تقرير أمريكي عن قناة السريانية العراقية: حماية لغة وثقافة من الاندثار
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
شفق نيوز/ سلط موقع "ذا وورلد"، وهي إذاعة أمريكية متخصصة بأخبار العالم، الضوء على أهمية إطلاق العراق لقناة "السريانية" التلفزيونية التي تشكل مساهمة في الحفاظ على اللغة السريانية ومساعدة الناس على البقاء والاحتفاظ بالارتباط بلغتهم وثقافتهم التي تعرضت للتهديدات.
وأشار التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إلى أن "السريانية" أطلقتها قناة "العراقية" الإخبارية التي تبث أيضاً برامج باللغتين الكوردية والتركمانية، وأن القناة الجديدة باللغة السريانية تستهدف الحفاظ على اللغة القديمة المستمدة من الآرامية، اللغة الأصلية للكتاب المقدس والمسيح.
واستهل الموقع الأمريكي تقريره بتناول مشهد تجمع العشرات من الأشخاص للصلاة في كنيسة صغيرة في بغداد في يوم أحد مشمس، وذلك أمام ستراة قرمزية اللون، ومنبر عليه صليب سرياني من الذهب، ويتضمن 12 دائرة في نقاطه تمثل التلاميذ الـ12 ليسوع، فيما يتلون صلواتهم باللغة السريانية التي يتحدث بها في الغالب المسيحيون في العراق وسوريا.
ولفت التقرير إلى أن اللغة السريانية آخذة بالتلاشي حيث يتناقص عدد الناس الذين يتحدثون بها، مشيراً إلى أن اللغة الرسمية المعتمدة في العراق هي العربية والكوردية.
وتابع التقرير القول إنه بعد الحملات التي قامت بها بعض المجموعات، فإن قناة "السريانية" التلفزيونية الممولة من الحكومة العراقية، تراهن على تغيير ذلك الوضع، بينما يقول أفراد المكون السرياني أن افتتاح القناة التلفزيونية يمثل خطوة جيدة نحو الحفاظ على اللغة السريانية ومساعدة الناس على البقاء على الارتباط بلغتهم وثقافتهم.
ولفت التقرير إلى أن 40 موظفاً يعملون في القناة السريانية، ويمكن مشاهدتها في العراق ومختلف أنحاء العالم عبر شبكات الأقمار الصناعية، مثل "النايل سات" و"العرب سات"، وهي بمثابة محطة تلفزيونية شقيقة لقناة "العراقية" التي تأسست فيما بعد سقوط نظام صدام حسين، وتبث أيضاً باللغتين الكوردية والتركمانية.
وأوضح التقرير أن نشرات الأخبار تقرأ باللغة السريانية الفصحى، إلا أن الكثير من برامج القناة الأخرى، والتي تتضمن برامج حول السينما والفن والتاريخ والنشاطات الثقافية والموسيقى، يتم تقديمها بلهجة من لهجات هذه اللغة.
ونقل التقرير عن مدير القناة جان انويا قوله إنه "يوجد لدينا فقرات يومية مثل الأخبار والبرامج الصباحية وأيضاً برامج وثائقية عن تاريخ الكنيسة والمواقع التاريخية"، مضيفاً أنه يتم "بث الأغاني والموسيقى السريانية الكلاسيكية، وعرض أفضل 100 فيلم، ولدينا مراسلون من الميدان".
وذكر التقرير أن أقدم السجلات المكتوبة لاستخدام اللغة السريانية ترجع إلى القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد، لكن استخدام هذه اللغة وصل إلى ذروته بين القرنين الـ5 والـ7 الميلاديين، إلا أنه في ظل الفتوحات الإسلامية، صار عدد أكبر من الناس في المنطقة يستخدمون العربية، مما أدى لاحقاً إلى تراجع استخدام السريانية، إلا أن هذه اللغة ظلت سائدة في النصوص الدينية وصولاً إلى العصر الحديث.
وأشار التقرير إلى أنه قبل إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش، الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، كان البلد يقطنه نحو 1.5 مليون مسيحي، لكن ذلك الوقت، انخفض عددهم إلى نحو 400 ألف شخص، حيث تسببت الحرب في نزوح العديد منهم إلى دول أخرى أكثر أماناً، غير أن التراجع الكبير أيضاً جرى بسبب هجوم داعش في العام 2014، والذي استهدف المسيحيين وغيرهم من الأقليات الأخرى.
وتابع التقرير أن العديد من العائلات المسيحية استقرت في دول أخرى حول العالم، بينما سعت الأجيال الشابة إلى اعتماد لغات البلدان المضيفة، وخسرت ارتباطها باللغة السريانية ما لم يتم التحدث باللغة في المنزل.
