ضوء النور والأمل الذي يشرق في عُمان
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
صباح أول أيام العام الجديد هي أكثر اللحظات التي يتزايد فيها الشعور بحركة الزمن، إنها لحظة التحول الغريبة التي يستعيد فيها الإنسان شريط الماضي ويحاول أن يستبصر آفاق المستقبل. ورغم أن الزمن عبر التاريخ سلسلة مترابطة لا تنفصل ولكن لحظة الانتقال من سنة إلى أخرى تُشعر الإنسان وكأن لحظة بارقة تومض أمامه، أو كأنه يرى نفسه للحظة عابرة ينعتق من الزمن ولا يعود محكوما به وبمساره التاريخي فيرى في تلك اللحظة/ البرهة ببصره الماضي بكل تفاصيله وببصيرته يلمح المستقبل بكل تجلياته.
ولقد هبطت سنة 2023 خلف أفق الزمن وها هي شمس أول أيام عام 2024 تشرق في كل مكان في لحظة محاطة بالأمل أن يكون هذا العام أفضل مما كانت عليه الأعوام الماضية مهما صادف الإنسان فيها من إنجازات كبرى.
ولأن البصر يقرأ لغة الواقع أكثر مما تقرأه البصيرة رغم الجدل الفلسفي حول «الكشف» و«الإشراق» فإن البصر يستطيع أن يقرأ حجم المنجزات التي حققتها سلطنة عمان خلال العام الذي غابت شمس آخر أيامه خلف جبال عُمان الشامخة فيشعر بالكثير من الفخر أن بلده، استطاع وسط كل التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة العربية والعالم أن يحقق جملة من الإنجازات التي تسير في طريق الإصلاح الاقتصادي والإداري وبناء الدولة الحديثة في عهدها المتجدد ما يعني أن مساحات النور، والنور الساطع ممكنة حتى في لحظات المحنة الكبرى التي تمر على المنطقة العربية.
ورغم أن سلطنة عمان ما زالت في مرحلة التعافي من الأزمات الاقتصادية والمالية التي رافقت جائحة فيروس كورونا خلال السنوات الثلاث الماضية فإنها أغلقت آخر يوم في العام «الماضي» بفائض في الميزانية يزيد على 800 مليون ريال بالرغم من أن متوسط أسعار النفط تراجع في عام 2023 عما كان عليه في عام 2022 لكن سياسة إدارة الموارد المالية ما زالت تأتي بثمارها بشكل جيد. لكنّ الحديث عن فائض الميزانية لا يمكن أن يكون خبرا مكتملا دون الحديث عن إدارة الدَين العام، فقد نجحت سلطنة عمان في تسديد أكثر من ملياري ريال من الدَين العام لينخفض إلى حدود 15.2 مليار ريال، ويقول الماليون إن الدَين العام وصل إلى حدود آمنة، لكن سياسة سلطنة عمان ذاهبة إلى توظيف الفوائض المالية لخفض المديونية أكثر وأكثر.. وهذه سياسة تحوُّط في ظل التذبذبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتحديات السياسية والعسكرية التي تعيشها المنطقة. وساهمت إدارة الموارد المالية خلال العام المنصرم في رفع التصنيف السيادي «الائتماني» أكثر من ثلاث مرات في عام واحد ليصل إلى درجة تُعرف عالميا بدرجة «الاستثمار» وفيها تنصح الوكالات الدولية المستثمرين في مختلف دول العالم وتشجعهم على الاستثمار في الدولة التي تصل لتلك الدرجة من التصنيف.
وإذا كان الحديث عميقا عن الإنجازات المالية التي حققتها سلطنة عمان خلال العام الماضي فلا بد من الحديث عن نجاحها في خفض مديونية شركات جهاز الاستثمار بمقدار مليار ريال، كما قامت الحكومة بتسديد ديون مستحقة للقطاع الخاص في سياق خفض المديونيات ومحاولة إنعاش الاقتصاد عبر ضخ مئات الملايين من الريالات.
