الإنسان يرى أه نموذجا للوحدة بين الثنائيات الكونية فليس من واحد إلا الله في ماهيته، أما المخلوقات فهي أنفس وأجساد ولكل ميكانيكية فعله وتعامله مع الزمن.
النفس:
لم تأت من عدم وإنما أتت من المشيئة والمشيئة شيء له خلود في الوجود وله مهمة وفق ماهية ما تصنع المشيئة ما بين النشأة الأخرى في الرحم، والغياب عند الموت لكن هذا الغياب والموت ليس فناء وإنما انتقال وفق مصفوفة البناء والخلق للنفس البشرية إلى شكل آخر من الحياة؛ مغادرة الجسد الأرضي وحاجاته ومتطلبات وجوده ومهمته في السلالة من غرائز.
النفس لا تكبر بالزمن ولا تهرم وإنما تكبر بالتعلم، والمعرفة، ففشل آدم في إدارة المعرفة لن يواجه أولاده على مدى العصور، فالتعلم يأتي نقطة فنقطة وفقرة فقرة، فمن فعّل منظومته العقلية التي هي ما بين نفسه ووجوده الجسدي كمهمة في الأرض وغاية من الخلق سيتفكّر ويحلل المعلومة ويحدثها ويعيد تنظيم أفكاره ونفسه تنمو بهذا العمل وتسمو. هنا المعلومة ليست كمعلومة آدم الحافظة وإنما تجاوز ضعف العزم بالتفكير والتحليل، فمن لم يتفكر أو أصر على ما حفظ في ظاهره أو تقاعس عن التفكير لن يصل إلى إتمام المهمة، لكن هذا ضمن عزمه وإدراكه وإرادته وهنا اختلافه عن آدم الذي لم يجهد في التعلم أو معرفة المعلومة التي يستخدمها، ونسي ما حذره خالقه منه فتحركت غريزة عنده، لكن الغرائز باتت تضبطها مجموعة المعارف والقوانين والمعتقدات وذات فعل ثنائي.
* العلاقة البينية بين الفرد والمجتمع وهو ما يكون مخالفا للقانون في المجتمع الملتزم بأن العقوبة ليس على الفاحشة وإنما إشاعة الفاحشة، كما أن العقوبة أو المكافأة على العمل بغض النظر عن النوايا.
* العلاقة البينية بين المخلوق والخالق والتي تتعامل مع جنس المخالفة وإساءة استخدام المنظومة العقلية والخلل في التكليف وهذه حسابها وفق المشيئة في الآخرة أو الدنيا أو كليهما، فإن شاء غفر كما غفر لآدم وان شاء عذب. وهذه إن شاء ليست هوى أو جبروتا ظالما بل هي مخرجات حسابات الله التي لا يقوم بها بشر ولا يحددها ففيها تفاصيل لكنها ليست بعيدة عن الفهم.
فالنفس إذن تنمو وتنضج ولا تهرم، ودرجة هذا النضج هو درجة العزم الذي هو معيار النجاح ففشل آدم بأنه لم يفكر ونسي. ونفشل نحن إن لم نفكر، أو خدعنا أنفسنا، أو لم نفكر بجدية ونحلل ونبحث عن الصواب، فهذه الدنيا لهو ولعب والعاقبة للمتقين. من هم المتقون؟ هم أولئك الذي يفكرون ويعلو العزم عندهم وتكون العزيمة عندهم في طرق الخير وطرائقه فيكون لهم العزم، والإرادة تبقى على الأحوال والقدرة لذا كانت الأعمال بالنيات، أي بما ينوي الإنسان فعله مهما كان ظاهر فعله..
وسنرى كما نرى اليوم استخدام المنظومة العقلية والأفكار والمعلومات وتسخيرها في الشر وطرق الشر، وهنا نأتي مرة أخرى إلى كيف استخدم إبليس معرفته، لنعرف لماذا سمي هؤلاء بشياطين الإنس، فلأنهم اتبعوا ذات منظومة التفكير الأنانية التي قادت إبليس إلى الشطط فقاد أولاد آدم من ذكر وأنثى إلى حيث ذات الشطط فكانوا شياطين؛ فهم مسؤولون مسؤولية مباشرة وبعزيمة وإرادة وليس بسبب الإغواء الإبليسي فقط أو فقدان العزم عند آدم حيث قادت عزيمته غرائزه التي استثيرت من إبليس مباشرة.