ونقل التقرير عن كاهن كنيسة المشرق القديمة في بغداد الأب قشا شمعون قوله "إنهم يبقون هناك (في بلدانهم الجديدة) لأن أبنائهم وبناتهم يولدون هناك، ويتعلمون ثقافة هذه الدول، ولهذا من الصعب عليهم العودة إلى العراق".
ولفت شمعون إلى أن الوضع الأمني في العراق يتحسن، والمجتمع المسيحي صغير الحجم، وأبناء المكون المسيحي يعتبرون أن القناة التلفزيونية "كانت جيدة في تقديم البرامج السريانية، وأنهم يحبون مشاهدتها".
وختم التقرير بالقول إن مئات الكتب والمخطوطات السريانية نجت من عقود من الحرب والهجرة، مضيفاً أنه قبل احتلال داعش أجزاء كبيرة من شمال العراق في العام 2014، أنقذ رئيس أساقفة الموصل الكلدانيين الكاثوليك نجيب ميخائيل، مجموعة من المخطوطات السريانية التي تعود إلى قرون.
وأضاف أن العديد من هذه المخطوطات محفوظة في "المركز الرقمي للمخطوطات الشرقية" في أربيل، والذي تدعمه منظمة اليونسكو والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والرهبانية الدومينيكية الكاثوليكية.
ونقل التقرير عن انويا قوله إنه من المهم عدم خسارة اللغة السريانية، فهي "من أقدم اللغات العراقية، ويتحتم حمايتها من الانقراض".
ترجمة: شفق نيوز
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي قناة العراقية فی العراق إلى أن
إقرأ أيضاً:
حين يصبح التخابر السياسي مشروعا .. كيف تُدار المؤسسات العراقية بمصالح إقليمية؟- عاجل
بغداد اليوم - بغداد
منذ عام 2003، والعراق يتحوّل إلى ساحة مفتوحة للنفوذ الإقليمي والدولي، حيث تشابكت مصالح القوى الخارجية مع المصالح الحزبية، فتداخل الأمني مع السياسي، وامتزجت الولاءات المحلية بالحسابات الدولية.
لم تكن هذه التحولات مجرد انعكاس لصراعات القوى الكبرى فحسب، بل أصبحت جزءًا من بنية النظام السياسي العراقي نفسه، حيث تحولت المناصب الحكومية والمواقع الأمنية الحساسة إلى أدوات بيد جهات لها ارتباطات خارجية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي خضم هذا المشهد، يبرز السؤال الكبير: لماذا لا يفتح جهاز المخابرات العراقي ملف الشخصيات والأحزاب ذات الولاءات الخارجية؟ هل يعود ذلك إلى غياب المعلومات، أم أن الجهاز نفسه مقيد بسلاسل المحاصصة السياسية والطائفية؟ وإن كان القانون العراقي يجرّم التخابر مع جهات أجنبية، فلماذا لا تُطبَّق هذه النصوص على شخصيات نافذة واضحة الارتباط بقوى إقليمية ودولية؟
قانون التجسس في العراق: نصوص معلقة
في كل الدول ذات السيادة، يُعدّ التخابر مع جهات أجنبية جريمة يعاقب عليها القانون، سواءً كان ذلك عبر تقديم معلومات استخبارية لدولة أخرى أو تنفيذ أجندات سياسية لمصلحة قوى خارجية. العراق ليس استثناءً، حيث يجرّم قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 أي تواصل غير مشروع مع جهات أجنبية يُعرّض الأمن القومي للخطر.
لكن المشكلة لا تكمن في غياب القوانين، بل في غياب الإرادة السياسية لتفعيلها. فمنذ عام 2003، أصبح المشهد العراقي غارقًا في التوازنات الحزبية والمحاصصة الطائفية، ما جعل تطبيق هذه القوانين شبه مستحيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات نافذة تمتلك حلفاء داخل الدولة وخارجها. هذا التعقيد دفع جهاز المخابرات العراقي إلى التغاضي عن هذه الملفات، إما بحكم الأمر الواقع أو بسبب تدخلات سياسية تمنعه من ملاحقة شخصيات محسوبة على جهات نافذة.
المخابرات العراقية والمحاصصة السياسية: جهاز مكبَّل بالإرادات الخارجية
حينما يُطرح الحديث عن قدرة جهاز المخابرات العراقي على ملاحقة الأحزاب والشخصيات السياسية المرتبطة بالخارج، يتبادر إلى الذهن السؤال الأهم: هل يمتلك الجهاز صلاحية فعلية لملاحقة هؤلاء؟ المحلل السياسي سيف الهاشمي يرى أن المشكلة ليست في نقص المعلومات أو العجز الاستخباري، بل في طبيعة المهام الموكلة للجهاز، والتي لم تشمل – وفق تعبيره – "ملاحقة الشخصيات ذات الولاءات الخارجية، رغم معرفة الجميع بوجودها".
