أبرزها معاركه السينمائية مع الرقابة.. ما لا تعرفه عن إحسان عبد القدوس في ذكرى ميلاده
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
تحل اليوم ذكرى ميلاد الروائي الكبير الراحل إحسان عبد القدوس، (1 يناير 1919 - 12 يناير 1990) والذي يعد أحد أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية، وتحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية.
ويمثل أدب الروائي الراحل، نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية، وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة.
معلومات عن الراحل
كتب إحسان عبد القدوس أكثر من ستمائة رواية وقصة، قدم للسينما المصرية عددًا كبيرًا منها حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات أخرى إلى مسلسلات تليفزيونية، إضافة إلى أن 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية.
تدخل الرقابة في أعماله السينمائية
إحسان عبد القدوس كان يكتب دون اهتمام بالنقاد، ورغم معاركه السياسية في قصصه، واجه منازلات فنية في أفلامه، حيث تدخلت الرقابة في نهايات أفلامه، مثل فيلم "البنات والصيف" الذي عدلت الرقابة نهايته بانتحار البطلة. وفيلم "لا أنام" حيث حرقت الرقابة بطلة الفيلم بدلًا من نهايتها الأصلية. وفي "الطريق المسدود" طلبت الرقابة تعديل نهايته بزواج البطلة. ومع "يا عزيزي كلنا لصوص" رفضت الرقابة اسم الفيلم وتم إيقافه لسنتين. وفي فيلم "حتى لا يطير الدخان" رفضت الرقابة الفيلم تمامًا قبل الموافقة بعد معركة طويلة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: إحسان عبد القدوس ذكرى ميلاد روايات الرقابة إحسان عبد القدوس
إقرأ أيضاً:
ضرورة الثقافة السينمائية (تقديمًا لأصغر فرهادي)
[ضمن سلسلة «الكتابة عن الكتابة»، صدر مؤخرًا بالتعاون بين «دار تكوين» (الكويت) و«دار الرَّافدين» (العراق) أول كتاب عربي مُعَد ومترجم عن المخرج الإيراني الاستثنائي أصغر فرهادي بعنوان «أصغر فرهادي، من الصورة إلى الصورة: كيف يكتب السيناريو؟»، بترجمة أصغر علي كرمي، متضمنا طائفة من الرؤى، والأفكار، والقناعات السينمائية التقنيَّة والثقافية العامة التي توصل إليها المخرج عبر مسيرته. (ننشر هنا مقدمة ذلك الكتاب)
(1)
أخال أنه ينبغي، بادئ ذي بدء، الشُّروع في التَّعرض لمفهوم الثَّقافة السِّينمائيَّة لدينا. ولذلك فإن سطور الجزء الأول من هذا التَّقديم قد تبدو للبعض غير وطيدة الصِّلة، على وجه الخصوص، بهذا الكتاب عن أصغر فرهادي، أو السِّينما التي ينجزها (ولا بأس في ذلك الظَّن). لكني أرى ارتباطها الوثيق إذا ما تأمَّلنا في الأمر من منظور الثَّقافة السِّينمائيَّة، فثمَّة من يؤكِّد لك بصوت عال النَّبرة ومُبَالِغ الثِّقة بنفسه أن التّوفر على «ثقافة سينمائيَّة» رفيعة، وراسخة، وحكيمة، ونوعيَّة، لا يمكن أن يتأتَّى إلا من خلال «المشاهدات السينمائيَّة» الغزيرة والمتنوِّعة («عليك مشاهدة كلِّ سينما العالم، وكلِّ أنواعها»، كما يقولون). وهذا النَّفر المُخْلِصُ والمُجَرِّب من المعنيِّين حتى النُّخاع بالفن السَّابع ليس بعيدًا في قوله الاجتهادي المُقَدَّر ذاك عن كثير من الصَّواب. زِد على ذلك أنه رهطٌ من أولي صفاء القلب وحسن النيَّة إلى حدٍّ لا يمكن معه التَّشكيك فيه وفي مقاصده الطَّيبة. بيدَ أنني أخشى، مع بالغ التقدير وعظيم الاحترام، أن صواب أولئك القوم هو صوابُ من يرى مُكنة تحليق الطَّائر بجناح واحد فحسب، أو تشنيف الآذان بالتَّصفيق بيد واحدة فقط. أما عن حُسْن النيِّة -في توكيد ذلك البعض على إعلاء مقام «المشاهدات السينمائيَّة» على أي شأن آخر- فهو جليٌّ جلاء مقولة جان بول سارتر: «إن الطَّريق إلى جهنَّم مفروشة بالنَّوايا الحسنة».
