لا ينبغي للحروب الدائرة أن تصرف انتباه العالم عن أولوياتنا الجماعية: الحد من الانبعاثات التي نطلقها من غاز ثاني أكسيد الكربون، والسعي إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومكافحة الفقر والتفاوت بين الناس.
هذا هو المبدأ الذي تعمل فرنسا على تنفيذه على المستوى الدولي، من خلال «ميثاق باريس من أجل الناس والكوكب» وقمة «الكوكب الواحد».
اليوم، تطلق القدرة المركبة التي تبلغ 2000 جيجاوات ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون لدفعنا إلى تجاوز هدف الدرجة المئوية ونصف الدرجة. وفي حين توصي وكالة الطاقة الدولية بسحب 92 جيجاوات سنويا، فمن المخطط بالفعل زيادة 500 جيجاوات من القدرة الإضافية. في حين تقع على عاتق مجموعة السبع مسؤولية التحول بعيدا عن الفحم بحلول عام 2030 (تعتزم فرنسا تحقيق هذا الهدف في عام 2027)، فإن الاقتصادات الناشئة أصبحت الآن أكثر الدول استهلاكا للفحم. في هذه البلدان، يتعين علينا أن نعمل على التعجيل بتمويل مصادر الطاقة المتجددة، فضلا عن الطاقة النووية، التي يجب أن تلعب دورا رئيسيا باعتبارها مصدرا للطاقة يمكن التحكم فيه وخاليا من الكربون.
يتعين علينا أيضا أن نضع التمويل الخاص والتجارة في خدمة اتفاق باريس. ويجب أن تكون تكلفة الاستثمار التي يتحملها المشاركون في قطاع الوقود الأحفوري أعلى. نحن في احتياج إلى سعر فائدة أخضر وسعر فائدة بني.
على نحو مماثل، نحتاج إلى بند خاص بالمناخ في اتفاقياتنا التجارية، لأننا لا نستطيع أن نطالب بجعل صناعاتنا أكثر اخضرارا في حين ندعم في الوقت ذاته تحرير التجارة الدولية في منتجات مُـلَوِّثة.
وفي البلدان الأكثر ضعفا وعُـرضة للمخاطر، يتعين علينا أن نعمل على تهيئة الظروف الكفيلة بتمكينها من تمويل جهود التخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ والتكيف معه، والوصول إلى التكنولوجيات الخضراء التي تشكل المحركات الجديدة للنمو. وهذا يعني ضمنا الذهاب إلى ما هو أبعد من «مساعدات التنمية الرسمية» التقليدية وتمكين البلدان المستضعفة من اتخاذ التدابير التي اتخذتها الدول الغنية لنفسها أثناء جائحة كوفيد-19: ملاحقة سياسة مالية ونقدية غير تقليدية. والنتائج حاضرة بالفعل: ففي غضون عامين، وفي أعقاب المبادرة التي اتخذناها في باريس في ربيع عام 2021، أصدرنا أكثر من 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (حقوق السحب الخاصة هي الأصول الاحتياطية التي يصدرها صندوق النقد الدولي) لصالح البلدان المعرضة للخطر. وبتفعيل هذا «الأصل الخامل»، نقدم قروضا مدتها 20 عاما بأسعار فائدة تقترب من الصِـفر لتمويل العمل المناخي والتأهب لمواجهة الجوائح الـمَـرَضية في البلدان الأكثر فقرا. وقد بدأنا في تغيير قواعد الديون لتعليق المدفوعات المستحقة على مثل هذه البلدان، في حال حدوث صدمة مناخية. كما عملنا على تغيير صلاحيات بنوك التنمية المتعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، حتى يتسنى لها خوض مزيد من المجازفات وحشد مبالغ أكبر من الأموال الخاصة. سوف نواصل العمل على هذا الأمر، بما في ذلك في إطار صندوق الخسائر والأضرار الجديد، حيث يتعين علينا حشد آليات تأمين خاصة جديدة في مواجهة مخاطر المناخ. وسنبدأ بالاحتياجات المحددة للبلدان الأكثر تضررا.
في النصف الأول من عام 2024، ستوقع فرنسا وبنجلاديش اتفاقية لتمويل جهود التكيف مع تغير المناخ والتعويض عن الخسائر والأضرار، حيث تسهم وكالة التنمية الفرنسية بمبلغ مليار يورو (1.1 مليار دولار أمريكي) في هيئة استثمارات، ويقدم صندوق النقد الدولي ما يصل إلى مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في قروض جديدة. هذا يعني أيضا تحديد آليات الإدارة والحوكمة، على المستوى العالمي، في التعامل مع التحديات الأكثر محورية التي سيتعين علينا مواجهتها في السنوات المقبلة، وسوف تكون القدرة على الوصول إلى المياه بين أكثر هذه التحديات إلحاحا. في هذا الصدد، ستعقد فرنسا وكازاخستان قمة المياه الواحدة أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024. علاوة على ذلك، يتعين علينا أن نركز على بناء أساس «الاقتصاد الحيوي» الذي سيغطي تكاليف الخدمات التي تقدمها الطبيعة. الواقع أن الطبيعة هي أفضل تكنولوجيا لدينا لعزل واحتجاز الكربون على نطاق واسع. ويتعين على البلدان التي تحظى بأكثر احتياطيات الكربون والتنوع البيولوجي أهمية، وخاصة في أحواض الغابات الاستوائية الثلاث الرئيسية، أن تحصل على قدر أكبر كثيرا من الموارد، والتي يجري تحديدها على أساس كل دولة على حدة، في مقابل إدارتها لهذه الاحتياطيات الحيوية. وقد أبرمت فرنسا بالفعل ثلاثة عقود من هذا النوع في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ «مؤتمر الأطراف28» (COP28) مع بابوا غينيا الجديدة، وجمهورية الكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. لكن إصلاح سوق الكربون الطوعية يشكل ضرورة أساسية. يجب أن نعمل على إنشاء تبادل دولي للكربون والتنوع البيولوجي على النحو الذي يسمح للقوى الفاعلة الحكومية والخاصة بتنظيم مقايضات طوعية لأرصدة الكربون، استنادا إلى معايير طموحة بالقدر الكافي لتجنب الغسل الأخضر، ومكافأة المجتمعات المحلية. يُـعَـد المحيط أكبر مصرف للكربون على الإطلاق، وحمايته واجب علينا. في يونيو 2025، ستعقد فرنسا وكوستاريكا في مدينة نيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، بهدف تحديث القانون الدولي، بما في ذلك ما يخص حظر التلوث البلاستيكي وحماية أعماق البحار وقيعان البحار. من شأن هذه الإصلاحات أيضا أن تعمل على تمكين البلدان التي أنشأت مناطق اقتصادية خالصة من وضع استراتيجيات وطنية لحماية السواحل.
