كيف نواجه وباء فى المستقبل؟
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
أشرف بتمثيل مصر منذ 2020 فى اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا- اليونسكو، باريس. وهى اللجنة الوحيدة التى تعمل فى مجال أخلاقيات البيولوجيا على مستوى العالم. «أخلاقيات البيولوجيا» بتعبير بسيط هو المبحث الذى يدرس التطورات الحادثة فى علوم الحياة وما ينتج عنها من تقنيات جديدة من أجل ضمان أن تظل علوم الحياة قائمة على قيم وأسس أخلاقية.
تختار اللجنة كل عامين موضوعين يتولى أعضاؤها دراستهما والخروج فى النهاية بتوصيات يتم إرسالها إلى صناع القرار فى الحكومات والمجتمع العلمى والأفراد العادية تنبيهًا وتحذيرًا للغرض نفسه وهو أن تظل المبادئ الأخلاقية هى ما يقود ويوجه كل علم.
أحد الموضوعين اللذين انتهت اللجنة فى سبتمبر الماضى من دراستهما يتعلق بالدروس المستفادة من وباء كورونا والإجراءات المقترح اتخاذها لمواجهة أى وباء مستقبلي- لا قدر الله- بشكل أفضل يقلل من عدد الوفيات والإصابات.
ولما كان إيصال هذه التوصيات لأكبر عدد من الناس مسؤولية أخلاقية فى ذاتها- إذ إنها صدرت باللغة الإنجليزية-، وكانت الأخطار تتهدد مصر من كل جانب، بحيث إنها ليست فى حاجة لمخاطر أخرى، فسأحاول تلخيص التوصيات فى هذا المقال.
أوصى التقرير الدول أن تستعد من الآن من حيث إن الاستعداد والجاهزية أفضل من انتظار وقوع الوباء ثم تبدأ أجهزة الدولة فى الحركة. فالوباء يعنى انتشارًا سريعًا للمرض وبالتالى فهو يتطلب حركة سريعة فى المواجهة.
على الدول فى إدارتها لأى وباء بما فى ذلك الإجراءات الوقائية والعلاجات والأمصال أن تعتمد فى قراراتها على أفضل وأحدث معرفة وأدلة علمية. يجب على الدولة أن تستمع للعلماء قبل اتخاذ قراراتها، فالعالِم هو من يمكنه تقدير حجم المخاطر التى على أساسها يمكن للدولة اتخاذ قراراتها. كذلك يجب إجراء حوار بين الساسة والعلماء ورجال القانون والأخلاقيات، فلكلِّ منظور قد يكون من المفيد أن يعرضه قبل اتخاذ القرارات. يجب إيصال هذه القرارات بسرعة للمواطنين لضمان سرعة الأخذ بها ولإغلاق الباب أمام الإشاعات التى تجد سبيلها فى مثل هذه الظروف وتحدث بلبلة وذعرًا بين صفوف المواطنين.
يجب إمداد مجتمع الإعلام بثقافة علمية كافية بصفة عامة وخاصة بالوباء وذلك منعًا لكتابة ونشر معلومات خاطئة نتيجة فهم خاطيء، وحتى لا يمدهم أحد بأية معلومات خطأ. فخلفيتهم العلمية الكافية والخاصة بالوباء تقف حائط صد ضد أية معلومات خاطئة أو مضللة.
يجب إمداد العامة بمعلومات صحية عن الوباء وكيفية التعامل معه صحيًا وأخلاقيًا، وذلك من خلال ورش عمل تجريها المجتمعات المحلية مثل قصور الثقافة المنتشرة فى كل محافظات الدولة توضح كل المسائل المتعلقة بالوباء وطرق التعامل معه. كما يجب التركيز على أهمية تطبيق مباديء التضامن وعدم الإضرار والشفافية وتشاطر المنافع. فالوباء مثله مثل أى أزمة لا يحلها بشكل جيد سوى التضامن والتكاتف والوقوف صفًا واحدًا. ولنا فى حروب 56، 67، 73 أمثلة للكثير من صور التكاتف والتضامن التى أظهرها شعب مصر العظيم.
