الذكرى المئوية لثورة 1924 «1»
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
بقلم: تاج السر عثمان بابو
(1)
يتزامن مطلع العام الجديد مع الذكرى 68 لاستقلال السودان، والذكرى المئوية لثورة 1924 التي كانت النواة لانطلاق الحركة الوطنية الحديثة في نضال طويل وشاق حتى تمّ رفع علم الاستقلال في 1 / يناير/ 1956، تمر الذكرى المئوية لثورة 1924 والبلاد تشهد حربا لعينة هدفها الأساسي تصفية ثورة ديسمبر، والتفريط في السيادة الوطنية ونهب ثروات البلاد، كما حدث في نزوح الملايين ومقتل الالاف من الاشخاص، وتدمير مواقع الإنتاج الصناهي والزراعي والخدمي، وتدمير البنية التحتية، والمراكز والمتاحف الثقافية والتراثية بهدف محو تاريخ السودان الذي يجب أن نبذل اقصى الجهد للمحافظة عليه وتمليكه للاجيال الجديدة ،وتهجير قوى الثورة كما حدث في الخرطوم ودارفور وأخيرا مدني .
نتابع بمناسبة الذكرى المئوية لثورة 1924 في هذه الحلقات كيف انفجرت الثورة، وأهدافها، واسباب فشلها، والرموز السياسية والفكرية والثقافية للثورة الذين مازالت ذكراهم خالدة مثل : على عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين، و خليل فرح وعرفات محمد عبد الله . الخ.
(2)
كانت ثورة 1924 النواة التي انطلقت منها الحركة السياسية الوطنية الحديثة ، وتنظيماتها الحديثة التي انبثقت منها، والتي قامت علي أهداف سياسية، لا علي قبلية أودينية أو عنصرية أو طائفية مثل: حمعية الاتحاد السوداني وبعدها اللواء الأبيض التي كانت تطورا أوسع لها، يعزز ذلك الآتي:
جاء في أهداف جمعية اللواء الأبيض في الرسالة التي نشرها عبيد حاج الأمين من قيادات اللواء الأبيض في صحيفة الاهرام بتاريخ : 6 أغسطس 1924 ، أكدت تلك الرسالة الأهداف السياسية التي قامت عليها، رغم اختلاف وجهات النظر حول وحدة وادي النيل تحت التاج المصري، يقول عبيد في رسالته:
* “- جمعية اللواء الأبيض حمعية سودانية قبل كل شئ ، سودانية بأوسع الكلمة.
– غرضها الأساسي تحرير الوطن المعذب من رق العبودية وخلاصه من المستعمر الغاصب.
– تتوسل الجمعية بكافة الوسائل المشروعة لبلوغ مقصدها ، وأول هذه المجاهرة أمام العالم المتمدن ، ورفع صوت الأمة في كل ناد.
– ليست الجمعية جمعية دسائس أو مكائد سرية ضد أي فرد أو مجموع أو أمة ، وهي تخدم كل الآراء المنزهة عن الأغراض السيئة مهما كانت مغايرة لمبادئها.
– لا تتحيز الجمعية لحزب دون آخر ، وهي تحمل للجميع كل اخلاص واحترام.
– تعمل الجمعية لتحقيق غرضها الأسامي دون سواه، فهي لا تخدم أية سياسة أجنبية ، معتمدة علي قوة حقها وصدق جهادها، واثقة بالنجاح.
– الجمعية موطدة الأساس متينة الجوانب معضدة من سواد أهل السودان، ولا تزيدها تصرفات الغاصب الا قوة علي قوتها. ”
(للمزيد من التفاصيل: راجع: مها عبد الله حاج الأمين ، عبيد حاج الأمين، جزيرة الورد، ط 2، 2017،ص 184- 185).
(3)
كانت الجمعية لا تؤمن بالفوارق الاجتماعية، ولا بالعنصرية ، بل حاربت العنصرية والقبلية والطائفية التي وُلدت وترعرعت في أحضان الإدارة البريطانية وغذتها ورعتها السياسة البريطانية لتكون سلاحا لضرب الشعب السوداني.
حاربت الجمعية القبلية في أبسط صورها ، بل أن الجمعية كانت بوتقة انصهرت فيها كل الفوارق الاجتماعية لتصب في قالب الوحدة. (المصدر السابق، ص 102).
