سودانايل:
2024-10-03@10:55:44 GMT

السّـودان: الوجه الآخر للحرب

تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT

(1)
لعلّ خسـائر الحــروب المـادية واضحـة وضوح الشمس، ترصد العـيـونُ انهـيـاراتها المروّعــة وسقوط الأبرياء قتلى بالألوف، ثمّ الدمـار الماثل والحرائـق الملتهبة، بلا أفق وبلا نهاية. هي خسائر وثقتها الفضائيات في غزة وفي السودان في الشهور الدامية مؤخراً .
لكن لن تقتصر تلك الخسائر على ما نرى من هدرٍ للأنفــس وللكرامة الإنسانية ، بل إن الخســائر قد لحـقـتْ بالـبني التحتية ، بل الفوقية أيضا بما يشمل التلوّث في كافـة مناحي الحياة تداعياتها في الحين.

في حرب السودان إن قيض لها وضع أوزارها، وشروع السودانيون في إعادة بنـاء الهياكل المادية للدولة ، وإعـمار ما هُـدِّم منها ، سيكتشفون أنّ الخســائر المعنوية بجميع تجلياتها، هي الأفدح أثراً والأعسـر تعويضا.
(2)
لك ان تتصوّرفي السودان إنْ هجم أناسٌ هم التتار عينهم في لبوسٍ جـديد، على متحـف البـلاد القومي يدمّرون محتـوياته من منحوتاتٍ وتماثيل وجداريات فرعونية عمرها آلاف السنين، ثمَّ لا يستنكف أولئك التتار الغرباء بعد نهـبـه، من فتح أبواب ذلك المتحف لجوعى يبيعون محتوياته لقـاء رغـيف خبـزٍ أو جرعات ماء . ترى ما الهـدف من ذلك الهجـوم إن لم يضمر اســتخفافاً بهوية تلك الأمّـة السودانية، بل إذلالاً لها ومسعىً لمحو إرثها التاريخي وغي خاتمة الأمر القضاء على نظامه الأخلاقي والقيمي. . تحقيقا لمقولة الجوع كافر. .؟
لك أن تتصوَّر إنْ أقدم أولئـك التـتـار- وهم قد أقدموا بالفعل- على اقتحــام دور العــلم من جامعات ومعاهد ومراكز دراسـات ، وعاثوا فسادا وتخريبـاً وإحراقاً للكتب والوثائق والدراسات، أليس ذلك مما استبطنت أجنداتهم إيقاف عجلة التعليم ، وتعمّد القضاء على الإرث الثقافي وإعادة مجتمعات السودانيين لسنوات إلى الوراء ؟
لك أن تتصور إقدام بدائيين قادمين من سنوات ما قبل القــرون الوسطى، للدخول إلى كلية للفنون الجـمـيلـة والتشكيلية في قلـب العاصمة السـودانية فيحرقون معارض ومقـتـنيات أعـمال إبداعــية لا تقدر بثمـن، أنجزها أساتذة وطلاب تشكيليون منـذ السّـنوات الوسيطة من القـرن العشرين ، أليس في ذلك إيقافٌ لمسيرة الحياة وشروعٌ في طمس الهوية . . ؟
ألا تعني هذه التجاوزات المريعة التي أوردت نماذج منها، أنّ تلك مؤامرة تتقاصر نظرية المؤامرة نفسها عن تفسيرها. . ؟
(3)
في نظرة من زاوية أخرى نجيلها على أداء الجهاز الدبلوماسي لدولة السودان التي يتقاتل فيها طرفان قتالا مريراً ، كلّ طرف منهما يتأبط أجنـدا يخفيها عن الطرف الآخر، لكنها لا تخفى على الناظرين بعمق للوقائع الماثلة، نرى فشلاً ذريعا للدبلوماسية ولجهـود الوســاطات الدائرة بلا مردود . طرف أول طامعون من بقـايا إسـلامويين حكموا الســودان من عام 1989 إلى عـام 2019 ، ولم يقتنعوا بعد أن شباب السودان الذي شهد فساد نظامهم، قد انتفض ضدهم في ثورة ظافرة قذفت بهم إلى مزابل التاريخ. هم يوالون الآن جنرال تولى السلطة عنوة بوعد حقيقي لإعادتهم لكراسي الحكم من جديد ، فيما الجنرال نفسه له مطامع في حكم البلاد بنسخة جديدة من حكم الانقاذ الذي شارك هو في إسقاط نسخته القديمة عام 2019.
أما الطرف الثاني وإنْ كان سوداني الانتماء ظاهراً، لكن له امتدادات إثنية معقدة في أقاليم غربي أفريقـيا، تضم مجموعات من الأفارقة المستعربين ممّن اسـتعصى عليهم الاندماج مع المجتمعات الأفريقية أهل الـقـارة . لقد بلغ الوعـي بهـوية أولئـك المسـتعربيـن المخالفة ، مبلغاً دفعـهم لاعتماد أجـنـدا تســعى لتمييز أنفسـهم باســتعلاءٍ عنصـريٍّ خـفـيٍّ، للإستيلاء على مساحات شاسعة من إقليم دارفور، وهو إقليم سوداني مأهول تأريخيـا بعناصر أفريقـية عـريـقــة . .