يؤكد الهاشمي بحديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "جهاز المخابرات العراقي نفسه خضع لنظام المحاصصة الطائفية، ما يعني أن أي محاولة لملاحقة شخصيات معينة قد تُفسَّر على أنها استهداف طائفي أو سياسي، خاصة أن الكثير من هذه الشخصيات تأتي إلى مناصبها بدعم من قوى سياسية تمثل طوائف أو مكونات معينة. وبالتالي، فإن أي تحرك في هذا الاتجاه قد يُفجّر أزمة سياسية داخلية قبل أن يكون خطوة لحماية السيادة العراقية".
ويضيف أن "العراق بعد 2003 شهد عملية ديمقراطية بتدخل مباشر من الدول الكبرى، وهو ما سمح بتقاسم النفوذ والمصالح، ما جعل بعض الوزارات والهيئات الأمنية تُدار بشكل غير مباشر من قبل جهات تمتلك ارتباطات خارجية. لذلك، من غير المستغرب أن يكون هناك مسؤولون عراقيون يعملون وفق أجندات دولية وليس فقط لمصلحة العراق".
حينما يتعلّق الأمر بالنفوذ الأجنبي داخل العراق، فإن الأمر لا يقتصر فقط على شخصيات سياسية تدين بالولاء لقوى خارجية، بل يمتد إلى بنية الدولة نفسها. فالعديد من الوزارات الحساسة أصبحت تُدار من قبل شخصيات محسوبة على جهات خارجية، سواء من خلال الدعم السياسي أو العسكري أو حتى المالي. هذه الديناميكية جعلت القرار السياسي العراقي رهينة توازنات إقليمية ودولية، ما يفسّر عدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جريئة في قضايا تمس الأمن القومي بشكل مباشر.
ويشير الهاشمي إلى أن "وجود سفارات وقنصليات أجنبية داخل العراق، بالإضافة إلى التحالفات العسكرية والدبلوماسية، يُعطي انطباعًا بأن القرار الأمني في العراق ليس مستقلاً تمامًا، بل يُدار بتنسيق مع قوى دولية وإقليمية لها مصلحة مباشرة في الحفاظ على نفوذها داخل البلاد".
على مدار العقدين الماضيين، ظل العراق مشغولًا بتحديات أمنية ضخمة، بدءًا من الإرهاب العابر للحدود، ومرورًا بالحروب الطائفية، وصولًا إلى صراعات النفوذ بين القوى السياسية المتنافسة. هذه الأوضاع جعلت الأجهزة الأمنية، بما فيها المخابرات، تركز على قضايا تتعلق بحفظ الأمن والاستقرار، متجاهلة ملفات حساسة مثل "التخابر السياسي" والارتباط بالخارج.
ويؤكد الهاشمي أن "الحكومة العراقية، خلال السنوات الماضية، كانت منشغلة بمعالجة الأزمات الأمنية المتلاحقة، وهذا جعل قضايا مثل ملاحقة الشخصيات المرتبطة بالخارج مسألة غير ذات أولوية، رغم خطورتها على المدى البعيد".
في ظل كل هذه التعقيدات، لا يبدو أن هناك إمكانية حقيقية لفتح ملف الشخصيات السياسية المتصلة بالخارج. فالمصالح المتداخلة، والعلاقات العميقة بين الأحزاب العراقية والقوى الإقليمية، جعلت من المستحيل تقريبًا محاسبة شخصيات نافذة على خلفية ارتباطاتها الدولية.
وبحسب الهاشمي، فإن "العراق لن يشهد قريبًا أي تحرك جاد في هذا الملف، لأن المحاصصة السياسية تمنع ذلك، إضافة إلى أن التحالفات الحزبية تخلق حماية غير مباشرة لأي شخصية يُتهم بولائها للخارج، ما يجعل أي محاولة لفتح هذا الملف محفوفة بالمخاطر السياسية".
حالة "اللاحسم"
لا يزال العراق يواجه تحديات كبيرة في تحقيق سيادته السياسية والأمنية، في ظل تغلغل النفوذ الأجنبي في مؤسسات الدولة. وبينما تستمر التساؤلات حول دور جهاز المخابرات في كشف الشخصيات والأحزاب التي ترتبط بالخارج، يبقى الواقع يؤكد أن أي تحرك في هذا الاتجاه قد يُعرّض المشهد السياسي العراقي لاهتزازات خطيرة.
وفي ظل غياب الإرادة السياسية لتفعيل القوانين التي تجرّم الولاءات الخارجية، ستبقى هذه القضية مجرد "حديث إعلامي" دون أي خطوات عملية، مما يعزز حالة "اللاحسم" التي طبعت السياسة العراقية منذ 2003 وحتى اليوم. لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه: هل يمكن للعراق يومًا ما أن يستعيد سيادته الكاملة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية، أم أن هذه التدخلات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من واقعه السياسي؟
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات