(عدن الغد)متابعات:
تحظى مدينة صنعاء القديمة بمكانة تاريخية فريدة باعتبارها واحدة من أقدم المدن في العالم، لما تمثله من قيمة مادية بارزة في التاريخ اليمني، وكشاهد على ما بقي من الحضارة الإنسانية في البلد الذي يعود تاريخه للقرن العاشر قبل الميلاد، الذي شارف دخول عامه العاشر من منذ بدء صراعه مع الحرب والخراب.
                
      
				
في الأثناء ثمة خطر محدق يواجه مدينة "سام بن نوح"، يتهدد ما تبقى من معالمها الأثرية بعد عزم ميليشيات الحوثي التي تسيطر عليها إجراء استحداثات إنشائية في محيط "باب اليمن" التاريخي. وهو ما أثار مخاوف اليمنيين والمؤسسات الثقافية والاثرية من تغيير ملامح المعلم الأثري، الذي يحظى بمكانة بارزة في التراث الإنساني المادي اليمني والعالمي، وسط مطالبات بوضع حد للعبث بالمعالم التراثية من الجماعة المتمردة.
وهي خطوة سبقتها تحذيرات وتنبؤات من منظمة "يونيسكو" المهتمة بالتراث حين أدرجته في يوليو (تموز) 2015 على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.
وعلى مدى الساعات الماضية نشر السكان والمهتمون صور في محيط باب اليمن تظهر شروع الميليشيا باستحداث مبان تجارية جديدة على غرار ما حصل في مدرسة الشعب وجامع الفردوس، الذي أنشأت في واجهته مركزاً تجارياً، وكما الحال بتحويلها عدداً من الأماكن والساحات العامة إلى أسواق تجارية، وهو أمر اعتبره يمنيون "يتهدد النمط المعماري للمدينة التاريخية".
المشروع الحوثي الذي يجري تنفيذه بحجة "تحسين المدخل الرئيس لصنعاء القديمة"، هو مشروع سياحي يجري من دون علم "يونيسكو" التي سبق وأدرجت المدينة ضمن أهم المدن التاريخية في العالم التي يجب الحفاظ عليها، ومنع أي استحداثات إنشائية تمس النمط المعماري الخاص بالمدينة أو تغير ملامحه.
هذه التحركات الحوثية دفعت الدكتور محمد جميح سفير البلاد لدى "يونيسكو" بالقول إن "الجماعة تسعى إلى التكسب من وراء هذا المشروع غير مكترثة بالقيمة التراثية للمكان".
وأوضح جميح خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن أي "مساس بساحات ومعالم باب اليمن أو الأسواق القديمة داخل صنعاء القديمة "سيؤثر بشكل كبير في مكانة المدينة وموقعها في قائمة التراث العالمي". في الجانب العملي كشف جميح عن مخاطبته لمنظمة "يونيسكو" و"وضعهم في صورة الإجراءات الحوثية متضمن رجاءنا أن يجري تحرك سريع لوقف هذه الاستحداثات".
وحول ما تستطيع فعله المنظمة المهتمة بإرث البلدان من حول العالم، يؤكد أنها "تستطيع الضغط بوسائلها الخاصة لوقف هذا الطمس، الذي إن تم فسيضاف إلى خراب سابق للجماعة المتمردة حين بددت ما تبقى من جامع النهرين (مسجد تاريخي بني في صدر الإسلام)، ومحاولاتهم السابقة أيضاً هدم أربعة أسواق تاريخية لتقيم مكانها ساحة أو مزاراً دينياً وسط العاصمة التاريخية صنعاء، ومحاولات أخرى ما كانوا يسمونها بوابة شعوب، ناهيك عن البناء بالمواد البناء الحديثة في إطار معالمها، وآلاف الصور والملصقات والشعارات الطائفية الدخيلة التي شوهت وجه المدينة".
