“حق العودة” للدكتور سلمان أبوستة – إحدى الوثائق القانونية: نضال الفلسطينيين على مختلف الجبهات يؤكد تمسكهم بحق العودة إلى وطنهم
تاريخ النشر: 1st, January 2024 GMT
الثورة / خليل المعلمي
ما نشهده اليوم في فلسطين، وفي «غزة» العزة بالذات، حلقة من حلقات النضال والمقاومة، ضد أعتى وأخبث احتلال شهدته المنطقة العربية خلال عقود، ومعركة من معارك انتزاع الحقوق سيسجلها التاريخ في أنصع صفحاته، ستتعلمها الأجيال البشرية بمخلتف جنسياتهم.
يواصل الفلسطينيون نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من سبعين عاماً من أجل انتزاع حقوقهم في العيش وفي الأرض، وبمختلف الطرق السياسية والثقافية والحقوقية والاقتصادية، ويعملون من أجل حق العودة إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم ومنازلهم منذ أن حصلت النكبة في العام 1948م والتي تمثلت في طرد الشعب الفلسطيني من أرضه واحتلالها، وتدمير قراه، وطمس تراثه.
وإلى جانب نضال المقاومة، التي تشهدها كل المناطق المحتلة، فهناك نضال من نوع آخر وهو التوثيق لكل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة في حق الفلسطينيين، والعمل على التأكيد المستمر على حق الفلسطينيين في كامل أراضيهم، وكذا حق العودة إلى تلك الأراضي التي هجر منها آباؤهم وأجدادهم بطريقة منظمة.
يأتي كتاب “حق العودة” للدكتور سلمان أبو ستة إحدى الوثائق الهامة التي سجل فيها بيانات ومعلومات عن الأراضي التي احتلها الصهاينة، وتأتي أهمية الكتاب لسببين الأول: ان سجلنا العربي عن النكبة ضعيف جداً، ولا توجد اليوم الا مذكرات وأوراق هنا وهناك، ربما كانت الهزيمة سببا في جزء من ذلك، أما الثاني: إن الحجج الإسرائيلية في مفاوضات اليوم حول الحقوق الفلسطينية تعتمد على أباطيل ثبت كذبها، ذكرها وفندها المؤلف في كتابه، ومن خلال السجلات والوثائق، ولهذا لم تعد تصحيحاً للتاريخ فحسب، بل ضرورة لدحض المقولات الإسرائيلية التي تنكر بها حقوق الفلسطينيين ومنها حق العودة.
الدكتور سلمان أبوستة من مواليد 1937م بمدينة بئر السبع، ويعد من أكثر الباحثين ارتباطاً بقضايا اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، حصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة القاهرة عام 1959م وعلى الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة لندن عام 1964م، ألّفَ أكثر من ثلاثين بحثا علميا وكتابا في الهندسة وحصل على أكثر من جائزة من جمعية المهندسين البريطانية، كان عضواً مستقلاً في المجلس الوطني الفلسطيني بين عام 1974م وحتى توقيع اتفاقية أسلو عام 1993م، عضو هيئة التعاون الفلسطينية في جنيف ورئيس لجنة اللاجئين والإنروا بها، أنجز أكثر من ثمانين بحثاً ومقالا وأصدر أربعة كتب عن اللاجئين بالعربية والإنجليزية وصمم ورسم خريطة تضم كل قرى ومدن فلسطين، وُزِع منها مئات الآلاف من النسخ باللغتين العربية والإنجليزية.
توثيق النكبة
أمضى أبوستة أكثر من أربعين عاما ينقب عن أي معلومة حول فلسطين قبل قيام إسرائيل أو بعد ذلك. ولم تشمل المهمة التي أخذها على عاتقه تاريخ النكبة وتوثيق فلسطين فقط، بل ضمن أن “ذكريات وهوية الوطن لن تضيع ابدا”. بدأ أبوستة بالتوثيق مبكراً عندما عثر على مذكرات القائد التركي لمدينة بئر السبع، التي كانت تحت الحكم العثماني حينذاك، وتعود هذه الوثيقة للسنوات الأولى من القرن التاسع عشر٫ “من هنا بدا البحث ولم يتوقف ابدا من حينها” ويقول أبوستة “لقد ظللت اجمع كل مادة عن كل شبر من وطني”.
