لجريدة عمان:
2024-12-27@22:22:52 GMT

عام جديد.. «الإنسانية» في مربعها الأول

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT

تأتي الأعوام تباعا متتالية، دفعات من الزمن المتواصلة بلا توقف، تحمل بين ثنياتها الكثير من الأحداث كبيرها وصغيرها، المؤلم منها؛ وهي الأكثر؛ والمبهج منها وهي قليلة شحيحة؛ لا تكاد تذكر؛ وأغلبها على المستوى الفردي، حيث إنها لا تحمل عالمية قد تفضي إلى شيء من الانفراج يمكن التقييم من خلاله على أنه تطور نوعي للشأن الإنساني، لربما تكون هناك أحداث مبهجة؛ مع قلتها؛ تمثل بعض الانفراجات الإنسانية، ولكنها يقينا؛ لن تتساوى مع الأحداث المحزنة؛ لأن وطأة الأحداث المحزنة، وثقلها على النفس، تكاد تطغو على ضديتها، ولذلك تأتي الأعوام باهتة المنظر، قاحلة العطاء، مكفهرة الوجه، تبعث على السأم، فما الجديد؛ إذن؟ ولعل في بيت أبو الطيب المتنبي ما يذهب إلى هذا المعنى: «عيد بأية حال عدت يا عيد.

. بما مضى أم بأمر فيك تجديد» فاليوم كحال الأمس، ومع ذلك فالإنسان الفرد يدفع دفعا لأن يكون له أمل، وتكون له مساحة شاسعة لرؤية تستشرف غدها الأجمل كما تأمل، وهذا ما يجعل الإنسان الفرد يتجاوز منغصات اليوم؛ آملا أن يكون الغد أكثر أمانا وسعادة، وحبورا، وكما يقال: «ويبقى الأمل».

تسود العالم صور من التقاطعات المتعفنة (إما أن تكون؛ أو لا تكون) ولا خيار ثالث متاح، وبهذه الوتيرة يجري الزمن المستقطع من أعمار الإنسانية؛ فمجموع العلاقات التشابكية بين الناس، لها دور كبير في هذه الصورة المرتبكة، وأصفها بالمرتبكة؛ لأن كل واحد يريد أن يحقق ما يريده في أقرب فرصة ممكنة، وبالوسيلة الفاعلة الحاسمة، ولو كانت هذه الوسيلة فيها مخاطرة تمس الآخرين الذين تتشابك مصالحه مع مصالحهم، فالمهم أن يكسب الرهان، ولا عليه بالمآلات التي سوف تتم فيما بعد، وإن تضرر بها الآخرون، فهذه ليس إشكاليته، بل بالعكس؛ قد يرى في تصدع المواقف الناتجة عن تحقيق مصالحه، عمرا آخر للإمعان في نهجه، وفي القدرة على الاستحواذ الأكثر مما يسعى إليه، وهل هذه الصورة حديثة؛ بمعنى مرتبطة بزمن دون آخر؟ إطلاقا، فموقف الصدام الذي حدث بين ابني آدم -عليه السلام- حيث النشأة الأولى، لا تزال تراوح مكانها، والذي تغير فقط؛ هو تعاظمها ككرة ثلجية، عبر مجموعة من الوسائل التي حفزت البشرية على الإمعان أكثر في الإساءة، وتحقيق المزيد من المكاسب المادية، ولذلك تظل الإنسانية التي تشرئب الأعناق إلى الوصول إليها؛ مجرد حلم تتماهى صوره شيئا فشيئا حتى تقتنع النفس أن لا أمل إلى تحقيق ذلك، وهذه ليست صورة تشاؤمية، ولكنها حقيقة، أدمنتها النفس البشرية، فتتعامل معها وكأنها شيئا طبيعيا في نسق حيواتها اليومية.

