لجريدة عمان:
2025-03-06@19:51:56 GMT

دعائم الحكمة الخضراء

تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT

لا ينبغي للحروب الدائرة أن تصرف انتباه العالم عن أولوياتنا الجماعية: الحد من الانبعاثات التي نطلقها من غاز ثاني أكسيد الكربون، والسعي إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومكافحة الفقر والتفاوت بين الناس.

هذا هو المبدأ الذي تعمل فرنسا على تنفيذه على المستوى الدولي، من خلال «ميثاق باريس من أجل الناس والكوكب» وقمة «الكوكب الواحد».

يجب أن يكون حجر الزاوية في استراتيجيتنا هو دفع عجلة التحول البيئي وكذا مكافحة الفقر. فقد بات من الواضح تماما الآن أن أي دولة لن تعمل على حماية كوكب الأرض إذا كان الثمن الذي يتعين عليها أن تدفعه يقود مواطنيها إلى طريق اجتماعي اقتصادي مسدود. يتعين على الاقتصادات الأكثر تقدما في العالم، والتي كانت أيضا المصدر الرئيسي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ الثورة الصناعية، أن تتحرك بعيدا عن الوقود الأحفوري. وإذا كنا راغبين في تلبية أهداف اتفاق باريس للمناخ، فإن هذا أمر غير قابل للتفاوض. وقد حدد الـعِـلم المسار الواجب: يتعين علينا أن نتحول بعيدا عن الفحم بحلول عام 2030، وعن النفط بحلول عام 2045، وعن الغاز بحلول عام 2050. في حين تتحمل بلدان مجموعة السبع القدر الأعظم من المسؤولية، فإن الصين، التي أصبحت الآن ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في التاريخ، يجب أن تلتزم بشكل كامل هي أيضا. لا بد أن نبدأ أولا بمعالجة التهديد الذي يشكله الفحم.

اليوم، تطلق القدرة المركبة التي تبلغ 2000 جيجاوات ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون لدفعنا إلى تجاوز هدف الدرجة المئوية ونصف الدرجة. وفي حين توصي وكالة الطاقة الدولية بسحب 92 جيجاوات سنويا، فمن المخطط بالفعل زيادة 500 جيجاوات من القدرة الإضافية. في حين تقع على عاتق مجموعة السبع مسؤولية التحول بعيدا عن الفحم بحلول عام 2030 (تعتزم فرنسا تحقيق هذا الهدف في عام 2027)، فإن الاقتصادات الناشئة أصبحت الآن أكثر الدول استهلاكا للفحم. في هذه البلدان، يتعين علينا أن نعمل على التعجيل بتمويل مصادر الطاقة المتجددة، فضلا عن الطاقة النووية، التي يجب أن تلعب دورا رئيسيا باعتبارها مصدرا للطاقة يمكن التحكم فيه وخاليا من الكربون.

يتعين علينا أيضا أن نضع التمويل الخاص والتجارة في خدمة اتفاق باريس. ويجب أن تكون تكلفة الاستثمار التي يتحملها المشاركون في قطاع الوقود الأحفوري أعلى. نحن في احتياج إلى سعر فائدة أخضر وسعر فائدة بني.

على نحو مماثل، نحتاج إلى بند خاص بالمناخ في اتفاقياتنا التجارية، لأننا لا نستطيع أن نطالب بجعل صناعاتنا أكثر اخضرارا في حين ندعم في الوقت ذاته تحرير التجارة الدولية في منتجات مُـلَوِّثة.

وفي البلدان الأكثر ضعفا وعُـرضة للمخاطر، يتعين علينا أن نعمل على تهيئة الظروف الكفيلة بتمكينها من تمويل جهود التخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ والتكيف معه، والوصول إلى التكنولوجيات الخضراء التي تشكل المحركات الجديدة للنمو. وهذا يعني ضمنا الذهاب إلى ما هو أبعد من «مساعدات التنمية الرسمية» التقليدية وتمكين البلدان المستضعفة من اتخاذ التدابير التي اتخذتها الدول الغنية لنفسها أثناء جائحة كوفيد-19: ملاحقة سياسة مالية ونقدية غير تقليدية. والنتائج حاضرة بالفعل: ففي غضون عامين، وفي أعقاب المبادرة التي اتخذناها في باريس في ربيع عام 2021، أصدرنا أكثر من 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (حقوق السحب الخاصة هي الأصول الاحتياطية التي يصدرها صندوق النقد الدولي) لصالح البلدان المعرضة للخطر. وبتفعيل هذا «الأصل الخامل»، نقدم قروضا مدتها 20 عاما بأسعار فائدة تقترب من الصِـفر لتمويل العمل المناخي والتأهب لمواجهة الجوائح الـمَـرَضية في البلدان الأكثر فقرا. وقد بدأنا في تغيير قواعد الديون لتعليق المدفوعات المستحقة على مثل هذه البلدان، في حال حدوث صدمة مناخية. كما عملنا على تغيير صلاحيات بنوك التنمية المتعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، حتى يتسنى لها خوض مزيد من المجازفات وحشد مبالغ أكبر من الأموال الخاصة. سوف نواصل العمل على هذا الأمر، بما في ذلك في إطار صندوق الخسائر والأضرار الجديد، حيث يتعين علينا حشد آليات تأمين خاصة جديدة في مواجهة مخاطر المناخ. وسنبدأ بالاحتياجات المحددة للبلدان الأكثر تضررا.

