإتقان لأدوات الجمال خير من أن تكون ساحة للورد الميت، خلاصة الأمر هو أننا في بلاط القصيدة نظل في حالة ترقب دائم لإيقاع خطواتها الملكية لندرك هيئتها وأسلوب رقصتها الأخير على الورق بعد انعتاقها الموسيقي الأول.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: أن تکون
إقرأ أيضاً:
بعد تأجيل زيارة بركة لمشروع الربط المائي بالشمال... بايتاس يقول إن الزيارة ستتم حين تنتهي التجارب
بعد تأجيل زيارة نزار بركة وزير التجهيز والماء لمشروع الربط المائي بالشمال، وما أثار ذلك من تساؤلات حول علاقة التأجيل بمشهد « انعزال » وزراء الاستقلال في البرلمان، في جلسة الأسئلة الشهرية ليوم الإثنين الماضي، خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة، اليوم الخميس، ليؤكد في جواب عن سؤال لـ »اليوم 24″، على أن الوزير بركة سيشرف على انطلاق المشروع حين تنتهي التجارب المتعلقة بقنوات الماء.
وأضاف بايتاس في الندوة الصحافية التي تلت الاجتماع الأسبوعي للحكومة، « نفهم أن وزير التجهيز لم يذهب للزيارة، بسبب عدم اكتمال التجارب، وحين تنتهي التجارب سوف يذهب الوزير للإشراف على انطلاقته »، مشيرا إلى أن « القراءات التي نقرأ يمينا ويسارا لا مكان لها في أرض الواقع ولا في الحقيقة ».
وأوضح بايتاس، أن « نسبة إنجاز مشروع الربط المائي بين سدي وادي المخازن ودار خروفة بلغت 96 في المائة، ومن المرتقب الشروع في استغلاله خلال فبراير المقبل ».
وبينما قال بايتاس، اليوم الخميس، إنه « يتم حاليا إنجاز تجارب سلامة القنوات من التسربات على مستوى حوالي 11 كيلومترا متبقية، وسيتم الشروع في ملء القنوات مباشرة بعد الانتهاء من هذه التجارب »، كان مديرا مركزيا بوزارة التجهيز والماء، قال أول أمس الثلاثاء، في تصريح لـ »اليوم 24″، إن « الماء في القنوات الآن، وقد وصل فعليا إلى سد دار خروفة ».
وأوضح المصدر المسؤول في وزارة بركة، أن « زيارة وزير التجهيز والماء التقنية للمشروع، حُدد لها موعد يوم السبت الماضي، آنذاك لم يكن الماء قد وصل إلى سد دار خروفة، ورغم ذلك كان الوزير سينفذ زيارته قبل أن يتم تأجيلها لأسباب شخصية »، دون تفاصيل أكثر.
من جهة أخرى، قال بايتاس، إن « مشروع ربط سدي وادي المخازن ودار خروفة يندرج في إطار البرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي، الذي يحظى بعناية ملكية سامية، ويتعلق بالشطر الثاني من الربط بين منظومتي اللوكوس وطنجة، لتحويل الماء الفائض إلى المناطق المعنية، وذلك بعد الشروع في استغلال الشطر الأول سنة 2021 ».
وأوضح المسؤول الحكومي، أن « المشروع يهدف إلى تحويل 100 مليون متر مكعب من سد وادي المخازن نحو سد دار خروفة، لتأمين تزويد قطب طنجة بالماء الصالح للشرب، والحد من ضياع الفائض من المياه المسجل بسافلة سد واد المخازن خلال الفترات الممطرة، مشيرا إلى أن كلفته تبلغ 820 مليون درهم ».