لا تزال معوقات التنمية في كل بلدان العالم؛ إلا الاستثناء؛ -وهذا دليل آخر- تتموضع في مربعها الأول: الفقر يتعاظم، وتتراكم أعداده البشرية، الظلم يتعاظم، وتختزل الإنسانية حضورها اللافت كمخلوق يحق له العدالة، والأمان، والترقي في الحياة، الجهل يتعاظم، وتنسحب المعرفة خجلا؛ لأنها لم تؤثر في البنيوية الفكرية للإنسان؛ حيث ظل على جاهليته الأولى؛ قاطع طريق، وموغل في القسوة على أخيه الذي يتقاسم معه الحياة اليومية، وإن تعاظمت هذه المعرفة في التراكم المادي الصرف، الذي هُيئ أغلبه للقضاء على الآخر، وتدميره، وتشتيته، وجعله قبائل وأفرادا لا يجمع بينهم إلا القوة الصرفة التي تدمر كل ما يقع أمامها من مناخات إنسانية لعل لها أن تعيد إلى البشرية شيئا من إنسانيتها المترهلة بين حمى المصالح، الأمراض تتحول من مستوياتها البسيطة المعتادة إلى تصنيعها وتعقيدها، بغية توظيفها للربح والخسارة، وكذبوا في تسويقها من أنهم يريدون أن يقلصوا من حجم السكان، بل ليراكموا من ثرواتهم، التي لم تلجم أفواههم آلات الحرب المادية المصنعة، فأردوا أن يصلوا لكل فرد داخل بيته، فأي إنسانية هذه التي نعيشها، وسط هذه الغوغاء من اللصوص، وقطاع الطرق، وأعداء الإنسانية.

استعارة للسادية الإجرامية؛ بشكل غير مسبوق؛ لدى البشرية، تتجاوز كل التقديرات التي تتوقع أن تعيد للنفس حساباتها، وتعود إلى شيء من إنسانيتها، فعالمها يتحرك بجنون غير مُسْتَوْعَبٌ له، ليس لشيء، سوى الإمعان أكثر في هذه السادية المتوحشة للدماء، فعلى امتداد التاريخ البشري، وكما تؤكد كتب التاريخ، وما وصل إلينا منها، وما نقرأه من قصص، وما يتناقل من أحداث، فكل الصور المسوقة منذ ذلك التاريخ الموغل في القدم، وحتى هذه اللحظة، لا تزال الصور تتناسخ الواحدة تلو الأخرى، ويأتي المنسوخ أكثر قتامة من سابقتها، هل لأن الدماء تخثرت، فأصبحت وأمست داكنة اللون أكثر؟ قد يكون ذلك؛ نعم؛ وقد لا يكون؛ وإنما كانت الصورة لا تنقل بكامل تفاصيلها كما يحدث اليوم، حيث تطور وسائل التواصل، لم تبق شيئا مكنونا، أو مخفيا، ولذلك صعقت الأنفس التي لم تتعود على هذه المشاهد، وإن كانت مجتمعاتها لا تختلف كثيرا من وجود درجات للعنف، ويوجد في مجتمعات أخرى أكثر تعقيدا؛ للعنف المركب، لأنها مجتمعات معقدة، بتعقيد تكوينها النفسي، حيث تعيش مأساتها طوال الدهر، ولم يشفع لها الزمن بتجاربه المأساوية أن تعيش نفسا آمنا، تتلمس فيه نفسها التواقة للأمن بكافة أشكاله وتنوعاته.

