عندما تصبح العباءة في فرنسا رمزا للإسلام السياسي المتآمر
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
انتقدت عالمة الاجتماع كوثر حرشي تعامل فرنسا مع رعاياها المسلمين، وقالت إنها أقصتهم بالفعل من الحياة السياسية في البلاد.
وكتبت حرشي مقالا في صحيفة الغارديان البريطانية جاء فيه أن الفتيات اللائي يرتدين العباءات لا يُنظر إليهن في فرنسا على أنهن مجرد طالبات، بل "سفيرات للإسلام السياسي العالمي المتآمر على فرنسا".
وكان وزير التعليم الفرنسي غابرييل أتال قد أصدر قرارا بحظر ارتداء العباءة واللباس الطويل الفضفاض في المدارس بذريعة أن ذلك يرمز إلى ديانة التلاميذ.
وتعتقد حرشي -وهي فرنسية الجنسية- أن حظر ارتداء العباءة ينبغي أن يُنظر إليه في سياق العلاقة الاستعمارية القائمة بين الدولة الفرنسية ومواطنيها الذين قدموا إليها في هجرات عقب انتهاء استعمارها لبلدانهم الأصلية.
جذور
وقالت إن الحظر له جذور وتجلى في 3 أحداث رئيسية؛ ففي عام 1989، طرد مدير مدرسة 3 فتيات مراهقات لارتدائهن الحجاب في الفصل.
وفي عام 1994، ميَّزت مذكرة حكومية بين ما يسمى الرموز الدينية "المتحفظة" -التي اعتبرتها مقبولة في المدارس- وبين الرموز الدينية "المتفاخرة"، وهي ليست كذلك، كما تؤكد حرشي.
أما الحدث الثالث فقد كان في عام 2004 عندما صدر قانون جديد يحظر ارتداء الحجاب أو أي رموز دينية "ظاهرة" في المدارس الحكومية.
وتقول عالمة الاجتماع الفرنسية إن الفتيات المراهقات يُحرمن اليوم من حقهن في الدراسة، أو حرية الحركة داخل مؤسساتهن التعليمية، أو التواصل مع زميلاتهن في الصف ومع المعلمات، أثناء ارتدائهن للعباءة.
وتضيف أن السلطات الفرنسية تبرر الحظر على أنه دفاع عن العلمانية. وعلقت على ذلك بالتذكير بأن مبدأ العلمانية في فرنسا كان يهدف، تاريخيا، إلى حماية حق المعتقد، الذي يقتضي من الدولة أن تتوخى الحياد التام.
استخدام العلمانية
لكن مع مرور الزمن، وتحت تأثير المصالح الحزبية والاصطفافات السياسية، جرى تسخير العلمانية لخدمة خطاب يُفترض أنه يهدف إلى حماية مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.
وبعبارة أخرى، فهو خطاب يصوّر الإسلام على أنه دين "ذكوري" ويشكل تهديدا للديمقراطية الفرنسية، على حد تعبير المقال، الذي تستطرد كاتبته بالقول إن الأمر إذن متروك لهذه الديمقراطية "لإنقاذ المسلمات من الرجال المسلمين، ومن الثقافة الإسلامية بوجه عام".
ولكن عندما يستمع المرء جيدا لبعض الخطابات التي تبرر منع ارتداء العباءة، يتبين له أن هناك تحولا، إذ لم يعد الأمر يتعلق بحظر الملابس الطويلة الفضفاضة لتحرير الشابات من "قبضة السلطة الذكورية الإسلامية" بقدر ما يتعلق بحماية الطلاب الآخرين من التهديد "الدعوي"، الذي يمكن أن تشكله هؤلاء المراهقات اللاتي يرتدين العباءات. ويُنظر إلى هؤلاء الفتيات الآن على أنهن مبعوثات الإسلام السياسي العالمي في المدارس، وفقا لحرشي.
