انفصام تعيشه إسرائيل منذ التأسيس.. ملامح ديمقراطية تحتضر
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
عنوان المقال مُستقى من عنوان كُتيب صدر في سبتمبر من هذه السنة 2023، قبل أيام معدودات من "طوفان الأقصى"، للصحفي الفرنسي شارل أندرلين"Charles Enderlin "، وهو مُلّم بقضايا إسرائيل، حيث اشتغل مراسلًا للقناة الثانية الفرنسية في تل أبيب من 1981 حتى عام 2015، وله عدة إصدارات عن إسرائيل والنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي.
شهادته شهادة عارف- بل أكثر من ذلك- متعاطف مع إسرائيل يدلُّ بنوع من التعاطف المضمر Empathy ، لكن لا يمكن نعته بأنه متحامل عليها، أو وصمه بمعاداة السامية، لكن تعاطفه لا يجعله يجافي الموضوعية. ديمقراطية إسرائيل من منظوره، ليست مهددة فقط، بل إنها تحتضر.
نعرف أن ما تُلوِّح به إسرائيل في علاقتها بالغرب – بل بالعالم- أنها موطن اليهود الذين تعرضوا لأبشع أنواع التمييز والتنكيل من جهة، وأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط من جهة أخرى.
فهل تستطيع إسرائيل حاليًا خاصة اليوم – بعد الفظائع التي ارتكبتها ولا تزال في غزة- أن تتذرّع بالرصيد المعنوي الذي كانت تدفع به جراء مظلمة المحرقة التي تعرضت لها في أوروبا!
المبادئ ليست قابلة للتجزئة أو الاختزال، وحينما يتم الأخذ بها بطريقة اختزالية، تُضعف قوة الإقناع لمن يقوم بذلك، وتجرّده من رصيده الأخلاقي
يكتسي هذا السؤال طبيعة أخلاقية لابد من إثارتها؛ إذ هل يجوز لمن تعرض لمظلمة أن يكون في حل من كل الضوابط القانونية والأخلاقية ليُجري على الآخر أبشع الانتهاكات، من تقتيل وتدمير وتهجير، من غير محاسبة ولا رادع! الأخلاق والقوانين ليست بضاعة في "السوبرماركت" نأخذ منها ما نريده، وفق الحاجة أو النزوة، ونترك جانبًا ما لا يوافقنا، أو نأخذ منه وفق ظرفية معينة.
سبق أن عبّر عن ذلك الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفناس " Emmanuel Levinas"- وهو يهودي ومن أكبر دارسي النصوص الدينية التوراتية ممّن يستشهد بهم شارل أندرلين، عقب مجزرة صابرا وشاتيلا- بالقول: " الدفع بالهولوكوست للزعم من أن الله معنا في كل الظروف لا يَقل بشاعة من النداء الذي كان يرفعه الجلادون Gott mit uns "، وهذا نشيد حربي سويدي من القرن السابع عشر، معناه: "الله معنا"، وهو عبارة عن نداء حرب.
المبادئ ليست قابلة للتجزئة أو الاختزال، وحينما يتم الأخذ بها بطريقة اختزالية، تُضعف قوة الإقناع لمن يقوم بذلك، وتجرّده من رصيده الأخلاقي.
أما المقتضى الثاني حول الطبيعة الديمقراطية لإسرائيل، فهو موضع تساؤل في ظل الانزياح مع الحكومة اليمينية التي تقود إسرائيل منذ سنة بالضبط. يكتسي السؤال طابعًا إبستملوجيًا؛ لأن "الرأسمال الديمقراطي" لإسرائيل في طور التآكل، أو بتعبير المحلل الفرنسي "أندرلين" في طور الاحتضار.
