سودانايل:
2025-01-03@09:59:49 GMT

دولة 1956 في السودان: يتيمة في يوم استقلالها (2-2)

تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT

اليوم هو العيد الـ 68 لاستقلال السودان في الأول من يناير 1956. وهو يوم يتم طقوسي وسياسي للعيد لم يقع له من قبل. فلن تنعقد الاحتفالات التقليدية به بسبب الحرب. وهذا مفهوم، لكن يجيء صميم يتمه من أن قضية هذه الحرب التي تأكل الأخضر واليابس، بحسب القائمين بها، هي تقويض "دولة 56"، أي دولة الاستقلال.
لم يتوقف نقد هذه الدولة منذ الاستقلال ممن صار يعرف بأهل الهامش السوداني محتجين على حظهم البئيس منها لاستئثار أهل النيل والوسط الشماليين بوظائفها ولذائذها.

وتنوعت صور الطعن في الاستقلال لتراوح ما بين الأحزاب والمنظمات الإقليمية مثل مؤتمر البجا، وجبهة نهضة دارفور، واتحاد جبال النوبة، والحركات المسلحة التي طبعت تاريخنا في الاستقلال بحرب أهلية أزلية. ولم تبلغ أي من هذه الاحتجاجات مبلغ قوات "الدعم السريع" من مناضلة الاستقلال المنقوص. فهي الآن، غيرها جميعاً، على أبواب العاصمة، التي كان ارتفع عليها علمه قبل 68 سنة، تريد استكماله بيدها.
وسقم الهامش من الاستقلال واضح. لكن ثمة ضجراً آخر من الاستقلال ذاع بين صفوة الشمال والوسط المتهمين أنفسهم بالاستئثار بالاستقلال من غير التفات كبير له. وبدا كامتياز للفئة تنغمس فيه بغير مسائل أو معقب، أو هذا ما خيل لها. فقد تمكنت منها الخيبة الطويلة من بشريات الحرية الوطنية. وبلغ بؤس المردود المشاهد من الاستقلال حداً دفعها إلى الاعتقاد بخطأ نيلنا الحرية الوطنية أصلاً. وهو تنصل صريح من الاستقلال بالندامة على فعل الحرية ومردودها.
البادي أن صفوتنا في المركز والهامش نبحتا الشجرة الخطأ، في قول الإنجليزية، في ما اتصل بالدولة الاستعمارية. فاصطرعا على وظائفها مضربين عن النفاذ إلى بنيتها التي تناسلت عن عنف محض. فنهشوا وظائفها كأن القسط في توزيعها بالسوية لا في تفكيكها وردها من دولة للرعايا إلى دولة لمواطنين. وبلغت الأطراف بفقه هذا النهش حداً سخرياً. فكل من قرأ نصوص اتفاقات سلام جوبا (2020) بين الحكومة الانتقالية وحركات دارفور المسلحة لا بد يزكمه افتضاح التجاحد فيها بما لم تعد الوظيفة فيها وظيفة للخدمة العامة، بل كسباً لكهف من كهوف الوطن، أو غنيمة. وأثار الاتفاق بمغالاته في تدبيج الحركات المسلحة بالوظيفة العامة حسد أقاليم أخرى لم تحمل السلاح قبلاً. وظنت بنفسها ظن الهوان لأنها سالمت وخسرت في حين كسب من خرج للدولة بالسلاح. وأول خروج أبو عاقلة كيكل، الذي قاد هجوم الدعم السريع على مدينة مدني، كان على رأس قوة مستقلة باسم "درع السودان" يريد لشرق السودان غلاباً ما ناله غربه.
لو نفذت الصفوة في المركز والهامش إلى بنية العنف والامتياز في دولة الاستعمار لتجاوزوا وراثتها إلى تفكيكها. وما أضلهم عن هذا إلا زعمهم أن الإنجليز أقاموا وسطهم خدمة مدنية زاهرة خربوها هم في الاستقلال بأيديهم. وعموا عن الحق. فالاستعمار، بتعريفه ذاته، لا ينتج خدمة مدنية. فهو تعريف براء من الخدمة المدنية التي تفترض قيام جماعة من الموظفين بخدمة أمة من الناس شريطة أن تكون هذه الجماعة المخصوصة مساءلة أمام هذه الأمة مهما اشتطت في بيروقراطيتها، أو إذعانها للمستبدين من الحكام.
فالدولة الاستعمارية ليست حكومة في المعنى المصطلح عليه لتكون لديها خدمة مدنية. فالأصل في الحكومة نشأتها لإدارة جماعات من السكان. بينما حكومة الاستعمار نشأت لإدارة رقعة جغرافية تستأثر بخير ظاهرها وباطنها. أما سكان هذه الرقعة فهم عبء. ولهذا لم يسلموا من الإبادة في الأميركتين وأستراليا ونيوزيلندا والجنوب الأفريقي وغيرها لكي تخلو الأرض للغازي الذي جاء ليتملكها.
وعبر سيسل رودس، الحاكم الإنجليزي لمستعمرة كيب تاون في جنوب أفريقيا، عن شبق المستعمرين للأرض دون الناس بقوله، "إنني أفضل أرض الأهالي عليهم". والقول إن ما تركه الإنجليز فينا خدمة مدنية يكذبه أن موظفي تلك الخدمة هم خدام الإمبراطورية البريطانية، ولم يقتصر عمل كثير منهم على السودان. فكانوا ينقلون من موضع في تلك الخدمة إلى موقع بعده بحسب حاجة الإمبراطورية. ومن فرط بعد الإنجليز في حكومتهم عن مفهوم الخدمة المدنية سموها "قلم السودان" لو صحت الترجمة عن "Sudan service". واشتهرت في الحركة الوطنية باسم حكومة المفتشين الذي يجمع الواحد منهم بين السلطات الإدارية والقضائية حيث هو. فقولنا بـ"خدمة مدنية" في عهد الاستعمار مما يعرف في الإنجليزية بـ"أوكسمورن oxymoron"، أي العبارة التي تلغي نفسها بنفسها.
ومن أبلغ ما قرأته في وصف غربة حكومة الاستعمار قول أحدهم إنها دولة مفكسة (من fax)، أي إنها صورة من أصل. والأصل هو الحكومة في حواضر الإمبريالية مثل لندن وباريس وروما. فمرجع الحكومة في البلد المستعمر مثل السودان هو الحكومة الإنجليزية. فالإدارة الإنجليزية عندنا مكلفة من قبل حكومة الحاضرة الإمبريالية استنزاف موارد البلد المستعمر، ومحرج عليها ألا تضيع مال دافع الضرائب البريطاني في ما لا عائد منه رفعاً لعناء الأهالي أو شفقة بهم. ولهذا ترك الإنجليز أقاليم في السودان مثل جنوبه ودارفور وغيرهما بكراً من التنمية والخدمات لأنهما عصيين على عائد الاستثمار فيهما.
عشنا تجربة الدولة الاستعمارية فينا. وحين لم نستصف إلا الوظيفة منها افترس بعضنا بعضاً للمغنم منها. وبقيت بنيتها فينا بصور شتى. وليس أقلها خطراً أننا عشنا في ظل نظم ديكتاتورية مقطوعة من قماشة الدولة الكتشنرية (أول حاكم عام إنجليزي على السودان في 1989) الاستعمارية حجبت عنا حق اختيار الحكومة فينا لـ43 سنة من عمر استقلالنا (68 سنة). فالشير كان فينا كتشنرياً باختلاف وهمي هو أنه خلافاً عن كتشنر يعقد الانتخابات غير المقصودة لانتخاب غيره أو انتخاب بطانته. وزادت صراعات نهش جاه الدولة الاستعمارية ضغثاً على إبالة. ولهذا قال العالم المصقع عبدالله الطيب إنه لم يخرج الإنجليز من بلدنا لكنهم قاموا فينا، بالحكم الوطني، "بعاتي" (بعاثي، عفريت بلغة مصر) له خنخنة.
وهذا البعاتي هو الذي تزعم قوات "الدعم السريع" خروجها لكتابة نهايته.
المزيد عن:

