يمانيون – متابعات
تُواجِهُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ ورطةً كبيرةً فيما يتعلَّقُ بتحَرُّكِها العدائيِّ في البحرِ الأحمر لإعاقةِ الهجماتِ اليمنيةِ على السفنِ المرتبطة بالعدوّ الصهيوني، فإلى جانب التفاعل الدولي الضعيف جِـدًّا مع التحالف البحري الذي أعلنت عن تشكيله، والذي لا تزالُ تُصِرُّ على استفزازِ الدول للانضمام إليه من خلال الاندفاع نحوِ عسكرة المياه الدولية وخلق مخاطرَ على حركة الملاحة، يبقى الأفق مسدوداً أمام تحقيق هدفها المتمثل بإيقاف العمليات اليمنية، وذلك نتيجة عدة أمور منها معادلات استباقية استراتيجية نجحت صنعاء في فرضها وبنائها خلال الفترات الماضية، وهي معادلات تجعل مسار التصعيد الذي تتجه فيه الولايات المتحدة محفوفاً بتداعيات أكثر خطورة عليها بشكل مباشر؛ الأمر الذي يعني أن خياراتِها تنحصرُ مع الوقت بين الاعتراف بالفشل أَو المغامرة بتصعيد قد يكبِّدُها خسائرَ غيرَ مسبوقة في تأريخِ تواجُدِها في المنطقة.

قبلَ تشكيل تحالفها لمواجهة الحصار اليمني البحري على الكيان الصهيوني، سعت الولاياتُ المتحدةُ إلى ترهيبِ العالمِ، من خلال دفع كبريات شركات الشحن العالمية إلى الإعلان عن تعليق حركتها بالكامل في البحر الأحمر؛ باعتباره أصبح طريقاً غيرَ آمن، على الرغم من تأكيداتِ القوات المسلحة اليمنية على أن عملياتها تستهدف فقط السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، وقد كانت محاولة الترهيب هذه ترمي إلى حشدِ أكبر قدر من الدعم الدولي للتحَرّك ضد اليمن وإيقاف دوره المتقدم في الصراع مع العدوّ الصهيوني.

لكن النتائج جاءت متواضِعةً للغاية؛ إذ لم تستطع الولاياتُ المتحدةُ أن تجمعَ في تحالفها أكثرَ من 12 دولة، وحوالي ثلاث دول منها أعلنت اعتراضَها على العمل تحت قيادة واشنطن فيما اكتفت البقية بإرسال عدد قليل من الضباط إلى البحرَينِ التي تعتبر الدولةَ العربيةَ الوحيدةَ في التحالف، وهو الأمرُ الذي مَثَّلَ فضيحةً تاريخيةً للنفوذ الأمريكي الدولي؛ إذ لم تتعوَّد الولايات المتحدة أن يتخلى عنها حلفاؤها الدوليون بهذه الطريقة في تحَرّكاتها وخُصُوصاً ضد الدول العربية والإسلامية التي اعتاد الأمريكيون أن يستعرضوا أمامها قوتهم كقادة للعالم الغربي وجيوشه.

جزءٌ من هذا الفشل المبكر يعودُ إلى معادلاتٍ استباقيةٍ استطاعت صنعاءُ والقيادةُ الوطنيةُ أن تفرضَها بنجاحٍ قبل أن تفكِّرَ الولاياتُ المتحدةُ في الإقدامِ على خطوةِ التحالف البحري، ومن تلك المعادلات كسر عنجهية تحالف العدوان وإجباره على اللجوء إلى التهدئة وتجنب التصعيد، حَيثُ أسهمت هذه المعادلةُ بصورة مباشرة في تقويض قوة التحالف البحري الأمريكي وإخراجه بتلك الصورة الهشة، فبحسب “رويترز” و”بلومبرغ” وغيرها من وكالات الأنباء، كان أبرز أسباب إحجام السعوديّة والإمارات عن الانضمامِ بشكل رسمي للتحالف الأمريكي، هو الخشية من رَدِّ الفعل اليمني وعودة الهجمات العابرة للحدود على المنشآت الحيوية السعوديّة والإماراتية، وانهيار خطوات السلام التي قد تم تحقيقها حتى الآن في المفاوضات، وهو ما يعني أن القيادةَ اليمنيةَ قد نجحت وبشكل مسبَقٍ في تجريدِ الولايات المتحدة من الأدوات الإقليمية التي تعودت الاستعانة بها في تحَرّكاتها، علمًا بأن انضمامَ السعوديّة والإمارات لم يكن سيقيدُ العملياتِ اليمنيةَ في البحر الأحمر لكنه كان سيمنح التحَرُّكَ الأمريكي غطاءً قد يشجِّعُ المزيدَ من الدول على الانضمام.