لذا فعندما يكون الوباء عالميًا، فإن مباديء التضامن والتكاتف يجب أن يظهر حتى فى علاقات البلاد بعضها مع بعض. هنا يجب على الدول الغنية أن تساعد الدول الفقيرة بالأجهزة والأمصال لتقليل عدد الوفيات وحدة المعاناة. ويجب على العلماء أن تتبادل أية معلومات خاصة بأى علاج أو مصل يتم اكتشافه. وهنا يظهر دور المنظمات الدولية مثل اليونسكو. إذ يجب أن تعمل على نشر قيمة أن منتجات العلم الخاصة بالوباء مثل الأمصال ليست للتربح ولكنها للصالح العام. لم تنجح الأصوات الإنسانية أثناء وباء كورونا فى حل هذه الجزئية للأسف عندما طالبت الهند وجنوب أفريقيا- وأيدتهم مصر- بتعليق وقتى لحقوق الملكية الفكرية فى اختراع الأمصال تخفيضًا لثمنه وتسريعًا لتوزيعه، ورفضت الدول الكبرى هذا الاقتراح.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د بهاء درويش مصر لأخلاقيات البيولوجيا مجال أخلاقيات
إقرأ أيضاً:
المجتمع الدولي أمام مساءلة المستقبل القادم
قبل عقود كانت التقارير والتحقيقات الصحفـية التي تفضح الاحتلال، أي احتلال كان، لها تأثيرها العميق حيث كانت تحرج الاحتلال أمام نفسه وأمام المجتمع الدولي وتجعله مضطرا لمراجعة خططه القتالية وضبط سلوك جنوده على أقل تقدير.. حدث ذلك بشكل واضح عندما فضحت صحف أمريكية الجيش الأمريكي الذي ارتكب مذبحة ماي لاي فـي فـيتنام، وحدث عندما كشف صحف أمريكية فضيحة سجن أبوغريب فـي العراق.. إلخ. ورغم أن الكثير من القنوات والصحف العالمية تفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي فـي قطاع غزة بشكل يومي، وفـي الكثير من الأحيان، على الهواء مباشرة إلا أن الاحتلال لا يزداد إلا إجراما وعنفا، ومع مرور الوقت تتضاعف وحشيته ويتفنن فـي مجازره اليومية فـي قطاع غزة.
لا يمكن للبشرية إن بقيت محتفظة بشيء من إنسانيتها أن تتصور بعد سنوات من هذه الحرب كيف سمحت لجيش الاحتلال الإسرائيلي أن يرتكب كل هذه المجازر؛ أن يبيد المدنيين، ويحرقهم فـي خيامهم التي أجبرهم على النزوح إليها أو أن يحكم بالموت جوعا على سكان شمال القطاع، وأن يحرقهم فـي مستشفـياتهم على مرأى من العالم الذي يتفرج على المشاهد أمام شاشات التلفزيون. لا يمكن للأجيال القادمة أن تتصور كيف صمت العالم حتى الآن على جرائم الاحتلال ضد الأطفال الخدج فـي مستشفـيات القطاع، كيف قطع عنهم الأجهزة التي كانوا يعيشون عليها وأجبر طواقم المستشفـيات على المغادرة، وكيف حكم على آلاف الأسر التي كانت تقيم فـي ساحات المستشفـيات الخارجية بالموت ثم قام بدفنهم، بعضهم حيا، باستخدام جرافات سحلتهم ثم ساوتهم بالتراب. هذه المشاهد لا يمكن تصورها اليوم فكيف للأجيال القادمة أن تتصورها، وكيف لها أن تنساها؟!!
تتحدث كل منظمات «المجتمع الدولي» الآن عن حجم الجرائم فـي شمال القطاع وكيف تنتشر رائحة الموت بعد أن تحول الدفن إلى مقابر جماعية، وكيف أصبحت جثامين الشهداء تطوى فـي أكياس بلاستيكية بعد أن انتهت الأكفان!
أكملت إسرائيل المحتلة الآن أكثر من شهرين منذ أن بدأت حملتها الجديدة على شمال القطاع وبشكل خاص على بيت لاهيا، وتسببت فـي استشهاد المئات أغلبهم من الأطفال والنساء. وما زالت التقارير الصحفـية تتحدث عن أكثر من مائة ألف شخص ما زالوا فـي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، وهذا العدد يعادل نصف العدد الذي كان موجودا قبل بدء الحرب فـي أكتوبر من العام الماضي.. نزح الكثيرون إلى الجنوب فـيما استشهد الآلاف وماتوا جوعا وحرقوا فـي المستشفـيات وآلاف منهم ما زالوا تحت الركام.
وصفت الأمم المتحدة الوضع فـي شمال قطاع غزة بأنه «كارثي» ولكنّ الجميع يعرف أنه كارثي ولكنها لم تستطع أن تقدم أي شيء للتخفـيف من هذه الكارثية ولو حتى غذاء يحمي الناس من الموت جوعا أو دواء يخفف حجم الألم الجسدي الذي يعيشه المرضى إذا ما تجاوزنا الحديث عن الألم النفسي الذي لا أحد يتحدث عنه خلال الحروب.
والغريب فـي الأمر أن العالم فـي كل خطاباته ما زال يتحدث عن السلام وعن فرصه المنتظرة.. ولا يمكن أن يُفهم هذا السلام فـي لحظة تنتهك فـيها حقوق الإنسان الأساسية ويجوع ويشرد ويطارد ويحرق أطفاله أمامه ولا يجد حتى قطعة قماش يكفنهم بها قبل أن يهيل عليهم بعض تراب الوطن ولو كان محتلا.
على العالم أن يراجع نفسه الآن؛ فخزي التاريخ أبدي لا ينسى بالتقادم.. وعار البشرية التي تتآمر على غزة وأطفالها لا ينتهي أبدا.
فـي ظل هذه الأحداث المأساوية، يبقى السؤال الأهم حول كيفـية تحقيق السلام والاستقرار فـي المنطقة، وضمان حقوق الإنسان والحياة الكريمة لجميع سكان غزة الذين يعانون من واقع يومي من الألم والخوف.