وخطت سلطنة عمان خلال العام الماضي خطوات واثقة في مسار استقطاب المشاريع الكبرى وخاصة فيما يخص مشاريع الطاقة الخضراء التي تركز عليها عُمان في بناء خريطة استثماراتها المستقبلية. لكن مشاريع الطاقة ليست وحدها التي تحولت من الورق إلى الواقع؛ فهناك الكثير من المشاريع في مجال اللوجستيات والثروة السمكية.. إلخ.
وإذا كان المشهد المالي أحد أكثر المشاهد وضوحا في العام الماضي فلأن أزمة مالية/ اقتصادية سبقته وجعلته محور الحديث لعدد من السنوات، وإلا فإن سلطنة عمان حققت الكثير من الإنجازات التي من شأنها التأسيس لمرحلة قادمة من مراحل التنمية الاجتماعية في البلاد.. ويمكن هنا الحديث عن صدور مجموعة من القوانين والتشريعات في سياق إعادة تطوير منظومة القوانين العمانية. وكان من بين أبرز تلك القوانين قانون الحماية الاجتماعية الذي يبدأ تطبيق الكثير من منافعه اليوم، وسعى القانون الذي صدرت أمس لائحته التنظيمية إلى بناء مظلة اجتماعية لجميع فئات المجتمع بدءا من الأطفال وصولا إلى كبار السن الذين سيبدأ هذا الشهر صرف منفعة مالية لهم مقدارها 115 ريالا لكل مواطن أكمل 60 عاما بغض النظر عن أي دخل آخر يتقاضاه، وتشمل هذه المنافع المرتبطة بالقانون منفعة خاصة بالأطفال منذ لحظة الولادة حتى عمر 18 عاما وكذلك منافع للأرامل والأيتام والمطلقات ودعم دخل الأسر.
هذا المشهد الحافل بالإنجازات لا يمكن تجاوزه حتى لو كان المحيط الإقليمي مكفهرا وفي لحظة غليان كبرى.. إن بقع النور مهمة جدا لصناعة الأمل، وهذا أحد أهم الإنجازات التي استطاعت سلطنة عمان تحقيقها خلال العام الماضي.. صناعة الأمل وفتح مسارات استطاعت القفز فوق كل الانسدادات التي تعيق الذهاب نحو المستقبل.
حفظ الله عُمان وحفظ جلالة السلطان الذي يقودها نحو غد آمن ومشرق بكل خيوط النور.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: العام الماضی خلال العام سلطنة عمان الحدیث عن
إقرأ أيضاً:
المتاحف وأدوارها في التنمية الثقافية
تُمثل البُنى الثقافـية كالمتاحف والمسارح والمكتبات معالم أساسية فـي خطط التنمية والاستثمار الاقتصادي، وركائز أساسية فـي صناعة السياحة وعوامل جذب للزوار، ناهيك عن أهميتها الثقافـية كونها ذاكرة وطنية وسجلا زمنيا حافلا بالمنجزات الإنسانية عبر التاريخ، يمكن من خلالها الاطلاع على مراحل التطور البشري وقدرة الإنسان الذهنية على الخلق والإبداع.
ونظرا للتنوع الثقافـي العُماني والإرث الحضاري الممتد منذ بدايات الاستيطان البشري فـي الجزيرة العربية، فقد أولت سلطنة عمان المتاحف العناية والاهتمام، وعندما نذكر قصة الاستيطان البشري فـي عُمان نُذكّر بالآثار المكتشفة فـي الأرض العمانية، والتي تثبت وجود البشر فـي هذه البقاع، فهناك «آثار تعود إلى العصر الحجري المتأخر يقدر بحوالي عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، حسب تقديرات البعثة الفرنسية للآثار التي أجرت العديد من الحفريات فـي أكثر من 400 موقع منها كهف ناطف بنيابة حاسك، ضمن مشروع دراسة شواطئ بحر العرب»، وتوجد أحجار جرانيت تعود إلى 800 مليون عام معروضة فـي متحف عُمان عبر الزمان، بالإضافة إلى فك متحجر لنوع بدائي من الفـيلة يدعى «عُمانيثيريوم ظفارينسس» عاش فـي أرض عُمان قبل حوالي 35 مليون عام، وقد عُثر على الفك فـي محافظة ظفار، وحسب التعريف المدون على اللوحة أسفل صورة الفك، فإن هذا النوع من الفـيلة «من أوائل الثدييات ذات الخراطيم التي ظهرت على سطح الأرض، وهي قريبة الصلة بالماموث والماستودون».