ومن العقبات التي خلقتها صنعاءُ مسبقًا أمام التحَرُّك الأمريكي العدائي في البحر الأحمر، عملياتها الدقيقة ضد السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني والتي لم تؤثر على حركة الملاحة الدولية، الأمر الذي جعل بقية دول العالم تدرك بشكل واضح أن التحَرّك الأمريكي لا يهدف في الحقيقة لحماية خطوط الشحن الدولية، بل لحماية الكيان الصهيوني، وهو ما جعل العديد من حلفاء أمريكا يحجمون عن الانضمام؛ خوفاً من الانخراط في دعم جديد لـ”إسرائيل” التي باتت شعوب العالم كلها ساخطة عليها وعلى من يقف إلى جانبها.

وإضافة إلى خوف السعوديّة والإمارات، ودقة العمليات اليمنية، يمكن القول إن الاندفاعَ الكبيرَ الذي أظهرته القيادةُ اليمنية في استخدام الخيارات العسكرية الاستراتيجية في البحر الأحمر ضد الكيان الصهيوني قد شكَّلَ بدوره عقبةً أُخرى أمام التحَرّك الأمريكي، حَيثُ كشفت وسائلُ الإعلام الأمريكية خلالَ الأسابيع الماضية عن تردُّدٍ كبيرٍ داخلَ الإدارة الأمريكية تجاه مسألة القيام بأي فعل عسكري ضد اليمن، خشية من أن ترد صنعاء بتصعيد كبير يشعل المنطقة ويكبد الولايات المتحدة خسائر كبيرة في مصالحها وقطعها الحربية، وبالتالي نفوذها وتواجدها في المنطقة.

وقد مَثَّلَ الوعيدُ الواضحُ والمتحدي الذي وجَّهه قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير للولايات المتحدة فيما يتعلق بالرد على أي اعتداء أمريكي، تفصيلاً مهماً في هذه العقبة التي عرقلت التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر، حَيثُ بدا بوضوح أن الكثيرَ من الدول استوعبت رسائلَ القائد، ورفضت الانجرارَ وراء الأكاذيب الأمريكية.

ومحاطة بكل هذه العقبات المسبقة، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسَها وحيدةً في البحر الأحمر، في مواجهة خيارَينِ: إما الاعتراف بالفشل، وهو ما سيشكِّلُ ضربةً قاسيةً لصورتها المهزوزة أصلاً، أَو المخاطرة بافتعالِ المزيدِ من المشاكل والإصرار على عسكرة البحر واستفزاز الدول من خلال تهديد الملاحة الدولية، وهو الخيار الذي يبدو أن واشنطن استقرَّت عليه، حَيثُ لجأت في وقت سابق إلى مهاجمة سفينة تجارية مملوكة لدول الجابون بشكل عشوائي بالقرب من باب المندب، ودفعت ببعضِ شركات الشحن لمحاولة العودة لنقل البضائع إلى إسرائيل وتجاهل التحذيرات اليمنية، الأمر الذي أَدَّى إلى تعرُّضِ سفينة جديدة الأسبوع الماضي لهجوم يمني.

وفيما يثبت الهجومُ اليمني الأخير في البحر الأحمر أن التحَرُّكَ الأمريكيَّ لن يحقّقَ الهدفَ المتمثلَ بحماية السفن المرتبطة بكيان الاحتلال الصهيوني، يبدو بوضوح أن الولاياتِ المتحدةَ تندفعُ نحو محاولة تعويض هذا الفشل باستفزاز العالم لخلق غطاء للاعتداء على اليمن؛ مِن أجل فتح جبهة دولية تحت شعار حماية الملاحة؛ مِن أجل فصل اليمن عن الصراع مع العدوّ الصهيوني وتحويل قضيته إلى مشكلة دولية، لكن هذا المسار لا يعبر في الحقيقة إلا عن جنون أمريكي؛ لأَنَّ الولايات المتحدة لن تتمكّن من الاختباء تحت أي غطاء دولي، وقد جاءت تحذيرات القيادة واضحة بخصوص تداعيات أي اعتداء على اليمن والرد الصارم على ذلك، وهو ما يعني أن خيارَ التصعيد الذي تذهبُ إليه الولاياتُ المتحدة لن ينجحَ في عزل الجبهةِ اليمنية عن فلسطين، بل سيزُجُّ بواشنطن إلى قلب الصراع؛ الأمر الذي سيجعلُ الجبهةَ اليمنية أكثرَ فاعلية في التأثير على مجريات الصراع؛ لأَنَّ المواجهة المباشرة مع أمريكا ستسهم في تقويض جزء كبير من الدعم الذي يتوجّـه للكيان الصهيوني، وهذا نفسه ما عبر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم منه عندما جادلوا ضد القيام بأي عمل عسكري ضد اليمن.