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: دولة الاستعمار من الاستقلال حکومة فی

إقرأ أيضاً:

الإمارات تدين اعتداءي نيوأورليانز ولاس فيغاس وتعزّي الحكومة الأميركية

أعربت دولة الإمارات، عن إدانتها لعملية الدهس الإرهابية التي وقعت في نيو أورليانز، والانفجار الذي وقع أمام أحد فنادق لاس فيغاس في الولايات المتحدة، وأسفرا عن مقتل وإصابة العشرات من الأشخاص الأبرياء.

وأكدت وزارة الخارجية، في بيان لها، أن دولة الإمارات تعرب عن استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف الآمنين وتؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار.

أخبار ذات صلة علياء إلى الجولة الثانية في «الإمارات للفورمولا-4» «29» يتألق في «غياثي للصقور»

كما عبرت عن خالص تعازيها ومواساتها إلى الحكومة الأميركية والشعب الأميركي الصديق، ولأهالي وذوي الضحايا جراء هذين العمليْن المستهجنيْن، وتمنياتها بالشفاء العاجل لجميع المصابين.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • الإمارات تدين اعتداءي نيو أورليانز ولاس فيغاس وتُعزي الحكومة الأمريكية
  • الإمارات تدين اعتداءي نيوأورليانز ولاس فيغاس وتعزّي الحكومة الأمريكية
  • الإمارات تدين اعتداءي نيوأورليانز ولاس فيغاس وتعزّي الحكومة الأميركية
  • التركة الاستعمارية: عقائدُ صفوية في استثناء السودان من قبل الإنجليز (1-2)
  • استقلال السودان.. الزيف والحقيقة!
  • دور القوات المسلحة (قوة دفاع السودان) الكبير في نيل الاستقلال
  • (أضان الحامل طرشا)
  • في ذكرى الاستقلال: وطن تلاشت ملامحه، وتاريخ يدور في دوائر العبث والفشل
  • كيان فجر الاستقلال والحرية “كــــفاح” بيـــان (1)
  • الإعيسر: ذكرى الاستقلال تجديد لقيمنا الوطنية الراسخة وتأكيد أن السودان سيبقى حرا ابيا