الآثار الاقتصادية لحرب غزة على الاقتصاد الأردني
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
عمّان- في الوقت الذي لا يزال الأردن يكافح فيه للخروج من تداعيات جائحة كورونا (كوفيد-19) على اقتصاده الهش، جاءت الحرب والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة لتزيد الطين بلة على بلد يبلغ معدل البطالة فيه 22.3%، ويعاني من دين عام يتجاوز 56 مليار دولار، وهو ما يشكل 114% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب وزارة المالية الأردنية.
وتشير دراسة للأمم المتحدة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن التكلفة الاقتصادية للحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة على الدول العربية المجاورة متمثلة في الأردن ومصر ولبنان، قد ترتفع إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار هذا العام، وتدفع أكثر من 230 ألف شخص إلى براثن الفقر، ويمكن أن تتضاعف آثارها إذا استمرت الحرب 6 أشهر أخرى.
وقال عبد الله الدردري، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي قاد الدراسة، لرويترز "هذا تأثير هائل". وأضاف "كانت الأزمة بمثابة قنبلة في وضع إقليمي هش بالفعل.. لقد توترت المعنويات بسبب الخوف، مما يمكن أن يحدث، وإلى أين تتجه الأمور".
بعد 7 أكتوبر ليس كما قبلهوفي الأردن، أكد الملك عبدالله الثاني مؤخرا على أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص للتكيف مع الظروف الاقتصادية بعد الحرب في غزة، وأوضح أنه بسبب آثار الحرب، فإن الاقتصاد الأردني بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لن يعود كما كان قبله.
وتدلل المؤشرات على أن الاقتصاد الأردني بدأ مبكرا في دفع فاتورة الحرب في عدد مهم من القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل قطاع السياحة الذي شهد إلغاء ما يقدر بنحو 50% من الحجوزات السياحية حتى الآن. وهذا يعني تأثيرا مباشرا على إيرادات الخزينة التي يشكل قطاع السياحة منها نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي ( 4.8 مليار دينار سنويا).
ولم يقتصر هذا التأثير على القطاع السياحي، بل تعداه إلى مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد حيث تأثرت مدخلات عمليتي الاستثمار والإنتاج بسبب ارتفاع التكاليف، وتأثير ذلك على خطوط الإنتاج والصادرات والواردات وغيرها من المؤشرات السلبية.
ومع هذه التطورات تتقلص قدرة الصناعات الأردنية على المنافسة، إلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين عبر ميناء العقبة على البحر الأحمر وهو المنفذ المائي الوحيد للأردن، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى خلق بيئة استثمارية سلبية يعتقد أنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى خفض مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي من 25% إلى 17%، بحسب ما توقع الكاتب المختص حيدر المجالي في مقال له بصحيفة "جوردان تايمز" مؤخرا.
قطاع السياحة الأكثر تضررايقول الخبير الاقتصادي الأردني مهند عريقات كبير المحللين في شركة "سي إف آي" (CFI) في تصريح للجزيرة نت "تضرر عدد كبير من القطاعات الاقتصادية في الأردن جراء الحرب في غزة، ومن بينها الخدمات والتجارة والسياحة والمطاعم والنقل".
خبير الاقتصاد الأردني مهند عريقات أكد تضرر قطاعات مهمة من الاقتصاد بالحرب المستمرة على غزة (الجزيرة)وأكد عريقات أن "قطاع السياحة الأردني هو الأكثر تضررا، إذ يشير وزير السياحة الأردني مكرم القيسي إلى أن 57 ألف أردني يعملون في القطاع تأثرت أعمالهم بشكل كلي أو جزئي، مما انعكس على حجوزات الفنادق ومكاتب السياحة والسفر، حيث تم إلغاء حجوزات سياحية بنسبة 50% وفقا لجمعية الفنادق الأردنية، كما تراجعت مبيعات العقارات في البلاد بنسبة 20% بسبب حالة عدم اليقين التي تمر بها المنطقة، فضلا عن أن الطلب على المواقع السياحية تراجع بنسبة 40%، وتراجعت حجوزات المطاعم السياحية ما بين 60-70% منذ بدء الحرب".