في النصف الأول من عام 2024، ستوقع فرنسا وبنجلاديش اتفاقية لتمويل جهود التكيف مع تغير المناخ والتعويض عن الخسائر والأضرار، حيث تسهم وكالة التنمية الفرنسية بمبلغ مليار يورو (1.1 مليار دولار أمريكي) في هيئة استثمارات، ويقدم صندوق النقد الدولي ما يصل إلى مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في قروض جديدة. هذا يعني أيضا تحديد آليات الإدارة والحوكمة، على المستوى العالمي، في التعامل مع التحديات الأكثر محورية التي سيتعين علينا مواجهتها في السنوات المقبلة، وسوف تكون القدرة على الوصول إلى المياه بين أكثر هذه التحديات إلحاحا. في هذا الصدد، ستعقد فرنسا وكازاخستان قمة المياه الواحدة أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024. علاوة على ذلك، يتعين علينا أن نركز على بناء أساس «الاقتصاد الحيوي» الذي سيغطي تكاليف الخدمات التي تقدمها الطبيعة. الواقع أن الطبيعة هي أفضل تكنولوجيا لدينا لعزل واحتجاز الكربون على نطاق واسع. ويتعين على البلدان التي تحظى بأكثر احتياطيات الكربون والتنوع البيولوجي أهمية، وخاصة في أحواض الغابات الاستوائية الثلاث الرئيسية، أن تحصل على قدر أكبر كثيرا من الموارد، والتي يجري تحديدها على أساس كل دولة على حدة، في مقابل إدارتها لهذه الاحتياطيات الحيوية. وقد أبرمت فرنسا بالفعل ثلاثة عقود من هذا النوع في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ «مؤتمر الأطراف28» (COP28) مع بابوا غينيا الجديدة، وجمهورية الكونغو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية. لكن إصلاح سوق الكربون الطوعية يشكل ضرورة أساسية. يجب أن نعمل على إنشاء تبادل دولي للكربون والتنوع البيولوجي على النحو الذي يسمح للقوى الفاعلة الحكومية والخاصة بتنظيم مقايضات طوعية لأرصدة الكربون، استنادا إلى معايير طموحة بالقدر الكافي لتجنب الغسل الأخضر، ومكافأة المجتمعات المحلية. يُـعَـد المحيط أكبر مصرف للكربون على الإطلاق، وحمايته واجب علينا. في يونيو 2025، ستعقد فرنسا وكوستاريكا في مدينة نيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، بهدف تحديث القانون الدولي، بما في ذلك ما يخص حظر التلوث البلاستيكي وحماية أعماق البحار وقيعان البحار. من شأن هذه الإصلاحات أيضا أن تعمل على تمكين البلدان التي أنشأت مناطق اقتصادية خالصة من وضع استراتيجيات وطنية لحماية السواحل.

وأخيرا، لن ننجح إذا لم نتمكن من إصلاح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين يضطلعان بدور بارز في إرساء القواعد وتمويل التحول الأخضر على نطاق عالمي. لا تزال هاتان المؤسستان، بعد مرور ثمانين عاما على إنشائهما، تعانيان من نقص التمويل، نسبة إلى حجم الاقتصاد العالمي وعدد سكان العالم، ولا تزال البلدان الناشئة والنامية محرومة من المشاركة في إدارتهما. لكننا لن نتمكن من الاتفاق على الأهداف والتمويل قبل أن تصبح كل الدول المتفاوضة على قدم المساواة.

ولتحقيق هذه الغاية، يتعين علينا مراجعة نظام بريتون وودز، ومطالبة البلدان الناشئة بتحمل نصيبها من المساءلة في تمويل المنافع العامة العالمية.

إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بحلول عام یجب أن فی حین

إقرأ أيضاً:

تخوف إسرائيلي: التناغم مع ترامب مؤقت وقد ينقلب علينا كما حصل مع أوكرانيا

صحيح أن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتفاخر بعلاقته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكن الأخير يتوقع نتائج سريعة في قطاع غزة، وهناك خشية تسود أوساط الاحتلال أن هذه العلاقة قد تتعرض في أي لحظة لهزّة عنيفة، ويتكرر سيناريو سلوك ترامب الإذلالي مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي. 

آنا بارسكي المراسلة السياسية لصحيفة "معاريف" العبرية، أكدت أن "نتنياهو دأب مؤخرا على منح قدر كبير من الوقت لوصف انسجامه العجيب مع ترامب، والحاجة للحفاظ على هذا الانسجام، وعدم السماح لأحد بأن يدفع هذه الحالة المثالية إلى مسار غريب، ويبدو أن هذا أحد الأهداف الرئيسية لرئيس فريق التفاوض الجديد الوزير رون ديرمر". 