علينا أن نفهم معنى القضاء والقدر وما معنى الحياة ومهمتها، وسنن الكون وإدارتها، ونعرف أننا أفراد أمام الله وأن المجتمع للدنيا وتسيير الحياة وإدارة التكافل والعلاقات والمسؤوليات لتسهيل الحياة وفي الآخرة لا أنساب بينكم، وأن لا منقذ لك إلا نفسك وكيفية إدارتها للحياة وأنك في امتحان العزم والعزيمة وأين تتجه إرادتك، وكل هذا يعني نجاح أو فشل المنظومة العقلية التي نجاحها يعني درجة ووفق الدرجة تكون مكانتك في الجنة؛ لا مجاملات ولا محاباة وتبقى رحمة الله فوق كل امر.
إذن النفس لا تكبر بالزمن فلا تهرم وإنما تكبر بالمعلومة وتنمو ومن تفكر وأدار المعرفة نما نماء حسنا ومن أساء انخفضت قيمة النفس هذه وتهاوت وهانت، فسعة النفس علو ورفعة والفهم والتدبير مخرجات منظومتها في الدنيا فتؤجر عليها كمعيار إنجاز للآخرة.
الجسـد:
الجسد من مكونات الأرض وإلا لأصابته الحساسية ولا يقدر على العيش، من أجل هذا وانتظاما مع سنن الكون كان خلق عيسى مثلا في رحم امرأة وفي بويضة تحمل صفات الآدمية ولكن نفسه كانت نفس مهمة إعجاز وليست السلالة من مهامه ليتزوج وينجب فهي مهمة سلالة آدم.
الجسد يكبر بتأثير الزمن والنمو المادي وفق ماهية خلقه، لهذا يتدرج في استقبال مهامه وفق تطور حجمه وقوته من محمول عاجز إلى محمول عاجز أو ميت وما بينهما المهمة التي يؤديها من الطفولة والتعلم إلى الشباب ونهضة التفكير إلى النضج والرجولة أو الأنوثة ومهامها إلى الكهولة فالشيخوخة، هكذا مسار الجسد المعروف عندما تغادر النفس الجسد حاملة معها بصمة الذاكرة التي توثق كينونتها وأفعالها وتعرض بما سجلت لتتلقى التقييم ومصير الخاتمة.
فلسفة النفس والجسد
إن ما نفهمه أعلاه أن العمر الجسدي يحدد المهمة ويتبع تأهيله لها وأن العمر النفسي هو حصاد الارتقاء وخلاصة الفهم والرقي في الآدمية كما أرادها الله، لهذا نجد أن مسيرة الإنسان الفاعلة نهاية عمره وما توصل إليه فهمه وأن حصاده الدنيوي في الإخلاص لها وهي أمجاده سواء ظهرت أم اختفت، فازت أم ظلمت، والميزان عند إله الكون رب العالمين مالك يوم الدين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات النفس الجسد الغرائز الانسان الجسد النفس الحساب الغرائز مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أيها الإنسان.. أنت في ذمة الله.. لا في ذمة البشر
يصدق قول الشاعر حينما يقول: «يا راحلين، قد اشتقنا لرؤيتكم.. وما لنا حيلة في الوصل والنظر.. عزاؤنا أنكم من بعد غيبتكم في ذمة الله، لا في ذمة البشر».
في هذه الحياة نفقد الكثير من القوة بفعل النوازل والمحن التي نتعرض لها دائما، خسارة هنا، وفقد هناك، ومرض يأتي، وآخر يلوح في الأفق، نعزي أنفسنا فيمن نحب، ونعلم بأن الله قد استرد أمانته، كلها ابتلاءات من الله سبحانه وتعالى، والإنسان مبتلى في كل أموره ما دام على ظهر الدنيا حيا يرجو رحمة ربه، فقدان الأحبة أمر صعب، نحتاج إلى وقت ليس بقليل لنستطيع تقبله، فرحم الله أرواحا غالية على قلوبنا توسدت الثرى، ونسأل الله تعالى أن يسكنها فسيح جناته.