وأمام السيطرة الحوثية على صنعاء بقوة السلاح، تبدو حيل الشرعية اليمنية محدودة على الأرض، عدا اتخاذ جملة من الإجراءات بالشراكة مع المؤسسات الدولية بهدف إحداث ضغط دبلوماسي عادة ما يخفق في ثني الجماعة المتشددة عن وقف استحداثاتها التي تطال المعالم الحضرية في سبيل سعيها الحثيث إلى الإثراء والاستثمار، بحسب اتهامات قطاع واسع من اليمنيين.
جميح قال إن تصنيف المدينة ضمن قائمة التراث العالمي بات في خطر، وحذر من أنه في حال جرت إزالتها من قائمة "يونيسكو" للتراث العالمي "فسيكون الحوثي هو المتسبب في ذلك".
تاريخياً شيد باب اليمن في عهد الدولة اليعفرية (439 - 532ه)، فيما تشير مصادر أخرى إلى أنه بني في عهد الدولة الصليحية في القرنين الخامس والسادس الهجري، وأن سلاطين الدولة الأيوبية قاموا بتكملته عقب سيطرتهم على اليمن عام 569هـ.
ولأهميتها التاريخية أعلنت في يوليو (تموز) 2015 لجنة التراث العالمي لـ"يونيسكو" من مدينة بون الألمانية إدراج مدينة صنعاء القديمة على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، ذلك بعد نحو أربعة عقود من إدراجها على قائمة التراث العالمي وتحديداً في عام 1986.
ويخشى اليمنيون من تكرار سيناريو ما حدث مع مسجد النهرين التاريخي بصنعاء، الذي بني في القرن الأول الهجري قبل أن تبدد معالمه بالهدم الميليشيا الحوثية في فبراير (شباط) من العام الماضي، معللة ذلك بأنه "منحرف عن القبلة"، ليتبين لاحقاً أن الغرض من الهدم هو من أجل إنشاء "قباب حسينية" لأبعاد طائفية.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: قائمة التراث العالمی صنعاء القدیمة باب الیمن
إقرأ أيضاً:
برًّا وبحرًا... الحوثيون يضيّقون الخناق على الغذاء ويحوّلون الجوع إلى سلاح
تواصل ميليشيا الحوثي الإرهابية إحكام قبضتها على شرايين الاقتصاد في مناطق سيطرتها شمال البلاد، لتتحول الحياة اليومية لملايين المواطنين إلى معركة يومية من أجل البقاء. فقد باتت الجماعة تتعامل مع الغذاء كأداة حرب، تحتجز شحناته في الطرقات والمنافذ، وتمنع وصول الإمدادات عبر الموانئ، وتفرض القيود على التجار والمستوردين، في مشهد يفاقم الأزمة الإنسانية التي توصف بأنها الأسوأ في العالم.
ولا يقتصر الأمر على الممارسات الميدانية التي تشل حركة التجارة، بل يمتد إلى سياسة اقتصادية ممنهجة تُدار من داخل مكاتب الجماعة، تهدف إلى تحويل السوق اليمنية إلى منظومة مغلقة تخضع بالكامل لشركات وقيادات حوثية نافذة. وباتت هذه السيطرة تخلق اقتصاداً موازياً خارج سلطة الدولة، تتحكم فيه مصالح النخبة الحوثية بينما يدفع المواطن الثمن بارتفاع الأسعار وانعدام فرص العمل وتآكل القدرة الشرائية.
هذا الواقع يثير قلقاً متزايداً لدى المواطنين والمنظمات الإنسانية على حد سواء، إذ تتضاعف مؤشرات انعدام الأمن الغذائي، وتتراجع إمدادات القمح والسلع الأساسية مع كل يوم تتأخر فيه الشحنات عند نقاط التفتيش الحوثية أو تُمنع من التفريغ في موانئ الحديدة. وفي ظل غياب أي مؤشرات على تغيير هذا النهج، يخشى مراقبون أن يكون الحوثيون قد انتقلوا من إدارة الحرب بالسلاح إلى إدارة الجوع كأداة سياسية لإخضاع المجتمع وابتزاز المجتمع الدولي.