لم تستطع الإنسانية أن تتحرر من ذاتها المتعطشة للدماء والنهب والسرقة والاعتداء غير المبرر، وتنتبه لشيء يمكن أن يعيد لها توازنها الذي تدعو إليه الفطر السليمة، مع أن كل نفس أول ما ولدت؛ ولدت على الفطرة، ولكن لأن المجتمع من حولها متضخم بكل ما من شأنه أن يصنف أو يذهب به إلى الإساءة، وبالتالي انعكس ذلك على الأنفس التي تأتي للتو لتبحث لها عن موطئ قدم بين هذا الركام المتعفن من الإساءات إلى النفس، فماذا يتوقع أن تكون النفوس بعد حين من الدهر، إلا بهذا الواقع المخيف، والذي يتحرك بأجندات كلها قتل، وسرقة، وترهيب، والمخيف أكثر أن هناك من له القدرة على شيوع الصورة المثالية «الاحتفالية» التي تتوزع بين جنباتها مظاهر الود، والوئام والسلام، بينما الحقيقة غير ذلك تماما، فهناك إقصاء لكل ما ممكن أن يعيد للإنسانية أمنها واستقرارها، هل هي معضلة موضوعية، أو نوعية، أو فطرية، كل ذلك حاضر عند التدقيق في حقيقة الأمر القائم، وهذا من شأنه أن يعقد العلاقة الإنسانية مع ذاتها، ولا يتوقع أية بارقة للأمل يمكن أن تحل في الغد القريب. التاريخ؛ كما هو معلوم بالضرورة؛ يكتبه الأقوياء من الأمة، والقوة هنا هي القوة المادية الصرفة، ولذلك فعبر التاريخ الإنساني الموغل في القدم، لم يأت التاريخ على ذكر أناس عاشوا على الهامش، وإن كانت لهم مآثر خالدة، ظلت في نطاقها الفردي فقط، بل سطر خطوطه العريضة الأقوياء، والأقوياء هنا ليسوا أولئك الذين انحازوا نحو إنسانيتهم، فهؤلاء من الضعفاء، ولكن الأقوياء أولئك الذين كان لهم سوء إراقة دماء الضعفاء على الأرصفة، الأقوياء الذين انتهكوا الحرمات، وقتلوا الأطفال والنساء، وراكموا من أعداد الأرامل والفقراء، والضعفاء، والجياع، والمساكين، الأقوياء الذين أشعلوها نيرانا متوقدة لم تنطفئ بعد، ويبدو أن الأمر كذلك حتى قيام الساعة، الأقوياء -لم يشترط في تصنيفهم- أن يكونوا جماعات، بل يكفي أن تكون لنرجسياتهم، وساديتهم، وتعاليهم، وبطرهم، عناوين لقوتهم، حتى ولو مارسوا هذه القوة على أضعف خلق الله، هؤلاء لا يخلو منهم مجتمع من المجتمعات، ولا أنظمة سياسية، أو اجتماعية، ولا ثقافية، ولا دينية، متوغلون في كل مفاصل الحياة اليومية للبشرية، وإلا لما أطلق عليهم أقوياء، وفوق كل هذا هم الآمنون في أحضان مناصريهم، الآمنون في أوساط منافقيهم، الآمنون في أوساط منتفعيهم، وحتى تدور الدائرة عليهم، يكون للتاريخ «الزمن» دورة أخرى، فيها نوع آخر من الأقوياء.

شَرَّعَ الإنسان قوانين كثيرة: من الأعراف الاجتماعية، ومن القوانين الوضعية، ومن الشرعة الدولية، ولأنهم تجاوزا الشرعة الدينية الصحيحة والتي هي من عند الله عز وجل، لذلك لا يزالون يعانون، فكل هذه الشرائع لم تجد نفعا، حيث ظلت الأنفس تواقة نحو هلاكها، حيث أغمضت عين العقل، واستسلمت للعاطفة، وظل التاريخ مزلزلا بكوارث البشرية، منها وإليها.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"HBO تمدد أسطورة Dune: Prophecy لموسم جديد يبحر في أعماق التاريخ الملحمي"

 

أعلنت شبكة HBO رسميًا تجديد مسلسل Dune: Prophecy لموسم ثانٍ، لتواصل استكشاف العالم الملحمي لسلسلة Dune التي أسرت قلوب الجماهير على مدى عقود.

 يأتي هذا القرار بعد انتهاء عرض الموسم الأول في 22 ديسمبر الجاري، الذي حقق إشادة واسعة بفضل حبكته المثيرة وأبعاده الفلسفية العميقة.

المسلسل يعتبر بمثابة "بداية البداية"، حيث تدور أحداثه قبل أكثر من 10 آلاف عام من وقائع سلسلة أفلام Dune التي أبدعها المخرج العالمي دينيس فيلنوف. يكشف العمل عن جذور جماعة Bene Gesserit، تلك المنظمة الغامضة التي تتحكم بخيوط السياسة والمصير في عالم Arrakis من خلف الكواليس.