لا يعود هذا الانزياح إلى الحكومة اليمينية التي يقودها بنيامين نتنياهو، بل هو أعمق من منظور أندرلين؛ لأنه بنيوي، ويرتبط بخطيئة النشأة ذاتها، ويستشهد المحلل برأي "لحنَّا أرندت"- منذ 1951 في كتابها عن الشمولية- التي اعتبرت حل القضية اليهودية من خلال إقامة دولة، خلقَ لعنة مُهجَّرين ومنزوعي الحقوق، ومَن هم بدون وطن، وهي لعنة تلاحق الولادات القسرية؛ لأنها لا تستطيع أن تقوم على قاعدة المساواة، وبتعبير أقلّ حذلقة، هي "دولة أبارتيد".
عاشت إسرائيل منذ إقامتها حالة انفصام لأيديولوجية علمانية تُوظّف مرجعية دينية. كان الاعتقاد السائد أن هذا تناقض مُتحكّم فيه، وكانت الصهيونية الدينية، أو الرسولية ترى -حسب أندرلين- في العلمانيين حمارًا يحمل الرسول، كما في إحالة توراتية، لكن "الحمار" لم يعد متحكّمًا فيه؛ لأنه يخضع للقوانين الدولية، ويأتمّ بأيديولوجية علمانية، وآن الأوان لمواجهة "الحمار". لم يعد هناك تطابق بين ما هو إسرائيلي ويهودي، ويمكن للإسرائيلي أن يُهدد البعد اليهودي من "الجمهور المتنور" الذي يميز إسرائيليين بعيدين عن القيم اليهودية.
كان هذا التوجه ثاويًا، يجد جذوره في تنظير الفاشي "فلاديمير جابوتسكي" في بداية القرن الماضي، ولكنه أضحى سافرًا، منذ 2009، وبالضبط عقب محاضرة أوباما في جامعة القاهرة، ودعوته لإقامة دولة فلسطينية.
منذ ذلك الحين، تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات من قِبل حكومة نتنياهو لكبح جموح "الحمار"، وكل التوجهات الليبرالية، ومنها القانون المسمى بالنكبة سنة 2011 الذي بمقتضاه يمتنع وزير المالية عن تمويل أية مؤسسة تسمح بتنظيم تظاهرة تخلد النكبة أو مأساة الفلسطينيين منذ 1948.
ومنها معاقبة من يَدْعون للمقاطعة، سواء أكانت اقتصادية أم ثقافية، ومتابعتهم قضائيًا. صادقت المحكمة العليا على قرار يمَس حرية التعبير والتصدي للاحتلال بطريقة غير عنيفة. أما المقتضى الثالث فهو الضغط على حكومات أوروبا التي تُمول منظمات تشتغل على حقوق الإنسان.
قامت في خضم هذا "الحراك" منظمة تحمل اسم "إم ترتسو" وتستوحي الجملة الشهيرة لهرتزل: "إن أردتم فلن يكون حلمًا". ومُنشِئ هذا التنظيم طالب ذو توجهات قومية- وهو "رونين شوفال" Ronen Shoval"- يتصدى لكل الحركات الإسرائيلية التي تشكك في أحقية الشعب اليهودي على أرض فلسطين، ولا تستنكف تعقبه في نوع من المكارثية.
بيدَ أن أهم عنصر لحماية الشعب اليهودي ضد الانزياح الذي تحمله الاتجاهات اللبيرالية، هو موشي كوبيل " Moshe Koppel " إذ يقول: "لابد من ضمان مستقبل إسرائيل بصفتها دولة أمة للشعب اليهودي" وأنشأ لهذا الغرض فوروم كوهيليت " Forum Kohelet"، أو ما يعرف باسم "منتدى كوهيليت للسياسات"، وهي مؤسسة فكرية إسرائيلية يمينية محافظة غير ربحية، حددت لنفسها ثلاثة أهداف رئيسية:
تأمين مستقبل إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. تعزيز الديمقراطية التمثيلية. توسيع مبادئ الحرية الفردية والسوق الحرة في إسرائيل.واحد من أهم ما أنجزه المنتدى، قيام الحقوقي الذي يدعى أفياد باكشي "Aviad Bakshi"، بتحرير مشروع قانون "إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي"، أو القانون المعروف بقانون الهُوية والذي تم تبنيه من قِبل الكنيست في يوليو 2018.