حواجز الابتزاز
تحولت نقاط التفتيش العسكرية التي تنشرها مليشيا الحوثي على الطرق الرئيسية في مناطق سيطرتها، والتي تسميها زيفًا "منافذ جمركية"، إلى واحدة من أبرز أدوات الجباية غير القانونية التي تستنزف التجار والمواطنين على حد سواء. فهذه النقاط لم تعد تُستخدم لأغراض أمنية كما تزعم الجماعة، بل غدت منظومة ابتزاز ممنهجة تهدف إلى تحصيل الأموال وفرض الإتاوات تحت ذرائع مختلفة، تتراوح بين "الرسوم الجمركية" و"دعم المجهود الحربي".
وفي أحدث مظاهر هذا السلوك، احتجزت المليشيا في منطقة نقيل الإبل شمال محافظة تعز عشرات الشاحنات المحمّلة بالمواد الغذائية ومواد البناء، وأوقفتها لساعات طويلة، مطالبةً سائقيها بدفع مبالغ مالية باهظة مقابل السماح لهم بالمرور. وأكد سائقون وتجار أن المليشيا تتعامل مع هذه النقاط كأنها حدود دولية داخل الوطن الواحد، إذ تجبر الشاحنات القادمة من المحافظات المحررة على دفع "رسوم دخول" جديدة رغم سدادها للرسوم القانونية في المنافذ الرسمية.
وتكشف هذه الممارسات عن نهج اقتصادي مقصود تتبعه الجماعة لفرض نظام جبايات موازٍ خارج سلطة الدولة، بحيث تتحول حركة البضائع إلى مصدر دخل دائم لصالح قياداتها وشركاتها الخاصة. كما أن تأخير مرور الشاحنات يؤدي إلى تلف بعض البضائع القابلة للتلف السريع، ويضاعف من تكاليف النقل والتخزين، ما ينعكس مباشرةً على أسعار السلع في الأسواق.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن هذه السياسة تندرج ضمن استراتيجية أوسع للحوثيين تهدف إلى تضييق الخناق على التجار المستقلين وإرغامهم على التعامل مع شبكات التهريب والموردين التابعين للجماعة. وبهذا، لا تكتفي الميليشيا بفرض الضرائب غير القانونية، بل تسعى إلى إعادة تشكيل السوق وفق مصالحها، عبر التحكم في سلاسل الإمداد التجارية واحتكار حركة البضائع بين المحافظات.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذه الممارسات من شأنه أن يُحدث شللاً تدريجياً في النشاط التجاري ويؤدي إلى تراجع الإمدادات الغذائية والسلع الأساسية في الأسواق، خصوصاً في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حيث تتضاعف معاناة المواطنين جراء ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل وغياب الرقابة الحكومية الفعلية.
حصار بحري.. وجوعٌ يتصاعد
في البحر، يتكرر المشهد ذاته الذي يعيشه اليمنيون على اليابسة، فبينما ترسو عشرات سفن القمح قبالة موانئ الحديدة منذ أسابيع بانتظار الإذن بالتفريغ، تواصل ميليشيا الحوثي استخدام هذه الورقة الحساسة كسلاح اقتصادي، تمنح من خلاله الأولوية للتجار والشركات الموالية لها على حساب بقية المستوردين. وتشير مصادر ملاحية وتجارية إلى أنّ الميليشيا تتعمد تأخير إجراءات دخول السفن أو تمنع تفريغها كلياً، حتى تضمن احتكار توريد القمح عبر قنواتها الخاصة، في مسعى واضح لتعزيز هيمنتها على السوق وحرمان المواطنين من الإمدادات المنتظمة للغذاء.