كل من يبحث عن مخرج أو عصا يتكئ عليها ليمشي خطوات نحو بوابات الخروج من بوتقة الحزن والأسى عليه أن يعلم بأن لكل شيء أجلا ونهاية، وأن الإنسان يشعر بمشقة عالية عندما تداهمه الخطوب من كل صوب وحدب، وفي وقت الشدة وقمة المحنة العظيمة ليس لنا إلا أن نذكر الله ونقول لمن أصابته الخطوب: «عليك بذكر الله، ثم الصبر على البلاء فَأجره عظيم»، ولنحاول قدر استطاعتنا أن نعزي أنفسنا ومن هم بقربنا قائلين: «إنا لله وإنا إليه راجعون.. لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»، ثم حاول أن تحتسب الأجر والثواب من الله عز وجل، فكل نفس ذائقة الموت.. أمر الله مطاع.
الأرواح العزيزة التي نفقدها كل يوم بسبب أو بغير سبب، تؤثر في نفوسنا، فالفراق أمره صعب لا يُطاق، نؤمن إيمانا راسخا بأن الموت والحياة بيد الله تعالى، ونحن عاجزون عن فعل أي شيء يمنع قدرته أو يرد أمره، لكن الله رحيم بعباده، فيمنحنا من عنده الفرج بعد الضيق، فهذه الأحداث المؤلمة هي التي تثبت لنا بأن إيماننا يجب أن يكون راسخا في قلوبنا لا كلمات تملأ أفواهنا.
يقول سبحانه وتعالى: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون»، إذن البشرى من عنده سبحانه والثواب يأتي من الصبر واحتساب الأجر، ولكن علينا ألا نتجاهل أو نستهين بأمر «الصبر»، فهو قطعة من العذاب ومذاقها مرّ وصعب للغاية، خاصة في أوقات الشدة، حينما تهاجم الإنسان كل الكوابيس المخيفة والأفكار السوداء القاتمة، ففي هذه اللحظة يشعر الإنسان بالضعف البشري، حيث تتسلل الهواجس إلى نفسه الضعيفة من خلال سراديب ضيقة وأنفاق مظلمة، تجعله أحيانا عاجزا عن مقاومة الألم وشدته، ويشعر بالضعف إلى أبعد مدى، ولكن ما إن يستفيق من هذه الكبوة حتى يعود إلى الله سبحانه، فالله قد أودع فينا أمانة الحياة ثم يسترجعها إليه: «لله ما أعطى ولله ما أخذ».
عند الفقد نصبح في انهيار تام، سواء في عدم القدرة على الكلام أو تجاوز نقطة التفكير الصائب فيما حدث من أحداث موجعة، ونبوح للغير بما نعانيه من شدة وحمل ثقيل وهزيمة نفسية تهز أركان الروح والجسد، ففي تلك اللحظة العصيبة، تصغر الدنيا وما فيها من متاع في عيوننا، وفي كل الأشياء التي من حولنا تتهاوى قوانا، ولا يبقى لنا من مخرج إلا الله، ندعوه أن يلهمنا الصبر والسلوان ويخفف عما في صدورنا من شدة وألم.
ومما ذكر في السيرة النبوية الشريفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون». كلمات قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لحظة موت ابنه إبراهيم، وجعلت عيني الرسول صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: «وأنت يا رسول الله؟!» فيه معنى التعجب، أي الناس لا يصبرون على المصيبة، وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه صلى الله عليه وسلم أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع. فقال: «يا ابن عوف، إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى»، أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد، لا ما توهمت من جزع وعدم رضا بقضاء الله.
الفراق يجلب الحزن والألم، ويحدث انفصالا تاما بين القوة والضعف، لكن الله تعالى يرحمنا برحمته فيخفف عنا ما نعانيه من شدة وحرقة فؤاد على من فقدناهم مع مرور الوقت، ولكن ليس لنا سوى الدعاء لمن فقدناهم بالثبات والمغفرة، فإنه الطريق الصحيح الذي يزيد من حسناتهم ويخفف من ذنوبهم عند ربهم.