وتَعتبر النظرة اليمينية أن ذلك القانون أهم من إعلان "استقلال" إسرائيل؛ لأن الذين أعلنوا قيام إسرائيل من اليساريين كانوا متخاذلين.
ينعت الباحث الفرنسي الحكومة التي يرأسها نتنياهو- منذ 28 ديسمبر 2022- بانقلاب هوياتي "coup"، على غرار انقلاب عسكري. تمثَّلَ الانزياح الهوياتي في إيلاء مناصب حكومية وازنة لصهاينة متدينين، كما " بتسلئيل سموتريتش " و"إيتمار بن غفير"، و"أوريت ستروك"، وزير المستوطنات، من جهة، ومن جهة أخرى في خلق "وزارات هُوياتية"، ورصد ميزانيات ضخمة للمنظمات القومية والدينية، وأخيرًا خلق وكالة حكومية للهوية الوطنية اليهودية التابعة لرئاسة الحكومة عُهد بها لمتطرف هو أبي موعاز "Avi Maoz " الذي جعل هدفه التصدي "للقوى المُدنسة، والتي مصدرها المسيحية خاصة".
يقر شارل أندرلين بأن هذا الانقلاب الهوياتي يتستر عن داء عضال، وهو الاحتلال، وما يترتب عنه من أبارتيد. الشعور الأخلاقي الذي كان يستحث بعضًا من العلمانيين واليسار، أو من يسميهم الخطاب الديني، بـ "الحمار الذي يحمل الرسول"، أخذ يتحلل.
أمام هذا الوضع المتنافر ما بين الحمار والرسول، أو الحمار الذي لم يعد يحمل الرسول، استفحل شعور تحلل الوازع الأخلاقي، وهو ما تعزز في العقد الأخير، في إسرائيل، وبداخل المؤسسات اليهودية وخارجها. ولا يتوقف هذا التوجه في إسرائيل ولا ضمن الجاليات اليهودية، بل يكتسي بُعدًا تبشيريًا بما فيها أوروبا أسوة بالاتجاهات اليمينية المتطرفة التي يرتبط بها بعلاقات ويوجد على رأس هذا الاتجاه يورام هازوني " Yoram Hazony"، في دائرة "الأممية الشعبوية اليمينية".
فمن ذا يزعم بعد اليوم أن إسرائيل ديمقراطية وقد شهد شاهد لا يُطعن في شهادته! ومن ذا يتذرع بالبعد الأخلاقي، للاصطفاف مع إسرائيل وقد تحللت من أي وازع أخلاقي، وذلك قبل العدوان الهمجي على غزة. أما اليوم فقصة أخرى.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إسرائیل من من جهة التی ت
إقرأ أيضاً:
يوم التحرير .. ترامب يكشف ملامح يومه الأول في البيت الأبيض
سرايا - قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مساء الأحد، إنه سينهي الفوضى في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، ويمنع اندلاع حرب عالمية ثالثة. كما توعد بأنه سيوجه الجيش بإنشاء قبة حديدية لحماية سماء الولايات المتحدة، إضافة إلى تلميحه لإمكانية إعادة النظر في قرار حظر تيك توك.
جاء ذلك خلال فعالية للمحافظين الشباب في فينيكس بولاية أريزونا، حيث أكد الرئيس الأميركي المنتخب أنه سيوقع بمجرد تنصيبه في 20 يناير عدة قرارات بخصوص ملفات عدة داخلية وخارجية.
"جنسان فقط.. ذكر وأنثى"
أعلن ترامب أنه يريد وقف "جنون التحول الجنسي" منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض الشهر المقبل، في هجوم جديد يشنه المعسكر الجمهوري ضد "مجتمع المتحولين".
وخلال خطابه، أكد الرئيس الأميركي المنتخب أنه سيوقع بمجرد تنصيبه في 20 يناير "مراسيم لإنهاء تشويه الأطفال جنسيا وإخراج المتحولين جنسيا من الجيش ومن مدارسنا الابتدائية والمتوسطة والثانوية".