وتستغل الجماعة الأوضاع السياسية والعسكرية المعقدة في البحر الأحمر، لا سيما بعد الغارات الأميركية والإسرائيلية على موانئ الحديدة والعقوبات المفروضة على الكيانات الحوثية، لتبرير سياساتها وخلق حالة من "الندرة المصطنعة" في السلع الأساسية. هذا الوضع فتح الباب أمام الحوثيين لابتكار سوق سوداء ضخمة يتحكمون فيها بأسعار القمح والدقيق، ما أدى إلى ارتفاع مضاعف في أسعار الخبز والسلع الأساسية، وترك مئات الآلاف من الأسر في مواجهة الجوع وانعدام الأمن الغذائي.
وبحسب مصادر إغاثية، فإن الميليشيا تسعى من وراء هذا التعمد في خنق خطوط الإمداد إلى استثمار الأزمة إنسانياً وإعلامياً للضغط على المجتمع الدولي، مستغلة المعاناة المتزايدة للمواطنين في مناطق سيطرتها للمطالبة بتخفيف العقوبات والإجراءات الاقتصادية المفروضة على موانئها. ويؤكد مراقبون أن هذه الاستراتيجية تمثل أحد أخطر أشكال الابتزاز السياسي والاقتصادي التي تمارسها الميليشيا، حيث تُدار أزمة الغذاء لا بوصفها نتيجة للحرب، بل كأداة من أدواتها، في محاولة لانتزاع مكاسب سياسية عبر صناعة الجوع وتعميق المعاناة الإنسانية في البلاد.
احتكار وسيطرة وتهرب من المسؤولية
أزمة مخزون القمح تكشف عن تحكم الميليشيا بمفاصل الاقتصاد في مناطق سيطرتها، وتحويله إلى منظومة مغلقة تدار عبر شبكاتها المالية، ما يضع الأمن الغذائي أمام تهديد مباشر ويحدّ من قدرة التجار المستقلين على العمل.
وتصاعدت الخلافات داخل أجنحة الميليشيا حول استيراد القمح وتفضيلات الشحنات الواصلة إلى موانئ الحديدة، ما أدى إلى توقف مطاحن البحر الأحمر عن العمل، مع تحذير الشركات التابعة للحوثيين من أي نقص محتمل في السوق المحلي نتيجة نفاد المخزون. ويشير هذا الواقع إلى استراتيجية ممنهجة لتأجيج أزمة الغذاء وضمان بقاء السيطرة الاقتصادية بيد قيادات الجماعة.
وفي الوقت ذاته، نفت وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار التابعة للحوثيين أي أزمة في المخزون، مؤكدة أن الاحتياطي الاستراتيجي يكفي لشهور، وأن نظام الاستيراد "منظم وعادل"، رغم تقارير الشركات المحلية والشهادات الميدانية التي تشير إلى توقف مطاحن القمح واحتجاز شحنات على الموانئ.
ويأتي هذا الإنكار في سياق سياسة تهرب واضحة من المسؤولية، حيث تترك الميليشيا المجال مفتوحاً لشركاتها التابعة للسيطرة على السوق وتحقيق أرباح مالية، في حين يتعرض التجار المستقلون للتمييز والابتزاز.
ويرى الخبير الاقتصادي علي التويتي أن تدخل وزارة الاقتصاد الحوثية في تحديد دخول السفن وتقديم بعضها على البعض الآخر يخالف مبدأ المنافسة، ويضر بالقطاع التجاري المستقل. وأضاف التويتي في منشور له على فيسبوك أن "تدمير الموانئ وإخراجها من كفاءتها السابقة أجبر الوزارة على التفاضل بين التجار، بما يخدم مصالح محددة".
كما كشفت منصة P.T.C.O.YEMEN أن الحوثيين أنشأوا 35 شركة محلية في قطاعات متعددة، كالأدوية والمشتقات النفطية والمقاولات والتعليم، تعمل ككيانات مالية سرية تموّل الجماعة سياسياً وعسكرياً، ما يطيل أمد الصراع ويعميق مأساة اليمن الإنسانية.
 جلسة تحفيزية من ممدوح عيد للاعبي بيراميدز قبل لقاء التأمين الأثيوبي
جلسة تحفيزية من ممدوح عيد للاعبي بيراميدز قبل لقاء التأمين الأثيوبي