(4)
منحتْ حرب السودان الداخلية ، سانحة لأولئك المستعربين الأفارقة للإرتزاق عســكرياً والقتال ضمن قوات الدعم السـريع الـذين قادهـم الجنـرال الـمزيف "حميــدتي"، في مواجـهة الجـيش الرسمي للدولة السودانية. إنخرط الطرفان في حرب قال عنها الطـرف الأول الذي يقوده قائد الجيش الجنرال البرهان إنها عبثية، فيما كانت للطرف الثاني الذي يقوده "حميدتي" نظرة أخرى . إنها حرب تبنّى عبرها الجنرال الأخير خطة لإحلال مستعربي غرب أفريقيا في إقليم دارفور، بعد التخلص مـن العناصر الأفريقـيـة الصرفة من سـكانه المستقرين فيه منذ مئات السنين، إما بالتـرويع أو بالإبادة الجماعية. ذلك ما وقع بيد مستعربي مرتزقة قوات الدعم السريع، من قتل وإحراق لمنسوبي قبائل سـلطنة المساليت في عاصمتهم "الجنينة".
تلك حرب لو رآها الجنرال قائد الجيش السـوداني حرباً عـبثـية ، فـلـه أن يسـتيقظ من حلمٍ مُربـك. إنّ جنـرال المرتزقة يريد من حربه مع الجنرال قائد الجيش السوداني، إنهـاك قــوات خصمه الرّسمية التي تقاتل بإسم الدولـة السودانية ، فينال ما خطط له من اســتيلاء على إقـلــيم دارفور بأكمله، بمـا يتـيح له بعد ذلـك إحـلال مشــايعيه مـن شتات مستعربي الغرب الأفريقي وتسـكينهم في أقليم دارفور السّـوداني، فإن لم تكن ثمّة دولة جديدة يُعـدّ لهـا في رحم الغيـب القريب ، فإنها "فيــدرالـيـة" يفاوض على إدارتها واســتقلالها - على أقـلّ تقـديـر- الجنـرال المزيّف "حميـدتي" ومشايعيه.
(5)
أما الإنهاك الذي قصد أن يصيب الجيش الرسمي للدولة السودانية ، فهو قـد استهدف بداهــة الجهاز الذي مهمته الدفاع عن العدو الخارجي ، أما الجهاز المناط به الدفاع الخارجي الناعم عن مصالح البلاد، فهو جهاز الدبلوماسية السودانية . والذي يدعو للأسف أنَّ كـلا الطرفيــن المتقاتلين عملا على تعمّـد تهمـيش الجهاز الدبلوماسي الرسمي للدولة والذي من مهامه ليس فقط الدفاع عن المصالح ، بل الســعي لوضع الأطر السـليمة للتعاون مع أطــراف المجتمع الدولـي، وعلى جميع المستويات، بدءا بمحور العــلاقات مع الجـوارالمشترك، وامتــداداً للمحـور وهـو التواصل مع الجوار الإقليمي، ثم المحور الثالث المتصل بتفعيل التعاونمع المجتمع الدولي من بعد. .
(6)
عن الجوار المشترك القريب لا تجـد دفئا في علاقة السـودان الحالي بدولة تشــاد أو إثيوبيا أو إريتريا أو حتى دولة الإمارات وإن كانت بعيدة جغرافية لكن يجمعها مع السودان الإنتماء للأخوة العربية . نشهد توتراً دبلوماسيا متصاعدا مع البلدان التي جئنا على ذكرها وتكاد أن تنقطع الوشائج الدبلوماسية بيتها والسودان الحالي.
أمّا الجــوار الإقليمي فيكفي أنّ نرى السودان قد خسر عضويته في الاتحاد الأفريقي، كما توترت علائقه مع الهيـئة الحكومـية للتنمية (الإيقاد) التي تضم دولاً نال السودان استقلاله قبلها بسنوات طوال ، وكان حريا لعراقة عضويته أن يجد احتراماً من لدنها، وأن يكون هو الراعي لا الملاحق بالرعاية والمناصحة من أخوته الصغار. .
أمّا الجامعة العربية والســودان من بين قدامى أعضائها منذ اســتقلاله عام 1956، فمثلــها مثل كل الظواهر الصوتية، لا يصدر عنها غير مجاملات كلامية تتبرّع بها اضطراراً.
أما محور التعاون مع المجتمع الدولي، فإنه سظل الكيان المتفرّج الأكبر شاهداً على انتحار دولة فاشلة، إلا إذا قُـدّر له أن يخلخل مرجعيات مواثيقه فيحرّك سـاكناً، وذلك بعيد الوقـوع إذ كبار المجتمع الدولي - ويا للأسـف- قليل بينهم من يحمل جـديّة لإيقـاف الحرب الـدائرة في السّــودان. .