وبحسب عالمة الاجتماع، فإن من يدلي بدلوه في الحوارات الدائرة في فرنسا يرتكب خطأ فادحا إذا ارتكزت حجته على طبيعة الفستان الطويل وأهميته، بل ينبغي أن يقتصر الحوار على تناول السياسات التي تعلنها الدولة الفرنسية للتحكم في "أجساد عقول الأقليات العرقية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی المدارس فی فرنسا
إقرأ أيضاً:
هل تصبح بريطانيا مفتاح أوروبا لمواجهة ترامب؟
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
في لحظات الأزمات الكبرى، حين تحتدم الأحداث وتضيق الخيارات، سرعان ما تعود الدول لتضع مصالحها فوق كل اعتبار. التحالفات العابرة للحدود قد تبدو عظيمة على الورق، لكن حين تدق ساعة الحقيقة، إن لم تكن قادرة على التحرك الفوري، تصبح مجرد كيانات هامشية، تُهمَّش أو تُتجاهل ببساطة. وهذا تمامًا هو الحال الذي يجد فيه الاتحاد الأوروبي نفسه اليوم.
فما حدث مؤخرًا أمام أعين العالم كان أشبه بصفعة مدوية. دونالد ترامب لم يكتفِ بإذلال فولوديمير زيلينسكي علنًا، بل مضى أبعد من ذلك، معلنًا ببرود تخليه عن أوكرانيا، وموجهًا رسالة واضحة إلى أوروبا: «دافعوا عن أنفسكم من الآن فصاعدًا». وبقدر ما كانت صدمة هذه الكلمات عنيفة، إلا أنها كشفت عن تحدٍّ غير مسبوق يحتاج إلى تحرك عاجل.
وسط هذا الزلزال السياسي، تبلورت ثلاثة مشاهد رئيسية:
المشهد الأول، أن قادة أوروبا قرروا أخيرًا الإمساك بزمام الأمور بأنفسهم، متجاوزين المفوضية الأوروبية، بل وحتى حلف الناتو الذي تقوده واشنطن.
المشهد الثاني، هو العداء السافر الذي يضمره ترامب للاتحاد الأوروبي. فهو يرى في هذا الكيان خصمًا لا شريكًا، ويتهمه، دون منطق، بأنه تأسس لإيذاء الولايات المتحدة. واليوم، يهدد برسوم جمركية عقابية على البضائع الأوروبية، ويستبعد بروكسل من أي نقاش يخص أوكرانيا، ومع ذلك يطالب الأوروبيين بضمان مستقبل السلام في القارة!
أما المشهد الثالث، وربما الأكثر مفاجأة، فهو عودة بريطانيا إلى قلب الأحداث الأوروبية، بعد سنوات من العزلة التي فرضها بريكست. لقد بات واضحًا أكثر من أي وقت مضى أن تلك المغامرة السياسية كانت خطأ فادحًا يحتاج إلى تصحيح. وفي المقابل، لدى ترامب خطط أخرى للمملكة المتحدة، فهو لا يريدها جسرًا يربط الضفتين كما يأمل كير ستارمر، بل أداة لتعميق الشقاق بين دول أوروبا وإضعافها.
في هذه الأثناء، يبرز إيمانويل ماكرون كأول المبادرين، مستشعرًا خطورة اللحظة. فبعد صدمة تصريحات ترامب، دعا إلى قمة عاجلة في باريس، ثم شد الرحال إلى البيت الأبيض ليتحدث باسم أوروبا، مطالبًا بضمانات أمريكية صريحة، لا لأوكرانيا فقط بل للقارة كلها.
أما في برلين، فيدعو المستشار المنتخب فريدريش ميرتس إلى تعزيز أوروبا بأقصى سرعة، متسائلًا بجرأة عن جدوى الناتو بشكله الحالي، ومطالبًا بالاستقلال الفعلي عن المظلة الأمريكية. وفي وارسو، يقف دونالد توسك مدافعًا بشراسة عن ضرورة عدم الرضوخ لبوتين، وحاثًا الدول الأخرى على الاقتداء ببلاده في رفع ميزانيات الدفاع.