وأضاف عريقات أن هناك عددا من الأردنيين باتوا يواجهون البطالة بسبب فقدان وظائفهم نتيجة حملات المقاطعة للمطاعم والمنتجات الغربية، خصوصا أن 70% من مجمل الاستهلاك الأردني هو من المنتجات والبضائع المستوردة، وليس من الإنتاج المحلي، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في حجم إنفاق المواطنين، وتراجع الإيرادات الضريبية الحكومية، كما أثرت مجريات الحرب في سلوك الأردنيين الاستهلاكي، فأصبحوا أكثر تحفظا وحذرا وميلا إلى الادخار بدلا من التوجه نحو الإنفاق أو الاستثمار.
من جانبها، قالت نور المصري، وهي مدير وساطة في سوق عمّان المالي وصاحبة شركة خاصة للتوظيف في تصريح للجزيرة نت "إن الحرب في غزة أحدثت جوا من عدم الاستقرار الذي يشكل أساس الاستثمار والنمو الاقتصادي، مما أدى إلى الانخفاض في إنشاء المشاريع الجديدة، أو التوسع في المشاريع القائمة، بل أدى في بعض الحالات إلى هجرة هذه المشاريع إلى خارج البلاد، مما تسبب في انخفاض التدفقات النقدية وارتفاع معدلات البطالة أيضا".
المصري: الحرب في غزة أحدثت جوا من عدم الاستقرار مما أدى إلى الانخفاض في إنشاء المشاريع الجديدة (الجزيرة)وأضافت المصري "أدت الحرب أيضا إلى خلق أجواء ملاحية غير آمنة في البحر الأحمر، مما أدى إلى تعطل كثير من الأعمال التجارية القائمة على الاستيراد والتصدير، بسبب ارتفاع كل من أجور الشحن وكلف التأمين على البضائع، والذي انعكس على السوق المحلية بارتفاع الأسعار وزيادة التضخم".
أما عن ارتفاع معدلات البطالة، خصوصا بين الشباب، فأوضحت المصري أنه "ونتيجة الارتباط الوثيق بين الشعبين الأردني والفلسطيني نشأت حركة مقاطعة شعبية اختيارية واسعة النطاق للعلامات التجارية والسلع الأجنبية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في أرباح هذه الشركات التي اضطرت إلى الاستغناء عن كثير من اليد العاملة الأردنية، وهو ما قاد إلى ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب".
آثار إيجابيةبيد أن المصري استدركت بالقول "كان لهذه المقاطعة آثار إيجابية على الصناعة الأردنية وبالذات الصناعات الغذائية، إذ أقبل الأردنيون على شراء المنتجات المحلية كبديل للمنتجات الأجنبية التي قاطعوها، وهذا توجه يبدو أنه لن يتوقف في المستقبل حتى بعد انتهاء الحرب، فهناك حالة عامة من الوعي بأهمية دعم المنتج المحلي، والتخلي عن المنتجات الأجنبية بالذات تلك العلامات التجارية العالمية المعروفة بدعمها للكيان الصهيوني".
وقفة احتجاجية تطالب بمقاطعة البضائع الأميركية (الجزيرة)كما توقعت المصري أن تكون هناك آثار إيجابية أخرى على الاقتصاد الأردني، خصوصا بعد انتهاء الحرب وبدء حركة إعادة الإعمار في قطاع غزة، وفي هذا السياق توقعت المصري أن يشارك الأردن فيه بقوة في مشاريع إعادة الإعمار، بسبب القرب الجغرافي والعلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الأردن وفلسطين، مما سينعكس إيجابا على تنشيط قطاع الإنشاءات وصناعة الحديد والصلب والإسمنت وكافة مدخلات ومخرجات عملية البناء.