قصة الموسم الأول: الجذور التي تنبض بالتاريخ

يركز Dune: Prophecy على رحلتي فاليا هاركونين، التي تؤديها ببراعة الممثلة الحائزة على الجوائز إميلي واتسون، وتولا هاركونين، التي تلعب دورها أوليفيا ويليامز. تعود القصة إلى اللحظات الأولى لتأسيس عشيرة Bene Gesserit، حيث تتبع القرارات المصيرية لزعيمتي القبيلة أثناء وضع أسس جماعتهما السرية بطرق يكتنفها الخطر والخيانة.

تتردد أصداء تلك القرارات عبر الأجيال، ما يمهد الطريق لصراع القوى الذي يميز عالم Dune. ويقدم المسلسل بُعدًا جديدًا للشخصيات المحورية، كاشفًا عن الجوانب الإنسانية والسياسية التي لم تُرَ من قبل في أعمال Dune السابقة.

إرث الروايات: من صفحات الكتب إلى الشاشة

المسلسل مستوحى من رواية Sisterhood of Dune، أولى روايات ثلاثية تمهيدية لسلسلة Dune، كتبها بريان هربرت، ابن مؤلف السلسلة الأصلية فرانك هربرت، بالتعاون مع كيفن جيه أندرسون. 

صدر الكتاب في عام 2012، تبعته روايتا Mentats of Dune في عام 2014 وNavigators of Dune في عام 2016.

الروايات الثلاث تلقي الضوء على المراحل المبكرة من التاريخ الغني لكوكب Arrakis ومجموعة الجماعات المختلفة التي تتصارع على السيطرة، بما في ذلك Mentats وNavigators، لكن Sisterhood of Dune تميزت بالتركيز على جماعة Bene Gesserit، مما جعلها الخيار الأمثل لتحويلها إلى مسلسل درامي.

 ماذا يحمل الموسم الثاني؟

مع الإعلان عن الموسم الثاني، تتوقع الجماهير استكشاف المزيد من الأسرار التي أحاطت بجماعة Bene Gesserit، وتعميق الروابط بين الماضي والحاضر في عالم Dune. يُنتظر أن يسلط الضوء على التطورات السياسية والاجتماعية التي أدت إلى بروز تلك الجماعة كواحدة من أكثر القوى تأثيرًا في الكثبان الرملية.

Dune: Prophecy لا يكتفي بتقديم قصة خيالية؛ بل يقدم رحلة فلسفية تبحث في أسئلة الوجود، والقدر، والتحكم في المصير، ما يجعله تجربة مختلفة تمامًا عن أي عمل خيال علمي آخر.

إرث خالد ومستقبل مشرق

بينما يستعد فريق الإنتاج للعودة للعمل على الموسم الجديد، تؤكد HBO مرة أخرى التزامها بتقديم محتوى يتسم بالعمق والتأثيرDune: Prophecy ليس مجرد عمل تمهيدي، بل هو حجر زاوية جديد في بناء عالم Dune، ليظل الجمهور مترقبًا ومستعدًا لاكتشاف المزيد من خبايا الرمال الأسطورية

 

مقالات مشابهة

  • عجوز من الصين يدخل التاريخ .. أسرع متسابق أكبر من 70 عامًا
  • العالم يحتفل بعيد الميلاد ليلة الـ24 من ديسمبر.. هل تعلم أن المسيح لم ير النور في ذلك التاريخ؟
  • محمد صلاح يكتب التاريخ مع ليفربول.. رقم قياسي جديد للفرعون المصري
  • الموسم الثاني من squid game أكثر المسلسلات مشاهدة على منصة نتفليكس
  • مهنا العدوي: بطولة كأس الخليج إعلامية أكثر من كونها فنية
  • المبشر: التاريخ سينصف من حملوا شعلة المصالحة والإصلاح
  • 20 عاما على تسونامي.. واحدة من أسوأ الكوارث في التاريخ المعاصر
  • كيف يمكننا إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيدا عن التقديس والتدنيس؟
  • منهج المدارس في فلوريدا: هل يفي بتوقعات تدريس التاريخ الأفريقي الأمريكي؟
  • "HBO تمدد أسطورة Dune: Prophecy لموسم جديد يبحر في أعماق التاريخ الملحمي"