وبينما يتحرك القادة الأوروبيون بهذه الحماسة، يبدو الاتحاد الأوروبي نفسه وكأنه يجرّ أقدامه بتثاقل. زيارة أورسولا فون دير لاين إلى كييف بمناسبة ذكرى الغزو الروسي لم تتجاوز الطابع الرمزي. ترامب وفريقه يتجاهلون بروكسل بالكامل، ولا يرون حتى ضرورة إشراكها في نقاشات مصيرية كأوكرانيا.
أما كايا كالاس، المسؤولة عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فقد حاولت كسر هذا الجدار الأمريكي البارد بزيارة إلى واشنطن. لكن الإهانة كانت مدوية، فقد ألغي الاجتماع المقرر مع وزير الخارجية ماركو روبيو وهي في الجو! رسالة واضحة بأن الاتحاد الأوروبي خارج اللعبة.
تحاول فون دير لاين الآن إعادة بروكسل إلى دائرة الفعل، وهناك حديث عن قمة طارئة لمناقشة حزمة مساعدات بقيمة 20 مليار يورو لأوكرانيا. لكن كالعادة، لا يوجد إجماع. بعض الدول، مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، لا تبدي الحماس الكافي، والمجر، كعادتها، تلوّح بالتعطيل خدمة لموسكو.
الأسوأ أن القرارات الكبرى قد تؤجل مجددًا إلى منتصف مارس، موعد قمة مخصصة لبحث قضايا الدفاع والتسليح المشترك. وحتى حينها، لا ضمانات بأن أوروبا ستنجح في الخروج بخطة موحدة قادرة على مواجهة التحديات التي فرضها ترامب.
وبينما يتلكأ الاتحاد الأوروبي، تتحرك الدول منفردة، مدفوعة بشعور متزايد بأن الوقت ينفد. بريطانيا تحديدًا تجد نفسها في موقع محوري، فــ (كير ستارمر) يعمل يدًا بيد مع ماكرون لتأسيس «قوة طمأنة» لأوكرانيا، كما يستعد لاستضافة قمة خاصة في لندن لإطلاع القادة الأوروبيين على تفاصيل محادثاته مع ترامب.
الأهمية الحقيقية للدور البريطاني لا تقتصر على دعم أوكرانيا، بل تمتد لإعادة رسم خريطة الدفاع الأوروبي لما بعد ترامب، بعيدًا عن قيود الاتحاد الأوروبي الرسمية. وهذا قد يفتح الباب أمام تعاون أوسع في ملفات الأمن والاستخبارات، وربما يوجد حالة من الثقة تسمح بمعالجة آثار بريكست العالقة، من التجارة إلى الحدود، وصولًا إلى حرية التنقل.
وفي المقابل، يبدو الناتو كمنظمة مرتبكة، فاقدة للبوصلة. الحديث الأمريكي عن تخفيض عدد القوات في أوروبا يعيد إلى الواجهة أسئلة كانت مستبعدة حتى وقت قريب: هل سيهب ترامب للدفاع عن بولندا إذا تعرضت لهجوم؟ هل ما زالت المظلة النووية الأمريكية قائمة؟
وإذا كان العرف يقضي بأن يقود الناتو جنرال أمريكي، فهل حان الوقت لكسر هذا التقليد؟ فالأوروبيون يشكلون الغالبية الساحقة من أعضائه. وربما، كما يحلم ماكرون وآخرون، يكون الحل في إنشاء جيش أوروبي حقيقي، يردع روسيا، بل وربما الولايات المتحدة نفسها إذا لزم الأمر.
في هذه اللحظة المفصلية من التاريخ، حيث يسعى القوميون لتقسيم العالم وفق أهوائهم، تبدو الحاجة إلى تكتلات قوية، كالاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية، أكبر من أي وقت مضى. لكن هذه الكيانات مطالبة بأن تثبت جدارتها. لم يعد مقبولًا أن تكتفي بالصمت أو التصريحات الفضفاضة.
الأمور واضحة، فإما أن تتحرك الآن أو تسحقك الأزمة الحالية.
سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة الأوبزرفر
عن ذي جارديان البريطانية