(7)
إنّ الدبلوماسية حكمة وكياسة وحسن تصرف . ترى أين الكياسة في إطلاق مسئول سوداني تصريحات تتناقلها الفضائيات تسيء لبلدان شـقيقة أو صديقة ، ليُطرد بعدها دبلوماسييين من هنا ومن هناك ..؟
وأين الكياسة إن لم يتـدّبر السودانيون مدنييهم وعسكرييهم أمـوربلادهم فيتبعون أسلوبا جاداً للتفاوض والتناصح لحـلِّ الخلافات والاختـلافات بعـيدا عن أنظــار المبالين وغير المبالين من حولهم. .؟
ترى أين حسن التصرف حين تقول الدبلوماسية بمبدأ التعامل بالمثل فإذا نظام السودان الحالي يبادر بطرد دبلوماسيّي دولة طردت دبلوماسييه، والسودان يا هذا، هو المخطيء دبلوماســياً وكان علـيـه المبادرة بالاعـتـذار اللائق لا المكابرة بالذنب. . ؟
لعلّ من نكبات هذه الحرب البائسة، أنها أنهكت الطرفين المتقاتلين ، لـتنال الدبلوماسـية من كليهما إهمالاً متعاظـماً وتغيـيـباً متعمّـداً، شهدتْ عليه جولات التفاوض الفاشلة بينهما في مدينة جدة السعودية. تظل مأساة السودان تتعاظم فيما يقترب مصير دولة هي من أكبر البلدان الأفريقية والعربية من أقدار التفـتت والانقسام. .