صدمات متتاليةوكان وزير المالية الأردني محمد العسعس قد قال، خلال خطاب الموازنة العامة للسنة المالية 2024 أمام مجلس النواب، إن الأردن "استطاع أن يتجاوز كثيرا من الأزمات الاقتصادية العالمية والإقليمية، وأن يستوعب جانبا كبيرا من الصدمات في ظل تمتعه باستقرار سياسي واجتماعي، وأسس متينة يستند إليها اقتصاده تدعمها عناصر القوة الكامنة فيه".
وتوقع العسعس تسجيل الاقتصاد لنمو حقيقي بنسبة تقارب 2.6%. وتعول الحكومة الأردنية خلال العام الجديد 2024 على حصد إيرادات عامة بنحو 14 مليار دولار بارتفاع يقارب 8.9% عن عام 2023، فضلا عن زيادة المنح الخارجية إلى ما يزيد على مليار دولار، مع توقعات بتراجع إجمالي الدين العام إلى 88% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتوقع مشروع الموازنة لعام 2024 عجزا بقيمة 1.143 مليار دولار مقارنة مع عجز بـ2.625 مليار دولار للعام الماضي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی الاقتصاد الأردنی قطاع السیاحة الحرب فی غزة ملیار دولار مما أدى إلى
إقرأ أيضاً:
طرح شركات حكومية في البورصة.. هل يسهم في انتعاش الاقتصاد المصري وجذب الاستثمارات؟
أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خطة غير مسبوقة لـ طرح 10 شركات حكومية في السوق خلال منتصف عام 2025، وهي «محطة رياح جبل الزيت، الأمل الشريف للبلاستيك، مصر للصناعات الدوائية، شركة سيد «CID»، ونسبة من بنك الإسكندرية، وبنك المصرف المتحد، ونسبة من بنك القاهرة، وشركة وطنية، وشركة صافي، وشركة سايلو فودز، وتشيل أوت».
وأثار الإعلان تساؤلات واسعة حول أبعاد هذه الخطوة، ما بين إعادة هيكلة أصول الدولة، وتشجيع القطاع الخاص، والالتزام بشروط صندوق النقد الدولي.
ومع التطلعات إلى المستقبل، يبقى السؤال الأهم: هل هذه الطروحات هي الحل المنتظر لإنعاش الاقتصاد وجذب الاستثمارات؟
وثيقة ملكية الدولة أم التزامات دولية؟ولطالما كانت وثيقة ملكية الدولة للأصول خارطة طريق تنظم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، حيث تهدف إلى تقليص تواجد الدولة في قطاعات يمكن للقطاع الخاص إدارتها بفعالية، ويبدو الطرح الجديد وكأنه تنفيذ لهذه الوثيقة، خاصة أن الشركات المطروحة تتنوع بين صناعات غذائية، طاقة، ودواء.
ولكن لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي في تشكيل هذا القرار، فمنذ توقيع الاتفاقيات الأخيرة، طالبت بعثة الصندوق بتوسيع دور القطاع الخاص كشرط للحصول على الدعم المالي.
من جهته، يقول حسام عيد، خبير أسواق المال، إن الطرح الحالي ليس فقط التزامًا بوثيقة الملكية، بل أيضًا رسالة طمأنة للمجتمع الدولي على التزام مصر بتحقيق إصلاح اقتصادي عميق.
تشجيع القطاع الخاص وفرصة من ذهب للمنافسةويبقى الهدف الرئيسي المعلن من الطروحات، فتح المجال أمام القطاع الخاص، الذي يُعتبر المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، وترى رانيا يعقوب، خبيرة الأسواق المالية، أن هذه الخطوة «تخلق بيئة تنافسية جديدة»، مشيرة إلى أن مشاركة القطاع الخاص ستدعم تشغيل الشباب وتعزز الكفاءة في إدارة الشركات.