هذا ما يتعلق بالآثار والمكتشفات الموغلة فـي القدم، أما بالنسبة لتسمية (عمان) فتعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد من خلال النقش المكتشف فـي منطقة مليحة فـي إمارة الشارقة، إذ أُعلن فـي يناير 2016م، عن اكتشاف أثري عبارة عن نقش جنائزي مكتوب بخط المسند (اللغة العربية الجنوبية) إضافة إلى خط آرامي. وترجمة النقش تذكر بأن «شاهد وقبر عمد بن جر بن علي بقر (كاهن) ملك عُمان والذي بناه فوقه ابنه عمد بن جر بقر (كاهن) ملك عُمان» والنقش كما يوضح هو لكاهن وليس للملك، إضافة إلى أن هذا النقش يؤرخ لشكل نظام الحكم بالإضافة إلى كونه أقدم نقش أثري يرد فـيه اسم عمان. ونأمل أن يُعرض هذا النقش مستقبلا فـي أحد المتاحف العُمانية. إن قيمة المكتشفات لا تكمن فـي عمرها الزمني بل فـي كيفـية استثمارها ثقافـيا وماديا، وتوظيف المكتشفات والمقتنيات فـي المتاحف وعرضها للجمهور.
إن الباحث عن المتاحف فـي سلطنة عمان يجدها منتشرة فـي جل المحافظات سواء كانت متاحف حكومية أو خاصة، فحسب نشرة الإحصاءات الثقافـية الصادرة عام 2022م عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات يوجد فـي سلطنة عمان 22 متحفا حكوميا وخاصا، (حسب الإحصائية لم تدرج متحف عمان عبر الزمان الذي افتتح فـي مارس 2023) وإذا أضفناه إلى القائمة نجد أن المتاحف الحكومية (11) متحفا، و(12) متحفا خاصا، يعمل فـيها حوالي (231) موظفا وموظفة، «إحصاءات 2021، من دون موظفـي متحف عمان عبر الزمان». هكذا تساهم المتاحف فـي خلق فرص عمل للباحثين، بالإضافة إلى كونها مكتسبات وطنية تدعم السياحة وتوفر بيئة جاذبة للسائح والمواطن والمقيم، ولذلك فإننا نأمل بتوسيع خريطة إقامة متاحف حكومية أخرى أو حتى متاحف خاصة ببعض المؤسسات العاملة فـي القطاع الخاص فعلى سبيل الذكر، فإن إقامة متحف للصناعات النفطية فـي محافظة الوسطى بات ضروريا خاصة وأن المحافظة لا تحتوي على قلاع أو حصون أو متاحف خاصة فـي الوقت الحاضر، مع العلم بأن المحافظة توجد بها مقومات نادرة فـي سلطنة عمان مثل محمية المها العربية فـي وادي جعلوني، وحديقة الصخور فـي الدقم.
أما بالنسبة للمتاحف القائمة، فنتمنى منها توظيف التراث الثقافـي الشفوي فـي المتاحف عبر إقامة قاعات للفنون المغناة وأشكال التعبير الشفاهي. بالإضافة إلى التوسع فـي إقامة قاعات مخصصة للفن الصخري فـي عمان، بكافة الأشكال والأنواع المكتشفة فـي السلطنة.
تبقى الطبيعة العُمانية متاحف طبيعية مفتوحة من الجبال الشاهقة إلى حفر الإذابة العميقة فـي باطن الأرض مرورا بالجزر والشواطئ والصحاري والسهول، وحكايات الإنسان الذي طوع الطبيعة لصالحه.