غير أن الحقيقة التي لا مناص من مواجهتها هي أنه لا يمكن أن تكون هناك «ثقافة سينمائيَّة» (خاصَّة فيما يتعلق بالسِّينما الجادَّة، والرَّصينة، والبديلة، والنَّوعيَّة في وقوفها الجمالي والسِّياسي ضد الأفلام الاستهلاكيَّة والسَّائدة) من دون أن يحوز المرء «معرفة سينمائيَّة»، شاملة، وعميقة، ودقيقة، ونوعيَّة (وهذا ينطبق على الأشكال «القديمة» من السِّينما بقدر ما ينطبق على الأشكال البصريَّة المتحرِّكة التي أحدثتها الثَّورة التكنولوجيَّة والرقميَّة الرَّاهنة، المتسارعة بصورة لا تستطيع متابعتها أنفاسنا اللاهثة).
وتلكم «المعرفة السِّينمائيَّة» المُبتغاة في الطُّموح لا تُنال عَفوَ خاطر، ولا من خلال التَّمني، ولا عبر الوحي، بل تُحازُ بالسَّعي المثابر، والدؤوب، والحثيث إلى المصدر الأول لشتّى المعارف ومُخْتلِف المُكتَسَبات في العلوم، والآداب، والفنون، والحياة عمومًا، وذلك منذ بدء تعالق الإنسان مع فُضولِه مع نفسه، ورغبته في تفسير محيطه، وفي الأسئلة الكبرى التي أحاطت به: القراءة.
وفي هذا السِّياق، ينبغي الاعتراف بلا أدنى تردُّد أو مكابرة، بأننا هنا، في الوطن العربي، نقبع في ذيل قائمة العالم (بما في ذلك عديد من بلدان ما يدعى بـ«العالم الثالث»، كما هو حال أقطار عديدة في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينيَّة)، وذلك حين يتعلق الأمر بذلك المعنى الذي ذهبتُ إليه فيما يخصُّ «الثَّقافة السِّينمائيَّة». فلنتأمَّل، إن شئتم، في هذا: ما من برامج أكاديميَّة يُعتَدُّ بها في جامعاتنا ومعاهد التَّعليم العالي لدينا تُكَرِّس مسارات تخصُّصيَّة مستقلَّة، وتنتهي بالحصول على درجة أكاديميَّة مُعتَرَف بها، لدراسة وتدريس علم جمال السينما والنَّظرية والنَّقد السينمائيين، إذ يُكتفى في العادة، تقريبًا من باب الاعتذار غير المقبول بعد انقضاء الربع الأول من القرن الحادي والعشرين هذا، بتقديم مساقات فرعيَّة، ومرتجَلة باهتة، وتخصُّصات عرجاء مَبتوتَة عن الإطار الأكبر الحاضن، ففي أحسن الأحوال، تتعلَّق تلك الدروس والمرجعيَّات بالحِرَفيَّة التَّقنيَّة، الميكانيكيَّة (تصوير، إضاءة، ديكور، إخراج، مكياج، صوت، إلخ..) فحسب، وذلك على حساب ما أنتج ذلك كله: العقل الثَّقافي والنَّقدي. ولعلَّه يكفي أن أضرب مثال المعهد العالي للسِّينما في مصر، الذي كان بلا جدال من ثمرات المشروع النَّاصري، حيث كان ذلك المعهد، الذي افتتح رسميًّا في عام 1957، الأول من نوعه في كل الشَّرق الأوسط وكل إفريقيا. لكن الإحباط سيصيبنا فورًا إذا ما علمنا أن ذلك المعهد «المتخصِّص» لم يقدِّم في بواكيره مساقات دراسيَّة مُلْزِمَة تتعلَّق بالنَّظرية والنَّقد السيِّنمائيين، فقد كان التَّركيز مُنصَبًّا على تخريج من أدعوهم بـ«موظَّفين سينمائيِّين»، أو «بيروقراطِّيين سينمائيِّين»، أو «ميكانيكيِّين سينمائيِّين»، وليس ما هو أبعد، وأكثر عمقًا، من ذلك. ولعلَّ ذلك متَّسقٌ مع طبيعة إحدى المشكلات التي تواجهها الحداثة في بلداننا: استيراد المظهر، والتَّنكُّر للجوهر.