ولكن هل سيشعر القطاع الخاص بالطمأنينة للمشاركة وسط وجود شركات حكومية ضخمة تسيطر على السوق؟
الطروحات تزيل هذا التخوفوأضافت يعقوب في تصريحات خاصة لـ«الأسبوع»، أن المستثمرين يدركون الآن أن الدولة تريد شراكتهم، وليس منافستهم.
تأثير الطروحات على الاقتصاد المصريومن المتوقع أن يكون للطرح تأثير متعدد الجوانب على الاقتصاد المصري، فمن جهة سيسهم في توفير العملة الصعبة، لا سيما إذا تم بيع حصص كبيرة لمستثمرين أجانب، ومن جهة أخرى، سيزيد من كفاءة الشركات المطروحة عبر إدخال شركاء استراتيجيين قادرين على تعزيز الإنتاجية وفتح أسواق جديدة.
وتؤكد حنان رمسيس، خبيرة الأسواق المالية، أن الطروحات قد تكون بمثابة «قبلة حياة» للاقتصاد المصري، خاصة في ظل الأزمات الجيوسياسية وارتفاع تكاليف التمويل عالميًا، لافتة إلى أن الطروحات ليست مجرد بيع أصول، بل خطوة استراتيجية لزيادة السيولة وتحقيق التوازن في سوق العملة.
البورصة أم مستثمر أجنبي؟ويبقى السؤال الأهم، هل ستطرح الشركات بالكامل في البورصة أم ستباع مباشرة لمستثمرين أجانب؟ «الخطة الحالية تبدو مرنة»، إذ تشير التقارير إلى احتمالية استخدام كلا النهجين، ويمنح الطرح المستثمرين المحليين فرصة للمشاركة، بينما بيع حصص مباشرة لمستثمرين استراتيجيين يوفر سيولة فورية ويعزز التعاون مع شركاء دوليين.
وتقدم التجربة السابقة للطرح العام لبنك القاهرة تقدم درسًا مهمًا رغم التغطية المرتفعة، ولم تحقق الأسهم الطفرة المتوقعة في البورصة، وقد يكون المزج بين الطرح العام والخاص هو الخيار الأنسب لضمان تحقيق الاستفادة القصوى.
هل هذه الطروحات تشجع الاستثمار؟ومن المؤكد أن الطروحات تمثل فرصة لجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية، خاصة من دول الخليج التي أبدت اهتمامًا متزايدًا بالاستثمار في القطاعات الإنتاجية بمصر، وعلى سبيل المثال، قطاع الصناعات الغذائية، الذي يعد من أكثر القطاعات جاذبية للمستثمرين بسبب الطلب المحلي المتزايد والإمكانات التصديرية الكبيرة.
ولكن يبقى نجاح الطروحات مرهونًا بتوفير بيئة استثمارية مستقرة، بما يشمل مرونة سعر الصرف، واستقرار التشريعات الاقتصادية.
ويرى حسام عيد أن الطروحات تعزز الثقة في الاقتصاد المصري، ما يجعلها ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات طويلة الأجل.
وبين وثيقة ملكية الدولة، وضغوط صندوق النقد، ورغبة الحكومة في تمكين القطاع الخاص، تبدو الطروحات الحكومية خطوة لا مفر منها، فهي ليست مجرد بيع شركات، بل هي إعلان عن بداية جديدة لاقتصاد يحاول التحرر من قيوده التقليدية، وإذا أُحسن استغلال الفرصة، فإن هذه الطروحات قد تكون البوابة التي تعيد رسم مستقبل الاقتصاد المصري، وفقًا لتصريحات الخبراء خلال تصريحاتهم لـ«الأسبوع».
اقرأ أيضاًإجمالي أصول بنك فيصل الإسلامي تنمو بـ نسبة 29.4% بين يناير ونوفمبر 2024
السهم يصل 13.85 جنيه.. «المصرف المتحد» يبدأ الطرح العام الأولي للجمهور
بهدف سد فجوة النقد الأجنبي.. تفاصيل طرح أسهم «المصرف المتحد» في البورصة المصرية