ومن مؤلفاته أيضاً: أطلس فلسطين 1917 – 1966م، حق العودة مقدس وقانوني وممكن (2001)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طريق العودة، دليل المدن والقرى المهجرة والحالية والأماكن المقدسة في فلسطين (2007)، دار مؤسسة فلسطين للثقافة، سجل النكبة (1948-2000)، مركز باحث للدراسات.
دراسات معمقة
ويرى المؤلف أن هناك ضرورة في العودة المعمقة لدراسة زلزال نكبة 48 بشيء من التفصيل لعاملين: العامل الأول ان التاريخ يجب أن يصحح ويوضع في مكانه خصوصاً وأن 16 % من الشعب الفلسطيني قد ولدوا في فلسطين قبل عام 48م أما نسبة 84 % فهم جيل جديد لم يعيشوا في فلسطين وإن كانت فلسطين تعيش فيهم.
والعامل الثاني: ان الحجج الإسرائيلية عن هذه الحقبة تلعب دورا كبيرا في المفاوضات خصوصاً تلك المزاعم التي نشرتها إسرائيل في الغرب، عبر أربعة عقود آملة من وراء ذلك التخلي من عبء ومسؤولية هذه النكبة.
لقد اعتمد الدكتور سلمان أبوستة على العديد من المصادر والوثائق الموجودة والعديد من الدراسات وأنشأ سجلاً يحتوي على 532 محلة سكانية سواء كانت مدينة أو قرية أو قبيلة، والتي نزح أهلها أو طردوا خلال حرب عامي 1948 /1949م، محتويا على اسم المحلة باللغة العربية والانجليزية ورقمها في دراسة موريس والخالدي وهذه الدراسة، والقضاء الذي تقع فيه، وتاريخ النزوح وملاحظات عليه وإحداثياته الجغرافية وعدد سكانه ومساحة أراضيها والعملية العسكرية الإسرائيلية المتعلقة بها والمدافعين عنها، إن وجدوا، والمذابح إن وجدت.
ويوضح الدكتور سلمان أبوستة أن السجلات بها معلومات لكل قرية بتسلسل زمني من حيث تاريخ النزوح، عدد سكان القرية، المجموع التراكمي للاجئين، العملية العسكرية الإسرائيلية التي طردتهم، المدن الرئيسية التي احتلت والمذابح التي ارتكبت.
عملية ممنهجة
وفي الكتاب يضع الدكتور سلمان أبوستة عدداً من الملاحظات الهامة منها أن الصهيونية بدأت عملية غزو فلسطين حسب خطة موضوعة ساعدهم في ذلك وجود الانتداب البريطاني على فلسطين، وأن كل مرحلة من مراحل الغزو الصهيوني كانت تفتتح بمذبحة تليها مذابح أخرى، حتى تم تسجيل 25 مذبحة.، والمذبحة تعني القتل الجماعي للمدنيين عن عَمد.
وتم التأكيد من خلال الدراسات والسجلات التوثيقية ان عملية الطرد التي أصبح بموجبها الأهالي لاجئين هي عملية عسكرية منظمة، وليست عملية فردية أو عارضة نتيجة للحرب، وهي بذلك مسؤولية إسرائيل المباشرة وتقع تحت طائلة جرائم الحرب.
النهب والتدمير
يقول المؤلف: لقد احتلت إسرائيل مئات القرى والمدن واحتلت ملايين الدونمات من الحقول والحدائق، فبدأت عملية نهب واسعة النطاق ليس لها مثيل، وباعترافهم فقد تملكت الشعب اليهودي شهوة عارمة للنهب، كان الرجال والنساء، مجموعات وأفراد يهجمون كالطيور الجارحة على كل شيء لينهبوه : ملابس وأبواب وشبابيك وكراس وبلاط..
ويضيف: بدأت عملية تمير واسعة للقرى، لكن بقيت المدن العربية وأهملت ومنع إصلاحها أو ترميمها سكن فيها ثلث اليهود المهاجرين الجدد في العشر سنوات الأولى في القرى.
حق العودة مقدس وقانوني وممكن أيضاً
تحت هذا العنوان يؤكد الدكتور سلمان أبوستة أن حق العودة قد أصبح لدى الفلسطينيين مقدساً وقانونياً وممكنا، فهو مقدس، لأنه في وجدان كل فلسطيني، عاش على أمله خلال عقود، وتشرد في أنحاء الأرض وهو متمسك به، ومن أجله بـدأت حركة الفدائيين منذ الخمسينات، وأنشئت منظمة التحرير، وأنشئ المجلس الوطني، وسطر للميثاق الوطني، وكون عشرات النقابات والهيئات للمعلمين والمهندسين والأطباء والمحامين والفنانين، عبر اقطار مختلفة من العالم.