وتعهد أيضا "إبعاد الرجال عن الرياضات النسائية"، مشددا على أن "السياسة الرسمية لحكومة الولايات المتحدة ستتمثل في أن ثمة جنسين فقط، ذكر وأنثى".
ملف الهجرة.. وأكبر عملية ترحيل
والأحد أيضا في فينيكس، صعّد ترامب من هجماته في ملف الهجرة الذي شكّل أحد مواضيعه المفضّلة خلال حملته الانتخابية.
ووعد ترامب باتخاذ تدابير فورية ضد "جرائم المهاجرين"، متعهدا تصنيف عصابات المخدرات على أنها منظمات إرهابية أجنبية، ومتطرقا من جديد إلى مسألة استعادة السيطرة الأميركية على قناة بنما.
وفي خطابه الذي ألقاه الأحد، أطلق ترامب وعودا تعهد تحقيقها في ولايته الثانية، راسما صورة قاتمة لعهد الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس التي هزمها في انتخابات عام 2024.
وفي إشارة منه إلى يوم أداء اليمين، قال ترامب "في 20 يناير ستطوي الولايات المتحدة إلى الأبد صفحة سنوات أربع طويلة مروعة من الفشل وعدم الكفاءة والانحدار الوطني، وسنفتتح حقبة جديدة من السلام والازدهار والعظمة الوطنية".
وأضاف أنه في هذا اليوم "سأوقّع سلسلة كاملة من المراسيم لإغلاق حدودنا أمام المهاجرين غير الشرعيين ووقف غزو بلادنا. وفي هذا اليوم نفسه، سنبدأ أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة".
وندد الرئيس المنتخب بوصول مهاجرين غير شرعيين انطلاقا من الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، قائلا إنه تحدث إلى رئيسة المكسيك كلاوديا شينباوم، موضحا "قلتُ لها: لا يمكنكم أن تفعلوا هذا ببلدنا".
وأردف ترامب "يوم 20 يناير سيكون حقا يوم التحرير في أميركا".
وفي خطابه الذي استمر أكثر من ساعة، على غرار التجمعات الانتخابية التي كان يعقدها خلال حملته، حدد الرئيس المقبل أولوياته لفترة ولايته الثانية والتي وعد بأنها ستكون "العصر الذهبي"، وأصر على السرعة التي يريد بها تنفيذ إصلاحاته.
وقال ترامب "سأنهي الحرب في أوكرانيا. سأوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسأمنع الحرب العالمية الثالثة، أعد بذلك".
كما كرر التهديدات التي أطلقها في اليوم السابق بشأن قناة بنما، متهما السلطات البنمية التي تسيطر على القناة بالكامل منذ العام 1999، بعدم معاملة السفن الأميركية "بإنصاف". وهدد قطب العقارات السابق قائلا "إذا لم يتغير هذا الوضع، فسنطالب بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة فورا".
قناة بنما
ورفض رئيس بنما خوسيه راوول مولينو، الأحد، تهديد ترامب باستعادة السيطرة على هذا الممر بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
ومن دون أن يذكر ترامب بالاسم، قال مولينو في مقطع فيديو على منصة "إكس" إن "القناة لا تسيطر عليها الصين أو المجموعة الأوروبية أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى، لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر. وبصفتي بنميّاً، أرفض بشدة أي تعبير يشوه هذه الحقيقة".
وكان سبق لترامب أن كتب على منصته "تروث سوشل": "قواتنا البحرية وتجارتنا يتم التعامل معهما على نحو غير عادل. إن رسوم (المرور) التي تفرضها بنما سخيفة"، مضيفا "هذا النهب لبلادنا سيتوقف فورا".
وشدد على أنه إذا كانت بنما غير قادرة على ضمان "التشغيل الآمن والفعال والموثوق" لهذا الطريق المائي "فسنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل ومن دون نقاش".
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #جرائم#الصين#ترامب#الوضع#اليوم#بايدن#أوكرانيا#رئيس#الرئيس#تيك#توك#التربية#التوجيهي
طباعة المشاهدات: 1651
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 23-12-2024 10:04 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...