من الأمثلة علي رفض رفض العنصرية ، احتجاج علي عبد اللطيف علي المقدمة التي كتبها سليمان كشة في مقدمة كتاب ” تسمات الربيع” التي ورد فيها ” شعب عربي كريم” ، أشار علي عبد اللطيف في احتجاجه بعبارة ” شعب سوداني كريم” ، إذ لا فرق بين عربي وجنوبي أوزنجي، وكان علي عبد اللطيف رغم اصوله الزنجية رئيسا لجمعية اللواء الأبيض تكريما له.
* كانت حركة اللواء الأبيض ذات طابع قومي، وضمت في قيادتها وعضويتها أفرادا من قبائل وأجناس مختلفة تعكس تنوع السودان ومناطقه المختلفة ، وأصوله العربية والافريقية مثل: الملازم علي عبد اللطيف ، عبيد حاج الأمين، صالح عبد القادر، موسي لاظ ، عبد الفضيل الماظ ، الطيب بابكر ، مزمل علي دينار ( من دارفور) ابن السلطان علي دينار، وكذلك شيخ العلماء الأمين ابوالقاسم أحمد هاشم .الخ ( للمزيد من التفاصيل راجع مها عبد الله : مرجع سابق)، وكان لها قسم علي القرآن والانجيل للمسيحيين، وتطورت الحركة واصبح لها فروع في : بورتسودان، ودمدني، عطبرة، الأبيض ، سنار، حلفا وكل أرجاء السودان.
كان شعارها علم أبيض رُسمت عليه خريطة وادي النيل ، وفي ركن العلم المصري الأخضر، وكُتب عليه عبارة ” الي الأمام” ( المرجع السابق).
(4)
لم تكتف الجمعية بالشعارات والأهداف السياسية اعلاه، بل ربطت أهدافها بقضايا اقتصادية واجتماعية نوعية تتعلق بالنضال ضد الاستعمار ، كما في رفض واغتصاب أرض الجزيرة بطريق الايجار حتي جعل سعر الفدان عشرة قروش صاغ في السنة.
– مصادرة أملاكهم (الأهالي) وتسليمها لشركة استثمار السودان ، وحرمان الايتام والارامل من ارث الأملاك ، حتى أوقفوا تنفيذ أحكام المواريث والأوقاف الشرعية في الجزيرة. ( رسالة أحمد عمر باخريبة ، الاهرام : الخميس: 31 /7/ 1924 ، العدد ( 14435، في المرجع السابق).
اضافة للأهداف الاجتماعية والنوعية الأخري مثل :
– زيادة التعليم ، وتعليم المرأة ، وارسال الطلاب لمصر للتعليم.
– نزع احتكار السكر من الحكومة ووضعه في يد التجار.
– اسناد بعض الوظائف للسودانيين.
(للمزيد من التفاصيل راجع منشور: ناصح مخلص أمين ، في كتاب حسن نجيلة ” ملامح من المجتمع السوداني – الجزء الأول”).
(5)
مع نشأة الحركة السياسية الحديثة ظهرت اشكال جديدة في الكفاح والنضال مثل:
– قيام الجمعيات والاتحادات السرية ” الاتحاد السوداني ، وبعدها اللواء الأبيض ” .
– تأسيس الأندية الاجتماعية ” أندية الخريجين ، وأندية العمال والثقافية والرياضية “.
-برزت أساليب نضالية جديدة مثل: الاضرابات والمظاهرات ، حملات التضامن لاطلاق سراح المعتقلين، جمع المال لسفر الطلاب للدراسة في مصر وتهريبهم سرا، المنشورات والكتابة في الصحف، الخطب في المساجد، انتفاضات وتمرد الجنود السودانيين ” تمرد الأورطة السودانية 1900 ، مقاومة العسكريين المسلحة في 1924 “، ثورة 1924.
– الجمعيات الأدبية والثقافية التي تكونت بعد هزيمة ثورة 1924 “جمعية أبى روف وجمعية الفجر”.
– صدور مجلة “النهضة السودانية “وبعدها “الفجر”.
– ظهور حركة تحرير المرأة ونهضتها والدعوة لتعليمها وخروجها للعمل.
– تطورت حركة الأدب والفن والمسرح والأغنية السودانية.
– ظهور الصحافة الوطنية التي لعبت دورا كبيرا في الوعي، وظهور حركة الدفاع عن الحريات والسلام.
– استمرار اضرابات العمال من أجل تحسين الأجور وشروط الخدمة ، واضراب طلاب كلية غردون 1931 بسبب تخفيض الأجور بعد الأزمة الاقتصادية 1929.
