بين القفشات والسخرية.. خفة دم المصريين «ماركة مسجلة»
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
الشهامة، الكرم، البساطة، القوة، الشجاعة.. كلها صفات تمتع بها المصرى وأضافت له طابعاً خاصاً على مدار حياته، ورغم تعدد هذه الصفات إلا أن خفة الظل تبقى هى الصفة السائدة فى شخصيته، والتى تميزه وتضعه فى مكانة خاصة متفردة وسط شعوب العالم أجمع على مدار العصور القديمة والحديثة، فكانت روح الدعابة والمرح حاضرة لديه باستمرار، سواء وقت الفرج أو المشكلات والأزمات.
بالنسبة للمصرى، لم تكن روح المرح والفكاهة شيئاً مكتسباً، ولم يكن إلقاء النكات أو حتى إيجادها أمراً يستدعى التفكير، وإنما كانت طابعاً ممتزجاً فيه، لا يمكن التفرقة بينهما، فأينما وُجد المصرى وُجدت النكتة والضحك، وكلما زادت معاناته زادت «إفيهاته» وكثرت سخريته منها، وهو ما يُعرف بـ«الكوميديا السوداء»، التى اعتمد عليها فى عصور وأوقات كثيرة للتعبير عن معاناته من جهة، ومن جهة أخرى للسخرية منها وأخذها فى سياق كوميدى مُضحك، يشرح الوضع ويُقلل من تأثيرها السلبى على حياته.
«غريب»: روح المرح لازمت الشخصية المصرية منذ نشأتهاولأن روح المرح لازمت المصرى منذ نشأته، فكانت العصور القديمة شاهدة على هذه الروح، ودليل ذلك الرسومات والكتابات الموجودة على جدران المتاحف والمقابر، والتى حكى المصرى القديم من خلالها بعض المواقف التى حملت جُملاً وأقوالاً طريفة، كتلك الرسمة الموجودة على الجدران وتُظهر الصيادين فى أثناء ممارستهم لعملهم، وكيف تبادل العمال بعض كلمات المزاح فيما بينهم، بحسب ما رواه الدكتور خالد غريب، رئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بجامعة القاهرة، فى حديثه لـ«الوطن».
ومن الرسومات التى تشهد على استخدام المصرى القديم لـ«الكوميديا السوداء»، والاعتماد عليها للتعبير عن معاناته والسخرية منها، تلك الرسمة الموجودة على «شقفة»، يظهر عليها فأر يجلس مستريحاً ومن أمامه عدد من القطط يتوالون على خدمته، سواء فى تقديم الطعام والمشروبات أو التهوية، وجاءت هذه الرسمة سخرية من المصرى القديم لما آل إليه حاله فى ظل سيطرة غزاة وحكام أجانب، إذ أوضح من خلالها أنه وهو «القط» القوى الشجاع، يقوم بخدمة «الفأر» الضعيف الجبان، والذى يشير إلى الحاكم الأجنبى، ورغم شكوى حاله فى هذه الرسمة، إلا أنه اعتمد عليها كوسيلة للضحك والسخرية.
كما أن هناك عدداً كبيراً من الجداريات الخالدة والشاهدة على خفة ظل المصرى القديم وتمتُعه بروح المرح، منها تلك الجدارية الموجودة داخل المتحف، وتعود إلى عصر الملكة حتشبسوت، إذ تضمنت رسمة ظهرت فيها سيدة سمينة جداً وثقيلة الوزن، تقف إلى جوار زوجها، ومن خلفهما يقف حمار مسكين لا حول له ولا قوة، وسخر المصرى القديم بهذه الرسمة من زوجة حاكم بلاد «بونت» التى كانت بدينة وثقيلة الوزن، وتضمنت الجدارية عبارة: «كم هو بائس ذلك الحمار الذى سيحمل هذه السيدة»، بحسب «غريب».
وتعتبر روح المرح سمة سائدة لدى المصرى على اختلاف مراحله العمرية بداية من الطفولة وحتى الشيوخة، وبغض النظر عن منصبه إن كان خادماً أو ملكاً، يمارسها مهما كانت الظروف والأجواء من حوله، ويعبر عنها دون حرج، فتجد بعض الجداريات التى تُخلد لهو الملوك مع أبنائهم، ومنها جدارية تعود إلى عصر الملك إخناتون، التى تُظهره وهو مُمسك بسلسلة حديد يلهو بها رفقة ابنته، وجدارية أخرى تعود إلى عصر الملك تحتمس الثالث، التى تُظهر الملك وهو يلاعب أطفاله ويشير إلى ملك أجنبى دون اهتمام، وجاءت هذه الرسمة ليس سخرية من الأعداء، وإنما دلالة على القوة والثقة بالنفس لدى الملك، وأيضاً تخليداً لروح المرح التى تمتع بها المصرى القديم فى كل الأوقات.
من المواقف الطريفة أيضاً للشعب المصرى فى العصر الحديث، والتى تُبرهن على خفة دمه وأنه شعب لا يُقهر ولا تغلبه القوة الغاشمة ولا تُرهبه أو تمنع كلامه، هو ما حدث عندما اشتدت ثورة 1919، إذ راح جموع المصريين وقتها يطوفون الشوارع والميادين يهتفون «يحيا سعد»، ويشيدون بالنضال الوطنى الكبير للزعيم سعد زغلول، فلم يجد الاحتلال البريطانى حينها طريقة لإسكات الشعب إلا بإصدار القائد العام البريطانى أمراً عسكرياً، تضمن معاقبة كل من يذكر اسم الزعيم الوطنى سعد زغلول أو يُردد عبارة «يحيا سعد» بالسجن 6 أشهر وتلقى 20 جلدة، حتى وإن كان طفلاً، وبدلاً من أن يخشى المصريون هذا العقاب وينصاعوا لقرار القائد البريطانى، راحوا يؤلفون أغنية بعنوان «يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح» ما زلنا نُرددها حتى اليوم، والتى جاء ضمن كلماتها (يا بلح زغلول يا زرع بلدى.. عليك يا وعدى يا بخت سعدى.. زغلول يا بلح يا بلح زغلول.. يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول.. عليك أنادى فى كل وادى.. قصدى ومرادى)، وراحوا يهتفون بهذه الأغنية ويرددونها كلما رأوا جندياً بريطانياً ليثيروا غضبه دون أن يقعوا تحت طائلة القانون، بحسب الدكتور أحمد غباشى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر.
«جاد»: حكايات «جحا» مثال لأشهر قصص النكتة الشعبيةوتعتبر شخصية «جحا» مثالاً لأشهر أبطال النكتة الشعبية لدى المصريين، وهى شخصية خيالية، ظهرت قبل مئات السنين، تمزج بين الفكاهة والتاريخ والجماعة الشعبية؛ إذ إنها تُعبِر عن هموم الشعب وحكاياته وقضاياه التى تشغل باله، لترويها فى طابع كوميدى ساخر، بحسب الدكتور مصطفى جاد، العميد الأسبق للمعهد العالى للفنون الشعبية، الذى أضاف أنه ولشدة سخرية المصريين وتمتعهم بطابع فكاهى مرح، بدأوا ينسجون ويقصون الحكايات على لسان «جحا»، وبدأ يفعل الأمر نفسه على لسان حماره.
كما ارتبطت احتفالات المصريين بالموالد عموماً بعنصر البهجة والمرح، فتجد احتفالاتهم بالموالد الشعبية وبجانب فقرات الغناء والرقص تتضمن فقرة أساسية لإلقاء النكات على الحاضرين، وما زالت احتفالات الموالد حتى الآن -سواء كانت دينية أو شعبية- تشهد عديداً من أنشطة وعناصر الترفيه، مثل «المراجيح» والألعاب المختلفة كالتنورة أو الأراجوز، فضلاً عن بيع وشراء الأطعمة والمشروبات فى جو سعيد مُبهج، وهى عادات متوارثة فى الاحتفال من المصريين القدماء، الذين اعتادوا المرح والبهجة فى احتفالاتهم، مع الأخذ فى الاعتبار أن احتفالات المصريين القدماء بالأعياد الدينية كانت تتضمن البهجة، ولكن من خلال إقامة طقوس دينية معينة: «فى مصر القديمة كانت فكرة الاحتفال مقصورة فقط على طبقة معينة أو أشخاص معينين، إنما دلوقتى أخذت طابع ممارسات الجماعات، الكل بيحتفل ويفرح مع بعضه»، بحسب «جاد».
ولأن روح الدعابة والمرح هى جزء أصيل وأساسى فى تكوين شخصية الشعب المصرى، فتجده محتفظاً بها على مر العصور، ولا اختلاف بالنسبة له بين عصر وآخر أو حقبة زمنية وأخرى إلا فى وسيلة تخليد النكتة والـ«إفيه» وتبادلها، فبعد ما كانت الجداريات وسيلته فى العصور القديمة لنقل النكات واستعراض مهارته فى الفكاهة والسخرية، باتت الآن صور الـ«كوميكس» هى الوسيلة الأكثر انتشاراً، فى ظل التطور التكنولوجى الرهيب الذى يشهده العالم فى الفترة الحالية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: صناع السعادة المصرى القدیم التى ت
إقرأ أيضاً:
توزيع 1600 كرتونة و1000 كيلو لحوم لمستحقي دعم الأورمان بأسوان
نجحت جمعية الأورمان بالتعاون مع البنك الأهلى المصرى فى توزيع 1600 كرتونة رمضان، ألف كيلو لحوم بقرية بنبان بمركز دراو، وقرى المعمارية والشماخية وحاجر البصيليه ونجع هيكل ونجع السايح والزويديه والشرفا وحاجر الشرفا وابوغلاب والمريناب والزنيقه والغواليه بمركز ادفو.
يأتي ذلك في ظل توجيهات السيد رئيس الجمهورية باستكمال خطة الحماية الاجتماعية لدعم الاسر الاولى بالرعاية، وتحت اشراف مديرية التضامن الاجتماعى بأسوان
وفى إطار هذا أكد محمد يوسف، وكيل وزارة التضامن الاجتماعى بأسوان، ان توزيع الكراتين واللحوم جاء لإدخال روح البهجة على الأسر الأولي بالرعاية، والتخفيف عن كاهلهم وخاصة فى الأيام المباركة فى شهر رمضان، فضلاً عن العمل جنباً إلى جنب مع الجهاز التنفيذي للتيسير عن المواطنين وتوفير إحتياجاتهم من خلال تقديم الرعاية الإجتماعية لهم.
من جانبه قال اللواء ممدوح شعبان، مدير عام جمعية الأورمان، ان التوزيع جاء ضمن التعاون المبرم بين جمعية الأورمان والبنك الأهلىالمصرى لتوزيع عدد 44 ألف كرتونة مواد غذائية بقرى ونجوع محافظات الجمهورية المختلفة وذلك تزامنًا مع شهر رمضان المبارك، وأن نصيب محافظة أسوان 3750 كرتونة، مؤكدًا ان جميع الاسر المستفيدة من الأرامل والمرضى ومحدودي الدخل وذوي الهمم من أبناء المحافظة.
موضحًا أن الجمعية ترحب بالتعاون المثمر مع كل المؤسسات الاقتصادية المصرية العريقة لخدمة فئات غير القادرين في ربوع مصر المترامية مؤكدا على أن التعاون مع البنك الاهلى المصرى وقياداته يعزز من قدرات الجمعية لأداء دورها الإنساني في خدمة غير القادرين في ربوع مصر وبخاصة في القرى والنجوع في كل المحافظات المصرية.
وأشار شعبان إلى أن التعاون بين البنك الأهلى المصرى وجمعية الأورمان ليس الأول من نوعه مشيراً إلى أن الجمعية على تعاون دائم مع البنك الأهلى المصرى خلال السنوات السابقة وهو ما يدل على دور البنك الأهلى المصرى الممتد والفعال في خدمة المجتمع المدني.
واختتم شعبان، أن الجمعية بمحافظة أسوان نفذت عددا كبيرا من المشروعات الخيرية ومنها بجانب تنمية القرى الفقيرة تسليم مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر للسيدات الأرامل غير القادرات والأسر غير القادرة، وكذلك مساعدة شرائح غير القادرين بالمحافظة من مرضى القلب والعيون لإجراء الجراحات المطلوبة وصرف الدواء اللازم بعد توقيع الكشف لدى أفضل المؤسسات الطبية فى المحافظة وفى القاهرة، كذلك توزيع المساعدات الموسمية على شرائح غير القادرين فى المحافظة من شنطة رمضان وبطاطين الشتاء ولحوم الأضاحى.