وبالتالي فَــإنَّ استمرار إصرار الولايات المتحدة على عسكرة البحر الأحمر واستفزاز الدول للتحَرّك ضد اليمن، ليس في الحقيقة سوى نهج انتحاري يعبّر عن الورطة التي تعيشُها واشنطن وعن فقدانها للخيارات في مواجهة الدور اليمني المتقدم والفاعل في الصراع مع العدوّ الصهيوني.

– المسيرة | ضرار الطيب

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر الأمر الذی ک الأمریکی السعودی ة ضد الیمن التح ر وهو ما

إقرأ أيضاً:

واشنطن تجمع وزيري الدفاع الأمريكي والبريطاني لمناقشة تطورات الأزمة الأوكرانية

يعتزم وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، التوجه إلى واشنطن اليوم الأربعاء في رحلة تستغرق يومين يلتقي خلالها بنظيره الأمريكي بيت هيجسيث بعد قرار إدارة ترامب بوقف جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

وقال مسئولون إن الوزير البريطاني سيستعرض مقترحات السلام الناشئة التي ناقشها زعماء أوروبيون في لندن يوم الأحد، لكن لم يتضح ما إذا كان سيضغط من أجل عكس تجميد المساعدات العسكرية، الذي بدا أنه فاجأ المملكة المتحدة، بحسب ما أوردته وكالة رويترز للأنباء.

وأعلن هيلي قبل زيارته للعاصمة الأمريكية: "كان رئيس الوزراء واضحًا بعد اجتماعاته على مدار الأسبوع الماضي، بأننا سنواصل حوارنا مع الأصدقاء والحلفاء لتأمين مسار للسلام الدائم في أوكرانيا".

سيجلس السياسيون يوم الخميس، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها كبار أعضاء الإدارتين شخصيًا منذ توبيخ البيت الأبيض للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وقرار وقف المساعدات المستقبلية.

وفي وقت لاحق من يوم الاثنين، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للنواب إنه لا يتوقع أن تخفض الولايات المتحدة المساعدات العسكرية لأوكرانيا ومع ذلك، تبين بين عشية وضحاها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخذ مثل هذه الخطوة، بعد اجتماع في البيت الأبيض حضره هيجسيث مع عدد من كبار المسؤولين في الإدارة.

وقللت لندن من أهمية التلميحات بأن ترامب نصب كمينًا لمكتب رئيس الوزراء يوم الثلاثاء وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية: "الأمور تسير بوتيرة سريعة، وهناك مناقشات تجري كل يوم"، مؤكدًا أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة تريدان السلام لأوكرانيا.

وقالت مصادر دفاعية إن رحلة هيلي تم ترتيبها يوم الثلاثاء الماضي، وبالتالي لم تكن استجابة للأحداث الجارية. 

وكان الرجلان قد ناقشا الأسبوع الماضي إعلان المملكة المتحدة أنها ستزيد الإنفاق العسكري إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027 عن طريق خفض ميزانية المساعدات.

وقالت مذكرات إحاطة من وزارة الدفاع البريطانية إن هيلي وهيجسيث "سيناقشان خطة السلام في أوكرانيا التي تعمل عليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا" وقضايا الدفاع المتبادلة الأخرى، بما في ذلك مكافحة تنظيم داعش الإرهابي في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تجمع وزيري الدفاع الأمريكي والبريطاني لمناقشة تطورات الأزمة الأوكرانية
  • تحذير كندي: الرسوم الأمريكية غير المبررة تهدد بفقدان وظائف وارتفاع أسعار في الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة: لن نتسامح مع أي دولة تتعامل مع الحوثيين
  • كندا تتوعد بفرض رسوم انتقامية على الواردات الأمريكية رداً على قرارات واشنطن
  • وزير الدفاع الأمريكي لنظيره الإسرائيلي: واشنطن ملتزمة بالكامل بأمن إسرائيل
  • ردا على ازمة أوكرانيا.. روبيو: الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح باستغلالها
  • شاهد | البحرية الأمريكية: معركة البحر الأحمر غير مسبوقة وكلفها باهظة
  • البحرية الأمريكية: معركة البحر الأحمر غير مسبوقة وكلفها باهظة
  • العراق بقلب العاصفة.. تقارب واشنطن وموسكو يحرج طهران ويدفعها لـ4 خيارات
  • إيلون ماسك يدعم مبادرة انسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة والناتو