– تكوين مؤتمر الخريجين عام 1938 ، ومذكرته الشهيرة عام 1942 التي طالبت بتقرير المصير.
– تكوين الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية ، وانتزاع الطبقة العاملة لتنظيمها النقابي ” هيئة شؤون العمال” عام 1947 ، وقانون النقابات لعام 1948 الذي قامت علي أساسه النقابات وتم تكوين اتحادات العمال والمزارعين والطلاب والشباب والنساء والمعلمين والموظفين التي لعبت دورا كبيرا في معركة الاستقلال حتى انتزاعه في أول عام 1956..
نواصل
الوسومتاج السر عثمان بابوالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: علی عبد اللطیف اللواء الأبیض
إقرأ أيضاً:
العالم في حالة حرب.. هذه بؤر التوتر التي يتجاهلها الغرب
بات العالم أكثر خطورة، وهو شعور كثيرا ما يلمسه المرء لدى الناس هذه الأيام، ولكن هل هذا الاستنتاج صحيح حقا؟
هذا السؤال طرحه الكاتب سيمون تيسدال في مقاله المطول بصحيفة غارديان البريطانية، استعرض فيه بؤر الصراعات المحتدمة، مثل النزاعات بين الصين وتايوان وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل، التي يرى أنها تتطلب اهتماما أكبر.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من قصص غزة.. وجدت زوجها تحت الأنقاض وكأنه يحمل طفلهما لكنه غير موجودlist 2 of 2لوبوان: هذا هو ثقل المغرب العربي في الهجرة إلى فرنساend of listوفي حين أن بعض الصراعات، مثل الحربين بين إسرائيل وفلسطين، وبين روسيا وأوكرانيا، تحظى عن حق باهتمام إعلامي كبير، إلا أن الكاتب يعدها حالات استثنائية.
فمعظم النزاعات -سواء كانت تتعلق بالحروب والغزوات في السودان والكونغو، أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في أفغانستان والتبت الصينية، أو حرب العصابات في هايتي وكولومبيا، أو المجاعة في اليمن والصومال، أو القمع السياسي في نيكاراغوا وبيلاروسيا وصربيا- إما أنها لا تنال التغطية الإعلامية اللازمة، أو أنها منسية أو لا يُلتفت إليها.
وتناول المقال بشيء من التفصيل بعض تلك النزاعات والحروب التي نوجزها فيما يلي:
الكونغو – روانداتصدّر الصراع الذي طال أمده على طول الحدود الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية عناوين الصحف العالمية بعد أن استولت حركة (23 إم) المتمردة على مدينة غوما العاصمة الإدارية لإقليم كيفو الشمالي.
إعلانوينفي الرئيس الرواندي بول كاغامي اتهام الأمم المتحدة له بتسليح الحركة المتمردة وإرسال قوات عبر الحدود إلى المنطقة الغنية بخامات معدنية مثل الكولتان الذي يحتوي على معادن مطلوبة بشدة في الغرب.
ميانمار
شهد العام الماضي تنامي المقاومة المسلحة ضد المجلس العسكري الذي أطاح بالحكومة المنتخبة برئاسة أونغ سان سو تشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام في عام 2021.
ويلجأ جنرالات الجيش إلى اتباع تكتيكات "الأرض المحروقة"، والتي تشمل شن ضربات جوية عشوائية ضد المدنيين من أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية راخين، واستهدافهم بالقتل والاغتصاب والتعذيب والحرق، وكلها أعمال ترقى -وفق المقال- إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
أعمال العنف مستمرة في ميانمار والمتمردون يوسعون ماطق سيطرتهم (أسوشيتد برس) هايتيجاء انزلاق هايتي الأخير إلى الفوضى في أعقاب اغتيال جوفينيل مويس آخر رئيس منتخب، في عام 2021. وتسيطر العصابات المسلحة المنتشرة في كل مكان، والتي تعيش على العنف والابتزاز والخطف، على مقاليد الأمور. ويقول محللون إن هايتي هي الآن دولة فاشلة.
إثيوبيا والصومالاتسم حكم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بصراعات داخلية مثل الحملة العسكرية المدمرة ضد إقليم تيغراي الشمالي، وتصاعد القمع والاعتقالات لمعارضيه في إقليم أمهرة (شمال غرب).