وهو قانوني لأنه لا وعد بلفور، ولا التوصية بتقسيم فلسطين عام 1947، ولا اتفاقيات الهدنة عام 1949 ملزمة للفلسطينيين بشيء، فهم ليسوا طرفا في أي منها، ولا يسمع أي منها حقوقاً جديدة عليهم، أو يحرمهم من حقوقهم الشرعية.
فحق العودة أولاً مكفول بمواد “الميثاق العالمي لحقوق الإنسان”، ومنها مادة تقضي بحق كل مواطن في العيش في بلاده، أو تركها، أو العودة إليها. حق العـودة مرتبط بحق الملكية والانتفاع بها، والعيش على الأرض المملوكة. وحق الملكية لا يزول بالاحتلال، فلا يجوز انتزاع ملكية شخص من قبل سلطة احتلال.
وحق العودة أيضاً مكفول بحق تقرير المصير، وهو حق اعترفت بـه الأمم المتحدة عام 1946 “كمبدأ” و”كحق”، وقـد اعترفت الأمم المتحدة بتطبيقه صراحة على الشعب الفلسطيني منذ عام 1969م فصاعدا، بل إن الجمعية العامة ذهبت إلى حد الإقـرار بـأن للفلسطينيين الحق في الكفـاح المسلح لتنفيذه، لأنه مشروع، ومستند على مبدأ الدفاع عن النفس.
لذلك فإن حق العودة مكفول حسب القانون الدولي للفلسطينيين، أفرادا عن طريق ميثاق حقوق الإنسان، وجماعة عن طريق حق تقرير المصير.
قرارات دولية
كما استعرض المؤلف العديد من الوثائق الدولية التي أكدت بالنص الصريح عن حق العودة ومنها القرار الذي أصدرته الأمم المتحدة عن حق العودة، رقـم (194 / 3)، الفقرة 11، الصادر في 11 /12 /1948م، وأكدته كل عام، حتى اليوم، بموافقة الأغلبية الساحقة لدول العالم، ومعارضة الكيان الإسرائيلي دائما، وأمريكا.
ويؤكد المؤلف أن منع الكيان الإسرائيلي اللاجئين مـن العـودة إلى ديارهم من 1949م إلى الآن، هو خرق مستمر لهذا القرار، يترتب عليـه أنـها مسئولة عـن الخسائر الناجمة عن حرمانهم من حق العـودة، واستغلال أراضيهم وممتلكاتهم طوال 50 عاماً، ومسؤولة كذلك عن المعاناة النفسية التي قاسوها، على نفس المبادئ التي عوضت بها ألمانيا اليهود عن أفعال النازية -حسب اتفاقية لكسمبورج في 10 سبتمبر 1952م.
وقدم مقترحاً لإنشاء هيئة أرض فلسطين لتعمل على توثيق جميع القرى والمحلات الفلسطينية التي كانت موجودة قبل العام 1948م وأنشأ اطلسا بذلك مع أسماء للأسر التي كانت تعيش هناك.
ويخاطب الدكتور سلمان أبوستة جميع الفلسطينيين بالقول: أقول لأهلي وشعبي لا تجلسوا في انتظار الفرج، يكفينا انتظار سبعة عقود من الزمان، ولا تتطلعوا إلى معجزة من السماء وأنتم جالسون، لا تتطلعوا إلى دول العالم كي تنقلكم ولا تتطلعوا إلى قوة عظمى تعطف عليكم، أنظروا إلى أنفسكم أولا قبل الآخرين وانظروا إلى أفئدتكم لتعقدوا العزم على استرجاع الحق، وانظروا إلى عقولكم لكي تضع لكم الخطة والتنظيم لاسترجاع الحق وانظروا إلى أيديكم واجعلوها تعمل لهذا الهدف المقدس وسنعود إلى الوطن، فقط عندما نستحق العودة إليه.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: فی فلسطین حق العودة أکثر من
إقرأ أيضاً:
عملية “ناحال سوريك”.. أربع رسائل متعددة الاجتهادات
أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن عملية نوعية بصاروخ “فلسطين ٢” الفرط صوتي استهدف قاعدة “ناحل سوريك”، إسنادًا لغزة ولبنان، وأكد متحدث القوات المسلّحة العميد يحيى سريع أنها حققت هدفها.
العملية تكتسب أهميتها من أربعة مستويات، هي الرسائل التي حملها الصاروخ فرط صوتي، بالإضافة إلى إشارتها لبنك أهداف واسع أمام القوات المسلحة اليمنية، داخل الكيان، على امتداد جغرافيا فلسطين المحتلة.
الأول: هي ثاني عملية صاروخية بصاروخ فرط صوتي ضد هدف عسكري الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة، منذ إعلان فوز دونالد ترامب بولاية جديدة وهزيمة كامالا هاريس، بما يحمله من أجندات تصعيد بحسب بعض المراقبين، والأكيد أنه يحمل طبيعة عدائية لكل محور الجهاد والمقاومة، فأتت هذه العملية لتؤكد مرة ثانية أن اليمن سيمضي في إسناد غزة كائنًا من كان ساكن البيت الأبيض، ولن يتغير هذا الموقف إلا بوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.
الثاني: هذه العملية جاءت استجابة للموقف الشعبي الذي أكدته جماهير مليونية في صنعاء والمحافظات الجمعة الماضية، وتأكيد جهوزيتها لكل الخيارات التصعيدية من تحالف الشيطان الأكبر بقيادة أمريكا و”إسرائيل” وبريطانيا، وهي المظاهرات التي أعقبها ضربات عدوانية أمريكية استهدفت مواقع في صنعاء وعمران.
الثالث: العملية نفذت، في ساعات الصباح الأولى، تقريبًا عند الساعة السادسة صباحًا بتوقيت صنعاء، وهذا يعني أن التحضير لإطلاق الصاروخ الباليستي “فلسطين ٢” كانت جارية في أثناء تحليق عدة طائرات لتحالف العدوان الأمريكي البريطاني أو بعده، والتي أغارت على محافظتي صعدة وعمران، لتدل على أن الضربات الأمريكية مهما كانت فلن تؤثر على القدرات العسكرية ولا على قرار إسناد غزة؛ لأن القدرات العسكرية محفوظة؛ حيث لا تصل إليها، أو على الأقل لا تتعرض إلى أضرار بأي هجوم أمريكي محتمل، وهو ما يتأكد عليه ميدانيًا بعد كل الادعاءات الأمريكية عن تضرر أي قدرات عسكرية نوعية، لا في الطائرات المسيّرة ولا الإمكانات الصاروخية. ومن ناحية أخرى؛ القرار السيادي اليمني نابع من مبادئ إنسانية ودينية لا تسمح بالتراجع مهما كانت التحديات والمغريات والتهديدات.
الرابع: هذه العملية تحمل رسالة كبرى بسرعة فرط صويتة، للقادة الذين اجتمعوا في الرياض لتحمّل مسؤوليتهم بعد أكثر من عام من التوحش والعربدة الصهيونية في غزة ولبنان، وأن ما تقوم به اليمن، سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا، يجب أن يمثل نموذجًا، ويقدم مثالًا على القدرة والإمكانات التي تمتلكها الأمة الإسلامية، ويلزم القادة بحجة لا تقبل الدحض على تلك المسؤولية والقدرة على تحمّلها لو وجدت فقط النوايا، وابتعدت الأنظمة والدول والحكومات العربية عن الغرب الكافر، وقدمت مصالح الأمة على مصالح الغرب العدائية ضد كل ما يمت لأمتنا بصلة، سواء دينيًا أو ثقاقيًا أو أمنيًا واقتصاديًا.
إنّ أقل ما يمكن للزعماء والقادة العرب والمسلمين القيام به، هو وضع الكيان المجرم على لوائح ما يسمى الإرهاب، ورفع اسم المقاومة وحركات الجهاد في فلسطين ولبنان والمنطقة بشكل عام من تلك القوائم. وأما أكثر ما يمكن القيام به فهو كثير، ولو كان للأمة قرار في هذه القمة لما أصبح الصباح على وجود أي أثر لهذا الكيان المجرم.
هذا ليس مبالغة؛ بل حقيقة يحاول الغرب منعها أو على الأقل تأخيرها، لكنها تقترب بهؤلاء القادة أو من دونهم، وما عليهم سوى أن يضعوا بصمتهم على قائمة الشرف إن أرادوا.