وأخيرا، لن ننجح إذا لم نتمكن من إصلاح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين يضطلعان بدور بارز في إرساء القواعد وتمويل التحول الأخضر على نطاق عالمي. لا تزال هاتان المؤسستان، بعد مرور ثمانين عاما على إنشائهما، تعانيان من نقص التمويل، نسبة إلى حجم الاقتصاد العالمي وعدد سكان العالم، ولا تزال البلدان الناشئة والنامية محرومة من المشاركة في إدارتهما. لكننا لن نتمكن من الاتفاق على الأهداف والتمويل قبل أن تصبح كل الدول المتفاوضة على قدم المساواة.
ولتحقيق هذه الغاية، يتعين علينا مراجعة نظام بريتون وودز، ومطالبة البلدان الناشئة بتحمل نصيبها من المساءلة في تمويل المنافع العامة العالمية.
إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بحلول عام یجب أن فی حین
إقرأ أيضاً:
الفحم الحيوي.. التوجه الجديد لتحسين خواص التربة الزراعية واحتجاز الكربون
المناطق_واس
أصبح الفحم الحيوي، أحد حلول التخلص من المخلفات الزراعية وتحويلها لمُحسنات للتربة، وتحسين إنتاجية المحاصيل والحفاظ على البيئة، كونه غني بالكربون ويمكنه الصمود في التربة لآلاف السنين؛ مما يجعله وسيلة فعّالة لاحتجاز الكربون لعدة قرون، وبالتالي التخفيف من الاحتباس الحراري وتغير المناخ.. غير أن الإفراط في استخدامه يمكن أن يرفع درجة حموضة التربة، مما يؤثر على توافر العناصر الغذائية، وربما يقلل من خصوبة التربة وقلة المحاصيل.
استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ الدكتور سمير طنطاوي، يعرف الفحم الحيوى بأنه المادة الناتجة عن حرق المخلفات العضوية النباتية في وسط يفتقر إلى الهواء وتحت ضغط منخفض من الأكسجين، فهو فحم ناعم خالٍ تمامًا من القطران، ويتم إضافته للتربة الزراعية لتحسين خواصها، ويصنع حاليًا بالطرق الحديثة في العديد من دول العالم، ويعد من أفضل أنواع السماد الأخضر، بالإضافة إلى توفيره الحل المثالي لمشكلة القمامة التي تهدد البيئة بمخاطرها المتعددة.
وأوضح أن أحد أكبر فوائد الفحم دوره في عزل الكربون، حيث يعمل كـ”مصيدة” للكربون مما يمنع إعادة إطلاقه في الجو كغاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا يجعله أداة فعالة في جهود مكافحة تغير المناخ، حيث يمكن أن يسهم في تقليل انبعاثات الكربون على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن العديد من الدراسات تقول أنه إذا تم تحويل الكمية الإجمالية لمخلفات المحاصيل الناتجة عن الزراعة على مستوى العالم إلى فحم حيوي، فإنها ستعزل نحو مليار طن متري من الكربون المخزن سنويًا، وسيظل ثلاثة أرباع هذا الكربون معزولًا بعد 100 عام، وهو ما يمثل ما يكفي لتعويض حوالي 80% من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة من الزراعة.
ويقول الدكتور سمير محمود القرعيش النائب السابق للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية لتحول الطاقة والاستدامة: “يمكن أن يصبح الفحم الحيوي خيارًا مهمًا في التخفيف من تغير المناخ من خلال عزل الكربون”، لافتًا النظر إلى أن جميع أنواع الفحم الحيوي لا تعمل بنفس الطريقة، ويعتمد ذلك على مصدر الكتلة الحيوية ودرجة حرارة التحلل الحراري وحجم المنتج.
وأضاف: “الفحم الحيوي منتج يشبه الفحم ولا يحتوي على البترول، ويتم تصنيعه عن طريق تسخين الكتلة الحيوية، مثل بقايا المحاصيل العشبية أو الخشبية، وهو عبارة عن سماد حيواني يتم تقطيعه إلى قطع صغيرة في نظام مغلق، وهناك العديد من الاستخدامات المحتملة للفحم الحيوي، بما في ذلك معالجة المياه واستصلاح الأراضي وحجز الكربون، كما يمكن استخدام الفحم الحيوي كمحسن للتربة لغرضين، هما “تحسين صحة النبات وتخزين الكربون”.