وتتهمه تقارير بالتراجع عن الديمقراطية، وبإذكاء التوترات مع الصومال المجاورة في محاولته الحصول على ميناء على البحر الأحمر في أرض الصومال التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عن الدولة الأم.
وتقول منظمة العفو الدولية إن العالم يغض الطرف عن كل تلك الانتهاكات والتوترات.
إيران
يواجه النظام الإيراني، بحسب الكاتب تيسدال، تحديات خارجية كان أسوأها صدامه المباشر مع إسرائيل في عام 2024، وأخرى محلية ليس أقلها تلك التي يتعرض لها من سكان المدن الشباب الحانقين من الفساد في المؤسسات الرسمية، ومن القمع العنيف وعدم الكفاءة.
إعلانوفي السنوات الــ15 الماضية، شهدت إيران -طبقا للغارديان- 3 انتفاضات كبرى، في 2009 و2019 و2022. ويتساءل محللو الشرق الأوسط: متى ستكون الانتفاضة التالية؟ أم إن الحرب الشاملة مع إسرائيل ستأتي أولا؟
سوريا-تركياوفقا لمقال الصحيفة البريطانية، لا يزال الوضع الأمني الداخلي في سوريا محفوفاً بالمخاطر وسط سعي وطني لتحقيق العدالة، وتنفيذ عمليات قتل انتقامية، واستهداف محدود للأقليات الدينية، واشتباكات بين القوات الكردية السورية والمجموعات المدعومة من تركيا على طول الحدود الشمالية.
ورغم ترحيب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج بالإطاحة بنظام بشار الأسد، إلا أن كاتب المقال يحذر من أنه بدون حصول النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع على مشاركة ودعم دوليين أفضل، قد تعود الحرب الأهلية من جديد.
السودانيحلو للمعلقين في وسائل الإعلام الإشارة إلى الكارثة الأمنية والإنسانية التي يشهدها السودان في الوقت الحاضر على أنها حرب "منسية".
ويعتقد تيسدال أن الحقيقة أسوأ من ذلك، فهو نزاع "ليس منسيا بل تم تجاهله" في الغالب منذ اندلاع الفوضى في عام 2023 عقب الاقتتال الذي اندلع في ذلك الحين بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع.
أفغانستان وباكستانيصف تيسدال تخلي أميركا عن أفغانستان لصالح حركة طالبان في عام 2021 بأنه كان مخزيا ومكلفا سياسيا.
ويزعم أن استقرار أفغانستان بات موضع شك مع بداية عام 2025، "فالبلاد التي تعاني من سوء الإدارة" غارقة في براثن الفقر، ووقعت فريسة لجماعات خارجية "متطرفة" مثل تنظيم الدولة الإسلامية -فرع ولاية خراسان.
كما تبدو باكستان المجاورة غير مستقرة إلى حد كبير بعد عام من الاضطرابات السياسية شهدت البلاد خلاله زج رئيس وزرائها السابق عمران خان في السجن، وتولي السياسي المدعوم من الجيش شهباز شريف المسؤولية.
ويقول محللون إن عام 2024 شهد ارتفاعا في مستويات التشدد العنيف الذي شارك فيه الانفصاليون البلوش وحركة طالبان باكستان.
اليمنلطالما وُصفت اليمن بأنها أسوأ حالة طوارئ إنسانية في العالم، وربما لا تزال كذلك، على الرغم من الفظائع المتصاعدة في السودان.
إعلانولكن منذ هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحول الاهتمام العالمي بعيدا عن الأزمة الداخلية في اليمن إلى المتمردين الحوثيين، الذين يشنون هجمات صاروخية على السفن الغربية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل دعما لأهالي قطاع غزة.
المكسيك والولايات المتحدة
يؤكد تيسدال أن "عسكرة" الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحدود بلاده مع المكسيك، ومطالبته "الصبيانية" بإعادة تسمية خليج المكسيك بخليج أميركا، لا بد أن تفاقم المشاكل التي تعاني منها جارته الجنوبية أصلا.
وأشار في هذا الصدد إلى أن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي حذر الأسبوع الماضي من أن "إعادة ترامب العمل بخططه العقابية الخاصة بالهجرة سوف تثقل كاهل المكسيك المثقلة بالأعباء، ويهدد النمو الاقتصادي الإقليمي، ويثري التكتلات الاحتكارية الإجرامية"، مما يجعل كلا البلدين أقل أمنا وأقل ثراءً.