القاهرة- 18ديسمبر 2023  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

توضيح من الخارجية السودانية تؤكد فيه التزام السودان بحرمة المقار الدبلوماسية

إطلعت وزارة الخارجية على ما ورد فى بيانات وتصريحات بعض الدول العربية الشقيقة ومجلس التعاون الخليجي والأمين العام لجامعة الدول العربية، حول المزاعم الزائفة لحكومة الإمارات بتعرض مقر سفيرها في الخرطوم لقصف من القوات المسلحة السودانية والتي نفتها القوات المسلحة، وأكدت إلتزامها بحرمة المقار الدبلوماسية وكل ما توجبه القوانين والأعراف الدولية، لاسيما ان مليشيا الدعم السريع قد اعتدت على أكثر من 40 مقراً لبعثات دبلوماسية إضافة إلى منظمات دولية ووكالات تابعة للأمم المتحدة، وقد ورد حصرها في بيانات متكررة قدمتها بعثة السودان الدائمة بنيويورك أمام مجلس الأمن، بما فيها مقر بعثة الإمارات نفسها، ولم يصدر منها إدانة على ذلك الفعل المشين .عليه تود الوزارة أن توضح الحقائق التالية:-إن العقار الذي زعمت الحكومة الإماراتية أنه تعرض للقصف، والذي لم يتم استهدافه البتة، مملوك لمواطن سوداني، تعرض للتصفية على يد مليشيا الجنجويد المتمردة ولا يستخدم كمقر دبلوماسي، حيث انتقلت السفارة الإماراتية إلى مدينة بورتسودان كغيرها من سفارات الدول التي استهدفت مقارها في الخرطوم بعد أن استباحتها مليشيا الجنجويد التي ترعاها الإمارات بعيد اندلاع حرب العدوان الإماراتية وحولتها لثكنات عسكرية.– في بادرة تشير لسوء استخدام منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، كرر رئيس وفد الإمارات تلك المزاعم الكاذبة الرامية للتغطية على افتضاح دور بلاده المشين في السودان، وانتهاكها للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية وكل الأعراف الدولية للتشويش علي علاقات السودان بدول الخليج الشقيقة.– لقد أثبت تقرير فريق خبراء مجلس الأمن أن الإمارات هي مصدر التسليح والتمويل للمليشيا الإرهابية، وأكدت على ذلك تقارير الإعلام الاستقصائي الدولي والتي كشفت طرق وأساليب توصيل إمدادات السلاح للمليشيا بما في ذلك استغلال شعار الهلال الأحمر الإماراتي لهذا الغرض، كما بينت أن ما لا يقل عن 200 ألف من المرتزقة الأجانب يقاتلون إلى جانب المليشيا المتمردة بتمويل من الإمارات.وقدم السودان شكوى مدعمة بالتفاصيل والوثائق لمجلس الأمن ضد الإمارات بسبب عدوانها على السودان، وضلوعها المباشر في كل ما يتعرض له الشعب السوداني من تقتيل وانتهاكات جسيمة.تُجدد وزارة الخارجية التزام السودان الكامل بحرمة المقار الدبلوماسية وحمايتها وفقا لإتفاقية فيينا وتؤكد أن سفارة الإمارات قد انتقلت كغيرها من البعثات الدبلوماسية الأخرى إلى مدينة بورتسودان وظلت تمارس مهامها من هناك دون أي مضايقات، رغم دور حكومتها المشين في الحرب علي السودان وشعبه.سوناإنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أحداث رواندا وطلاب الجامعات السودانية
  • أسرار لغة الجسد: خمس نصائح لكسب القلوب والعقول
  • المتحدث باسم الخارجية الأميركية: المسؤولون الأميركيون في كل المستويات يعملون بلا كلل من أجل حل الأزمة السودانية
  • الخارجية السودانية: وفد من مجلس الأمن والسلم الافريقي يزور البلاد غدا
  • أمريكا تصدر قراراً بشأن السفن القادمة من الموانئ السودانية
  • توضيح من الخارجية السودانية تؤكد فيه التزام السودان بحرمة المقار الدبلوماسية
  • الخسائر والأضرار المسكوت عنها.. الوجه الآخر للداخل الإسرائيلي
  • الخسائر والأضرار المسكوت عنها.. الوجه الآخر للداخل الإسرائيلي- عاجل
  • زعيم المليشيا “حميدتي” وبمجرد إصابته في الأيام الأولى للحرب تم نقله إلى سفارة دولة الإمارات
  • حاتم السر: القصة الكاملة والرواية الحقيقية للحرب لم تحكى بعد!!