أما إذا ما أردنا الحديث عن موقع السِّينما في الأدبيَّات اليوميَّة المتداوَلة، وكذلك في المطبوعات السِّينمائيَّة في وطننا العربي، فإنني أخشى أن الأمر لا يقل بؤسًا وقتامة: يُدرَج بصورةٍ انتقاصيَّة (إن لم يكن ازدرائيَّة بصورةٍ صريحة) ما يتعلق بالمتابعات السِّينمائيَّة في صفحات «المُنَوَّعات» أو «التَّسلية» في المجلات والصُّحف السَّيَّارة، وذلك جنبًا إلى جنب مع تمارين شبه بلهاء في «الكلمات المتقاطعة». أما عن كُنْهِ تلك الكتابات نفسها فهي ضحلة ومضحكة (وأحيانًا خاطئة، وبصورة استفزازيَّة، «عيني عينك» كما يقولون). وحين تحدث المعجزة ويصادف المرء موادَّ عن السِّينما في «الصَّفحات الثقافيَّة»، فعليه أن يترحَّم على أمِّه لأنها لا بد وأن تكون قد دعت له خيرًا بعدم المضي قُدمًا في قراءة تلك التُّرَّهات العجيبة الغريبة.
وسيتضح، للأسف الشديد، أن الأمر أكثر غُبنًا، وفداحة، وضَيمًا إذا ما تأمَّلت -ولو من ناحية إحصائيَّة محض- في المُخْرَجات الكَميَّة لدور النَّشر العربيَّة من الكتب الخاصَّة بالسِّينما (إنْ تأليفًا أو ترجمة)، إذ إنك لا تحتاج إلى أن تكون عبقريًّا في علم الحساب لترى بأمِّ حسرتك أن المطبوعات السِّينمائيَّة التي تلفظها المطابع لا تتجاوز نصيب البعوضة التي لا يمكن أبدًا أن تفكِّر في الاقتراب من الأسد، ناهيك عن إدماء مُقلته.
في هذه البانوراما المؤسفة (التي قطعًا تحتاج إلى موقفٍ إجرائيٍّ جديد، وتغيير فوري، ومنظور حازم على صعيدٍ بنيويٍّ جذري لدى القائمين على شأن الثَّقافة لدينا)، فإنه يجب التَّرحيب أيَّما ترحيب، وتنبغي الإشادة كاملةً بمنشورات «تكوين» في باكورة إصداراتها السِّينمائية الصِّرف، أي هذا الكتاب الذي بين أيادينا اليوم. يتمنَّى المرء، بل يثق بالمقدار نفسه، في اتساقٍ طبيعيٍّ مع ما خَبَرَهُ من «تكوين» في انتقاءاتها الدَّقيقة، والحريصة، والمُلهِمة، في سابق الإصدارات في مختلف المجالات، أن يكون هذا السِّفر أول الغيث. ونحن، في هذه الرُّقعة من الأرض والثَّقافة، ننتظر المطر دومًا، ونستبشر خيرًا بقطراته الأولى.
(2)
فيما يتعلق بهذا الكتاب السِّينمائي الذي تقدمه إلينا «تكوين» (ترجمة محاضرات وأحاديث مهمَّة لأصغر فرهادي، أحد الرموز الكبرى لسينما ما بعد الموجة الجديدة في إيران الجمهوريَّة)، فإنه حريٌّ بالمرء أن يتذكَّر بضعة أمور: الأول هو أن كل المخرجين والنّقاد السينمائيين العرب الذين أعرفهم وأثق بما يقولون يعقدون مقارنات بين السِّينما العربيَّة والسِّينما الإيرانيَّة. وفي تلك المقارنات يبوح الجميع، بحسرة كبيرة، بأن حال السِّينما الإيرانيَّة أفضل بكثير من نظيرتها العربيَّة (على الرغم من أن تاريخ إنتاج أول فيلم روائي مصري طويل في 1927 يسبق بثلاث سنوات تاريخ إنتاج أول فيلم روائي إيراني صامت في 1930). أما الأمر الثاني فهو جملة قالها عرَّاب سينما «الموجة الجديدة» (الأصليَّة) في فرنسا، جان لوك غودار (وتلك الجملة ذهبت مثلًا): «تبتدئ السِّينما مع دي دبليو غرِفث وتنتهي مع عبَّاس كيارستمي». والأمر الثالث هو أنه إذا كانت العبارة السَّابقة الأخَّاذة والمهيبة تتعلق بالقدر الرَّفيع الذي بلغته السِّينما الإيرانيَّة اليوم، باعتراف وعرفان الجميع، وذلك ضمن ظروف إنتاجيَّة، وسياسيَّة، وأيديولوجية أقل من مثاليِّة بكثير، فإنه على الضِّفة الأخرى للمحيط الأطلسي، هذه المرَّة، لم يتردد ديفِد بوردوِل، الأستاذ الأكبر للتيَّار الشَّكلاني في الدِّراسات النَّقديَّة والنَّظرية السِّينمائيَّة الأمريكيَّة، في وصف فيلم فارهادي «عن إِلِي» بأنه «تحفة فنيَّة» (“masterpiece”). ولعلَّ هذا يقول كثيرًا بكلام قليل.
