عام مضى بكامل حمولته وكل سكانه وحامليه، بشتّى مِنَحِه وأصعب مِحَنِه، عام مضى بين آمال لا تتلاشى أو تَفنى، وآلام لا تُنسى ولا تخفى، ويأتي عام جديد نقبض فيه على دعواتنا الصادقة لتتسع فيه فضاءات الأمل، وتختفي دوائر الألم والأسى، فأي الصُعَد نريد لتوصيف هذا العام المنصرم؟ الصعيد المحليّ، الإقليمي، العالمي أم الصعيد الشخصي لكل فرد منا؟ أما الصعيد الفردي فمختلفة ألوانه، متباينة تطلعاته فلا أقل من تمني بلوغ الأمل للجميع متجاوزين تحديات الحياة بما يضمن لكل منا غدا آمنا معقودا بنواصيه الخير والفرح والسلام.
أما على الصعيد المحلي فلا يمكن إلا إنصاف العام الماضي، والإشادة بكل ما تحقق فيه وخلاله من عمل دؤوب رعى توجيهه والإشراف عليه وخطّ مراسيمه وقوانينه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- سعيا من جلالته لإشراك مختلف فئات المجتمع في تنفيذ رؤية عمان الطموحة بدءا بالتشريعات القانونية المؤسسة للمرحلة القادمة بمستجداتها، مرورا بتشكيلتي مجلس الدولة ومجلس الشورى لسنوات قادمة من العمل لصنع الفرق المتناسب والمرحلة، وصولا للزيارات السلطانية الدولية السامية لمجموعة من الدول الشقيقة والصديقة بهدف تفعيل الشراكات الاقتصادية والمنافع التنموية، ثم دعم مستقبل عمان المأمول عبر إعادة صياغة منظومتي صندوق الرعاية الاجتماعية وقانون العمل؛ هذا التجسير المسؤول يهدف إلى دعم النظام الاجتماعي الشعبي بهذه الآلية المجهزة والمهيأة لتأسيس منجزات القادم من أعمال التنمية، وتمكينات الإنعاش الاقتصادي مع متعلقاتها المتصلة بتحسين مستوى دخل الفرد عبر تحريك نظام التقاعد والترقيات، كل تلك الجهود لا يمكن إلا أن تعمل على خلق حواضن مُمَكِّنة ومُفَعِّلة لتصورات ومقترحات ورؤى التخطيط الاقتصادي القادم محليا ودوليا، مرحلة فارقة لم يكن ممكنا تجاوزها أو عبورها لبلوغ منجز وطني حقيقي.
على الصعيد الإقليمي يعيش العالم العربي اليوم -مع الانتقال بين عامين -مرحلة صعبة من تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، مرحلة مروعة من تنازع المصالح والقيم، من تكشف وحشية آلة السياسة والحروب، هذه الحرب التي يؤكد المحللون أنها الأعنف منذ هجوم الحلفاء الانتقامي على المدن الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية حصدت أرواح الفلسطينيين في حرب غير عادلة ولا متكافئة، حرب ليست واقعية وحسب بل هي حرب ثقافية لها واقع ميداني في أرض غزة بين مجموعة دول كبرى في مواجهة مدنيين وأفراد من المقاومة الفلسطينية، لكن لها واقعا افتراضيا أرحب مما تصورته دول الصراع، وهو الواقع الذي يرتكز عليها الرهان حاليا في القدرة على دعم المقاومة الفلسطينية، والقدرة على تحويل الوعي الشعبي العالمي وتوجيه بوصلته من نصرة إسرائيل إلى نصرة القضية الفلسطينية عامة وليس غزة وحدها.
على الصعيد العالمي تغذّت صراعات القوى العظمى على الأزمات الشعبية المجتمعية الكبرى اقتصاديا واجتماعيا وصحيّا وحتى مناخيا، إذ أصبح كل شيء قابلا لتحويله مادة للكسب وميدانا للتنافس الاقتصادي بين هذه القوى بعيدا عن كل ادعاءات العالم المادي المتمدن في التمسك بما هو قيمي إنساني، أو فكري روحي، ومع التهافت المتسارع على المادة تتحجم قيمة الإنسان، وتتقيد كل منظومات العمل الحقوقي الإنساني، وتتسع أطر عمل مؤسسات المجتمع المدني لاستيعاب المُستثنى من العقاب، والمَعْفِيّ من اللوم والتأنيب بما يملك من نفوذ، وما يوظف من إمكانات للسكوت عن سوءاته، أو تبريرها، أو حتى تجميلها إن لزم الأمر.
نعبر إلى العام الجديد بكثير من الأمل، وبترقب لتباشير الخير ومؤشرات النماء مع بواكير هذا العام القادم، بطاقات من العمل والعطاء منطلقا زمنيا لسعي مخلص للمشاركة المسؤولة مجتمعيا، وللمواطنة الفاعلة فكرا سلوكيا، وللتقييم الحقيقي الواقعي والنقد الإيجابي بعيدا عن أي مجاملة أو نفعية، نعبر إلى عام قادم نتعاهد فيه على أن نرسم أحلامنا الأجمل، وطموحاتنا الأسمى دون الانتقاص من طموحات الآخرين أو التقليل من سعيهم، نعبر إلى عام جديد نتكامل فيه باختلافنا الجميل دون عداء أو ضغينة علّنا نبلغ العام القادم بتحقق أحلامنا الشخصية، وتكامل تكافلنا المجتمعي، واكتمال وعينا المعرفي بقضايا أمتنا، وتحديات واقعنا العالمي، نشحذ أرواحنا طاقة إيجابية ورؤى خلّاقة لنملأ هذا العام عطاء ومحبة.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ارتفاع معدل البطالة في ألمانيا مع ضعف الاقتصاد
أظهرت بيانات رسمية أن معدل البطالة في ألمانيا قد سجل ارتفاعا في بداية العام رغم زيادة أقل من المتوقع في عدد العاطلين عن العمل، حيث يؤثر ضعف أكبر اقتصاد في أوروبا على سوق العمل.
وقال مكتب العمل الاتحادي الجمعة إن عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا ارتفع بأقل من المتوقع في يناير.
وذكر المكتب أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع بنحو 11 ألف شخص بعد التعديل في ضوء العوامل الموسمية إلى 2.88 مليون.
وكان محللون استطلعت رويترز آراءهم توقعوا ارتفاع هذا الرقم بنحو 14 ألفا.
غير أن معدل الوظائف المعدل في ضوء العوامل الموسمية ارتفع قليلا إلى 6.2 بالمئة.
ومن المتوقع أن يستمر عدد العاطلين عن العمل في الزيادة هذا العام ليتجاوز حاجز الثلاثة ملايين لأول مرة منذ 10 سنوات في بداية عام 2025 في ظل التوقعات الاقتصادية القاتمة.
وأضاف مكتب العمل أن عدد الوظائف الشاغرة بلغ 632 ألفا في يناير انخفاضا بنحو 66 ألف وظيفة عن العام الماضي، مما يشير إلى تباطؤ الطلب على العمالة.
ووفقا للبيانات، ارتفع معدل البطالة بنحو 0.4 نقطة مئوية على أساس شهري إلى 6.4 بالمئة.