وأضافت في مقال ترجمته "عربي21"، أن "داخل التعريف الغامض لـمصطلح "التنسيق مع واشنطن" يختبئ مزيج من عدة مواقف، وفي حواره الوثيق والمستمر مع ستيف ويتكوف مبعوث وشريك ترامب، ومع كبار المسؤولين الآخرين في الإدارة، يُفترض أن يلعب ديرمر كحارس مرمى، وقائد، ومدافع، وفي بعض الأحيان حتى لاعب خط وسط، ويحمي مصالح الاحتلال، ولا يسمح لأي مصلحة أجنبية بالتسلل لأرض الملعب، وصدّ الأفكار الخطيرة، والحفاظ على هذا الانسجام الذي يُخبر عنه نتنياهو الوزراء غالبًا في مختلف المنتديات". 


وأشارت أن "الموقف الأقل قوة في الفريق الإسرائيلي هو موقف الطليعة، بما يُقلق أي إسرائيلي يفضّل الواقع على الوهم، لأنه لمدة عام كامل، وفي مواجهة الإدارة الديمقراطية القابلة للتنبؤ والمنطقية والمتوازنة، كان لدى الاحتلال ترف عدم أخذ المبادرة، واليوم من المستحسن القيام بذلك للتعامل مع الإدارة الجديدة التي بدأت للتو بمبادرة واضحة ومنظمة، بما في ذلك جدول واقعي للتنفيذ". 

وأكدت أن "من يعتقد من الإسرائيليين أن عرض ترامب يشكل بوليصة تأمين بلا حد زمني قد يشعر بخيبة أمل شديدة لعدم وجود إمكانية لطلب وقت إضافي في الميدان، فهو ليس مستعدًا لرحلة طويلة، بالنسبة له، "الوقت هو المال"، والحرب في غزة ليست حدثا غير عادي، وما نجح مع بايدن لن ينجح معه، خاصة عندما يتعلق الأمر بفترة زمنية محدودة للمفاوضات حول شروط إنهاء الحرب". 

وأوضحت أن "التأكيد بداية على أن ترامب يقف مع الاحتلال بالفعل، لكن ليس بأي ثمن، وليس للأبد، وإذا اكتشف أن تل أبيب ليس لديها خطة واقعية وقابلة للتنفيذ، في حين أن الجانب الآخر لديه بالفعل ما يقدمه، فقد يجد نتنياهو نفسه ذات يوم في مكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مع أن الرجل الحكيم، كما نعلم، يتعلم من تجربة الآخرين، وعلى كل إسرائيلي عاقل يتابع الإثارة الجارية في ملف أوكرانيا وروسيا أن يقلق ويستخلص استنتاجات لنفسه من هزّات غير متوقعة في سلوك ترامب".
 


وأشارت أن "ترامب شعاره "الوقت هو المال"، حتى عندما يتعلق الأمر بالحلفاء مثل أوكرانيا، وما اعتبره بايدن استثمارا طويل الأجل للحفاظ على قيم الديمقراطية، فإنه بالنسبة لترامب إهدار للمال يستدعي الإدانة، ويجب وقفه منذ أمس، وزيلينسكي الذي تلقى مليارات الدولارات من أميركا وأوروبا لشنّ الحرب ضد روسيا، ولم يفز، هو خاسر ومبذّر". 

وختمت بالقول إنه "إذا لم يتمكن ترامب من هزيمة روسيا، ولن يتمكن من ذلك في ساحة المعركة، بل سيعمل فقط على إطالة أمد الوضع الحالي، فمن وجهة نظره، لا يوجد شك في أي جانب يجب دعمه لإنهاء الحرب، ودفعها للأمام، ترامب، مثل ترامب، يقدّر المال والوقت ومن يراهم أقوياء، باعتبارهم "فائزين"، ومن يتصور، ولو للحظة أن ما حدث في أوكرانيا لن يحدث في إسرائيل لأنها مختلفة، فهو يسير في الطريق الخطأ". 

مقالات مشابهة

  • الرقابة المالية: الاستدامة وسوق الكربون محاور للتعاون مع البنك الدولي
  • وزير السياحة والآثار المصري: مشروع رأس الحكمة إضافة كبيرة ونوعية
  • كيف تتم عمليات التقاط الكربون وإزالته؟
  • قيادي بمستقبل وطن: مصر صوت الحكمة ودرع العروبة في القمة العربية الطارئة
  • مستقبل وطن: مصر صوت الحكمة ودرع العروبة في القمة العربية الطارئة
  • مسئولو "الإسكان" يتفقدون أعمال المرافق بـ"شمس الحكمة" والمشروعات التنموية بالساحل الشمالي
  • ارتفاع قياسي في معدل السمنة عالميا وذوو الوزن الزائد سيشكلون 60% من السكان في 2050
  • رئيسة المفوضية الأوروبية تقترح تخفيف أهداف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للسيارات الجديدة
  • تخوف إسرائيلي: التناغم مع ترامب مؤقت وقد ينقلب علينا كما حصل مع أوكرانيا
  • الميثانول الإلكتروني.. كيف يتم إنتاجه وهل يساعد في خفض الكربون؟