يمِّثل هذا الكتاب مساقًا تثقيفيًّا شاملًا ومتكاملًا عن السِّينما كما رآها فرهادي، وخَبَرها، وكما يطمح إليها، فهو في الفصل الأول المعنَون:«الفكرة من الصُّورة الذهنيَّة» يستعرض الهواجس التأسيسيَّة والمقاربات الجماليَّة الجنينيَّة لفكرة الفيلم السِّينمائي. وفي الفصل الثاني: «الشُّروع في الكتابة»، يستكمل المسعى الرَّامي إلى تخليق النّواة الأولى للسِّيناريو الذي يمثِّل، كما نعرف جميعًا، شهادة ميلاد أو وفاة الفيلم. وفي الفصل الثالث: «العلامة والرَّمز» يتألَّقُ فرهادي بوصفه مفكِّرًا سينمائيًّا ذا صلة وثيقة ببعض الموضوعات الرئيسة في سيميولوجيا السِّينما. أما في الفصل الرَّابع فيتجلَّى المؤلف باعتباره ناقدًا سينمائيًّا حاذقًا في تصدِّيه لبعض اللحظات المحوريَّة في فيلم «أزرق» للبولندي كرِستوف كِشلوفسكي. وفي الفصل الذي يلي ذلك يتكئ فرهادي على خبرته الواسعة في كتابة السِّيناريو السِّينمائي ليتحدث عن الشخصيَّة الرَّئيسة، والشخصيَّات الثانويةَّ، والشخصيَّة الفنيَّة، والشخصيَّات الرَّماديَّة، والنَّمط، بأهدافها وأبعادها. أما في الفصل السَّادس فينبثق فرهادي ناقدًا تطبيقيًّا في إضاءة الفيلم الكلاسيكي الشَّهير «عربة اسمها الرَّغبة» للأمريكي إيليا كازان. ثم نجده في الفصل التالي متفرِّغًا لمناقشة أسئلة الحوار السِّينمائي، قبل أن يستكمل ذلك في الفصل الثامن واضعًا النقاط على حروف الوحدة الفيلميَّة الأبرز، أي المشهد السِّينمائي. وفي الفصل اللاحق يكرِّس فرهادي رؤيته الثَّاقبة لعرض التَّتابعات السِّينمائية وطرق توظيفها، ليعود، في الفصل العاشر، إلى موضوعه الأثير: السِّيناريو، مخصِّصًا وقفته هذه المرة لشرح كيفيَّة تقديم المعلومات فيه. تلي ذلك نصائح ثمينة يقدِّمها المؤلف في سياق الكشف عن العناصر الأهم التي ينبغي الاهتمام بها لدى كتابة تصوُّر مشروع الفيلم السِّينمائي (وهذه خطوة ضروريَّة وحاسمة لكل المخرجين السِّينمائيين في فترة البحث عن مصادر تمويل وإنتاج). وضمنيًّا فإن فرهادي يستكمل ذلك الجهد في مسك ختام هذا الكتاب حين يورد مُفْتَتَح فيلمه «مدينة جميلة» مقرونًا برؤية تحليليَّة (وإن سمحتم لي، فإنني أود القول إن هذا الفيلم بالتحديد، على صعيدٍ شخصيٍّ، واحدٌ من أعمال فرهادي الأثيرة لديَّ، وذلك لسببين على الأقل: الأول هو المشاغبة الجريئة -لكن غير الرَّخيصة والمجانيَّة- لبعض تابوهات الثَّقافة الإيرانيَّة في طورها الرَّاهن. أما الثاني فهو نهايته المفتوحة المذهلة).
أعتقد أن عليَّ الكف الآن عن قول مزيد من الكلام، وذلك كي يُتاح لكم أن تستمتعوا بهذا الكتاب الثَّري، وتفيدوا منه، من غير الحاجة إلى تأويل أو وسيط.
مسقط، 24 يوليو 2024
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني