جريمة حرب مكتملة الأركان تلك التي تقوم بها إسرائيل اليوم في قطاع غزة. بيد أن ما أضرم فتيل الحرب وعززها هي الولايات المتحدة الأمريكية، فهي المحرك الأساسي لما تمارسه إسرائيل من جرائم حرب يومية في القطاع. وتعد الحملة العسكرية التي تنفذها إسرائيل اليوم ضد غزة من أكثر الحملات دموية وتدميرًا في التاريخ، حملة تقارب قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
وشهد شاهد من أهلها عندما انبرى مسؤول دفاع سابق في البنتاغون ليقول: إن غالبية القنابل التي سقطت على غزة أمريكية الصنع، ومن شأنها أن تحول الأرض إلى سائل، فهى تدمر مباني بأكملها. وفي معرض تسليط الضوء على الوضع حاليا في غزة فى إطار هذه الحرب الضروس التي تشنها إسرائيل أجرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقا استقصائيا حول ما يجرى اليوم في غزة من جراء حملة إسرائيل العسكرية، وخلص إلى أن الوفيات بين المدنيين في القطاع خلال الحرب الحالية قد ارتفع بشكل أسرع عما كانت عليه الأوضاع خلال الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان. ولا أدل على ما يساق من أنه وخلال الأسابيع الستة الأولى من الحرب ألقت إسرائيل قنابل تزن طنا على جنوب غزة 200 مرة على الأقل. على الرغم من أن الجيش والحكومة الإسرائيليين أعلنا أن جنوب القطاع منطقة آمنة للمدنيين، على الرغم من أنه لم يكن آمنا في الواقع، فلقد اجتاحته إسرائيل وكثفت قصفه. ورغم ذلك مارست إسرائيل الخداع عندما حثت الفلسطينيين على التحرك نحو الجنوب وادعت أنه منطقة آمنة بعيدة عن القصف، فكان أن نزح الفلسطينيون من الشمال إلى الجنوب لتجابههم مخاطر القصف المروع.
وعوضا عن هذا فإن الجيش والحكومة فى إسرائيل لم يأخذا فى الاعتبار الوضع الإنساني البائس في قطاع غزة والمتمثل في الجوع والأمراض ونقص المياه والغذاء والدواء، وعدم وجود منازل يعود إليها السكان في ظل البنية التحتية المدمرة بفعل العملية العسكرية الإسرائيلية. وضع كارثي بكل المعايير. ويكفي استهداف إسرائيل للمستشفيات وانهيار الوضع الصحي كلية. والغريب أن كل هذا يحدث على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي دون أى حراك. لقد انعكست الكارثة على الفلسطينيين بشكل مروع، ويظهر هذا فى عدد قتلاهم مقارنة بأعداد القتلى الإسرائيليين، فعلى حين وصل عدد القتلى من الفلسطينيين إلى أكثر من 21 ألف فرد فإن عدد القتلى من الإسرائيليين لم يتجاوز المائة والخمسين فردا. ولهذا فإن الدعوة التى يجب المطالبة بها اليوم قبل الغد يتعين أن تكون "أوقفوا القتل الجماعي الحادث في غزة والذي استأصل في أغلبيته أرواح المدنيين العزل".
إسرائيل ماضية في غلوائها عبر الاستمرار في جرائم القتل البشع والهدم الرهيب والهدف هو إخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين وإقصاؤهم قسرا بعيدا عن أرضهم. وظهرت الولايات المتحدة الأمريكية لتكون الحامي والمناصر للطاغوت الصهيوني في المضيّ قدما في ارتكاب الجريمة الكبرى في الأراضي الفلسطينية، ولهذا عارضت وقف الحرب، ودافعت عن استمرارها، واستخدمت الفيتو إمعانا في التماهي مع إسرائيل، ومع الجريمة الكبرى التي سلطتها على الأراضي الفلسطينية. ولهذا تجردت إسرائيل من كل القواعد الأخلاقية والإنسانية والقانونية التي تصون وتحمي المدنيين الأبرياء، وشاركتها الولايات المتحدة في نفس التوجهات الرامية إلى اغتيال شعب بأكمله في وضح النهار، وعلى مرأى من العالم كله.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
القيم الإستراتيجية للعمليات اليمنية الأخيرة ضد أمريكا و”إسرائيل”
يمانيون../
في تطور جديد يعكس حجم التحديات التي تواجه القوات الأمريكية في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، واجهت القوات الأمريكية موقفاً محرجاً إثر إسقاط طائرة حربية في البحر. الرواية الأمريكية حول الحادثة أشارت إلى أن الطائرة أسقطت بسبب “نيران صديقة”، محاولة تقديم الحادثة معزولة عن سياقها، ولأنها رواية ركيكة ومضللة فقد قوبلت بتشكيك من مراقبين أمريكيين، ليظهر بيان القوات المسلحة اليمنية كاشفاً حقيقة جديدة ومؤكدة حول الواقعة.
التأكيد جاء على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، الذي كشف أن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة، قد نجحت في إحباط عدوان أمريكي- بريطاني على اليمن، مبيّناً أن الهجوم اليمني تزامن مع عدوان جوي أمريكي- بريطاني على اليمن، ففيما كانت الطائرات تقصف صنعاء، كانت الصواريخ والمسيّرات اليمنية تقصف بالتزامن حاملة الطائرات الأمريكية “يو أس أس هاري أس ترومان” وعدداً من المدمرات الأمريكية، وذلك باستخدام ثمانية صواريخ مجنّحة و17 طائرة مسيرة.
وخلال العملية، نجحت القوات اليمنية في إسقاط طائرة أمريكية متطورة من طراز “أف 18” أمريكية، ونجحت كذلك في إجبار معظم الطائرات الحربية المعادية على الانسحاب من الأجواء اليمنية إلى المياه الدولية في البحر الأحمر، كما هي حال حاملة الطائرات الأمريكية “هاري أس ترومان” التي أجبرت هي الأخرى على الانسحاب إلى شمال البحر الأحمر بمحاذاة السعودية وربما أبعد. الرسالة كانت واضحة: اليمن لن يتهاون في الدفاع عن أراضيه ولن يسمح بالعدوان عليها، كما لن يتوقف عن عمليات إسناد غزة.
القيمة الإستراتيجية لعمليات الرد
قيمة ما حصل في العمليات الأخيرة مختلفة تماماً عن كل ما حصل في العمليات السابقة على أهميتها، ذلك أن الأعداء أرسلوا طائراتهم إلى أجواء اليمن وضربوا أهدافاً مدنية وبالتزامن، ولأول مرة ردّ اليمن النار بالنار بعمليات مشتركة فعلت فعلها وأثرت تأثيراً كبيراً. وهذا ينسحب على العدو الإسرائيلي، إذ تصاعدت العمليات اليمنية إلى عمقه، كمّاً ونوعاً ودقة وفعالية في التأثير، وآخرها الصاروخ الذي ضرب قلب الكيان ” تل أبيب” من دون أن تتمكّن طبقات الدفاع من اعتراضه.
ومن أبرز القيم الإستراتيجية التي يمكن استنتاجها من العمليات الأخيرة الآتي:
– أن القوة اليمنية لم تعد قوة رد، بل تحوّلت إلى قوة قادرة على ردع المعتدين.
– الهجوم المنظم الذي جمع بين الصواريخ والطائرات المسيرة جاء متزامناً وبوتيرة مؤثرة بشكل فاعل ضد القوات الأمريكية والبريطانية، وهو ما يعكس تطوراً لافتاً في الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية اليمنية.
– العمليات العسكرية ضد “هاري أس ترومان” تمثل تحوّلاً جذرياً في مفهوم الصراع البحري على المستوى الجيوسياسي.
– هذه العمليات تؤكد قدرة اليمن على مواجهة حاملات الطائرات الأمريكية، ما يضع هذه الأساطيل في مأزق استراتيجي، خصوصاً بعد انسحاب ثلاث حاملات طائرات أمريكية من منطقة العمليات وبعضها قبل أن تصل إليها.
هذا التراجع يحمل إشارات لا غبار عليها لنهاية زمن حاملات الطائرات، وربما عهد السيطرة الأمريكية على البحار، وتحديداً في تلك المنطقة المشتعلة منذ عام وأكثر.
العمليات العسكرية في اتجاه عمق كيان العدو: تطور استخباري وتقني لافت
لم تكن التطورات حصراً في ما حصل في البحر، بل سجلت القوات المسلحة نجاحاً لا يقل أهمية عنه، باستهداف قلب كيان العدو بصاروخين فرط صوتيين من دون اعتراض أو حتى استشعار، وخصوصاً مع الصاروخ الذي انطلق فجراً بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على منشآت مدنية في صنعاء والحُدَيْدة.
إن العمليات العسكرية اليمنية الأخيرة أثبتت بشكل قاطع تطوّراً ملحوظاً على مستوى الاستخبارات والتكنولوجيا العسكرية. من خلال استهداف صواريخ باليستية فرط صوتية قلب “إسرائيل” في “تل أبيب”، وتجاوزت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، يظهر أن اليمن قد أصبح قوة إقليمية رادعة تسعى لتحدي الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة.
وفي هذا الصدد، أعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين عن قلقهم من تطور هذه القدرات، إذ أكدت التقارير الصحفية أن اليمن قد طوّر صواريخ فرط صوتية تجاوزت سرعتها 12 ماخ، وهي تقنية لم تتوصل إليها حتى الولايات المتحدة.
رسائل إستراتيجية واضحة
التصعيد الأخير في العمليات العسكرية اليمنية كان بمنزلة رسالة حاسمة للقوى الكبرى المعادية، مفادها أن اليمن قادر على الدفاع عن نفسه ضد أي عدوان وهو ما يترجم تأكيد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الجهوزية لمواجهة أي عدوان أمريكي أو إسرائيلي. الرسالة التي وجّهتها القوات المسلحة اليمنية جاءت ترجمة لذلك الإعلان، وعكست ثقة كبيرة في القدرة العسكرية، وأثبتت أن اليمن ليس هدفاً سهلاً قابلاً للاستباحة متى شاء الأعداء، بل قوة عربية إسلامية قادرة على تدفيع الأعداء أثماناً باهظة مقابل عدوانهم واستمرارهم في استباحة غزة وسوريا وقبلها لبنان.
اليمن: قوة عربية رادعة
بعد عشرة أعوام من العدوان والحصار بأيدٍ عربية، خرج اليمن كالمارد أقوى من أي وقت مضى، متمسكاً بعزته وسيادته. النموذج الذي يقدمه اليمن يجب أن يكون مصدر فخر للعالم العربي، إذ لا يزال في قلب المعركة من أجل الشرف العربي في فلسطين وسوريا، متحدياً القوى الكبرى التي حاولت إخضاعه.
وقد أثبت اليمن أنه القوة الرادعة التي لا يمكن إيقافها، في وقت تراجعت بعض الدول العربية عن دعم قضايا المنطقة. ولا نبالغ إن قلنا إن اليمن بات يتربع على عرش القوة العسكرية العربية التي تحمي ولا تهدد مصالح الشعوب العربية ولا تستسلم لتهديدات الخارج.
الخلاصة التي يجب أن نصل إليها أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” في مأزق استراتيجي كبير، فمع تطور قدرات اليمن العسكرية، بات من الواضح أن الخيارات أمامهما أصبحت محدودة. في هذا السياق، لا مفر من إعادة التفكير في السياسات العسكرية في المنطقة، سواء تجاه اليمن أو تجاه غزة، إذ لا يمكن الاستمرار في فرض الحصار والعدوان من دون دفع ثمن باهظ.
الميادين علي ظافر